بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 مارس 2022

حكايتي مع فريق ميزان لصناعة المحتوى الرقمي

 

 

دخلتُ عالمَ الكتابة اليومية في مواقع الإنترنت عام [2002] وترافق ذلك مع قبولي كطالبٍ جامعي في الجامعة، واتخاذي للقرار الأكبر في حياتي بالخروج من الدراسة الجامعية ومحاولة السعي في الحياة لأعيش تجربتي ككاتب. كان ذلك قراراً غبيا، ويأتي معه منهج في الحياة مبني على الصعلكة، والاستخفاف بالحياة، ومباهجها، وأيضا العيش على القليل. الصورة النمطية عن الكتابة والكتاب في العالمِ العربي سيئة بما فيه الكفاية لكيلا يراهن إنسانٌ مطلقا على أن يأكل رزقه من الكتابة.

مرت من السنوات ما يكفي لأتيقن من ذلك، واضطررت للعمل في وظائف بسيطة كانت أبرزها كموظف في مقهى إنترنت، وهُناك وجدت بغيتي من الحياة ككاتب، وهدفي الكبير، قضاء أكبر قدر ممكن من الساعات في الكتابة، وأقل قدر من الساعات في ملاحقة شؤون الحياة، ولذلك كونت كل عقائدي في الكتابة بناءً على هذا المنطق الأعوج، أن الكتابة والإبداع هي تضحيات يقوم بها الإنسان من وقته الخاص، ولن تتجاوز في أحسن الظروف ما يشبه العمل الخيري، أو التضحية بالوقت، أو زكاة العقول.

دخلت عالم التدوين المكتوب من أوسع أبوابِه عندما سمحت ظروف العصر التقني الحديث بإنشاء مدونات على صفحات الإنترنت، هُناك وجدت الأفق الذي كنت أبحث عنه في ذلك العُمر العشريني المشحون بالغرور، ووهم القدرة على تغيير العالم، وغير ذلكم من فقه الاستعجال الذي يطبقه العشريني الكلاسيكي، قمت بكتابة آلاف مؤلفة من الصفحات، وغيرت مساري في الكتابة بعد نشر كتابين لأتحول إلى مدونٍ محترف، مع الوقت أصبحتُ أجد دخلا لا بأس به نتيجة الجهد الكبير الذي أقوم به، ففضلا عن تطور مهاراتي في الكتابة صرتُ أجد فرصا في الإعلام، وساعدتني علاقتي مع المجتمع الكبير على تكوين تأثيرٍ لا بأس به كان في بدايته نافعاً، ومنصبا في كتابة الأدب الساخر، والتدوين الساخر ولكنه للأسف الشديد تحول بعد سنوات إلى حالة من الانهيار لا علاقة له بشؤون الكتابة بقدر ما كانت له علاقة بحالتي الشخصية، وما دخلت فيه من معمعة سياسية، واجتماعية، وشخصية، ونفسية فضلا عن هواية إدمان المخدرات التي رافقتني لسنواتٍ من عُمري. هُنا وفي تلك الظروف التعيسة وعندما أصبحت المأساة أكبر من قدرة الكلمات على وصفها تحولت إلى التدوين المرئي، ومنه بدأت تجربة أخرى لم أكن أعلم أنها ستكون مصدر دخل ورزق لي لفترة امتدت للعامين، لم يبدأ هذان العامان قبل عشر سنواتٍ من التشتت والضياع شعرتُ فيها أنني خسرت موهبتي في الكتابة للأبد وأنني لن أعود مطلقا إلى العالم الذي أجيده، عالم رصف الطرق المسفلتة بكل هذا الحبر الذي يُكتب [دون حبر]. عشت لسنوات في مجال التدوين المرئي حتى أتقنته وصرتُ وجها معروفا وصوتا معلوماً في مجتمعي، وخُتمت كل هذه التجارب بشطحة عُمرها أربع سنوات ظننت فيها أنني هاجرت من بلادي قبل أن أعودَ إليها في تيسير ربّاني لن تكفيني الأعمار لأشكر الله عليه، أو لأرد جميله لمن سببه. هُناك أصبح سؤال [لقمة العيش] ملحا! بعد كل هذه السنوات في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد تأسيسي لمنصات أصبحت تدر علي المال الكافي لدفع الإيجار ودفع مصاريف القهوة، دخلت في حالة من الصراع الوجودي حول خيارات الحياة، ولأن الكتابة تنتصر في دمي دائما، أدى ذلك إلى إهمالي الجانب التجاري الذي يضع الخبز في طاولة العشاء لأهتم بمجالٍ لستُ فيه بالضليع، وهُنا قضيت عامين بلا كتابة أصبُّ كل ما يخطر في ذهني في تغريدات في تويتر، وأحاول قدر الإمكان أن أجعل جهدي على هيئة محتوى بصري يتناسبُ مع كسل المتلقي وكثرة خياراته [المختصرة] في فنون صناعة المحتوى في الجيل الجديد. استمر هذا الوضع حتى اكتشفت في يومٍ من الأيام فريقا عُمانيا اسمه [ميزان] لصناعة المحتوى الرقمي. لفتني الاسم مباشرة، ولذلك تواصلتُ مع الفريق على أمل أنني سأجد بغيتي فيه. تتلخص كل طموحاتي في أن تقوم مؤسسة تفهم عمل الإبداع، وتعرف موازينه في إدارة منصاتي، مؤسسة تتركني لأتفرغ لوضع النصوص الخام كما أفعل في هذه التدوينة التي أسرد فيها حكايتي وتحولها هي إلى مختصرات مرئية أو مكتوبة في المنصات الشهيرة، هذا كان سيجعلني في وضع حياتي أفضل، ورفع عن كاهل الشؤون التي لا أتقنها. عندما تواصلت مع ميزان، شعرت بالأمل نتيجة حماسة الشباب، ولكن ولسوء حظي الفريق في بدايته، وحتى هذه اللحظة لم يكونوا على رغبةٍ في التعامل مع مبدعٍ صعب كحالتي، فأنا مزاجي، لا أسكن ولا أستقر، وكذلك كثير الكلام، ومشتت. قررت أن أمنحهم القدرة على إدارة منصاتي في مواقع التواصل الاجتماعي، وفهمت منهم أنهم يقدمون خدمات إبداعية معقولة القيمة، ولا سيما لشخص في حالتي لا يريد سوى القيام بالمهمة الإبداعية، أما غير ذلك، فمستعد لتجاهل هاتفي مهما كان عدد الذين تواصلوا معي من أجل الدخول في مجازفة الاستماع إلى موسوعة في علم النفس، أو للتعرف على عالم جديد من عوالم التاريخ، أو للخوض أكثر في المواضيع الحمقاء التي أحبها مثل أوهام قراءة عقول الآخرين، أو مجالاتي المهارية التي أدرّب فيها بين الفينة والأخرى مثل الكتابة السريعة أو حفظ القرآن بالكتابة. كانت النتيجة سريعة، فعلى الصعيد المرئي وجدت نتيجة مذهلة في فارق الجودة الذي قام به الفريق وبين ما كنت أقوم به من هاتفي الشخصي، كذلك، قدم لي الفريق استشارات فنية، وجهز لي شؤون التصوير، وتحويل السيناريو الذي أكتبه إلى واقع مصوّر، كل هذا أدهشني لأن مجالي الرئيسي الذي أكسبه منه رزقي هو التدوين المرئي، الذي أزعجني هو عدم قدرة الفريق على التعامل مع طاقتي المُنتجة في الكتابة، ومع أنني وضعت لهم النقاط على الحروف فوجئت أن ما أطلبه صعب للغاية، وقد يحتاج مني للقيام بتدريب بعض أفراده لكي يتعاملوا مع حالة إنتاج النصوص كما يقومون بالتعامل مع حالة إنتاج المواد المرئية. لقد حلت بعض الخلافات بسرعة، فمثلا أنا كشخص أقترب من الأربعين لا أريد أن أنشر مواد قصيرة، بعد استشارة المختصين في جوانب الإبداع البصري اقتنعت أن أفعل ذلك في تطبيق [الانستغرام] وفعلا، رأيت تحسنا كبيرا في عدد المتابعين، وبالتالي زاد عدد الذين يريدون أن أصنع لهم محتوى إعلاني في منصاتي، كذلك، لم أعد مضطرا للتواصل مع عدد كبير من المُعلنين، وبدأت أعود إلى عالم الكتابة سعيدا بهذا الإنجاز، لم يستمر هذا طويلا. شعرت بالانزعاج لأن الفريق الذي أعمل معه صغير، بحثت عن شركة تقدم لي هذه الخدمات فوجدت أن أسعارهم غالية جدا مقارنة بهذا الفريق الذي يضع هدفه الربح المعقول مقابل تقديم خدمات إبداعية معقولة للمبدعين، قررت الاستمرار في التعاقد معهم، وبدأت أقوم ببعض الجهد لإيضاح ما أريده، اضطررت في النهاية لعقد اجتماعات مطولة معهم لشرح ما أريده وشعرتُ بعض تعبٍ أنهم تحمسوا لفكرتي، وفهموا ما أريده تماما. بعدها بدأت تأخذ تجربتي معهم منحنى مختلف، وبقي لي إدارة حساب تويتر التي لا تعجبني حتى هذه اللحظة، فهي بطيئة، وغير منتجة، وكذلك تغفل عنما أصبه من منتج لغوي يومي كان يمكنه أن يتحول إلى مئات التغريدات إن تفرغَ لها المسؤول عن ذلك. كلمت مسؤول الفريق وشرح لي أنني أمر في فترة تجريبية، وأنني أضغط عليهم كثيرا، وأنني يجب أن أصبر بعض الشيء، هذا أزعجني بكل معاني الكلمة، فأن تقول لشخص يعيش موسم كتابة مثمر [اصبر] كأنك تقول له قم بتعطيل عقلك حتى أستطيع استيعاب طاقته! ليس لدي خيارات أخرى ولذلك قررت مواصلة التعامل مع فريق ميزان.

