بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 29 أكتوبر 2021

غوص حر

 أعاني في هذه الحياة من طبيعتين، الأولى قاسية، شرسة، وحقودة وغضوبة وتدفعني لرد الأذى بأضعافه. والثانية حمقاء، بها قدر كبير من "الهبل" والعباطة، وتسبب لي الحرج. تعمت مع السنوات كيف أتعامل مع الحالين.

 مؤسف جدا أن تتعرض للتهكم، أو الهزء من شخص لا يعرفك فقط لأنك عبيط نوعا ما!
دفعتني الطبيعة الأولى إلى الشك، والحذر وتوقَّع الأسوأ من الجميع، وسببت لي الطبيعة الثانية إلى مواقف غبيّة سببت لي الحرج. قضيت سنوات في محاولة تغيير ذلك، لم أستطع، ما هو أنت هو أنت ببساطة، لذلك قررت التعايش مع الموضوع واختيار المحيط الذي أكون فيه بحذر شديد وبما يناسب مشكلاتي هذه!
مع السنوات وتراكم الأخطاء اتخذت قراراتي وأوَّلها الابتعاد عن كل إنسان سام يغتالك معنويا ويحطّمك من الداخل ويسامعك بمآسيك، نجحت هذه الطريقة مع الوقت وبدأت أعيش صفاء في صداقاتي، كُل كائنٍ متوتر مكهرب يحب تسميم الآخرين أبتعد عنه وإن دخل مساحتي أعامله بعدوانية حتى يكف نفسه.
بقيت الطبيعة الثانية، الهذونية النزقة عانيت منها الأمرين حتى وجدت الحلَّ، وهو الاختيار الصارمُ لمن أكون معه على عفويتي [وهبالتي] الفطرية، تعلمت تجنب الغرباء وأسعى بكل جهدي للبقاء في هذا المحيط. صرت أفهم السخرية، والهزء وأتخذ اختياراتي بصرامة، الذي يهزأ بي أبتعد عنه وأهجره مليا.
وهي عملية مستمرة. أعلمُ أنني كائن نزق تصرفاته قد تثير السخرية، لكنني لم أعد أتقبل مطلقا أن يقتحمَ أحدٌ مساحتي بتقيؤاته وأحكامه، اتخذ أحكامك تجاهي كما تشاء، لكنني لن أعتبره حقا من حقوقك أن أصغي لك، أو أن أعتبر ما تفعله [رأي] .. بنيت دفاعاتٍ كافية لأقول للغريب: كفَّ نفسك.
ووصلت في هذه الدنيا لخلاصه، تكون أهبل ولا تكون غبي! هذا أحسن شيء. أعلم أنني غريب الأطوار لكنني أعيش حياتي بقانون بسيط، لا أريد أن أكون ظالما أو مظلوما. ينزعج مني كثيرون ولا سيما هؤلاء الذين يظنون أن التعالي على الناس [والرزَّة] تعني الجمود أو الوقاحة. هذا حقهم، وحقي هجرهم.
تعلمت مع السنوات أن لكل مقام مقال، في الإعلام والظهور العام وفي منابر الآخرين أكون جادا على مضض، وأمضغ الوقت بحذر شديد وقلق، وعندما تحين لحظة الأصدقاء أطلق العنان لكل نزقي .. تعلمت ألا أطأ ساحة الآخرين بالسخرية، وأن أمزح مع الصديق الذي يتقبل ذلك. وبالتدريج أتعلم تقليم هذونتي.
ليس مؤسفا أن يستخفَّ بك إنسان، أو أن يكون لديه حكم صارم تجاهك، هذا حقَّه. المؤسف أن تحترم إنسانا تظنُّه يحترم خياراتك وإذا به في النهاية أحد هؤلاء الذين يسخرون منك. القبيح حقا عندما يعاملك تظنَّه صديقا، ولطيف معك أمامك فقط، وعندما يجد الجد يفوح ما في فؤاده تجاهك وتعرف أنك أحمق!
وأعلم أنني أتعرض للسخرية، وأن كثيرين يهزأون بي وربما يشتمونني بالشتائم ذاتها التي أطلقتها بحماسة رعناء ضد نفسي. جلد الذات نداء ضمير وله ضرائبه. الذي لم أعد أتساهل معه هو ذلك السمج البغيض الذي يظن أنه من حقه أن أسمعه وأن أقبله في مساحتي. هُنا أعامل القبح بقبح أشد للأسف.
