بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

الخبيئة!

 

 

 

تنقضُ الدبابيرُ، ترتفع نبضات قلبي، أصرخُ من ألم الذكريات. أشتمُ، وأهدد، وأتوعَّدُ، وأكفهرُّ، وأرغي وأزبدُ، وتقطعني سكاكينُ الندم، والغضب، والريبة، والذعر.

تضربُ البروقُ خُضرةَ الطمأنينة، تشتعل الحريق، ويملأ الدخانُ الأفق القديم، بجانبِ النهر، عندما أمطرت السماءُ بلا كوارث. تحتبس أنفاسي، أختنقُ، فأنتبُه لما حولي.

الجمعة، 26 نوفمبر 2021

مشيئة القسوة

 

 

 

لماذا أصبحتَ جلَّادا؟ يُسأل ذلكَ بضميرِ المُخاطَبِ، أما القائلُ فينشغلُ بأعذاره، ولا يضع الضمَّة على التاء. لا يخلو الظلمُ من الفخرِ، ومن الاعتدادِ بأسبابه التي أدت إليه، فالقساةُ يعرفونَ أسبابَهم، ولا يهتمون للتعذِّرِ من مظلوميهم. حلقةٌ لا تتوقفُ من حمايةِ المجرم لجريمته، ومن خوفِه أن يقعَ فريسةً لجلَّادٍ أقوى. وما أدراكَ بعوالمِ القساة، حيثُ يتناسلونَ من نسيجٍ واحدٍ من الظلام، ويذهبون إلى نفقٍ واحدٍ سُجنَ فيه عابرو الطريق بسلام. هذه الحياةُ قاسية بما يكفي لتُسمَّى جحيماً.

الخميس، 25 نوفمبر 2021

قانون ما تبقى!

 

 

 

كالحياة، بكافِ التشبيهِ، وبلا مُشبَّه به.

قانون المحصلةِ النهائية، ما بقيَ لك من حُطام، ومن أيام.

ركامٌ متضاربٌ منَ المشاهد، والشواهد، والضحايا، والجلادين، ومعاطفِ الحبِّ، وبطاطين الكراهية.

إنها معمعتك المُلحقة بكافِ بدايةِ القصيدة. مهربُك الذي تهربُ منه، وبقايا ما انعجنَ في روحِك من خبزِ الأزمنة، وشهودِ الأزمات.

إن كان حزنك لا يكفي، فماذا يكفي؟

غرقتَ في [لماذا] الذاكرة، وعُدتَ مذعوراً. ما جدوى أن تخافَ إن كنتَ أنتَ أخطرَ من عرفتَ في سراب القصائد والمنابر؟

لم يعد مهما! كلُّ ذلك الطنينُ الكابوسيُّ بما عبَّأ به العُمر من هذيان. لم يعد فارقا، ذلك الاختلاف الجنوني، وأيامه الخوالي، وانتهازييه، ونرجسييه، وكامنيه، وخامليه، وقابليه، ورافضيه، وقادته، وجنوده، وأحياؤه، وموتاه.

لم يعد خافيا، قانون المحصِّلات النهائية، وأقفالُ المراحل، والسلاسل، والغرف الضيقة، والمكاتب الخشبية، والستائرُ، والسجادةُ الخضراء، والعابرون حاملو السكاكين والشموع. لم يعد كافيا، ما في الحزنِ من دموع، وما في الندم من حسرات.

لم يعد نائما، زمنُ العيون التعيسة، وغضب البائسين، وحُرقة الحالمين بالنهار. حتى الفجرُ لم يعد كافيا، حتى السماء، حتى التراب والماء والهواء.

لم يعد!

من قبرِه الذي حفره بيديه!

 

 

معاوية الرواحي

الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

مكائد اللهفة

 

 

يموتُ صانع الشموع

عندما يتبخَّر الشمعُ..

أما حينَ يذوبُ، فيقولُ الناسُ: هكذا عاشَ

ذائبا في الصنعة، مُشتعلاً بما صنع.

يموتُ وهم يحاولُ الحياةَ نَفْسَا فَنَفَس.

يموتُ، ناسياً، غائبا.

ولا حرائقَ ستؤلمُه ..

الحرائق تؤلم الأحياء.

أما ذلك الملهوفُ، ماردُ الفيزياء، وساردُ الكيمياءِ ضوءاً وعطراً، فيموتُ هائماً، يداعب الضباب خيالَه، ويطفئ الدوار حذرَه المنحوتِّ بدقَّة عبر السنوات.

انتهت المكيدةُ وألقت بأسئلتِه إلى كفوف الأحياء، بعد الحريق.

من يعبأُ بالفائت من الضوء واللون؟

لقد احترقَ كلُّ شيء، بلا ألمٍ، ولا صراخُ

حيث لا يحمد الدوار

إلا في هذه الميتة!

 

معاوية الرواحي

 

 

الاثنين، 22 نوفمبر 2021

مشيئة وجدال!

 

 

اغضب، واحترق كما تشاءُ لأشجارِ عُمرِك.

اذبل قدرَ احتمالِ الزهورِ لجفافِ النبع.

اهرب من نفسِك إلى هواك، أو من الثأر إلى المدى، أو من المدية للسيف، أو من السيف للسكين.

افعل ما استطعتَ لتهربَ من مشيئة الحياة، وجدالُ الوجود.

إن لم تَعِشْهُ، سيسرق عُمرك.

وإن لم يعشْك، ستسرق زهرةً، وتموتُ مع باقي الأنبياء، واللصوص، والحَمقى غاضباً على نصيبك من العبث، وربكة الماء والأشجار.

الحقيقةُ لبنةُ بناء.

 صخورها تسابق الفناء، وتحاصر الأزمنة.

الخديعة لعبة فناء.

 رمالها تحاصر الوجود، وتسابق الأوقات.

الصدقُ لحظةُ الحُزن عند وقوع البلاء.

والكذبُ لوحةٌ توضع على نهاية الأنفاق، تلك التي تدلُّ الموتى على بداية الطريق.

لسنا أكثر من ناجينَ من سهامِ القدر. لم نعشْ ما يكفينا من المأساة لنرحل، ولا ما يروينا من الملهاة لنستسلم. اغضبَ قليلا، أو كثيرا.

لا ميزان تلوَّن به المشاعر تناسب النور واللون، والظلام والسراب.

ستعيش، وستموتُ والصدقُ له صنيعه، وأشراره.

ستبكي، وستنسى، والأكاذيبُ لن تتوقفَ عن الهطول.