اليوم عدت من اجتماع مطول معهم، لأكتشف أنني كنت أطلب الكثير مقابل القليل، فهذا الفريق يعمل ساعات طويلة بمقابل ضئيل، وأيضا علمتُ أن رئيس القسم الإبداعي هو شخص يشبهني كثيرا، مشتت، ومبعثر، تواصلت معه ونصحني أن أجرب عمل كل واحد منهم لأجد اللغة التي تمكنني من شرح ما أريده لهم، قمت بذلك اليوم، واقتنيت آلة تصوير، وشرحت للشخص الذي يمسك منصاتي اللغوية ما أريده بالتحديد، اكتشفت أيضا أنهم يقومون بخدمات أخرى لها علاقة بالكتابة ونشر الكتب ولكن لأنني كتبت من قبل، ونشرت من قبل قررت عدم المجازفة في نشر كتبي مع فريق جديد حتى أرى كاتبا متحققا نشر لديهم، ومنها سأدرس وضعي معهم وإن كانوا سيقومون بتقديم خدمة جيدة لي ولا سيما وأن لدي آلاف الصفحات التي تحتاج إلى تعديل، وتنقيح، ومراجعة، الذي أعرفه حتى هذه اللحظة أنني وجدت فريقا متكاملا يقوم بإراحة ذهني من عناء التفكير في الشؤون الإدارية والمالية، سمح لي ذلك أن أقدم مقترحات إبداعية أفضل، وأن أغلق هاتفي وقت ما أشاء، وأن أقدم مادة مسبقة يتم نشرها في منصاتي لتبقى نشطة حتى وإن لم أكن نشطا، فما أكتبه في تدوينة واحدة قد يكفي ليجعل حسابا آخر نشطا لأسابيع، ولكنني غير مستعد لتفويت فرصة نشاط حسابي، ولذلك وجدت هذه الفكرة صالحة لي.

إن كان فريق ميزان سوف يقرأ هذا الكلام، أتمنى ألا تزعجهم صراحتي، أتمنى منهم جهدا أكبر، وأفضل، بل وأعرض مساعدتي وخدماتي الاستشارية لهم إن كانت ستنفعهم، فالمشروع عُماني، ويريدون تحقيق هذه الرؤية في قادم الأيام، أن يكون المشروع عُمانيا بنسبة مائة بالمئة في كل الموظفين. أعلم أنني مؤسس هذا الفريق، وأعلم أنني المبدع الصعب الذي يجب عليهم أن يتأقلموا مع صعوبته، وأؤمن بهم، ومتقين أن الأيام ستأتي لتحمل معها أخبارا جيدة ونموذجا في العمل الإبداعي جديد كل الجدة، قليل التكلفة، ونعم ليس نموذجا رأسماليا يصب المال صبا، ولكنه على الأقل يكفي لحفظ الفرص التي أهدرت بسبب قيامي بمهام لست بارعا فيها، مثل الفوترة، وتقسيم المهام، والمهمة الأقسى والأصعب بالنسبة لي: الجدولة.

أشعر بالراحة وكثير من الحرية بعد تجربتي الأولى مع ميزان، وأعلم أنني المبدع الأوَّل الذين يتعاملون معه، هذه تجربتي حتى هذه اللحظة، أتمنى منهم التعامل مع حسابي في تويتر بمنهج مختلف، وكذلك أنا على استعداد لإعطائهم دورات مجانية في مجال الكتابة السريعة، والطباعة، وكل ما يرفع كفاءتهم مع لوحة المفاتيح، هذا عصر السرعة، ولا يجب أن يكون الرجل الذي يكاد أن يطرق باب الأربعين أسرع من هؤلاء العشرينيين الذين لا يعرفون أي كنوز تحتويها عقولهم، وأي منجزات تستطيع طاقتهم فعلها.

 

هذا ملخص أسبوعي الثاني مع فريق ميزان، أتمنى أن أحمل للقارئ الكريم، ولزميلي في عالم الإبداع أخبارا أجمل في قادم الأيام، حتى هذه اللحظة، أظن أن الفريق جاهز على صعيد الإنتاج البصري، ومبدع في هذه المجالات وخبرته تفوق خبرتي بمراحل، أما على صعيد التعامل مع النص المكتوب، وانتقائه، وتسويقه، أظن أن كثيرا من العمل يجب أن يتم من قبلهم قبل أن أقرر المجازفة بنشر كتاب من كتبي عبر هذا الفريق. بهذا الوضع الحالي، أظن أنني سأذهب إلى إحدى خياراتي السابقة، فما يفعلونه في عالم التدوين المرئي لي كافٍ وزيادة، وربما قد لا أحتاج لخدماتهم في مجالي هذا. لا أعرف! ربما سوف يقومون بإقناعي بشيء مختلف في الاجتماع القادم معهم!

 

تحياتي لفريق ميزان لصناعة المحتوى الرقمي

ماريو

مؤسس الفريق

 

عن استجواب وزير الإعلام

 خطوة جيدة، وأتمنى للدكتور عبد الله الحراصي أن يفهم أن جميع الآراء التي سترد ستساعده قبل الجميع على تفعيل دور الإعلام، وإيقاف مسلسل إعاقة العمل الإبداعي، والتدخل المبالغ فيه، وعسى أن يؤدي ذلك إلى تحديد صلاحيات واضحة للرقيب الإعلامي!