قضيت سنوات وسنوات واختياري لمن حولي كان مبنيا على تشابه العيوب، جانبي القبيح الذي يشبه جانبهم القبيح. كنت أتحمَّل التسميم والسخرية من من؟ من هؤلاء الذين أسميتهم أصدقاء! لكل إنسان طاقة احتمال، وأعترف أنني كنت غبيا في اختيارت كثيرة، منها قبول التسميم للحفاظ على هذه الصداقات.
قاسٍ جدا ذلك الشعور عندما تشعر أنك "أحمق" تلك الفورة العاطفية من اللطف والشعور أن العالم بخير، أن تحترم إنسانا وتظنُّ أن ذلك الاحترام متبادل، صفعة شديدة على النفس عندما يظنَّك [لوح] .. وأنَّه سبب تجريحه لك هو أنَّ كثيرين يجرّحونك، هُنا تعلمت أن أبتعد، وأهجر، وأنسى القائل والمقول.
لم أعش حياة لطيفة أو سهلة،عشر سنواتٍ من حياتي كانت تلف وتدور حول كابوس خسارة الأمل والذات والرغبة في الحياة الاجتماعية، كم أشقاني أن أصدقاءَ لي تعاملوا مع هذه الحقيقة كأمر واقع، حد تبرير تصرفاتهم تجاهي، لماذا تفعل ذلك؟ لأنَّ أملك مقطوع في حياة اجتماعية، أنت مجنون ومريض، تقبل ذلك!
"لقد احترقت" .. "ليس لك أمل في الحياة" .. "سمعتك سيئة" .. أنت كرت محروق، وغيرها من الإسقاطات التي يظنُّ البعض أن القوانين التي وضعها لنفسه تنطبق على الجَميع. المريض نفسيا، والعاقل والمجنون كلهم يحتاجون لحياة اجتماعية، وأصدقاء، وبدونهم قد تفتك بك أمراض النفس حتى تخسر نفسك كليا.
وحياتي هذه الغريبة الواضحة المعقدة، ألتقي بصديق في الخوض أسلَّم عليه، معه شخص قبيح الهيأة، يقطرُ قماءة يقول لي بجانب صديقه: - طلعت تعرف هذا السبال! أرمقه بنظرة غضب وأتوفز للمواجهة. يسحبني صديقه عن المواجهة ويكمل: - بعده ما يعجبه! عجب حالموه متسبّل ومقاطعك في كل مكان! وحدث الصدام
يشهد الله أنني أمقت جانبي القبيح، ما أقبحه! والتصالح مع الذات لا يعني أن تقبل قبحك كأنه حق من حقوقك. وكم أكره الحياة عندما أوضع في موقف أضطر فيه لرد القبح بالقبح، يؤسفني أنني أفعل ذلك، وأبالغ في ردة الفعل، ولا أعبأ بالخسارات، الذي يؤذيني أؤذيه ولو بعد حين. للأسف الشديد.
وموقف آخر في لقاء مع أصدقاء، يقول أحدهم بصدق تام: كنت أتابعه في فترة ما، كان قذرا! النظرات ترمقني وأنا صامت. لم أغضب وقلت له بهدوء: كلانا يحتقر ذلك الشخص، أمنيتي في هذه الحياة أنني لم أعد ذلك الإنسان. نعم، إنني أحتقر كل تصرف قبيح صدر مني، لكنني لا أعتبره نهائيا، وأؤمن بالتغيير.
لم أعد مجنونا وأحاول تغيير طبائعي، هذا صعب للغاية، صرت أنتبه لتصرفاتي وسلوكي وهذا ما بذلت سنوات متعبة لتغييره، تقبل حقيقة أنَّك مجرَّد بقايا إنسان وأن صورتك الاجتماعية المتناقضة والمحاط بها تأويلات كثيرة مأساة يجب تقبلها هذا هو الغباء. لكل إنسان حق في الحياة مهما كان عبيطا!
وكم أحب الأنقياء، هؤلاء الطيبين الذين يتعاملون مع الآخرين بسماحة. كم أتمنى أن أكون من هؤلاء الذين يسامحون، أصمت لكنني أتراكمُ من الداخل، وأعرف نفسي جيدا، ولذلك صرت لا أترك مجالا لهذا التراكم، إما صدام يوقفه أو ابتعاد يعطّل ذلك القريب اللئيم الذي يمقتك ويبتسم لك ابتسامة صفراء.
وهذه هي الحياة، لن تخلو من الأكدار. نصيب المرء أن يجد توازنا يعيش فيه ويتعايش به. لست يائسا، لست شاطحا في الأمل، كلما أتذكر أنني مع عائلتي، وتصالحت مع والدي، وأنني عدت لوطني وفتحت صفحة جديدة أقول لنفسي: اشكر نعم الله عليك يا معاوية. جزاك الله كل الخير أيها السلطان هيثم.