إنها مشيئة الحياة يا صديقي المتعب. كُلُّ ما بُنيَ على حقِّ يستمرُّ، وما بني على باطل يستمر، فالمشيئة ليست لعبةً في يد المنطقِ، أو قفَّازا في يد السياف، إنها حُفرة التضاد التي تخضع فيها الفلسفةُ لسنن الحياةِ المريرة، حيث لا ينفع الصدقُ، أو الكذب، لتعيشَ حرَّ، أو لتموتَ مرتين!

 

معاوية الرواحي

 

 

 

أوجاع منسيَّة

 

 

 

لم تفهم الوردةَ لتشعرَ بالحديقة.

أما لصوص الأعمارِ، فهمُ الأبصرُ بحدة الشوكةَ، ورقة البتلة.

جفَّت الأوراق الخضراء، وسُحقت الورود في الكُتب الثقيلة المجلدة في مكائد الزمنِ المتراكمِ باشتراطاتِ الإنسانِ الأعلى.

نسيتَ ميزة العُشب الرطب، وغمركَ الجفافُ حتى اختلط الظلامُ بالضباب.

هل كنت أعمى؟ أم اختلطَ ذبول القصائد بصيوفِ الخواء؟

أم هذه مشيئة الغيوم؟

تغرقُ العينَ، إن خاصمت التراب؟

كانَ ما كان لتكون.

 لم تكن شبحاً لتبصر مشيئة الظل.

أرَّختك المآسي، وضيَّعك الذهبُ من دروبه الوضيعة.

عشتَ ما عشتَ لتعيش!

للقدر طريقته العنيدةُ في حماية المجانين.

أما العُميان، فلا بصائرَ تنقذهم من حيلِ الكهنة، وأسرار الجدران وإن اكتسى الوضوحُ بؤبؤها الواسع.

وإن احتدَّ الصوتُ وخاصمَ الأوتار.

أحببتَ ما أحببت لتكره.

وكرهتَ ما كرهتَ لتحب.

ولم تفهم الورود!

عرفتَ ما بعدَ [لكنْ] من الشعر

وأحببت الحدائقَ، والنسيم، والأغنيات.

وفهمت ما يكفيك، لتعيشَ، ولتنسى، ولتتذكر أوجاعك المنسيَّةَ في القصائد والكلمات.

 

 

معاوية الرواحي

 

 

 

الخميس، 18 نوفمبر 2021

فوضى

 

 

تزمجرُ العواصفُ، وتلعبُ الغيومَ لعبة السماء، والنارِ، والتراب. أنتَ قطرةٌ من المعنى المُشعُّ حين تبزغُ جهنمُ السماء لتوزِّع دفئها على الكواكب.

لستَ جُرماً فالجرائم خيوطٌ تبرأت منها العناكب.

 أنتَ قطرة الماء، وحبَّة الرمل، وومضة الضوء.

 جزءٌ من هذه الجريمة التي لم ترتكبْها.

 موجودٌ آخر! مفقودٌ جديد، سجينٌ في متاهة الأفق والتراب، شريدٌ في سلسلة الغوايات، وأغلال الأسئلة.

المصائرُ المُعلَّقةُ – كأنفاقِ الماءِ بعد الفيضان – تنحتُ ألواحَها المحفوظةَ بالوعودِ والتاريخ. فاضت ضفاف النهر، وانقشعت العواصفُ، وانتصر جحيمُ السماء على البشر. للفوضى اليد العُليا، أما أنتَ فقد لذتَ بجنونِك إلى التعب، تمضي مع مشيئة الماء، ولعنات الطين، تنتظر الطوفان، فالكارثة – كإرهاصات الفقد – تتلو ترانيمَ المكائد، مغلفةً بالآمال، مخبوءة في أحلامِ السجناءِ في كهوف الأمل، حيثُ الظلامُ، والوحشةُ، والفوضى التي نحتت سننها؛ لتعيش، ولتموتَ كما جئت، جزءا من هذه الفوضى. لم تكن سببا، لكنك ستدفع ثمن النهارات الغائبة، وأيامك المنسيَّة، وقادمك المجهول.

 

 

 

مسقط

 


 

أحبِّكُ خاليةً من ضجيجِ الناس.

خاويةَ الوفاضِ من زحام الأضواء، ونعاجِ الإسفلتِ الهادرة ذهابا، وجيئةً.

أغرقُ في بركِ الذاكرةِ، وأمضي إلى جهتي.

الشارعُ منفى أنيقٌ تحفُّه عيونُ المتربصين بالآمال، والعابرُ – وهو يسبغُ المعنى على خطواتِه – مجهولٌ يعلمُ ماهيَّته.

يا غُبارَ مسقط. تلطَّخت أحلامُنا بالدموع، وطينِ المأمولِ الجارف، وعلقنا في هذا البرزخ الجزافي. لا دليلَ يكفي لندلَّ البحرَ على ملَّاحيه، أو لتُدلي الغيومَ بدلائِها على جفافنا الوجودي، وقلوبنا اليابسة.

ذبلت أكباد الصبر، فالمغولُ انكسرت قلاعُهم، وذبلت حوافر خيولِهم، وانصدعت أفئدة فرسانِهم ترثي شجاعة المنسيين في ساحات الضوء، حيث انتشرت جلاميد الزمن شاهدةً على الذين حاولوا الفلاتَ من حبِّك الصعب، وأيامِك الشرسة.

أحببناك أكثر مما استطاعَ القلبُ، وغفونا لنراود حلماً رديئاً عن نفسِه، لعلَّ بارقةً من ضباب النفوسِ تحملُ بشارةً صغيرة، عن غدنا المأمول، المنسوجِ على مهلٍ من خيوط السأمِ والحسرات.

سنعبرُ دهاليز الرمل والصخور، ونغلِّف الأسفلت بالمجازِ والقصائد. سنهدهد الخيال؛ لينامَ ساعةً، ليغلَّف الشارع بالأشجار، لتبرقَ كسبائك الذهبِ في قصيدة شاعرٍ هائم في المعنى، وفي حبِّك الغامض، الحارقِ كآتونٍ فقد طريقه للجحيم.

 

معاوية الرواحي

الخميس، 11 نوفمبر 2021

عن آخر العقبات ..

 أتساءل فحسب، ليس لدي إجابات. أتأملُ، وأحلمُ، وأتذكر، وأعصر عقلي: لماذا هذا الحالُ الذي نحنُ فيه؟ كيف حدثَ ما حدث؟ باحثون عن عمل، وسوق اقتصادي هائل به مئات ألوف الوظائف؟ لماذا وصلنا لهذا الحال؟ هذه حكاية تستحقُ أن تُسرد، قصة القطاع العدو لمجتمعه، ولبلادِه، ولنفسه أيضا!