لا إبداع بدون إعلام تفاعلي يفهم ظروف العصر الجديد. وانتهاج مبدأ التشديد المبالغ فيه، والرقابة المبنية على فرض [هيبة الرقيب الإداري] لا تفلح في صناعة واقع إعلامي حكومي أو خاص مؤثر. ومن يريد مصلحة المجتمع أولا وأخيرا، فليجازف بالمعقول، وليجرب في حدود الممكن. وليكن القانون حكما.
وهذا السؤال الكبير يبقى معلقا! الإمكانية القانونية للتعبير عن الرأي وسقفها المحدد بالقانون أعلى بكثير عن تلك التي يتم تناولها في وزارة الإعلام؟ لماذا يا تُرى؟ أعلم أن وزارة الإعلام ليست شخصا واحدا، ولكن للوزير صلاحيات تمكنه من الدفع بعملية التغيير للأحسن، نحو إعلام تفاعلي عصري.
وأظنُّ أن خير ما يتيح للإعلام أداء رسالته هو فصل دور الرقيب عن الإعلامي، لا أقول ذلك انتقاصا من أحدهما، ولكن لتسهيل العملية الإدارية، وفصل الصلاحيات، هذا كله سيؤدي إلى ضخ أنهار الكلمات والآراء عبر منصات الإعلام بالتوازي مع الفيضان الإلكتروني الذي لا مؤسسة تستطيع أن تحتويه.
وأتفهم أن الإعلام الحكومي له واجبات، وعليه مسؤوليات وخدمة الحكومة هدفه الرئيسي. ولكن هُناك تداخل بين عمل مؤسسة الإعلام وقطاع كبير جدا في الإعلام الخاص، وهذا التدخل والتداخل يعطل أحيانا أشياء قانونية جدا! ولا ضرر منها، لا يمنعها القانون ولكن يوقفها الرقيب الإعلامي وتحفظاته!
ونعم! أعلمُ أن كثيراً من الناس يرونَ أن صناعة شكليات مجلس الشورى [الإعلامية] وكونه يستجوب وزير الإعلام ستدخل في صراع الإرادات المؤسسية، وأن كثيرا من الناس سيرون هذا هو الحَسن في هذا الحراك البرلماني، ولكن هُناك قضايا أكبر في الإعلام، وقضية الرقابة أحدها. عسى أن يضطلع بها أحدهم.
والأمر متروك الآن لأعضاء مجلس الشورى، إما التقدم بأسئلة منهجية، والتواصل مع كل الذين عانوا من الرقابة الإعلامية بما في ذلك الإعلاميين، وإعلاميين القطاع الخاص، أو تحويل الأمر إلى صراع سلطات وصلاحيات، وهُنا، لا فائدة مسبقا من هذا الاستجواب إن كان سيبنى على هذا الصدام المعنوي.
وما المهم! أليست المصلحة العامة؟ أتمنى أن يُعان الإعلام الرسمي العُماني على نفسه، وأن ينتصر أحدهم للمدرسة الجديدة العصرية في الإعلام، الواقعية، تلك التي تعرف أن ظروف صناعة الإعلام ومؤسساته قد تغيرت للأبد بعد عصر الهواتف، والمودمات وربما قريبا، عوالم [الميتا] القادمة بقوة.
والأجيال الجديدة تنفصل كل يوم عن الواقع الإعلامي العُماني، الرتيب، الساكن، الكامن في مينائه "وما لهذا بنيت السفن" متى ستبحر سفينة الإعلام العُماني؟ومتى ستجازف للعبور بمنصات المجتمع الاولى إلى عالم الحوار،وتفاعلاته، ومتى ستدير باحترافية كل هذا الذي يُدار بشكل مرتجل حتى هذه اللحظة.
وماذا يريد مجلس الشورى؟ يريد صدى إعلامي؟ وأن يتوجه بخطابه للناس؟ ويقول لهم [ها أنا ذا؟] نعم هذا مفيد معنويا، ولكنه لا يغير إجراءً، ولا يعدّل لائحة. قضية الإعلام والآراء قضية تفصيلية، وأتمنى أن يستبق الأعضاء هذا الاستجواب لكي لا يتحول إلى سؤال مطاطي على شاكلة: ليش سويت كذاك؟
ومن معرفتي الشخصية الطويلة بالدكتور عبد الله الحراصي، هو عقل عبقري سريع البديهة، وعالم من علماء اللغة، ومترجم، ومثقف موسوعي لا أنصح أي عضو مجلس شورى أن يدخل في مماحكات عمومية معه. هو وزير، وضمن مؤسسة تنفيذية، ولذلك لغة الإجراء ستكون خيرا من أي لغة أخرى لن تفيد إعلاما ولا مجتمعا.
ومن أبسط الأسئلة التي أطرحها على الإعلام، سؤال: متى سوف تقوم الوزارة بإنشاء نظام سريع للرقابة على المطبوعات والنشر؟ ولماذا في هذا العصر المتسارع هذا التأجيل، والتأخير في الإجابة والاستجابة لقرارات الترخيص؟ هذه معضلة إدارية، وحلها لا يحتاج إلى معجزات أو تغييرات جذرية وهيكلية!
الأمر الآخر،من سيحدد اللائحة التنفيذية المفصلة لآلية تدخل الرقيب الإعلامي؟ومن الذي سيمايز بين ما هو قانوني، وبين ما هو خاضع لرأي الرقيب؟ فالمدارس النقدية مختلفة ومتفاوتة، وبعض التدخلات تستفز الإنسان، وتغضبه غضبا شديدا، ولا سيما عندما يتم خلط الملفات، والعمل بالتحيز الذاتي للرقيب.
وإن كان أحدهم يهتم، أي أحد، أي عضو مجلس شورى أو موظف لديه، رجائي كل الرجاء كعُماني أن يفهم كثيرون، أن هذا الرجل عقل عبقري من عقول عُمان النادرة، محاولة حصاره بالكلام، أو استخدام [طقم] الإنشاء، أو المجادلة! Good luck ستعرف هذا الرجل بعد أن تكلمه مرة واحدة! لا ينفع معه ذلك!
وأنا شخصيا ليس لدي ما أصف به تجربتي الطويلة مع وزارة الإعلام سوى بكلمة واحدة [الإحباط]. منظومة الإعلام منظومة كبيرة، وبها صراع مدارس نقدية لا يتوقف، وهي بيئة مُحبطة، وفاترة، وللأسف الشديد تكون أحيانا طاردة للإبداع، ومعيقة للكفاءات، كل هذا لأن النقاط لم توضع على الحروف! للأسف.
وما يحتاج الإعلام في عُمان أكبر بكثير مما يمكن لوزارة أن تفعله، أو وزير، هذا يحتاج إلى حوار ثقافي اجتماعي، وإلى إشراك كل الآراء، والعقول، وإلى ندوات وطنية، ودراسات، بل ومراكز أبحاث وغير ذلك، ماذا عساه أن يفعل الوزير حيال كل هذا الوضع المتراكم، شيء يسمح به القانون: لماذا تعرقله؟
وهذا ليس كلامي أنا فقط، هذا كلام مئات العقول في عمان، من مبدعين، وباحثين. لماذا يتجه الجميع إلى الإنترنت؟ لأن كلمة [وزارة الإعلام] تعني بالضرورة طوفان من التعقيدات، والإجراءات، والتأخير، بل وأحيانا التحيزات الذاتية للرقيب، وفي حالات كثيرة: تداخل الاختصاصات، وشخصية صنع القرار.
وأولا وأخيرا وخارج أي اعتبار آخر، أنا من تلاميذ الدكتور عبد الله الحراصي، وعملت معه في الموسوعة العمانية، وعرفته لسنوات وسنوات كصديق، ونعم الإنسان هو، رجل نبيل، ويكفي أنه زارني في السجن وتقبل مني وغفر لي ما قلته في شأنه. هذا كله كوم، وكونه وزير الإعلام! هُنا يبدأ الحزن! والخيبة!
لقد ظننت أن عقلا عبقريا في مركز قيادي مثل وزير الإعلام سيكفي للتصدي لذلك الطوفان الجارف من التفكير المعيق للإبداع، والمُجهض للمواهب، والمشتت للجهود، لم يكفِ، لا الدكتور عبد الله الحراصي، ولا أي وزير آخر، هذه المنظومة تحتاج لمراجعات شاملة بمعنى الكلمة. وتشريع جديد ..
وهذا ما أخاطب به الممثلين الرسميين لي كعماني فرد في مجلس الشورى، فإن أفادكم ما يقوله هذا المجرب، عسى أن تقوموا ببناء مجادلات مُحكمة مع الإجراء الإعلامي، أما لو كانت النية تسجيل موقف تسويقي إعلامي، وصياغة انتصارات على شاكلة: جبناه واستجوبناه! فعلى الإعلام ومجلس الشورى السلام!
ومجلس الشورى والتدافع الذي به لا يختلف مطلقا عن ذلك الذي يحدث في وزارة الإعلام، هذا في مؤسسة مُنتخبة، وذلك في مؤسسة شبه هرمية متفاعلة مع كل أجهزة الدولة. الوضع الإعلام في عُمان متأخر، ويتراجع، ويتجنب الخطوة الأولى، والسفينة في الميناء، ومتى ستبحر؟ يعلم الله بذلك.
وختاما، أتمنى أن يمر أعضاء مجلس الشورى [الذين وافقوا على الاستجواب] وأن يقوموا بالتواصل مع الإعلاميين، وأصحاب التجربة مع المعقيات الإعلامية والرقابية والتي تُعطل عقولا كثيرة، ومبدعين كبار، وسوقا هائلا تُرك للعشوائية فقط لأن من ينظمه بطيء جدا في عملية التأقلم مع معطيات العصر. تمت
+

كلمات كالسكاكين!

 

 

بم عساك أن تشعر عندما يحدثك الأقربون كأنك غريب؟ كأنك بعيد عنهم، خارج أحلامهم المشتركة، وغائب عن آمالكم المتوازية؟ عندما تشرح العادي، والمنطقي، والطبيعي فيصفعك قنوطهم: هذا مستحيل؟ هذه مُجازفة؟ هذا غير ضروري؟ أو أن تتهم بأنك شاطح في الأمل؟ لماذا؟ لأنك لا تستجيب إلى قنوطِهم، ويأسهم المسبق من الحياة، وظنهم الغاشم في كل شيء له علاقة بالإنسان، وما ينطوي عليه من خير!

ماذا عساك أن تفعل؟ عندما تمزقك سكاكين الرغبة في الابتعاد، فقط لتنجو من ذلك الفيض غير المنطقي من المخاوف والظنون؟ وأنت تلوم نفسك. لقد حلمتُ في المكان الخطأ؟ لقد بحثت عن الحماسةِ مع العقل الخطأ! لقد تكلمت مع الشخص الخطأ! كُل هذا جارح! من السهل أن تغفره، ومن الصعب أن تتجاوزه.

لدي أمل! عندما يصبح هذا تصريحا غبيَّا! لأن الآخر الذي ظننتَ به الخير يضيفك إلى قائمةٍ طويلةٍ من الذين لا يثق بهم، فهو لا يثق بالأمة، ولا بالحياة، ولا بالمجتمع، لا يثق بك، وحتى بظلك! كل شيء ذاهب للزوال! هل يعلمون كم هو قاتلٌ أن تعيش كالمجنون، متمسكا بأهداب الأمل، لتهرب مرارا وتكراراً، فقط لكي تهرب من أفعى اليأس التي تنشبُ أنيابها في عروق خيالِك؟

هل يعلمون هؤلاء ما الذي يفعلونه في الذين يحبونهم؟ هل يعلمونَ لماذا نقرر أن نبتعد عنهم؟ لماذا ننجو بأنفسِنا وبأصدقائنا، وبوقتنا، وبامتلائنا وفراغنا؟ هل يعلمون لماذا نؤمن بالشعر، وبالأدب، ونقرر المغامرة والمجازفة؟ هل يعلمون لماذا اعتزل العازف مع آلته الموسيقية؟ ولماذا قرر مهندسُ الإنشاءات أن يفتح مقهى للقهوة المختصة؟ هل يعرفونَ إلى أي مدى يتأثر هذا العالم بهم؟ وبذلك الثقب الأسود الذي يمتص المادة والطاقة والضوء، بل وحتى الأوهام والأحلام والآمال؟

ولماذا هذه السكاكين؟ لأنك تبيع اليأس؟ بثمن بخسٍ؟ لأنك قبلت أن تكون تاجرا يبيع بخسارةٍ دموعا لا يبكيها؟ ويقبض ثمن قنوطِه في اهتزازك، بحجة الواقعية، وغيرها من الظنون التي لا تغني، ولا تفيد، ولا تطعم سوى أعشاش العناكب التي تخلطُ المنطق بالخيال، وتنسجُ مع بيوتِها الكثير من الأفكار الواهية، الأوهى من أعشاشها؟ سقط البيت، ومن فيه، وخاب العقل وما أنتجه، ويظن ما يظن أنه يفعل خيرا؟ خاب ما تفعل، يجب أن تعلم أين تضع أحلامك.

ليس بيدك سوى أن تحلم، وأن تحمي خيوط أحلامك من مقص القريب والبعيد، تحلمُ؛ لأن اليأس ليس حلاً، ولأن الذين يجربون سكاكينهم في أحلام الآخرين يحمون أحلامهم بهذه السكاكين! لست حداداً لتفهم لعبة السكين، ولست خيّاطا لتفهم لعبة النسيج، ولست أي شيء سوى حالم في هذا العالم الذي يموج بكل ما فيه من شرٍّ، وأنانية، ورغبةٍ في الفلات، تحلم لأن أحلامك هي الفلات، وليست رغبتك فقط في الفلات مما أنت متمسك به، حدَّ تقطيعك أحلام غيرك بالسكاكين فقط لأنه يحلمُ في الطريق الذي تخشى أن تجربه، أو في السماء التي يخاف الطيران فيها، أو ربما لما هو أسوأ، لأن أحلامَك لا تتسع له، أو ما هو أبشع: لأن أحلامك تؤذيه! ما دمت تحلم، فلتكن أحلامك بلا حدود! ولا حل آخر غير ذلك!