حِكاية انتصار:

 كيف بدأت الحكاية؟ كعادة الذكريات الجميلة، بدأت بصدفةٍ غير مُخططة. عادل الكاسبي! قبل السرد دعوني أخبركم قليلا عن عادل. إنَّه صديق، وأعتزُّ بصداقته وهذه الكلمة لم تأت من فراغ، لقد مررنا باختبار الصداقات الصعب، وكان أن ظلمتُه يوما ما بسوء ظنٍّ منّي، وكدنا نفترق.
لم يحدث الفراق الكبير كما كنت أظنُّ. تعامل عادل بحلم وعندما عدتُ له معتذرا اكتشفت أنَّه وضع ألف عذر لي، ولم يكن بحاجةٍ لما بعد الألف من الأعذار، عُدنا لهذه الصداقة، رغم اختلافنا الفكري اتفقنا على شيء، أنَّ الصداقة كنز ثمين يستحق أن نحافظ عليه، على هذا اتفقنا، وعلى هذا نمضي.
وكيف بدأت حكاية الانتصار هذه؟ بتغريدة من هذا الصديق المشاكس المشاغب، يريد أن يتحدى [المهذون] هكذا قالها! حاف، دون لفظة [الأكبر] التي استمرأ أن يتجاهلها، عدائية شطرنجيَّة تعني الكثير: هذا الشخص ليس مبتدئا، وإنَّه يعلمُ أنَّ معركةً ستحدث، وتحديا سيكون، ووافقتُ، وبعدها بدأت الحكاية.
تويتر الذي اعتادَ أن يفرَّق جمعَ هذه المرَّة. رئيس اللجنة العُمانية للشطرنج يحيي هذه المباراة بين اثنين من المبتدئين ذوي الغشامة الشطرنجية البيَّنة. ثم تأتي المفاجأة، مدرِّب المنتخب العماني للشطرنج سيحضر المباراة! أي ربكة هذه! ألا يكفي عادل وحماسته! الضغط يصل لأقصاه!
وتأتي الدعوة الكريمة، مقهى @solocafe_om يقدم الدعوة للمتحاربين لتكون أرض المعركة في الخوض العظيمة! كنت متوترا بمعنى الكلمة! هذا المتحدي الصديق الذي بالغَ في عدائيته الشطرنجية حد مخاطبتي بلقب [المهذون] حاف! متجاهلا السنوات التي قضيتها لما بعده من صفة! خصم جديد! لا أعرف طرقه وحيله!
اكتملت أركان حكاية من حكايات الذاكرة. اللجنة العُمانية للشطرنج تحتفي بالمباراة، يا إلهي! أي لطفٍ يبدونه لبغمان الشطرنج! مبتدئين تُزكم أخطاؤهم أنوف اللاعبين الكبار. وصلتُ للمقهى، اتصلت بعادل ثلاث مرات ولم يرد. كنت أتصل بشخص آخر سجلت اسمه بالخطأ مكان عادل! ماريو وسوالفه!
يصل مدرب المنتخب العُماني للشطرنج. التوتر يرتفع إلى أقصاه، من جانبٍ كلُّ يلعب مع خصم غريب عليه في رقعة الشطرنج، وبجانبنا مدرب المنتخب! من ستحاول أن تثبت براعتك له! خصمك أم الخصم الخفي! المدرّب الذي يقرأ عقولنا، اللاعبُ السريُّ الذي أربك المكان ورفع حرارة المواجهة.
وصلت أوُّل الهدايا، رقعة شطرنج كبيرة الحجم وساعةٌ مخصصة للمباريات لمن هم أعلى من مستوى [بغام]. بدأت معركة المبتدئين، الحكم يشرح لنا القوانين، القرعة تتم، سأبدأ المعركة بالأحجار الغامقة، عادل يبدأ بالأحجار الفاتحة، ومباراة تبدأ من الصفر. التوتر يحرق الهواء، والمباراة بدأت.
حرَّك عادل أحجاره بهجوميَّة شرسة. كاميكازيُّ بمعنى الكلمة. توتّرت أكثر مما كنتُ متوترا، لعب بكفاءة عالية. حاولت تذكر الدروس النظرية قدر استطاعتي ولكن هذا اللاعب ليس لقمة سائغة، قدَّم لي هديةً على طبقٍ من ذهب، افترستُ الحصان لأكتشف النهاية المريرة. كش ملك مات! لقد خسرت أول مباراة!
ارتفعت حرارة رأسي. المباراة تنقل على الهواء مباشرة، وهذا لاعب هجومي لا يترك لك فرصة للتنفس. كان حصانا مسموما والنهاية خسارةٌ مروّعة. صفّت جنود المعركة، الأحجار الفاتحة هذه المرَّة من نصيبي، الهزيمة قامت بفعلها، التوتر يُحرق أصابعي، ضبطت تنفسي وبدأتُ ألعبُ بتركيز أكبر.
غبت عن الوجود، القلق يحرق رأسي والتركيز يكلّفني الكثير. ركّزت في الوقت، وحاولت كل ما بوسعي لأهجمَ كما يهجم. انتظرتُ فرصةً واحدة لأتنفسَ من الهجمات المتتالية، وجدت ردة الفعل، انتهزتُها، قلبي يخفق قلقا، توترنا كلنا، ومرَّت المباراة بسلام، كش ملك مات، لقد تعادلنا، وبقيت الحاسمة!
