بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 ديسمبر 2019

هُم

ما أجزم أن خبرتي في الحياة كبيرة وهائلة للدرجة التي تجعلني أصنّف نفسي كمرجعية من مرجعيات الحكمة؛ ولا أجزم أنني شخص متبصر لدرجة خارقة، أو صاحب هبات نادرة تجعلني أعرف ما في قلب إنسان دون موافقة منه؛ وأيضا لا أجزم أن تخصصي الدراسي الذي أمشي فيه بشكل كسيح وعويق قد مكنني من إطلاق أحكام دقيقة، شاملة، مغلقة الأطراف، واضحة المعالم، منطقية الأجزاء والكليّة، لكنني أقدر أقول أن تجربتي الشخصية في هذه الحياة جعلتني ألتقي بنماذج من البشر بعضها تشابه إلى الدرجة التي جعلتني أطلق خلاصة عليهم قبل أن نلجأ إلى حكم منهجي، أو نحتكم إلى تصنيفات علم النفس، أو طبقات النفس البشرية لدى الدين أو الفلسفة.
بي عيب كبير في شخصيتي، عيب انتبهت له بعد الدروس الكبيرة وهو أنني أنجذب بشكل مغناطيسي إلى هذه الفئة من الناس، الوقحة، قليلة الأدب مع الجميع، المكتفية بذاتها، هؤلاء الذين يعيشون في كوكبهم النرجسي للدرجة التي تبدو فيها نرجسيتي المتضخمة شيئا لا يهددهم. عيوب الشخصية ليست نهائية، هذا ما يعلمك إياه علم النفس، على الأقل هناك حلول ما لكل شيء ولأي شيء.
عندما تكون صديقا لشخص من هذا النوع، صندوق نرجسي مغلق، مكتفي بذاته، والغم راضي عن نفسه لدرجة إنه يوزع أحكام الاعتراف على الآخرين ويذهب لهم لحياتهم ولمساحتهم. مريت بهذا الموقف مع بنت، يشهد الله أنني أدعو عليها في قلبي بين فترة وأخرى، تعرف حرقة لما تشوف حد متأكد إنه توأم روحك وآخر شيء يطلع أصلا شخص يكرهك، وشخص نرجسي، وجاي في الأساس عشان يثبت ظنونه تجاهك وفي نهاية المطاف يطلع هو اللي عنده مليون عله، ويطلع عنده مشاكل نفس مشاكلك وبعضها أسوأ ولكنه أعمى عنه وكل همه أن يعيرك بمشاكلك أنت.
الجلد، هذا العيب الكبير في شخصيتي، انجذابي لهؤلاء الذين يحملون السوط في يدهم. لسنوات وأنا أعيش في شقاءات الألم، متحملا مثل هؤلاء في حياتي، أقول هؤلاء ناس بهم صراحة وهذا هو الصدق، والمجاملات لا تؤدي إلى نتيجة.
تحدث ظروف نادرة، يختفي هؤلاء من حياتي، ثم أكتشف أنني كنت في علاقة عالية السمية، وأنني كنت أتحمل جلدا غير منطقي، وأن هذا الشخص ضائع وحائر ولا يعرف ما يقول، وأنه بغيض وهو نفسه نرجسي ويجب أن تبتعد عنه وأن وجودك مع هؤلاء الناس هو فقط عذر لتشعر بمشاعر أفضل تجاه نفسك.
عشت طيب أتوقع لحد ما صار لي موقف يوما في حياتي منها صرت أؤمن أن الشخص الطيب أحمق وغبي ومسكين. تحملت هذيلا الجزم الفكرية، والنعلان الوجدانية، وأصحاب الأمراض لأنه المجتمع يقول لي أنني مريض، والدي نفسي ليس لديه عذر تجاه مشاكلي سوى مرضي النفسي، وحتى أصدقائي بعضهم مع الوقت التقط هذه الهواية الرديئة والنتيجة انقلبت صداقتنا إلى مستنقع سمي جعلني أبتعد، الجلد، السلاح المفضل لكل شخص هش وجبان، الصامت، البعيد عن الحياة يصبح شجاعا أمام شخص ضميره حي، لا يتورع أن يتقيأ أقبح العجب لأنه يظن أنه أمسك بعصب مفتوح، ينكؤه وينتظر الصراخ الاعتيادي.
ليس من الصعب تقبل حقيقة أن بعض الناس يكرهون بعضهم، الغريب أن تلجأ إلى الاقتراب ممن تكرهه، إلى كسب مساحةٍ معه، إلى صناعة بقعة لسكين وجدانية ملوثة وقبيحة مبنية على الغدر.
البشر يعرفون بعضهم لأنهم إما يحبون بعضهم أو لا يحبون بعضهم، الناس تتآلف وتقترب لأنها في عالم البشر، والإنسان، والمجتمع، وباختصار اثنين يشربوا شاي، لما تكون متشنج مع شخص أنت دخلت حياته عرض أنت لا تقول أي شيء عنه، أنت تقول الكثير عن نفسك، أنت مصاب بالتشابه معه ومذعور من هذا التشابه الذي يجعلك تحبه وتكرهه في وقت واحد. ثلاث أو أربع حالات ومن ثم أصبحت مستعدا لهؤلاء الأشخاص في حياتي.
يصابون بالذعر عندما تستخدم أسلوبهم في وجوههم، وعندما يظهر لهم حقيقة ما أصبحته من كائن متخشب تجاههم، لم تعد تطيق وجودهم، وصرت تتحمل فقط جانبك الاجتماعي من صفقة الحياة، يصابون بالمزيد من الذعر ويدخلون في لوعة الخسارة النهائية، والتي أصبحت مرة واحدة من جانبي، لم أعد أعود إلى الأصدقاء الذين أخسرهم، وداعا تعني وداعا، ولست مستعدا للتردد حول ذلك، ليس في هذا العمر.
مرة يطلع لي واحد ذكي مثقف جايب تسعين شهادة وملعون غيرة وحسد لأنه الناس تقرأ لي ولا تقرأ له، مرة يطلع لي واحد جاهل نكرة غير متحقق مكتفي بتقييمه لنفسه ويطلب مني أن أقبل تقييمه لي، وأن أقبل تقييمه لنفسه في وقت واحد! مرة تطلع لي بنت معتوهة، مستعدة تفعل أي شيء عشان تؤذيني، تطلع تحبني، وتريد تحبني عشان تعيش تعذبني وتكرهني وتكره كل الرجال بتعذيبي جسديا، وعاطفيا، والغبي معاوية يقول: حاول تفهم ما نهاية هؤلاء القبيحين؟
نهاية القبيح شيء واحد، إنه لا يعادي من ظلمه، يعادي أي شخص يحرره، يعادي أي شخص يجلده بالحقيقة، وهذا هو السبب الوحيد الذي جعلني أتحمل هذا النوع من الناس، لأنهم "أحيانا" يطيشون ويهدون لك عيبا من عيوبك غاب عنك، مع الوقت "جودة" الأفكار التي يجود بها هؤلاء تقل، وتفقد قيمتها النقدية وتتحول إلى جلد مرضي لواحد مطمئن لأخلاقك، ويظن إنه مصيب للدرجة إنه لما ترد عليه يوما ما ويتلعثم يكتشف إنه خسرك، ومصخها، وإنه مريض وقبيح، وإنه كل ما كان يفعله معك مرض نفسي وقبح وقلة أدب، وعاد لما أجيب له ردة الفعل مال معاوية العاقل، وأكون هادئ هناك يسقط في يده، وأنا أختفي من حياته أقول له: الله يبليك بمن يجلدك وأنت في أضعف حالاتك.
كبرت، قرأت قليلا، تعلمت بعض الحيل، وفهمت دافع هؤلاء، لم أصب بالذعر من فقط البقاء حولهم، أصبت بالذعر من إتاحة الفرصة لهم حتى لأسمعهم، الجلد للجلد، بدون قيمة نقدية، الإلغاء بدون معركة وجودية، التسطيح بدون معركة فلسفية، الإنكار بدون معركة فكرية، هذا شغل مرضى، والذي يتحمل هؤلاء المرضى في حياته لا يستغرب عندما يصبح مثلهم بعد فترة من الزمن.
أنا عقرب، ولطالما كرهت نفسي لما لدغت ناس وناس مارسوا هذا السلوك معي. في الأخير، آثرت أن أبتعد عن هؤلاء وأعتزلهم نهائيا، وعندما فعلت ذلك، ظهرت النتيجة السحرية، البعض يعرف نقاط ضعفك ويستغلها ضدك، وهو ليس معك ضدها، وإنما معها ضدك.
أتمنى لكم أن تجدوا الشجاعة للابتعاد عن مثل هؤلاء هؤلاء الذين خسروا قدرتهم على الغبطة للأبد.