 

ماريو

 

الثلاثاء، 22 مارس 2022

مسرحية لقمة عيش

 

 

مرَّت سنوات طويلة منذ أن اختلطتُ فيها بالوسطِ الثقافي، وبالفعاليات والمَناشط الأدبية. اخذت الاختيارات التي اتخذتها إلى حياةٍ بعيدةٍ كُل البعد عن تلك التي أحلمُ بها، وكلها كانت تتعلقُ [بالهذونة]، وهي الكلمة التي أستخدمها عامدا متعمدا لتحل محل كلمة [الكوميديا]. هذا كان حلمي الأوَّل، وقد حققتُ فيه مساراً لا بأس فيه، وثلاث سنوات جيدة للغاية من الكتابة المنهمرة في مختلف شؤون الحياة، بلا خطاب كراهية، بلا تجارة يأس، بلا اختلاطات عقلية، وذهنية، وبلا مشاكل، وسجون، ولكن حدث ما حدث وإذا بي أدخل تجربة الحياة الأشد والأقسى والتي أعادت تكويني من الألف إلى الخاء. كان آخر عهدي بالفعاليات التي أحبها، قبل سنوات طويلة عندما كنت أحضر عروض الحسن الصبحي، وعبد الحكيم الصالحي، ومهرجان المسرح الذي لا أعلم هل أصبح فقيدا أم هو الآن ضمن هوية جديدة، وطبعاً مسرحيات فرقة الدن للثقافة والفن، الاسم الذي أذكره منذ سنوات طويلة في ذاكرتي السمائلية.

بدعوةٍ من الصديق الكبير [بو غياث] قررت أن أذهب لمشاهدة المسرحية في مسرح كلية الشرق الأوسط. بكمتي، وبهيئتي، وبثلاثة إسبرسو كنتُ في مزاجي الهذوني في أعلى درجاتِه، أجدُ نفسي في قاعةِ الانتظار مع سفراء دول عربية صديقة، ومع المدونين والإعلاميين، إسبرسو ثالث، وكنت في مزاج منتشٍ، جاهز للضحك، ومتمنيا أن أخوض تجربة مسرحيةٍ حقيقية، كنت أعلم في قلبي أن شيئا كبيرا قد تغير في فرقة مسرح الدن، وأتابع سالم الرواحي، وأعرفه ولذلك دخلتُ في مِزاج [إسْبْرَسَوَيٍّ] لأتابع المسرحية!

تدور الحبكة كُلها في عالمٍ بلا بطلٍ محدد الملامح، ولا شخصيات ثابتة، كُلها تتغير وتلف تدور وكأنك في بانوراما حياتية تدفعك رغماً عنك لمتابعة المسرحية دون أن تغفل عن مشهدٍ من مشاهدها.

يمكنني أن أختصرَ ذلك المشهد الشبابي الرائع الذي شاهدته بكلمة [المبدع يتصرف]، فقد احتوت المسرحية على الفنون الغنائية، والإيمائية، وتقليد الأصوات، والرقص الفكاهي، والحوارات ذات الرسائل العميقة، وتقمص الشخصيات، وعامل الجذب البصري، وقطبية البطل، مع قطبية البطولة المضادة، حفلة هائلة من التغييرات كل ما احتاجت إليه هو [بنطال وقميص]، ونعم، هذا كل ما احتاجت له المسرحية من تجهيزات، تخيَّل! لن تفهم شعوري حتى تشاهد المسرحية بنفسك وترى اعتمادها على الموهبة الصافية، وكل سنوات التعلم من الأقران، وتبادل الخبرات التي حدثت في حاضنة فرقة مسرح الدن!

ضحكتُ حتى جلجلت ضحكتي وملأت المكان، كأنني جالس في [كنبة] منزلي أتابع مسرحية في اليوتيوب! انفصلت عن الواقع المحيط بي، وغرقت في تلك الموهبة المبهرة! كنتُ أتذكر سنواتي الأولى التي مارست فيها هواية التشكي، وكررت فيها حالي حال كثيرين [غياب الدعم، غياب الدعم، غياب الدعم] لتأتي هذه المسرحية لتقول لي ما للأجيال الجديدة القادمة من قدرات على التصرف، ونعم المبدع يتصرف، ويصنع مساحته الإبداعية وفق المتاح، بل ويمكنه أن ينجح نجاحا باهرا.

كان عصيرا من المواهب، تجانسَ ليعطي النكهة النهائية للمتلقي، ليخرجَ من تلك المسرحية منشرح الفؤاد، [هذونة/ كوميديا] من طراز رفيع، كل ما احتاجته هو الإخلاص للعملية الإبداعية، وذلك الإخاء، والوحدة، والتناغم لأخرجَ من ذلك العمل وقد نسيتُ الاعتياد الإبداعي المسرحي العُماني على [مناقشة هموم المجتمع] إلى عملٍ [يفرج هموم المجتمع]. وأنا أتابع المسرحية وصلتُ إلى أقصى درجات الهذونة داخليا، شعور بالانشراح والبهجة، والانتماء لكل ما يُقال، كُنت أرى مجتمعي، وشؤون بلادي، وشؤون أجيالنا، والحوار، مع المهاراتِ المبدعة، وحتى الــ[Beat boxing] الذي لا أعرف له ترجمة باللغة العربية. لم يتألق سالم الرواحي في هذه المسرحية، لقد تألق الجميع. وكل ما احتاجته هذه المسرحية هو الإخلاص، والإخاء، ليثبتوا لي ما قاله محمود درويش ذات يوم [من أبسط الكلمات تولد أكبر الأفكار]، وفعلا، من أبسط الأدوات، ولدت أكبر المشاهد، البصرية، والنقدية.

خرجت من القاعة مشحونا هذونيا، وكان لا بدَّ أن أعيشَ لدقائق دور المثقف أميجو، وأن أسمع لفظة [الأستاذ معاوية] تتكرر، ولا أعلم ماذا أفعل بهذا سوى أن أضطر للجدية، وأسلم على الناس بحرارة. أسمع لفظة [ماريو] فأنتبه لمن ناداني بها، وأعلمُ أنني أستطيع أن أتخفف من كل تلك الجدية الخانقة التي تحاصرنا ولا أعلم لماذا لا نستطيع كسرها. كانت تجربة مدهشة، وكم يسعدني أن أكتب في يومياتي عن ذلك اليوم المجيد.

 

ماريو

 

 

الخميس، 17 مارس 2022

شؤون الكلام في عمان!

 الوسط الثقافي من يومِه يميل لليسار، والتعددية، وبه جمع غفير يؤمنون بالحوار والتعددية. الوسط المحافظ يميني، وبه جمع غفير يؤمنون بالحوار والتعددية والجدال بالتي هي أحسن، ما يحدث الآن هو النتيجة الطبيعية لما حدث من إقصاء وحصار امتد لسنوات للصوت الثقافي، ولدور المؤسسات الثقافية.