بقيت مباراة، أمام الأصدقاء، تبثُّ على الهواء. العدائية التي يلعب بها عادل أرهقتني بمعنى الكلمة، لم أنتبه إلى شيء، هو كذلك مُرهق. المباراة الثالثة كانت كارثة بالنسبة لي، ألعب بالأحجار الغامقة، التعادل يكفيني لأفوز، ولكن أي فوز هذا بالتعادل! ستكون معركة صعبة!
نسيت وجود مدرِّب المنتخب، نسيت أن المباراة تبث، بدأت أطبق بعض تمارين التنفس، عقلي مرهق بشدَّة، وكلانا يلعبُ من أجل الفوز، الجوائز التي أعلنها بعض المغردين جعلت الأمر أصعب. زجاجة عسل، عزيمة، رحلة! يا إلهي، كل هذا في لعبة بين مبتدئَيْن؟ المباراة الأخيرة، الفوز، أو الخسارة!
بدأ اللعب، لا مجال فيه للتنفس، عادل يهاجم بضراوة، أخذت مقاربة دفاعية، عقلي لا يستطيع التفكير. القطع مفتوحة، والفيل، والوزير يتحركان بحماسة دبيان لاسعة. الوقت يحاصرنا، وكلانا خانَه تركيزه في نقلات صعبة. خطأ فادح مني لم ينتبه له، وخطأ فادح منه لم أنتبه له. مباراة عجائبية!
نسيتُ أين توضع هذه المباريات في عالم المحترفين، إنهم يضحكون الآن فما حدث كان كوميديا بمعنى الكلمة بالنسبة للاعب كبير، كنتُ وعادل في وضعٍ آخر. الأمر جاد، أحدنا سيفوز، والآخر سيخسر، مدرب المنتخب يشجعنا ويرفع من معنوياتنا. مبارة هجومية، وعقول محترقة، ومنهكة، والوقت يحاصرنا.
تساقطت القطع، الكفَّة غير واضحة، الرقعة مفتوحة. بقيت دقيقتان، خطأ كبير مني، خطأ كبير منه، سقط الوزير، القلاع تتحرك، الفيل والقلعة في الصف السابع، جنديّه يتقرب من التوزير، كادت قلعتي أن تكون هدية لفيلٍ جاهز للفتك بها. التركيز في الحضيض، واللعبة مشتعلة!
الدقيقة الأخيرة، اللاعبان مرهقان، الوقت لا يسمح بالتفكير، النقلات تتسارع، ألعبُ أقربُ لعبة ممكنة. لقد فزتُ، لكنني كنت غارقا في عالمٍ آخر، ألعب شبه غائب، لم أعرف أنني فزت بالمباراة الثانية، وأن المواجهة خُتمت. يخبرني عادل فقط: لقد انتهت المباراة؟ ماذا؟ انتهت!
نهاية عصر الأدمغة، لقد انتهت المُباراة! ولكن عزيزي القارئ، هل تظن أن هذه حكاية الانتصار التي جئت أسردها؟ فوزي في جولة شطرنج عاديَّة؟ كلا يا صديقي. الانتصار كان في مكان آخر، انتصار صديقين ظفرا بذكرى نادرة سوف يحكونها ذات يوم. عندما لعب البغمان أمام مدرب المنتخب! هنا انتصرنا.
من تحدٍ بين صديقين، إلى حزمة فعاليات قادمة، حماسة شطرنجيَّة. أن يراقب لعبتك مدرِّب محترف. لقد انتصرنا، صنعنا الذكرى التي لم نعشها من قبل. جرّبنا الساعة! والشعور الآلي بضرورة الضغط عليها بعد اللعب! كل ذلك كان جديداً. أخذنا دقائق حتى نعود إلى عقولنا. انتهى التعب وبدأت المغايظة.
يصافحني عادل بحرارة ويبارك لي، ثم يقولها "الفائز هو المهذون الأكبر" لم ينسَ هذه المرَّة صفتي الهذونية الأعز إلى قلبي. هدأ اشتعال العقول، لم تعد أصابعنا تحترق بجمر التحدي وقلق الخوف من الخطأ الفادح. مدرب المنتخب يخبرنا عن لعبتنا، ويحللُ ما حدث بها.
عُدنا إلى واقع الحياة، الخطط تصنعُ نفسها، اللقاءات مع الشطرنجُ، المتعطشون للعب، وللتعلم. المحترفون يضحكون ويقدرون حماسة المبتدئين، الفائز له هدية، رقعة الشطرنج له، وساعة لعبٍ مخصصة للشطرنج أيضا هدية له. هل هذه حكاية الانتصار؟ كلَّا يا عزيزي القارئ. الحكاية في مكان آخر.
الحكايات، تبدأ باللقاء وتنتهي بفراقٍ مع وعدٍ لقاء. اللجنة العُمانية للشطرنج تتلطف باثنين من المبتدئين، نناقش المدرب بحماسة، لقد عشنا شعور الضغط على ساعةِ اللعب لأوّل مرَّة! لقد اكتملت أركان الذكرى الجَميلة. لقد انتصرنا . والقادم أجمل بإذن الله. شكرا لك يا عادل @adil_alkasbi
+
لم 