أعلمُ أنني أتحدث بحقدٍ وغضب، وأن كلامي لا يشملَ كل من في الاقتصاد العُماني، ولكن قبل التبرير، لماذا حدث ما حدث؟ كيف وصلنا لهذه الحالة الغريبة؟ ومن الذي يقاوم تغييرها؟ ولماذا؟ الطمع لا يحتاج لأسباب منطقية، والجشع لا يهتم لحال مجتمع أو وطن، إنها ضريبة العادة، والاستحقاق السقيم.
عام 1970: حرب، وسلطان شاب طموح يتولى الحُكم. المؤسسات شحيحة الوجود والعدد، الفقرُ والجهل والتمزق، إنقاذُ البلاد من خسارات أكبر كان أولويةً. العُماني إما مزارع أو بحار أو صياد، وقليل جدا من المتعلمين والمتخصصين. لا أسواق، لا نظريات اقتصادية حديثة، لا شيء تقريبا، مجرد أحلام!
تمر السنوات، البلاد في حالة نشأة، والاقتصاد أيضا. أين كان يعمل العُمانيون؟ لم يكن العدد كافياً من الأساس! سيارات الجيش تجوب الشوارع تعرض الوظائف، الثانوية العامَّة كانت تكفي، تقرأ وتكتب؟ أهلا وسهلا، لدينا بلاد قيد الإنشاء، ودولة قيد التأسيس والتمكين والتثبيت.
العدد لا يكفي، لا عدد العُمانيين، ولا الوافدين. القطاع الخاص قيد النشأة، يريد عمالاً، وموظفين، ومحاسبين، ومتخصصين، وسائقي نقل. الحرب تنتهي، وملامح النشأة تبدأ، النفط يضخ في عروق البلاد، أين العُماني؟ يُبحث عنه بإلحاح، لدينا جيش لنبنيه، ومؤسسات تحتاج لآلاف وآلاف وآلاف.
القطاع الخاص يصرخ، أريد عمالةً أريد موظفين! أين العمانيون؟ في بعثات دراسية، يتخرجون، أين يعملون؟ في التعليم، وفي الحكومة التي تحتاج للكثير والكثير منهم. يبدأ إدمان القطاع القاص الأوَّل، لا عمانيون! لا بأس، سأشغل الوافد، الحكومة لا تترك لي عمانيا ليعمل معي، سأجد بديلا حتى حين!
تكبر الدولة، ومؤسساتُها. جامعة السلطان قابوس تفرز الدفعة وراء الدفعة، قليلٌ من يعملُ في شركة، الحكومة بحاجة ملحةٍ للمتخصصين، القطاع الخاص يصرخ "أريد جامعيين" لا بأس، هُناك حل، جامعيون بنصف رواتبهم، لا بأس، سنقبلُ بهم، خذي يا حكومة موظفيك العُمانيين، لدينا بديل مُربح، فلنمرح!
تمر سنوات الثمانينات، وتأتي التسعينات. تكثر الشهادات، الدكتوراة كلمة تتداول، الماجستير شهادة نجاح وترقيات في الحكومة. القطاع الخاص ينادي، أريد باحثين؟ خذي يا حكومة الباحثين العُمانيين، لدي باحث مُربح، بنصف راتبه، لا بأس، أعجبنا الحال، كوّنا مجتمعنا العمّالي، وأعلنا استقلالنا.
تقتربُ حالةُ التوازن الكبير، اكتمل الجيش، وقوات الدفاع، التعمين يجري على قدمٍ وساقٍ في مؤسسات التعليم، والصحة. نقترب من نهاية التسعينات واقتراب القرن الجديد. القطاع الخاص يضع رواتبه كما يشاء، الجميع تقريبا ينتظر وظيفة من الحكومة، والتعليم بناء على سوق العَمل، والوظائف موجودة.
يزيد عدد السكان، يبدأ الاكتفاء المبدئي. الحكومة تواصل التوظيف، أصبحت الشهادة ضرورة ملحة، بدأ البعض يفشل في الحصول على وظيفة! جد شهادة وإلا فإن راتبك [120] ريال، القطاع الخاص يصم آذانه: ما عاجبنك الشغل، ألف وافد بدالك، دخلنا عام 2000، واكتفت الحكومة تقريبا من حاجتها للموظف العماني
تمرُّ سنوات الألفين. عدد الذين لا يعملون يزيد. توظف الحكومة فوق حاجتها، القطاع الخاص يطالب بالمزيد من المأذونيات، لقد كبر الاقتصاد، وتوزع كما شاء محتكروه الكبار. أين التوظيف؟ اذهب للحكومة! لدي وافد بنصف راتبك، أنت خسارة مادية كبيرة، خذ المائة والعشرين واسكت!
يستفحل الأمرُ. القطاع الخاص أصبح قطاعا قاصَّا. عنادٌ شديد، ورفضٌ منيع للعمالة الوطنية. التوظيف أصبح مهمة الحكومة فقط؟ ماذا عن القطاع القاص؟ سنأخذ بعض العُمانيين، قياداتٌ قليلة، ومتخصصون تورطوا في مهن مؤقتة: ماذا عن الباقي؟ ليست مشكلتنا! يقبل براتب قليل أو يجلس في منزله!
العُماني يسأل: أين الوظيفة؟ الحكومة تقول، سنحيل البعض للتقاعد، لدينا موظفون فوق حاجتنا بكثير، يتوظف القلة. أصحاب الشهادات بلا عمل، والقطاع القاص يعرض رواتبه الزهيدة ويقول للحكومة: أنا صاحب المعروف عليكِ؟ ألم أجلب لك أقلام الرصاص؟ وكأنها جلبها هدية من ماله الخاص!