وصدق القائل: "الوطن هو ألا يحدث كل ذلك" .. لا ضرورة معلومة لكل ما حدث. وما أن يُحيَّد صوت الثقافة، ومؤسساتها، وحواراتها فإن الاشتباك الاجتماعي نتيجة حتمية. في عُمان عادة يحدث في بداية المراحل والمخاضات. عسى أن يؤدي إلى هدوء بعد كل هذا الصخب وحوار مبدؤه الرئيسي التعايش مع الآخر.
والذي ينكر ميول التيار الثقافي لليسار الليبرالي، كمن ينكر السلطة المعنوية للتيار الدين، وقدرته على استخدام وسائله الاجتماعية لمضايقة من يختلف معه، هذه أيضا حقيقة مثبتة تاريخيا، وتشهد عليها الكتب والتصريحات. ما الحل؟ لا حل سوى الحل القديم، الحوار الكلاسيكي، وكظم الغيظ ما أمكن.
وليس لدى التيار الثقافي ميول مركزية، فهو بطبيعته مختلف مع بعضه البعض، ومجادلاته حول ماهية الصواب والحقيقة لا تتوقف، أما الوسط المتدين فلديه ميول مركزية، ومؤسسات عالية الجاهزية، وطمأنينة نتيجة الارتباط التاريخي بين عُمان ودين الإسلام. والحمد لله اقتصرت المناوشات على تويتر.
تغيرت الأسئلة الثقافية الكُبرى في عُمان. والجيل الفردي الجديد بكل ما يكتسبه من قيم تعزز استقلاله الفكري أصبح شبه منعزل عن كل سجالات الجيل السابق، والذي ينشغل في غوايته السابقة. هُناك لغة جديدة تُنحت للشجار اللغوي، وأظن أن هذا هو الملمح الإيجابي الوحيد في كل ما يحدث.
وهذه حالة العود الأبدي التي تحدث منذ عشرين سنة في عُمان. فإما انتهت إلى حوار ثقافي أساسه [المجتمع للمجتمع] وإما تحول إلى ظاهرة استدعاء للسلطة للتفريق بين المتخاصمين. عاد من يدري؟ مثل هذه الشؤون الكبيرة هي عمل مؤسسات ثقافية مستقلة، وعمل نقدي مستمر. فهل ما يحدث بذرة لحدوث ذلك؟ عسى!
ولا يفوتنا أن نركز على حقيقة واضحة المعالم. للمؤسسة الدينية في عمان نظامها القديم، ومؤسساتها، ومساحة واسعة، ودعم، وتمويل، ووحدة اجتماعية، واقتناع مجتمعي. هل يمكن أن نقول ذلك عن الوسط الثقافي؟ الذي خرج للتو من سنوات متتالية من الشيطنة والتهميش وغير ذلك من ممارسات؟
وهل هي خصومة عادلة؟ من الأساس؟ بين طرفين متساويين؟ المنظومة الدينية بكل تاريخيتها، ودورها الاجتماعي والسياسي في رسم المساواة، وحماية المجتمع من المذهبية، والانقسام الطائفي، ومؤسسة ثقافية كل ما قامت على سوقِها قطع جذعها ورميت ثمارها في الطين؟ لم تكن يوما ما خصومة متكافئين!
الحوار حتى هذه اللحظة [اجتماعي - اجتماعي] هذا هو الأمر المبهج الوحيد في هذا الجدال الصاخب، والصحي، والنافع للحرية الفردية والدينية. ما أعجب الحياة! أن يكون وجود خصمك أحد أسباب رسمك لحريتك! إن استمر هذا الحوار بهذا النضج وهذه الفردية لسنوات، أقدر أقول إنه سيحدث الحوار لا محالة.
ما أخشاه بكل صدق هو انقلاب الآيات، ودخولنا في معمعة سنوات متتالية من كاميكازية المنظومة الدينية، ودخولها عالم الصدامات مع السلطة ومع الوسط الثقافي، وستكمل المأساة إن ظن الوسط الثقافي أن هذه فرصته لينال الحظوة والسطوة لدى السلطة. ويتكرر سيناريو قديم ودائرة لم يكسرها أحد الأجيال.
ومن الملحوظ أن السلطة تقف موقفاً بعيدا عن الطرفين، إن امتد اليسار وخرج عن الخط المحدد له تتدخل، وإن امتد اليمين وخرج عن الإطار المحدد له تتدخل. قلة عدد معتقلي تويتر، ظاهرة صحية، وأتمنى أن تستمر. وعسى يتحول الأمر مع الوقت إلى استدعاء بدون حبس، كما كان الحال قبل سنوات وسنوات.
وهذه فرصة تاريخية، قد تفشل وتتحول إلى شجارات وفي النهاية سيقع السقف على رأس الجميع، أو قد تؤدي سانحة الحرية هذه إلى تكوين أسئلة التعايش. وهذا معناه نهضة ثقافية، وتنظير متبادل، وأنهار جارفة من اللغة، والعمل الثقافي، وربما ربما: الإعلام الذي لا يعتزل شؤون المجتمع كما يحدث الآن.
وأظن أننا كلنا نعرف إجابة سؤال [لماذا؟] الباقي حديّة سؤال [هل؟] .. أنا شخصيا سأترك الكتابة في الشؤون العامة نهائيا إن وجدت أن الحالَ سوف يتحول إلى مهرجان صدامات، وكاميكازية، وبالتالي اعتقالات، وتسليط فئة على فئة. كل هذا الارتفاع في سقف الكلام سوف يذهب إلى الرماد إن حدث ذلك.
ولأننا في عُمان، ونعلم واقعها الحتمي، الجميع يعلم أن السلطة تتدخل إن فشلت نُخب المجتمع في إنشاء طاولة حوار. وإن قامت هي بإنشاء هذه الطاولة فهي مشروطة بالكثير من الشروط التي ستجعلها تُفقد الطرفين قدرتهما على التعبير عن آرائهم بوضوح. هل سينشئ أحدهم طاولة اجتماعية في وقت قريب؟
وعادةً يتولى هذا الحوار الأزلي مؤسسات، فهو ثقيل، وعبء هائل وفوق قدرة أي فرد. فإما استضافت المنظومة الدينية اليسار الثقافي وناقشته في منابرها، وإما حدث العكس. هذه المناوشات الحدودية جزء من الحياة اليومية في عمان، الجديد أنها عاودت الظهور علنا، وبدأت تكتسب لغةً جديدة في الجدال.
ولا يمكن أن نظلم أحد الطرفين ونصفه بالشطط والغلو بسبب قلة قليلة منهم. هذه النماذج من القلة الشاطحة دائما ستكون موجودة، عندما نأتي إلى وصف الأغلبية الوسطية، ستجدُ لهفةً على الحوار، ورغبةً شديدة في صناعة لغة نقدية غابت عن مكونات المشهد العُماني قرابة عقد كامل. لأسباب يعرفها الجميع.
وماذا الآن؟ إما هدوء الصخب، وخروج العقلاء من مخابئهم، للحوار، أو انتظار الصخب القادم. وهذا الجيل الجديد يعيش ظروفا مختلفة عن الذي سبقه،وهو أكثر عددا، واندفاعا. والباقي لا يمكن أن يتوقعه أحد. إما حوار، أو انهيار لهذا السقف الجديد وعودة الخطاب المقيت: "هذا المجتمع ما ينفع معه حرية"
والبعض يستنكف أن يصف المنظومة الدينية في عمان بالهادئة والمُسالمة. فهي مساهم فاعل في المجتمع، وتضطلع بدور كبير، ولها مصداقية عالية، ولا أقصد المنظومة الدينية الرسمية، أقصدها كلها، التعايش المذهبي في عمان، أحد الأمثلة. هي منظومة لها عملها الثقافي، ومصداقيتها الاجتماعية.
وللشخصيات البارزة في هذه المنظومة تأثير قوي، سياسي، واجتماعي. وسأدع التأثير السياسي لها من باب [حفظ النفس]، وسأتحدث عن التأثير الاجتماعي. هي حاضرة، ومتفاعلة مع المنظومة الاجتماعية، ويمكن القول بسهولة أنها تنال رصيدا اجتماعيا كبيرا من الحب والتأييد.
لا يمكن أبدا أن تقارنَ متانة، وامتيازات، وحظوة، ومؤسسات، وتنظيم، ودعم المنظومة الدينية في عمان بالوسط الثقافي، بكل ما فيه من فردية، وشتات، وخروجه القريب من أقسى عقد مر على الثقافة في عمان. إن كان على أحد أن يكظم الغيظ، فهي المؤسسة الدينية. فلا هي ضعيفة، ولا مشتتة، ولا مقموعة.
وهذا الصوت الثقافي ليس جديدا، وأستغرب من يزعم جدته وأنه جزء من مؤامرة كبيرة تستهدف القيم والأعراف والدين. الجديد أنه عاد للسطح، عاد للكتابة العلنية، وهذا السقف الجديد للكتابة في عمان، لا أعلم هل يستمر أم لا. ولكن كل هذا ليس جديدا، لكنه طفا للسطح أو بالأحرى عاد ليطفو.
وسيكون مؤسفا كل الأسف، ومؤذيا كل الأذى للحرية الفردية، أو فلأقل [للإمكانية] الفردية للتعبير عن الرأي إن تحول الوضع إلى صراع غير منصف، سواءً أن يشيطن المثقف المؤسسة الدينية، أو أن يحدث العكس، هذه ستكون خسارة كبيرة، وضياع فرصة نادرة قد لا تحدث إلا بعد سنين. "أعتب على مين؟"
وهذا ما أستطيع له قولاً.أنا لا أمسك العصا من المنتصف، ولست محايدا،وأميل لليسار الثقافي لأنه الأضعف، والأقل تنظيما، والأقل عددا، والأقل تأثيرا، والأقل منابرَ ومؤسسات. ربما في عمرٍ سابق كنت ساصطف معه في هذه المعركة، أما الآن أقف هذا الموقف الأبله المائل لليسار، المؤمن بحرية الجميع.
وقد بدأ غياب هذا الجدال عن مؤسساته الاجتماعية في إفراز بعض الظواهر السيئة. مثل الُمحافظ [فلان] الذي يتحدث ليل نهار عن الخطر الساحق الماقح الداهم الذي سوف يضرب بصواعقه الجيل. أو الليبرالي فُلان، الذي يحذر، ويتوعد أن المطاوعة سوف يضربون الناس بالخيزران في الشوارع. بروباجاندا مقرفة!
وبكل صراحة نعتب على مين؟ الإعلام؟ ينأى بنفسه كل النأي عن هذا الجدال الفكري، المؤسسات الثقافية؟ عدده أقل من أن يحمل هذا العبء. نضيّع أعمارنا في الإنترنت والتدوين على أمل مجيء ذلك اليوم الذي يمكننا أن نكتب فيه ما نكتبه في تويتر بدون مزاجية الرقيب الإعلامي، وغرائبيته.
هذا ما كان في عقلي وقلبي من كلامٍ وهو [رأيي] الفردي الذي لا ألزم به أحدا، ولا أمثل به غير نفسي. "أعتب على مين؟" كلها عشر سنوات وسأكون خمسينيا يُلاحق الباقي من العُمر والشباب. أقصى ما يمكن أن يفعله المرء هو التأسيس للقادم، والحلم، والكثير من الأمل. معاوية الرواحي

الأحد، 13 مارس 2022

ضرورات حياتية!

 

 

أما وقد استيقظتَ

فقد صار لزاماً

أن تهتمَ لشيء ما

أن تعبأ لحقيقةٍ ما

أحدهم يسألك عن كلمةِ السر، لشبكة [الوايفاي] المنزلية.

فكرةٌ تخزُك لتكتبَ عنها.

تيَّارٌ من البداهةِ ينتزعُك من خيلائك

ويلطمُ بوجهك الواقع الذي تهرب إليه

لهفتك لمعرفة الجديد

وملاحقة ما يقوله الناس عنك.

أن تقلبَ المنزل رأسا على عقب

بحثاً عن سلكٍ لتعبئة بطاريةٍ رأسمالية

حُددت لها أقدارها من قبل.

وغضبك

وأنت تشرب القهوة

ومع ذلك، تشتاق إلى مقهاك المفضل

وأصدقائك الذين شغلتهم الحياة في دهاليزها.

الضرورة هي أن تريد شيئا.

لا أن تحتاجه.

 

 

 

 

ذلك الاحتراق الجامد

 

 

 

يُصنعُ العالمُ بالأخيلة. من كل المتاهات التي نخرجُ منها بفكرة، من ضجيجِ الأدمغة العابر للواقع. واقعك الداخليُ الذي تعرفه ولا تعلم عنه الكثير.