الأربعاء، 27 أكتوبر 2021

المحروم في عصر الرأسمالية!

 

 

لك الله أيها الكيتونيُّ الصابر. أيها المحروم في عصر الرأسمالية المتخمة بالسكريَّات، والنشويَّات. تقضي أيامَك الكيتونيَّة دامع العينين، مكسور الفؤاد، شاحب الوجدان. إن ذهبت للمقهى فمن حولَك يأكل ما لذَّ وطابَ من الفطائر والبسكويت، وإن زرتَ مع الرفاق مطعما للغداء تداهمك رائحة الخُبز، والأرز المعدِّ بعنايةٍ في أفرانِ الزمن الجديد. تدمعُ عينَك وتتوق نفسك لأيامِك الغبراء، عندما أطلقت العنان لشهوة البطنِ التي تحمل دهونَها الثقيلة وتمشي بها في رحاب كوكب الأرض الشاسع. لك الله أيها الكيتونيُّ المحروم، الصابر على نفسك، المدرِّب لإرادتك الجديدة عليك.

كيف يعيش الكيتونيُّ في هذا الكوكب؟ ذلك الذي لا يعيشُ في غابةٍ، أو سهلٍ، أو جبلٍ يحصدُ منه ما أراد من لقمة البقاء؟ في عصرِ بيع السكِّر الملوِّن في كل مكان. الخبزُ هو سيد الموقف في الزمن الجديد. أمَّا الماءُ المعطَّر بالنكهات المتصارعة فقد شقَّ طريقه ليصبح ضرورةً ترفيَّة أنيقة. وأنتَ ماذا تفعل؟ تبحثُ عن الدهون، والبروتين وتحفر في ذاكرتِك عن فرحة الميزان المبلِّغ بالأنباء السعيدة. لقد نزلت القليل من الكيلوغرامات، وهذا يكفيك لتواصل المشوار.

الانقطاع عن السكريَّت، والخبز، والحلويات، والمياه الغازيَّة قرارٌ صعبٌ في عالمنا الحاليُّ. أزمةُ الغذاءِ جعلتنا ندمن قصب السكَّر. يبدو الجميع حولنا متصالحا مع هذه الحقيقة، القليل من اللحوم والكثير من الإضافات، الجُبنة، وبعض الخضروات المزروعة في صوبةٍ زجاجية طُحنت تربتُها بالأسمدة الصناعية.