الخميس، 19 ديسمبر 2019

رقصة الوداع



وُلدْنا/  وفي زمنٍ غافلٍ
ولدت شوكةٌ في لساني.
كبرتُ لأعرفَ.

 من يفهم الصامتين
سوى الخائفين؟
ولم أدرك السرَّ، أو كنه أغنية في الظلامِ
ولا صوتَ نائحةٍ، أو مغنيّ، ولا جسداً
ليهاجرَ مني.
تردى زمانُ الحقيقة.
هذا زمان التمني.
كبرنا/ ولم يصلِ النايُ للمغرمين.
عزفنا/ ولم تطرب الكلمات سوى الصامتين.
تلونا/ كوابيسنا انتصرتْ، واصْطَفَتنا العقاربُ للسمِّ
لم يكفِنا موتُنا كي نموتَ.
هرمنا/ لنحيا، وعشنا لنهرمَ.
صلت علينا الأفاعي.
وحارسنا خائنٌ.
وصَبَرْنَا/ ولم يكفنا صبرنا كي نعيش كوابيسنا آمنين.
غفرنا/ وكيف لمغفرةٍ في السلاسل أن تصبح العفوَ؟
يحترق القَلبُ منصهرا، لا وترْ.
لا مفرْ؛ يَسرقُ الليلَ سارِقُه،
والمصائب كالناس تأتي وترحلُ،
والشمس تشرقُ بعد الحروب
وبعد وفاة النبيين
أو موتِ راهبةٍ في الفلاةِ.
النجاةُ المحبةُ.
والحبُّ
حبُّ الحياةْ.


معاوية الرواحي