لعبةُ الحياةِ لها قوانين كثيرة ومعقدة. قد يتحمس لها البعض ليصبح آلة نقود متحركة، يملكها حتى تصبح كل همه، ويتحمس لها البعض بتعقل فيعيش قليلا، يتوقف عن التنمذج على طريقة إيلون ماسك. يلهو قليلا، وينتصر للفرح والحب والأمل وغيرها من مثبطات حقيقة أننا سنموت أجمعين ذات يوم.

الحياة هي ذلك الاحتراق الجامد، يكفيك ألا تكون عبثيا، أو عدميا كي تعيش طبيعيا، عاديَّا. وعاءٌ آخر لهذه المادة العضوية ذات الروح والتي أثقلتك بشروط الحياة والإنسانية! وما أكثر الشروط كي تعيش!

فبعد شروطُ الطاقة، والمادة، والزمن، تنزل على رأسكِ حزمة القوانين المادية التي لا يمكنك إلا أن تطيعها. وحتى وإن عاندت الجاذبية، سيخذلك الهواء، وستعرف كم أنت مؤقت، ومرحلي، وقابل للاستبدال مثل كل الركام المعدني الذي يطوف في الفضاء، عندما جعل الإنسان الفضاء مزبلة جديدةً من مزابلِه، وكأن المحيطات والأراضي الخالية لا تكفيه!

ثم تتسع دائرة الشروط، وتقل حتميتها، فبعد شروط الزمان، والمكان، والطاقة، يلزمك وعائك الطيني بما عليك أن تؤديه، من تنفس، وأكلٍ، وشربٍ، وذهاب يومي إلى الحمّام. وبعد أن تتأقلم مع حاجات جسدكِ، سيلطمك الوعي الأوليُّ بأنك لست وحدك في هذا العالم، وأنَّ الكوكبَ أكبر من مهدِك الأوّل، وعليك أن تتعلم التعايش مع كل، وفوق ذلك كله صناعة الأوهام الضرورية التي تمكنك من عدم الموت في ثانيتك ولحظتك.

وتعيشُ، وأنت تحترقُ وتسمي كل ذلك حياةً. تكرس وجودك إما لحاجاتك، أو لمصائبك، لمأساتك، أو لأفراحك، وقد يمتد بك العمر للأربعين لتبدأ عجلةُ الفقدِ بالتكرار، فهذا صديق مات، وذلك حبيب رحل، وهذا من لم ينجُ، وذلك الذي أصيب في حادث سيارة، وتلك التي ماتت في ريعان شبابها، ستحترق بجمود وأنت ترى كل ذلك يمر عليك، وتغرق في بحار تساؤلاتك!

وستصاب بالملل، من الأسئلة، ومن الشك، ومن فاعليته في كشف الأوهام، ستعتزُّ بذلك القليل من اليقين الذي صرتَ تعتبره حتميا. وستحتفل بالإجابات الصغيرة، وبالمعارك الجانبية، وبالهمومِ التي لا تنال من سعة تحملك، ولا من قوة صبرك. وستواصل الاحتفال بكل ذلك لأنك مضطر، فاليأس ليس حلا، والهزيمة لا تأتي إلا بما يشبهها. نحترق لأننا نعيش، ولكننا لا نعيش لأننا نحترق، لعل هذا هو العزاء الوحيد في هذا الاحتراق الجامد الكبير الذي اسمه: حياة!

 

معاوية

مارس، 2022م

السبت، 12 مارس 2022

تفريغ الكتاب والأدباء! هل هو حلم ممكن!

 

 

أتساءَل حتى هذه اللحظة إن كان من ممكن أن يكون تفريغ إنسان للكتابة، أو للرسم، أو لصناعة المحتوى الإبداعي وأن تكون هذه وظيفة حكومية رسمية يمكن التقدم إليها ودخول الاختبارات المناسبة ومقابلة لجنة متخصص يمكن أن يكون مسار عملٍ للشباب في عُمان.

أتساءل وأصاب بالقليل من الخيبة عندما ألزم نفسي بالواقعية، هل ستكون لجنة مكونة من أصدقاء فلان وعلان، ويتولى أصدقاء فلان وعلان تفريغ أصدقاء فلان وعلان وهكذا دواليك، إذا أردنا أن نكون واقعيين فكلنا نعلم أن هذا جزء من واقع الحال الثقافي في عُمان، فمتى ستكسر هذه الدائرة؟

ماذا لو جعلنا الأمر أكثر عمليةً، وتم التعامل مع لجنة من الخبراء والأكاديميين، والنقاد وكبار الكتاب والأدباء، لجنة حقيقية يمكنها أن تحدد هل هذا الشاب الذي يتقدم ليفرغ لكتابة الشعر سيصبح منتجا؟ ودعوني أواصل الخيال، ماذا لو قلنا أن الكاتب في عمر معينة يتم تفريغه بالحد الأدنى من الراتب، شريطة أن تقرر لجنة نقدية جدية تفرغه للكتابة، وتُدخله لاحقا في عملية فرز تاريخية أخرى. لجنة يجب ألا تتعامل مع تفريغ كاتب وفق اعتبارات إنه [ما زين نخرب عليه، تراه راتب] ويصبح الأمر تحديا حقيقيا. فلأقل أن الشاب من عمر 18 حتى عُمر 25 يتاح له باقات تفريغ ترتفع مقابل إنجازه، وقدرته على صناعة زخم إبداعي، لماذا أتحدث عن الكتاب فقط، الرسامون أيضا، والمصورون، وكل من ينتج أعمال  إبداعية، يعمل رسميا في الحكومة ويستلم راتبا ويطالب مقابل تفريغه أن يُنتج مادة إبداعية تتحول إلى منتج، يتم بيعه، ومن الربح الكلي لتفريغ الكتاب يتم تمويل تفريغ آخرين، سواء ذلك المؤقت عندما يقرر مدرس كيمياء أن يأخذ عاما بعيدا عن التدريس ليكتب رواية، أو ذلك طويل الأجل عندما يتفرغُ رسام لرسم اللوحات وبيعها. تخيل أن تكون [رساما] مهنة حكومية؟ هل سيقلق أحدهم على وضع الثقافة وتأثير الإبداع على المجتمعات بعدها؟ أعلم أن كلامي شاطح في الخيال لكنه أحد الحلول، ومع التوجهات الإبداعية الجديدة في العالم، التصميم، والرسم، وكل ما له علاقة بالمواهب يتحول إلى مهن، ومع هذه المهن مهن جانبية، ومع زخم الإنتاج الثقافي، يمكن إحياء المسرح، وبعد المسرح النص الدرامي، وهذا كله سيجعل من عالم الإبداع نقطة جذب بدلا من الحال الذي هو عليه الآن، يسمى [هواية]، هذا ما يكاد أن يصبح عليه حال الأدب والنقد في عمان، هواية جانبية تشبه العمل التطوعي.

حسنا، قلنا أن فكرةً مثل هذه ستحتاج إلى قرار جريء وشجاع، ماذا عن العملية التجارية؟ هل ستتحول فكرة التفريغ إلى ما يحدث في جمعية الكتاب والأدباء؟ أكبر دعم ممكن للكاتب هو طباعة كتابه مجانا! هذه المرَّة لا، لسنا في عالم الصدقات والعاملين عليها، التفريغ يعني من اسمه، سؤال، وجواب، وحساب، وعقاب، وتأخير راتب في حال إخلالك بشروط التفريغ. كم ستتحول هذه الفكرة إلى كابوسٍ قبيح إن كان هذا يعني انتقاء مجموعة من الكتاب الذين تربطهم علاقة بفلان وفلان ويصبح الموضع رهن التحيزات الشخصية، ستنجح هذه الفكرة فقط باللجنة الرئيسية التي ستحدد للكاتب راتب التفريغ. حتى وإن كان دخلا قليلا، هامشيا، مقابل كتاب في السنة، أو مقالين في الأسبوع لكتاب الرأي، هذا إن أثبتوا جديتهم وجودة عملهم. حزم للتفريغ، ومع الوقت يمكن أن تتحول لربح مشترك، مثلا المجلس العُماني لتفريغ الكتاب والأدباء، أو المجلس الثقافي للجنة التفريغ، أتخيل الكاتب العماني الشاب بعد خمس سنوات يحمل مسودات كتب، وسيرة ذاتية ويشرح للجنة مليئة بكبار النقاد والأدباء لماذا يجب أن يتفرغ، ولماذا يستحق راتب التفريغ. فكرة ليست عويصة ولا مستحيلة التنفيذ ولن تكلف ملايين كثيرة، خمسة كتاب كبداية، هؤلاء الكبار جدا جدا والذين يعملون في وظائف حكومية منذ سنوات طويلة. لا أعرف هذه الحيثيات الإدارية ولعل أفكاري فيها ستكون ضحلة، لكن أظن أن الفكرة وصلت، العالم يسير بالمال ولا يسير إلا به للأسف، والعملية الإبداعية إن لم تصبح مهنة فسنبقى نلف وندور في الدائرة نفسها، نبحث عن مبدعين، ونتساءل عن سر العزوف الكبير عن الفنون، وسيهاجم البعض المحافظين، أو غير ذلك بينما في الحقيقة أن التأسيس تأخر منذ زمن بعيد، تأسيس هذه الثقافة الاجتماعية ليكون الإبداع مهنة، وليكسب منه الجميع، ولتتوقف حكاية طباعة الكتابة بستمائة ريال. أتخيل حال هذا المقال، كُتب ليمكن نشره في منصة تشرف عليها وزارة الإعلام! ولا مشكلة فيه، تحية لك أيها الرقيب الإعلامي الذي يقرأ كلامي هذا، أتمنى أنك لم تزعل عندما لم تجد في تدوينتي هذا ما يمنع نشرها في كتاب!