الفورة النفطية، المشاريع المليارية، مليون وافد، الشركات تتعذر، هي التي تفعّل الاقتصاد، نريد امتيازات، نريد عمالة، لقد أدمنا الحال، لا نريد عُمانيا، يريد حقوقا، ورواتب، ولا نستطيع تسفيره ولي ذراعه بتجديد الإقامة! سنأخذ بعضهم، لتسكيت المجتمع، سنأخذ القليل منهم، مائة وعشرين تكفي!
يتفاقمُ الأمر. اكتملت مؤسسات الدولة، الحاجة للتجنيد شبه كافية، التقاعد قليل العدد، الوظائف الجديدة تشح، لقد انضم إلى سرب الباحثين عن وظيفة الخريج الجامعي. القطاع الخاص يعرض وظائفه برواتبٍ زهيدة. يحاول المجتمع أن يضغط على الشركات فترد عليه: العُماني ما مال شغل! وبدأت اللعنة!
ترتفع أسعار النفط، تنتفض البلاد بالمشاريع، القطاع القاص يقص ما استطاع، يوفر التكاليف ويضع الاسعار، لقد ظنَّ أن له بلادا داخل هذه البلاد، الحكومة تتعامل مع وضع جديد، تغير بعض التشريعات فيرد عليها الرأسماليون بشتى أنواع الحيل، يقاومون بعناد، وطنهم المال، والربح، وعُمان! مشكلتهم!
تضغط الحكومة من أجل التعمين. المعلمون بلا وظائف، المهندسون يتم إسكاتهم بتدريب بسيط. القطاع القاص ينشر دعايته في كل مكان [العماني ما مال شغل]، لا أريده، هذا يكلفني رواتب أكبر، أريد عمالتي الوافدة، نصف راتب، ألوي ذراعه كما أشاء! هذا العماني ورطة في سوقنا، في وطننا الربحي، ورطة!
أسعار النفط تنزل للحضيض، أزمة مالية. الحكومة امتلأت، الميزانية لا تسمح بالمزيد من التوظيف من أجل التوظيف. يبدأ الضغط، وتتغير بعض القرارات، الحد الأدنى يُزاد، تغضب الشركات، ليس لدينا إلا وظيفة سائق، وبالحد الأدنى، [تسكيته] لأن الحكومة تزعجنا وتضغط علينا. خذ وظيفتك أو اسكت!
الشركات تصرخ، العُماني مزعج، مُكلف، يريد حقوقاً، كيف ألوي ذراعه؟ أنا لست كفيلَه، العُماني يرفع قضايا، يريد كرامته. سأوظف بعضهم، سأحاول شراء بعضهم ليحقق سياستي، ليخفي سوأة الإدمان، لقد أدمننا على الموظف بنصف راتبه، ما بال هذه الحكومة تضغط علينا، نريد الربح! المجتمع ليس مشكلتنا!
يسمن الغول الاقتصادي، الشركات ترفض توظيف العماني. تريد عمالة وافدة، وتريد أن تبيع السلعة بضعف ثمنها، المُحتكر يُصنع من الخارجِ، ومن الداخل. يُحاصص السوق، الحكومة مشغولة بالشوارع، والموانئ، لا بأس، المال يتدفق، سآخذ بعض العمانيين، فقط ما دمت آخذ مناقصاتي، ربما تسكت الحكومة عني!
القطاع القاص يصرخ: أريد المناقصة بثلاثة أضعاف سعرها، لدي عمانيون معي، لماذا يا حكومة لا توظفيهم معك؟ المجتمع يضغط على الشركات، العماني يكشف حقيقة الوضع في السوق، المجتمع الرديف يُكشف للعلن، الحكومة تضغط، والقطاع القاص يقاوم: لا أريد عُمانيين، هذيلا ما مال شغل!
ينهار سوق العقار، يقل سعر النفط. أزمة عاصفةٌ تحدث في عمان، يزداد الضغط على قطاع جبابرة المحاصصة وتقسيم السوق. على مضض يوظف بعض العُمانيين، المجتمع يدخل حالةً من السخط، لا توظيف، الترقيات تتأخر، ويأتي اليوم الصعب: دورك أيها القطاع الخاص أن تساهم! انتهت أيام الامتيازات!
القطاع القاص يستغل الوضع، تريد وظيفة؟ أنا أضع سعري! لدي جيوش من الوافدين تُغني عنك أنت وحقوقك أيها العماني الذي ما مال شغل! أنت زينة، فقط رقم وعدد يحسن علاقتي مع المجتمع ويخفف الضغط عني. مهندس السفن يعمل في شركتي بمسمى محاسب، أعلى ما في خيلك اركبه.
تغير الحكومة تشريعا، يتحايل الغول الاقتصادي. مناعةٌ سوقيَّة ضد العُماني، ويحدث ما لم يُحسب له حسابا، أزمةٌ ومظاهرات، وباحثون عن عمل يستغيثون، تتولى الحكومة دفع الثمن، التوظيف بأعداد كبيرة. القطاع القاص ساكت، يقول في سره: وطني ربحي، أنت وبلادكم لا تعنون لي شيئا!
تتغير البلاد، يتواطؤ البعض مع الاقتصاديين، يلعب اللعبة معهم، يحاول البعض تغيير الوضع. ثمة أزمة، وعجز، المشاريع الكبيرة بدأت تتوقف وبدأ الفطام. الرأسمالي يرد الصاع، ويسرح العُمانيين، وتبدأ لعبة لي الذراع التي استمرت تسع سنوات. سوف يفعل المستحيل ليتمسك بامتيازاته، واحتكاره.