كم أنت متعبُ أيها الكيتوني، تقاتلُ طبيعتك السابقة، وعادات العالمِ حولَك، غريبٌ أنتَ في مسعاك، تعيسٌ أنت في زحام الناس، تتضوّر رغبةً وتقاوم وتتذكر بعض الحسنات في هذا النظام الغذائي. تحسَّن النومُ، تركيزك يرتفع، وزنك ينخفض، تستيقظ عدَّة مرَّات في الليلة الواحدة، تُبكرُ في نشاطك اليومي، مزاجك أفضل حالا مما كان عليه، ورغبتك في التغيير تستولي عليك. كان نمطا سيئا من أنماط الاختيارات الغذائي وهذا ما يجب عليك فعله، هذا ما تريده، من أجل صحتك.

الكيتونيُّ الرياضي، ولا سيما ذلك الدراج يعلم جيدا أهمية قصف بعض الكيلوغرامات من الدهون المحتشدة من السرَّة للركبة، السكّرُ في الدم لا يتجاوز الثلاثة أو الأربعة، والجسد يتعوَّد تدريجيا على المحرِّك الجانبيّ الكيتوني. تعاسةٌ نهايتها طمأنينة. لك الله إن صبرت، فقد أحسنت في حق جسدك، وإن له حقا عليك. طوبى لك أيها المحروم، فإن ثبتَّ فقد جنبت نفسك التشوق الصعب لجرعات الدوبامين وغيره من الأطايب الدماغية، السكُّر الذي يحيي لحظتك ويميت خطتك للنجاة في هذه الحياة، للبقاء. الكيتونيُّ الذي يخطو خطواته الأولى ليجعل ذلك نمط حياة، هذه ليست مرحلة، هذا قرارٌ لتفهمَ أن الطاقة الحيوية جبّارة، وأن فطيرة من المعجَّنات تكفيك لتمشي كيلومتراتٍ لم تكن لتتوقعها وأنتَ تبالغُ في التهام الكربوهيدرات، وكأنَ الألياف لا تأتي إلا من الرزِّ والخبز، قاوم ما استطعتَ، لا أجملَ من النتيجة النهائية، وتذكَّر أيها التعيس، النهاية الجميلة. ثبّت العادات الجديدة، ستعود إلى مقدار معقول من السكّر، الخضار، والحمّص والجزر، وستعود طاقتك للرياضة، ووقتها ستشكر نفسك على صبرك، وعلى تعاستك في هذا العالم السكري الذي أصبح يخلط الماء والسكر ويلوّنه فقط لأن القطعان لم تعد تكفي الجميع. صبرا أيها الكيتوني، فإن النهاية تستحق.

 

 

 

 

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

يوم الشباب

 

 

سأكتبُ هُنا. ربما لأنَّ الكتابة لا تخلو من بعض الثوريَّة ضد مبناها، أما معناها فهو ثائر بالفطرة، ربما ليس في هذا السرد العادي. عاد تويتر إلى عادته الغبراء، شُحن بالغضبِ والقنوطِ والحقدِ وأصبح مَرتعاً لنفوسٍ أعرف ماهيَّتها جيدا، كنتُ منها لسنواتٍ قبل أن أنتبِه إلى ضرورة تخليص المرء لنفسِه من نفسِه.

كان يوما مُرهقا، استيقظت على غير عادتي في السابعة صباحا، ثمَّ ذهبت إلى مقرِّ شركة [مواصلات] اليوم فعاليةٌ برعاية وزارة الشباب والثقافة والرياضة، رحلةٌ في أرجاء مسقط بالحافلة. عادت بي ذكريات الغُربة، والحافلات التي لا خيار غيرَها يناسبُ لاجئا مُفلسا، من مقرِّ مواصلات إلى المُتحف الوطني إلى مول مسقط في المعبيلة سيتي. من هُناك إلى السوادي، لماذا؟ لأنَّ عرضا للرياضات الجويَّة كان يفترض أن يحدث قبل غروب الشمس، الهواء خرَّب الخطط ولم يطر كثيرون. من السوادي إلى مسقط إلى عصابةِ الدفع الرباعي ونقاش لا ينتهي عن خططنا القادمة. اللغة جافَّة، والدماغ ممتلئ بالتعب، ويجب أن أنقرض إلى النوم، لا يمكن اشتهاء الكتابة وأنت متعب، ولا يمكن أن تقضي وطرك وذهنك مرهق حد الاكتفاء بهذه السطور البسيطة.