تفريغ الكتاب، والفنانين، والعازفين، والمنشدين، والمقرئين لصناعة المحتوى الإبداعي، ولنشر الكتب، واللوحات، والمعارض خطوة أفضل من سياسة الدعم الفردي التي شاعت لسنوات في الوسط الثقافي، وانتقاء مجموعة يتم تكريمها بذلك، تحويل هذا إلى [بزنس] يخدم الجميع، ويصنع زخما مبدئيا، ويصنع نوعيات جديدة من الوظائف وأنماط الحياة، ويخدم التنوع الحياتي في عمان بشكل عام، ويحل جزءا من المشكلة الكبيرة لحياة المبدعين في عمان. الحياة في عمان رأسمالية بشكل كبير جدا، وعالم الثقافة القادم من يسر الدولة النفطية وسهولة الكتابة الترفية لم يخدم الإبداع كثيرا، مر وقت طويل حتى ظهرت لنا دلشاد وجوخة الحارثي.

ستكون بداية لمرحلة مختلفة في العمل الثقافي في عمان إن حدث ذلك، ولعلها استعادة لآمال قديمة جدا متعلقة بالكتابة الحديثة، وبصناعة المحتوى، وبكل ما يحفل به العالم الجديد من مفاجآت، الابتكار، والتحقيق التاريخي، وأشياء كثيرة يفعلها كتاب يمكنهم أن يساهموا في الجانب التثقيفي من العمل الثقافي، أما الجانب الإبداعي، فهذا الكوكب لن يستمر بدون فنانين، وشعراء، ورسامين، وعازفين، وملحنين، وغيرهم من صعاليك المعنى الذين يعطون لكل لحظة جميلة وصفا، وكلمة، ولحنا. الكوكب الإنساني ينتمي لهذا الجمال، وأمام طوفان الواقعية وما به من مرارة، يحتاج هذا العالم للكثير من القصائد، والكثير من القصص، والكثير من اللوحات. هذه الحياة تحتاج إلى من ينسج الكلمات ليخلد معناها. وما يدريك، لعل كل النهضات الثقافية سوف تبدا من اليوم الذي ندرك فيه، أن الكاتب يستحق أن يُعامل كصاحب مهنة، يستحق أن يعيش بها ولها.

 

على كل الأحوال!

عسى!

 

 

يوميات: حياة إنسان عادي

 

 

 

مرحبا يا أصدقاء!

لقد أصبحتُ عاديا! تخيلوا ذلك فقط! أصبحتُ عاديا، فلم أعد المهذون الأكبر! تخيلوا ذلك! عُمر هذه النكتة السخيفة يقترب من عقد ونصف! أصبحت عاديا، وأقترب من الأربعين، ولم أعد أصلحُ للهذونة، أصبحت تتعبني بمعنى الكلمة، وبقدر ما يحقق التدوين الساخر، والنشاط الإلكترونية من تعلم دائم، وخبرات متراكمة، ومهارة في أشكال الكتابات، والحوارات، والعقدة الأزلية التي أدبني تويتر فيها فأحسن تأديبي، القدرة على الاختصار. لا أعلم ما الذي أوقفني عن التدوين، عن هذه الكلمات، لا أعلم كيف استطعتُ أن أعيش بدون نافذة التفكير اليومية هذه، لا أعلم متى سيفهم البعض أنني حقا أكتب ما أعيشه، وأحاول قدر الإمكان أن أجعله صادقا، والجميع يعرفني عندما أكذب، والجميع يعرف لماذا، والجميع يعرف لماذا أعود فأعتذر، والجنون الذي سئمت من محاولة جعله واقعيا، كان التدوين أجمل عندما كانَ هكذا، في ورقة الورد يُكتب، الآن في عصر المنصات السريعة، وتويتر، عشتُ ورطتي المُضحكة، أن أعلقَ في تويتر! كم هو مضحك عندما كنت أكذب على نفسي وأقول، أنا لا أكتب! إنني أغرد، وذلك الفقدان الكبير لهذا الشعور الذي أعيشه الآن، أن هذه الورقة لا تقول لي: قف!

لسنوات وسنواتٍ أكتب هذه البيانات المتحمسة والمبالغ فيها عندما أقرر الانتقال من مرحلة الكتابة في المنصات محدودة عدد الكلمات إلى المنصات التي تسمح لك أن تطيل هذه الجملة التي أطلتها بشكل متعمد لتكون بهذا الشكل! تخيل ما هو شعور هذا القارئ العالمي الذي يتقزز من مشاهدة مادة نصية تُنشر في مدونة شخصية وعدد صفحاتها أقل من عشرين صفحة. هذه ميزة التفكير بالكتابة، وكم هي حياة المتفرغ للكتابة جميلا عندما يكون كل ما يصطدم به هو فقط ذلك الشعور بأن صفحة الورد قد قلبت نفسها. يبالغ عشاق الكتابة بالقلم في تسويق سلعتهم القديمة، فالكتابة في عصر لوحات المفاتيح أصبحت منتجة، ويومية، ومفيدة للكتاب. فالتدوين عملية تمرين وشغل للعقل، ويحافظ على عقل الإنسان سليما ومركزا وجاهزا لالتهام الكميات الجديدة من المعطيات والكتابة عنها. عملُ المدون يرتكز على هذه المهارة الرئيسية، الحضور اليومي، والتضحية بكل مواده الأدبية، وكل ما كان يمكن أن يكون نصوصا جميلةً في عصر هذه الورطة. حدثت أشياء كثيرة جميلة، وبعضها محزن، كنت عالقاً، بمعنى الكلمة عالقا في ورطة بحمد الله استطعت تجاوزها.

سأكتب بكل صدقٍ ممكن، ولا أجد لخصمي أي عذر إن حاول الآن أن يستنبط من كلماتي أي شيء غير ما أقوله بقصد. علقت في عالم النص التويتري القصير، وهذه المرة لست لأنني في معركة جنونية مع السلطة، أو غير ذلك من عنتريات أن سقف الكلام يكفي لتحقيق الكلام! يا ليت، صح في عمان، وأكتب، لكنني سأكتب ما أظنني كنت يوما أكتبه بارتياح وسلام، تلك الثقة بعمان التي فقدتها ككاتب، ولا أعني على الصعيد الرسمي وغير ذلك مما يحلو للكثير أن يجعل حالتي دائما حالة إنسان مهمته أن يواجه السلطة فقط، لماذا؟ لأنه مهمته يهاجم! يا عيني! سنوات وأنا على هذا الموال الممل، يا إلهي، وبعد عودتي من [العُظمى] أكتشف أنني بلا وظيفة، ودخلت هذا العالم الغريب عالم الإعلانات، وصناعة المحتوى البصري ويا للهول! هذا الوقت الآثم الذي أقضيه حرا أكتب أكبر عدد ممكن من الساعات يوميا دون منغصات تموله تلك المنصات الإلكترونية الجديدة، عندما أصبحت سرعة فرد واحد قادرة لتصل على مئات الألوف من الناس! درس تمريني رائع، وعشت دوره بانطلاق، والآن أعود إلى هذه الكراسة البيضاء، أنا أنتمي هُنا.

كانت ورطة صعبة، أن أتحول من مدون يكتب ما يحلو له من مئات الصفحات يوميا، إلى ذلك المغرد الثرثار، الذي يحاول أن يختصر في تلك المساحة الضئيلة. تخيل! ذلك الذي كان يحسب عدد الصفحات التي يكتبها بالعشرات! ويحلل كل صغيرة وكبيرة، ويطيل في الشرح حتى يتأكد أنه قال كل ما لديه بأقصى درجات الوضوح! المشاغب، راعي لندن، وغير ذلك من الصفات الآن أصبح مال إعلانات وصانع محتوى وغيره من هذي الورطة العجيبة! أصعب تحدي في حياتي، والحمد لله ربع العالمين بسببه أستطيع قضاء ساعات أكبر في الكتابة. العمر يمر، وأنا أؤجل هذه اللحظة، وهذه المرة من أجل لقمة العيش. أعلم أن البعض يحلو له أن يصفني الآن بالمعارض السابق الأناني الانتهازي، الوصولي الأناني معاوية الرواحي الذي فاحت رائحة خيبته في الآفاق، نعم خيبتي فاحت كما فاحت حروفي وكلماتي، وكان لي أن أقول حكايتي، ولم أعد أعبأ كثيرا بسبب أو بنتيجة، ما حدث قد حدث! أفضل أن أقضي كل هذه الخيبة كاتبا!

وأيضا إليكم ما حدث لي، اضطررت لابتكار وسيلة عيش، تضمن لي إيجار البيت، وفاتورة الإنترنت والراشن، وأنا بصراحة عملت متسولاً من قبل، وهذه حقيقة يعلمها الأصدقاء، وقلت لهم إنني أعمل الآن [متسولا]. هذا ما كنت أقوله لكل صديق عندما أقرر من رأسي أن أستلف منه مبلغ [سبعة عشر ريال] لأشتري شيئا بالباوند في تلك الفترة الباردة في بريطانيا! يا إلهي، أمامي بركان من الحياة لأكتبه، عسى ألا تحترق هذه الورقة في نوبة جنون! لا أعلم لماذا أشعر بهذا الهدوء! ربما لأنني حسمت جانب الحياة قليلا. على الأقل أعلم بيني وبين ضميري أنني عدت وعشتُ ولعبة لعبة الحياة بعدالة، وهذا ما أنوي أن أواصلَه، ألعبها بعدالة. لا أعرف هل أنجح، أم أفشل! ولا أعبأ، هل أهوي على رأسي فأصير فقيرا، أم سوف أغضب هذه المرة المزيد من الناس، والمزيد المزيد من هؤلاء الذين بأمرهم تأتمر البلاد! سلوك كتابي عام، ويا إلهي! أيضا سلوك مرئي ومسموع! يا إلهي أي جنون أنت تعيش في هذه الحياة يا معاوية! وكأن حياتي فيلم غرائبي لا يتوقف عن إنتاج المزيد من التساؤلات. لقد توقفت منذ زمن طويل عن وصف نفسي بالخير، أو بالشرير، ومر زمن طويل منذ أن كنتُ أشعر أنني زبالة تمشي على قدمين، وفعلت كل ما بوسعي لأعيش نظيفا صادقا، والآن أنا المتنفع الثقافي الجديد من قبل الدولة! طيب من حقكم تقولوا ذلك، لكنني ويشهد الله أنني لم أطلب معونة من جهة رسمية إلا مرة واحدة ولظرف صحي، غير ذلك عايش فعلا حالي حال الجميع، وأنا أحب هذا الأمر، ولا أريد أن أصبح صاحب امتيازات، ولا معامل معاملة خاصة، ولا كل هذا، أريد فقط أن أكتب، أن أتمكن من إكمال هذه الفكرة دون أن يلطمني مبرمج بالقرار الذي اتخذه نيابة عني، في عالم النص القصير، هذا الذي شاع أكثر مما يجب! لم ينته عصر القارئ طويل البال، وأيضا لم ينته عصر الكاتب طويل البال إنها الحياة فعلا التي تجعل الكاتب يضحي بعزلته مع الكلمات، لقمة العيش على سبيل المثال.