تبدأ بعض الانشقاقات، بعض الشركات أحست بمسؤوليتها، جميع طاقمها عُماني، وبدأت بعضها بالتوظيف برواتب معقولة. المُحتكر الكبير يغضب، يحافظ على وافديه، يوظف العماني على مضض، الميزانية تدخل في حالة عجز سنوي. القطاع القاص يتربصُ، ويجهز لليوم الصعب، ليوم مواجهة الواقع. العماني ما مال شغل!
خُتمت مرحلة التأسيس. أدى الأب المؤسس أمانته، سلَّم البلادَ وحافظ عليها في حياته وفي وفاتِه. بدأت مرحلة الديمومة، انتهت ظروف النشأة، يحدث كورونا، تبدأ البلاد اختبارا جديدا، تخفيض الإنفاق! الكابوس الأكبر الذي يخشاه المحتكر الكبير، أريد مناقصات بثلاثة أضعاف سعرها! لن يحدث!
الرأسمالي ، يصاب بالهلع. بماذا سيسامعُ الدولة؟ بأقلام الرصاص؟ أم بأسلاك الهاتف؟ المجتمعُ يقترب من شركاته، سوف يأتيه اليوم الصعب، سيوظف عاملا وموظفا براتبه! موظف له حقوق! يجب أن يفعل شيئا، سوف يفعل ما بوسعه، سيسرحُ من يستطيع، الحد الأدنى! موافق عليه، سأتخلص من ذوي الرواتب العالية!
الأزمة سيدة الموقف! كورونا، والحرب الناعمة تبدأ. الحكومة تضغط، والشركات تسرّح، كل ثغرة ممكنة سوف تستغل. حشودُ الوافدين جاهزة بانتظار حالة التوازن المالي. ولكن الحكومة لديها خطة أخرى! إنها تريد اقتصادا حقيقيا، لقد أخذتم زمنكم، وامتيازاتكم أيها الرأسماليون، نريد اقتصادا حقيقيا!
الرأسمالي يقاوم. الأزمة تضربه من هُنا، يتعذر بالخسائر، والضغوط تزيد عليه. يرتفع الدعم، تبدأ الضرائب، الرأسمالي الجريح يريد وضعه السابق، يريد أن يضع سعره على الحكومة والناس، يريد أن يبقى مسيطرا. يقاوم، يسرح، يتلاعب، يغير ما يشاء، اليوم الصعب قادم، والهلع يستبد به، فيسرح ويسرّح.
الرأسمالي يصرخُ بوقاحة: أريد أرباحي كما كانت! لا أريد سوقا تنافسيا، أريد سلطتي. المجتمع مجتمعكم، وطني أرباحي. يا حكومة ادفعي لي، يا إلهي! أنتم تأخذون الضرائب الآن؟ لماذا؟ لماذا تفعلون ذلك بي؟ أريد أرباحي، وامتيازاتي وجحافل الوافدين، لا أريد العُماني إنه ما مال شغل! أنا في ورطة!
أعرف ماذا سأفعل! سأسرحهم. لا أريد اقتصادا حقيقيا، لا أريد سوقا تنافسيا، أريد أرباحي! حسنا، خذو العمانيين، أريد مناقصاتي بثلاثة أضعاف سعرها، أنا وطغمتي وربحنا أهم من مجتمعكم هذا. والحكومة على رأسي، التعمين قادم! يالها من كارثة؟ سوف أضطر لممارسة التجارة فعلا! لقد انتهى زماني السهل!
الرأسماليون يُضاف لهم عنصر جديد، إنهم يدمرون دعايتي! العمانيون يعملون، يقودون الشركات! ينتجون! كيف أحافظ على وضعي السابق! لقد أدمنتُ على الموظف بنصف راتب، لا أعرف التجارة دون أن ألوي ذراع عمّالي بالإقامة، والكفالة! الاقتصاد الجديد مرعب! سأسرحهم، يجب أن أقاوم: لا أريد العمانيين!
المجتمع يضغط، وعيه يغير السد المنيع. التعمين بدأ، وثمَّة كابوس نزل عليك أيها المحتكر صاحب حشود المأذونيات، المتعذر بفترة النشأة، الضريبة! إنها في الطريق. التوجه إلى دولة اقتصاد، جاء يومك أيها الرأسمالي. الرأسمالي يقاوم، يسرّح، يفعل كل ما بوسعه ليؤجل المحتوم. السوق ليس لك!
المعركة ناعمة، الدولة توازن شؤونها المالية. الهدف الكبير، اقتصاد ناجح. الرأسمالي المتمسك بموظفٍ بنصف راتبه يصاب بالذعر، منافسه يوظف العمانيين، المجتمع يختارهم، التدقيق يشمل كل شيء، سوف يتزن كل شيء، وسوف يتفرغ ضدي الحكومة والناس: أنا في ورطة! أريد عمالتي الوافدة! لا أريد عمانيين!
العيون كلها على واقع الاقتصاد، الحكومة تقول بالفم المليان: لا للحلول التخديرية، توظيف آلاف في حكومة ممتلئة بالموظفين لم يعد حلّا، أيها القطاع القاص، جاء الوقت الذي تفهم فيه أنَّك في مجتمع، وفي بلاد، وأنَّ جشعك ثمنه باهظ. الضريبة قادمة إليك، وستدفعُ قيمة مأذونياتك وتسريحك قريبا.
وهذه حكاية الغول المذعور. أدمن سنوات قلة عدد السكان، اعتاد على عامل ملوي الذراع بنصف راتب، حاصص السوق ورفع السعر واتخذ توظيفه للعماني عذرا وحجة. التغيير في الطريق وسيأخذ وقتا والضغط عليه كبير، وهو موضوع وقت وسيقاوم ليمد في عمر مصالحة سنوات إضافية. سأكون كهلا وقتها وسأحتفل بجذل!

الاثنين، 8 نوفمبر 2021

تداعيات قانطة

 بدأت أفكر في نهاية سوداوية لعصر كورونا، وتفاقم حال الدول الكبرى، حتمية ابن خلدون الكلاسيكية، كل الظروف مهيأة لحرب عالمية ثالثة وربما يعود الكوكب البشري لافتراس بعضه البعض.

  وكورونا اللعين يتحوّر بلا توقف. الله يعيننا على الحياة في هذا الكوكب!
وتكمل المأساة باحتلال كوكب الأرض من قبل كائنات فضائية. وربما سباق للهرب من الكوكب والذهاب إلى المريخ. وبعد هجرة البشر إلى المريخ تحدث حرب موارد بين سكان المريخ وسكان الأرض وتولع حرب كواكب بيننا وبين المريخيين. ونزعل من بعض وكل واحد يعيش في كوكبه زعلان من الثاني.
وكيف تكمل المأساة البشرية؟ تظهر جماعة فوضوية [أناركية] تقطع الإنترنت عن كوكب الأرض، وتخترق كل شبكات الاتصال، ونكتشف إنها حركة عالمية انضم لها ملياري شخص، ويكون هدفهم إعادة الإنسان إلى العصور الحجرية. ويصير غلاء في الحمام الزاجل لأنه سيكون وسيلة الاتصال الوحيدة.
وربما تحدث حرب عالمية على المواد الخام التي يُصنع منه الطبشور، ونعود لعصر ما قبل جوتنبرج، ونضطر نذبح خمسة أبقار عشان نكتب تغريداتنا ونعلقها على باب الحارة. وكل واحد يروح المدرسة ومعه ألواح وإزميل عشان ينحت الدرس في صفائح حجرية. شكله الرخام سيكون الورق القادم!
وستنتشر الأسود، والضباع، والمفترسات كما كانت الحياة قبل المدنية وتدمير الكوكب. وتطلع من بيتكم تحصل قطيع زرافات، وتكون الحياة كأنك في رحلة سفاري. وستنتهي السيارات وصناعتها، وتنقرض العلوم الحديثة، ويتم اكتشاف قانون أرخميدس من واحد اسمه [مارتينيوس] ويسمى الاكتشاف باسمه.
وتولع بين روسيا، وأمريكا والسبب من؟ أكيد كوريا الشمالية، وكل واحد يقصف الثاني، والأمم المتحدة تنقسم إلى الأمم المتزاعلة، وتدخل الصين في المعمعة، وترامب يحكم أمريكا مجددا. ويشرد الناس من الإشعاع النووي ويعيشوا في البحر أو في كهوف. وتصير ضرابة على المناطق غير الملوثة بالإشعاع.
وبعد الحرب النووية الكُبرى يصبح لديك قارَّات بأكملها ما فيها إلا الصراصير، ويبدأ تاريخ الإنسان بالعودة إلى عصور الأساطير، وعصرنا المدني الحديث سوف يسمى بعصور الظلام والانحطاط الحضاري والطريق للكارثة الكُبرى. ويطلع لك واحد نذل ويخترع القنابل النووية مجددا بعد 300 سنة.
وبعد الدمار النووي، يظهر لك رأسمالي يسيطر على قطعان الأبقار والغنم، ويستخدم قطعان من الأسود والضباع عشان يحمي المراعي، وتصير حروب فرسان بين الناس وبينه، ويتم ابتكار السيوف مجددا، ولما ينقشع الغبار النووية يروح واحد ويكتشف أمريكا مجددا ويكون اسمه [دي خيا] ويكون اسمه قارة [ديخيا]
وتتغير أسماء الدول، ومكان القصف النووي على كندا يكتشفها ملّاح عربي ولا يجد فيها إلا الصراصير ويسميها [صرصور ستان]، ويصبح اسم الصرصور ملازما تاريخيا للاكتشافات الإنسانية بعد عصر التلوث النووي. ويتم نقل الفئران، والحيوانات مجددا إلى حيث كانت تُسمى كندا في الأساطير الجاهلية.
وبعد عصر التلوث الإشعاعي يزيد عدد الناس، ويتم اكتشاف نسبة نصف قطر الدائرة على محيطها، والعدد [باي] يسموه في العصر الحديث [شنغن]، ويصبح تاريخنا البشري كله أساطير خيالية، ويجيك واحد وحش ويخترع طريقة لصناعة الورق من النباتات.
وتبدأ الحضارة مجددا، ويُعاد اختراع الورق، وتصبح قصائد الشعراء عن الفناء النووي لكوكب الأرض مجرد أساطير، ويجيك واحد بطل جدا ويكتشف طريقة لصنع الدراجات الهوائية، ويتغير مفهوم التنقل في كوكب الأرض بعد انقشاع الغبار النووي، وتبدأ الحياة بالتحسن.
وتُكتشف الخوارزميات، ويكتشفها هذي المرة واحد اسمه [والتر] ويصبح اسمها [الوالتريات]، ومنها تبدأ أحلام الإنسان بصناعة آلات تجيد الحركة والمشي، ووقتها يكون الكوكب كله عربات، ودراجات، وصناعة السيوف تضمحل لتصنيع وسائل نقل، والجميع يستخدم دراجات جبلية بدل الحمير لأنها ما تحتاج برسيم.
وتبدأ الثورة الزراعية في دولة اسمها [يورانيا] اللي كانت أصلا مناجم يورانيوم، ودولة ثانية اسمها بلوتونيا يطلع واحد فيها ويبتكر النظام الرأسمالي، وتبدأ منظومة الاقتصاد في عصر الدراجات والتنقل بالكوكب البشري في دعم الاكتشافات والمخترعين.
وتجيك تفاحة وتسقط على رأس واحد اسمه [راجيش] ويخترع قوانين راجيش، ويحدث صراع هائل بين العلماء، ويتطاول فضولهم إلى صناعة العدسات، والمجاهر، ومحاولة رؤية الكون، واكتشاف سر كروية الأرض، ويخترع راجيش ألف اختراع في تاريخ الكوكب بعد انقشاع الغبار النووية.
وفجأة يتم اكتشاف وظيفة لذلك السائل الأسود اللزج الذي يخرج من باطن الأرض، ويترافق ذلك مع أحدهم يبتكر آلة تعمل بالبخار، ويزيد عدد سكان الأرض ملايين إضافية ويتم تطوير نظام اقتصادي عالمي جديد أساسه التنافسية والربح. ويجي واحد ملقوف ويخترع عربة رباعية العجلات تعمل بطاقة المحروقات.
والكوكب الذي كان عايش هادئ، الطبيعة فيه بخير، فجأة تطلع النظرية الاقتصادية الربحية، وتطرد الدراجات من الشارع عشان العربات المعدنية تنقل الناس، تختفي الخيول والأحصنة من الشارع، ويصبح ممنوعا على أصحاب الدراجات المشي في شوارع العربات المعدنية ذات الدخان السام.
ويتطور الإنسان، ويظن إنه لأول مرة يصل لهذه الكشوف العلمية، وتكبر الدول، ويكتشف واحد اسمه [ناريمو] حمض نووي يمكن تعديله في النباتات، ونتيجة زيادة عدد السكان ندخل عصر الخبز، وتبدأ الدول بتكوين تحالفات، ويطلع واحد اسمه [شافوت] ويكتشف العلاقة بين الطاقة والزمن، ويشطر الذرة لأول مرة.
ويزدحم الكوكب، وكل دولة تسلح نفسها بسلاح نووي، ويتكدس عدد السكان، وتولع ضرابة بين قارة صرصور ستان، وقارة شمال بلوتونيا، وتظهر الحفريات معامل نووية، ويجي حاكم مجنون يريد تغيير التاريخ ويهاجم جيرانه، ويرجع الكوكب لعصر الغبار النووي، ويعود الإنسان للحياة في الغابة، ويتكرر كل شيء.

الأحد، 7 نوفمبر 2021

من وحي سؤال: لماذا!

 لماذا يحدث لي هذا دائما؟ سؤالٌ تسمعه حولك من كثيرين من الناس، بعضهم بسيط وطيب ونقي، وبعضهم لعين ولئيم ولا يعرف أنه شرير! هُنا تأتي أعظم الأسئلة التي لا إجابة خارجية لها، قد يعينها تشخيص طبِّي أو نصيحة من إنسان مجرِّب أو صاحب بصيرة، سؤال يجب أن تسأله نفسك أولا: لماذا يتكرر ذلك؟

يُعاني بعض الذين تعودوا على التنمر، أو العلاقات السامة من هذا الأمل المزيف. يعلِّقُ الحياةَ على إنسان آخر يعرفُ كيف يتلاعب به وبتفكيره ومشاعره، قد يكون قريبا، أو صديقا حديثا في حياتك، إنَّه يعلم الذي يفعله، وأنت لسببٍ ما بك أمل: هل سأكسب المتنمر في صفي؟ هل سأكسب إنسانا سامَّا؟
البعض لديه إجابة سريعة، يتقنُ الهرب وهذا إنسان حكيم وحصيف ليس مثل الذي يبقى على صداقةٍ مع متنمر أو مستهزئ به، وربما بالجميع. يهربُ من هؤلاء لكي يعود بمغناطيس غامض لهم مجددا، وتتكرر المأساة، يُستغل، أو يُستهزأ به، ويصنع جرحا جديدا، ويسأل: لماذا يحدث لي هذا دائما؟
التعلق المرضي، ورهنَ قيمتك الذاتية بآراء الآخرين عنك أحد أشكال هذا العذاب النفسي، لديك شلَّة غاضبة، مغرورة، نرجسية، لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب، تتآلف معهم وتكاد تصبح منهم حتى يتحول الغضب عليك، حتى تكون أحد الذين يكرهونهم، وتأخذ لسعتك الكبيرة من الحياة.
وقد يكون لديك أمل كبير بالبشر، وأنهم يستحقون فرصة ثانية، قد تكون معاييرك لتعريف الشر والسوء ساذجة حدَّ تغاضيك مرتين وثلاثة وعشرة عن إنسانٍ يسممك، ويؤذيك، ويحطمك معنويا، قد تكون تعودت كثيرا على هذه الحياة السامَّة حتى أصبحت هي تعريف الحياة الطبيعية. تحاول الفلات ولكنك تكرر خطأك.
تخطئ مرَّة وتعرف ذلك، المرة الثانية أنت تخطئ في حق نفسك. هذا ما يحدثُ لمن يبحث عن من يشبهه كصديق، اليائس، أو الغاضب، أو المغرور، أو المهشَّم نفسيا حد تحطمه. تُعالج غضبك فيغضب ذلك الغاضبين، تصاب بالأمل فيغضب ذلك اليائسين، تتفاءل فتفقد العلاقات مع رفاق اليأس. لماذا يحدث ذلك؟
الواثق من نفسه يُغري بالتعرف عليه، يظن بعض الذين يعانون من هذه الهشاشة النفسية أن الثقة بالنفس تُعدي، وأنَّه يمكن تعلمها، ثم ماذا يحدث؟ تكتشفُ أنَّك دخلت في دائرة مختلفة، هذا الواثق حد التخمة بذاته يؤذيك، يحطمك ويتنمر عليك، وقد لا يفعل ذلك، لكنه لن يعلمك كيف وثق بنفسه! فتنصاع له.
وقد يحدث العكس فتجد نفسك في صداقةٍ مع نرجسي مهووس بذاته، يرى الجميع حقيرا، ويرى نفسه عظيما، رائعا، نقيا، عذبا وغيرها من الصفات التي يتوهمها أحدهم مؤقتا أو دائما. تظنُّ أن المشكلة به فقط، فتذهبُ إلى تجربة أخرى، وصداقة أخرى فاشلة، لماذا؟ لأنك تختار النمط نفسه، لماذا؟
قد تكون محظوظا وأقصى تجربة لك أنك عرفت إنسانا حاسدا، يحسدك أو يحسد الجميع فتفض عرى هذه الصداقة وتتعلم بناء دفاعات جيدة، قد تكون تعيس الحظ وهذا الإنسان زعيم عصابة، أو مجرمٍ خطير، قد تجد مسدسا في يدك وأمرا بالقتل، وقد تكون نهايتك الموت في مواجهة مع عصابة أخرى. هذا محتمل أيضا.
إن كنت من الذين يتعلمون من أخطائهم فقد تخرج بخلاصة جيدة عن الحياة بعد أن تكثر التجارب، وتعرف ألم الصفعات. أما إن كنت من الذين يصنعون التبريرات، والأعذار، ويعاودون هذا الخطأ، ويسألون مرارا وتكرارا: لماذا يحدث هذا لي؟ يحدث لأنك تسأل هذا السؤال، من واجبك أن تنبش في نفسك عن سبب.
يكرر المعالجون السلوكيون هذه الكلمة "يجب أن تريد أن تساعد نفسك" وهم على صواب، ولكن قبلها يجب أن تتعلم السؤال الصحيح، وليس لماذا يفعل العالم بك ذلك، وأيضا ليس لماذا تفعل بنفسك ذلك، لماذا يتكرر هذا؟ جزء مني سبب، هذا نصيبك من السؤال، جزئي، وليس واسعا، وليس مطلقا. مقيد جدا.
كل شخص لديه أطباع قد يمقتها في نفسه، أو يمقتها الناس فيه. أن يعترف بذلك لنفسه فهذا خير كل الخير، لكن أن يصنع التبريرات بلا نهاية، فهو في مرحلة ما قد ينجو منها، وقد تأخذه إلى جحيم المرض، جحيم الأوهام وصناعةِ التبريرات، والهرب من الحقيقة: لديك مشكلة، يجب أن تحللها بصدق مع ذاتك.
قد لا تعلم أنك مجازف، وترمي بنفسك للخطر، وقد لا تعلم أنك مذعور من الحياة ومجروح وعشت طفولة قاسية، قد لا تعلم أنَّك أناني وطمَّاع وترفض الاعتراف بذلك، اختياراتنا لصداقاتنا قد تنبع من هذا التشابه المأساوي في العيوب. سعي للشعور بأنَّك طبيعي، كعلاقة المدمنين والمقامرين مع بعضهم.
وقد تفعل العكس، تختار العلاقات المعاكسة، الذين لا يعانون من مشاكلك، فتعيش في ذعر وتربص. كالذي يمشي مع متدينين ليطمس أسئلته الوجودية عن عقله، أو العكس، كالمؤمن الذي يختار اللادينيين أصدقاء، لأنه لا يجد حرجا أن يتأمل بحرية معهم. هُناك سبب لاختيارنا حلفائنا الذهنيين.
كم مرة في الحياة نسمع جملة "هذا الشخص مال مصالح فقط" ولا بد أن تكون قد سمعتها مرة على الأقل في حياتك. حدث ذلك لك مرة، مرتين، نعم الحياة تفعل ذلك، ولكن أن تكون عشتها عشرات المرات مع عشرات الأشخاص، هُناك مشكلة بك يجب أن تحلها أولا، ثمَّة أمرٌ يجعلك تكرر هذا الخطأ، ما هو؟
قد تكون قد أدمنت الشعور بالمظلومية، ويعجبك دور الضحية، وقد يكون العكس، تتربص بالفرصة المناسبة لتقلب الطاولة، لتعزز كل الدوافع المسبقة التي لديك، كل هذا محتمل، ما دمت تكرر سلوكا بشكل قهري، فهُناك مشكلة أكبر وراءه، تحتاج إلى سؤال مُحكم، وموزع بالتساوي بين عالمك الداخلي والخارجي.
هل سألت نفسك لماذا تحب المتنمرين؟ لعلك تريد أن تكون متنمرا، تفضل أن تكون الجلاد لا الضحية! لعلك أطيب، وأكثر هشاشة من أن تكون بلا تعاطفٍ مثلهم، لذلك ماذا يحدث لك؟ تحاول تعلم التنمر، هو أقوى منك فتتقبل تنمره عليك والنتيجة؟ تتنمر على من هو أضعف منك، ومع الوقت تظن نفسك صرت أقوى.
قد تكون إنسانا محبا، طيبا، ولكنك تريد قليلا من هالة الثقة بالنفس، فتبحث عن المدرس الخصوصي الذي يعلمك الثقة، وتظن أن الواثق بنفسه يمنح ذلك لغيره حتى تتعلم اللطمة الصعبة، لقد عرفت أنه لا يطاق، ولا يُحِب، ولا يُحَب وأنه يعيش في سجن كبير، يشبه سجنك مع ذاتك التي تريد الهرب منها.
البعض يخرج من التجربة الأولى مرتابا، يفقد الثقة بالجميع ولعلها مرحلة، الذي يتكرر لديه ذلك يختار الخيار الأسلم، العُزلة الصمَّاء العمياء، يطمس مهاراته الاجتماعية ويختار السلامة، سجينا مع آلامِه مكابرا أن يعترف بها. قد يلوم نفسه كليا، وقد يلوم العالم الخارجي كليا، بلا ميزان واضح.
والحياة قاسية نعم، الشر موجود وكم هو صعب أن تعود ثقة إنسان طيِّب صادف الشر بأمِّ عينه بالحياة. تسحق الحياة الطيبين، والأنقياء، والمساكين، والعجائز اللواتي يرفسهن سارق حقائب. هذه هي الحياة، الشر موجود بها، وصراع البقاء يحتم عليك حماية نفسك من هذه الحياة. هذا واجبك الكبير والصعب.
لكنك لست طيبا دائما، قد تكون أنت الإنسان السيء، هل لديك شجاعة أن تقر بذلك بينك وبين نفسك؟ قد تكون أنت النرجسي السام الذي يحطّم المساكين والأنقياء، قد تكون أنت هو العدو، لنفسك ولغيرك. هل عرفت لماذا يهجرك الجميع؟ ويتركونك؟ ويتحاشونك؟ قد تكون متنمرا دون أن تدري، وتظن أن هذه قوَّة!
كُل إنسانٍ لديه مشكلة في نفسه، هذه سنة الله التي خلق عليها البشر، النفس أمّارة بالسوء، والمعركة أبدية وأزلية. هل صرت سفاحا في ميليشا دكتاتور؟ هل عملت مع تاجر مخدرات كبير ومتَّ دفاعا عنه! لعلك محظوظ، وأقصى مشاكلك أنك تصادق متنمرين، أو ساخطين، أو قانطين. لعلك محظوظ وهذه مشاكلك.
الحياة قد تعلم الإنسان دروسا صعبة تأتي بها الأقدار، كمن قصفت قرية طفولته من قبل دولة غازية، ومحقت ذكرياته وتشتت للأبد لاجئا بين الدول. نعم الحياة تفعل ذلك، لماذا يقاوم هؤلاء؟ لماذا يتشبثون بالأمل؟ يجب أن تسأل نفسك ذلك، هل أنت في حُزن مُترف؟ وارتياب في غير محله؟ أم أنت يائس؟
أنت لست سبب المشكلة بالضرورة، ولكن المؤكد أنَّك أنت حل هذه المشكلة. إرادة الإنسان هي حجر الزاوية، ونقطة البداية والمُنتهى. الخبراء يساعدون، والمجربون يسردون قصصهم وقد تجد تشابهك معهم، المعركة في مكان آخر حيث يجب أن تكون، وهي ليست سهلة، وليست مستحيلة. عليك أن تحاول، أو أن تبدأ.
ولماذا تُرك هذا الشأن للمختصين؟ والأطباء؟ أو بالأحرى لأناس لا مصالح مباشرة لهم مع سقمك الوجداني؟ هُنا تأتي أهمية انفصال المُعالج المباشر عن صلاتٍ جانبية بك. لأن العلاج مؤلم، وشاق، ويحتاج منك إلى إعادة تفسير ذاكرتك بأكملها، وقد تنجح في ذلك، أو تفشل، وقد تتألم حتى تهرب من العلاج.
من الصعب قبول الحقائق القاسية. كأن تتيقن أنك تشوهت، وأنك "حالة صعبة" كما يقول البعض. جسامة التحدي الكبير قد تكون فوق طاقتك، وربما فوق طاقة ظروفك وحياتك. أحيانا من الصعب أن تعترف أنك مدمن قمار، أو ما هو أسوأ، مدمن عمل، أو ما هو أخطر، مدمن مورفين. الأمر نفسه في العلاقات والصداقات.
إيجاد مقياس للطبيعي والمرضي، وما هو واجب منك وعليك مهمة شاقة وصعبة، قد يسهل عليك أحيانا أن ترمي بهذا العبء على الآخر في العالم الخارجي، وقد تتنصل من ذاتك حد معاملتها وكأنك غريب، للأسف لا تترك الحياة هؤلاء طويلا، ستعود لهم وتلسعهم عاجلا أو آجلا. أن تبدأ بالسؤال الصحيح قبل الإجابة.
لماذا يحدث ذلك؟ دائما؟ لست أنت فقط، ولست وحدك، كل البشر لديهم اكتشاف صعب في عُمر ما، البعض يتأخر كثيرا، والبعض يكتشفه مبكرا. يحدث ذلك لأنها الحياة، وهذا يحدث فحسب، والثغرة في نظامك المعنوي تُردم مرة واحدة، ما لم تكن هناك ثغرة أخرى، فاقتسم بعدالة مع الظروف أسباب حدوث ذلك.
قد تتحمس فتدخل حالة من القبول الأحمق لكل رزاياك وأخطائك. وقد تفعل العكس فتدخل حالة لعينة من جلد الذات حد احتقار نفسك ورفضها، كل شيء مُحتمل في المعارك الداخلية، شقاء وألم لا يطاق أحيانا، وقد ينتهي بك الحال مريضا سقيما، أو قد تُشفى بعض الشيء وتجيد حماية نفسك من نفسك. كل ذلك محتمل.
الصدمة قد تأتي على هيئة تشخيص مرضي، كلمة مثل [الذهان]، أو [الوسواس القهري]، والصدمة قد تأتي من داخلك، تصل للوصف المناسب لطبعك أو سلوكك، إن كنت تبحث عن إجابة قد تجدها، ولكن المعضلة العويصة هو تعاملك مع هذه الإجابة / والصدمة؟ الحياة صعبة، وليست لطيفة دائما.
يقول البعض "الحياة تجارب" .. ونعم، هي تجارب، ومحطات، وأسئلة، هل "الحياة إجابات" .. كنا سنعيش في جنةٍ في الدنيا. نحن لسنا نفوسنا كليا، لسنا أفكارنا كليا، لسنا ظروفنا، هذه الخلطة المعقدة هي التي تجعل الحياة سؤال تأمليا. كيف توازن كل ذلك؟ أعانك الله على نفسك. كل إنسان لديه معركته.