لم أغير نمط الحياة الذي اتخذته بعد عودتي لعمان. ساعدني أصدقائي، ووقفوا معي، ومن ثم الحمد لله بدأت لأول مرة بالشعور الآمن بوقت العودة لعالم الكتاب، هُنا حيث الكلمة تبقى لكنها لا تحدث ذلك الضجيج، حيث الصدق لا يوقفه عُسر الخبز عن البيت. وصرت الآن رائد أعمال، صعلوك طبعا، وشغل كله مبني على صناعة أكبر وقت للكتابة، ويا سلام، معي فريق متكامل، والآن موضوع لقمة العيش كله متعلقة بالكتابة، وكل ما له علاقة بالتفكير باللغة يعود إلى هذه المدونة، إلى تلك الأيام التي لم تكن فيها التدوينة تتحول مع الوقت إلى ميلودراما المهذون الأكبر! هذا اللقب الإلكتروني الذي تنازلت عنه لمدوّن آخر. في عالم النص الحر، هذا الذي ينطلق بلا توقف التفكير بالكلمات له وقع آخر، ويبقى، ويثبت، ويترك آثارا جميلة، وهذه هي الكتابة، وفوائدها الرائعة. نفس، مثل الدراجة، فقط عليك أن تصنع نمط الحياة الذي يبقيك أكبر عدد من الساعات أمام لوحة المفاتيح تكتب دون أن تكون فقيرا. وكم أكره الحديث عن عملي لكنه باختصار مال صور فيديو، ونجي نزورك، وأسوي إعلان وتدفع مبلغ معقول وأروح بيتنا وشوف إعلانك في منصة سوشال ميديا. حتى هذا الذي أفعله الآن أصبح جزءا من عملي، صناعة المحتوى، وهُناك فريق يقوم [بتنقية] السح من المادة المكتوبة التي أضعها هُنا بإفراط، وبذلك أكن قد تحررت من اضطرار الاختصار، هذه الحياة التي من المؤلم الحياة بداخلها، وكم هي قلقة، وكم هي مُتعبة! لقد اشتقت للكتابة! ولم أظن يوما أن يومَها سيبدأ، وأن التأمل في بدايته، وأن اللغة تنسال من اليدين، وأن الفؤاد مرتبط بهذا التكون الإعجازي لكلمات في عين إنسان، معجزة الكتابة والقلم التي تأسر الإنسان من حياته، وتأسر الإنسان في حياته. أمامي الكثير من العجائب لأكتب عنها، والكثير من قصص السجن، والكثير من حكايات بريطانيا، وكل ذلك الذي لا يُوصف إلا بالجزافي.

ولا أعلم ما مصيري في عمان، حياتي لا تخلو من الخوف، والألم الذي أعيشه بسبب ما كنت أفعله الآن أدفع ثمنه بما سبب ما لا أفعله، فلا الآن أنا في لعبةٍ أمنيةٍ أو سياسيةٍ أو موجه من أي جهة داخلية أو خارجية حين أكتب، ولستُ في تيارات الجذب، عدتُ لعمان ووقعت، ووقفت، وكسرت كتفي، وكل هذا الوقت وأنا فعلا ألعب اللعبة بكل عدالة وإنصاف. البعض يحلل لقائي مع سموه وكأنه حدث سياسي، ويدخله في حسابات السين والجيم! لا أعرف كيف سأحبطه عندما أقول له، اللقاء كان مع إنسان عملي، وتحول إلى [جلسة شغل] بعد ثلاث دقائق، هكذا كان النقاش الذي عشته، ولم أطلب شيئا لنفسي، ولن أفعل. سأحاول أن ألعب لعبة الحياة بنزاهة، وبدون امتيازات، حالي حال الجميع، وأن أتوقف عن معاملة أن المثقف وتأثيره ضمن تيارات الشد والجذب بين السلطة والمثقف، الحمد لله ربع العالمين، أكمل عامين تعبت وأرهقت ساعات طويلة حتى كونت أول فريق يمسك عملي. لا أريد أن أخبركم عن عملي في مجال الإعلانات، لأن هذه من خصوصياتي، لكنه ليس سيئا، بالنظر إلى شخص مهلهل، ولا يجيد التعامل مع النصوص القصيرة ويسأم منها بسرعة ويذهب إلى هذا الانطلاق الحر مع الكلمات، نعم لقد عرفت الوصفة، وأنا مستعد أن أعلمها للجميع، لجميع الناس، يمكنك أن تكون كاتبا متفرغا ومع ذلك تكسب ثلاثة آلاف ريال شهريا، هذا ما أفعله في حياتي، مدرسة غريبة من مدارس المال والأعمال، الاستثمار على طريقة الصعاليك، الكثير من التبسيط للمعقد، والغوص في البداهة الرائجة، اضطررت لتعلم شروط العالم الجديد، والآن على الأقل أعلم بيني وبين نفسي أنني متفرغ لكتابة هذه السطور فقط لأن هذه المهنة الغريبة التي اسمها [الإعلانات] قد أصبحت تمول تفرغ كاتب للكتابة. لا أتكلم عن آلاف الآلاف، ولكنني أتكلم عن ما يكفي لإيجار بيت، ودفع فواتير، ولا يخلوا الأمر من شهر بلا عمل أو أسبوعين من الركود. على طريقة الصعاليك أعمل، نوزع النسب مع كل صفقة، لا أمسك عقودا، وحتى لو كان هناك مستثمر يريد أن يستثمر معنا فهناك شروط صعبة جدا لكي نقبل التمويل منه، لأنني في حجم جيد، وعددنا أربعة، وباقي أن يكون هُناك بديل لكل واحد منا. أنا أعود إلى مكاني، إلى جلستي الدائمة وأنا أكتب، هذه التي عشت فيها السنوات مرتين، وعشت فيها العمر ضعفين، هل تعلم ما أجمل أن تسرد حياتك يوميا أمام عينيك؟ وأن تفعل ذلك يوميا، وأنت تتذكر كل شيء مرتين! هل من حياة أجمل وتقاوم اضمحلال الذهني غير هذه؟ أشعر أنني أعود إلى منزلي، إلى ذلك الملاذ عشت معه سنوات قبل أن أقرر الذهاب إلى عالم المعارك الكرتونية، وهجمات الغضب، وغيرها من كل الذي لم ينفع ولم يضر! للأسف الشديد البعض يظن أن الحرية بقول ما لا يستطاع قوله، لقد قيل، ولقد سمع، ولم يعد في هذه البلاد متسع للكتابة غير ما يمكن أن يُنشر في الكتب، ذلك الذي يمر عبر وزارة الإعلام!

ولا يوجد شيء في المرحلة الإبداعية والكتابية أصعب من هذه  الوزارة مع احترامي الكبير لكل من فيها وأولهم أستاذي سابقا، وصديقي ربما سابقا لا أعلم، فهو أيضا لم يسلم من شر لساني، تخيل كيف أصبحت الآن السوشال ميديا مدارس إعلامية ووصل للناس أكثر من مؤسسات وحتى هذه اللحظة لم يتشجع أحدهم للبدء في خطوة شجاعة لإعادة صياغة العلاقة بين الرقيب والمبدع! أتحدث عن تجربة ولا أريد إثارة غضب أحد، ولا عن الموقف الذي حدث لي عندما وصلت ملاحظة رسمية عني في لقاء إذاعي تقول أنه قال على الهواء [أنه يكره الاستحمام! وهذا يخالف الذوق العام] بكل صدق هل هذا يليق بكم يا إخوتنا الأعزاء في الإعلام. لا أريد الدخول في عنتريات المواجهة، أتحدث الآن بكل عملية ممكنة، إلى متى هذا التدخل المفرط، لقد أصبحنا نصاب بالذعر عندما نكتب شيئا بالانطلاق الذي نفعله في التواصل الاجتماعي ويمضي بسلام ويكون مسموحا قانونيا ولا يعرضك للمساءلة وكل صفات عُمان السلام والأمان تنطبق عليه! وهذه التدوينة أحد الأمثلة على ذلك، وتويتر، وما يكتبه الناس ليل نهار عن النداء بإسقاط الفاسدين، ومن يكتب بعادية مفرطة عن هذا الموضوع، كشخص مر بتجربة مريرة، أعيش هذه الهدنة مع السلطة، لست أداةً لها، ولا أريد أن أكون، والحمد لله لا أصلح لمنصب عام بالكاد أصلح في موضع موظف حكومي يؤدي شغله بسرعة شديدة عادة ليعود للكتابة، هذه اللعنة التي أحبها، هذه الرحلة التي أريدها، هذا الانطلاق الذهني الذي ينزع خيوطا سبق نسجها في وعي غامض، أستطيع أن أسميه وعي الكاتب، وهذه حكايتي المكتوبة والعامة الآن، أحتفل أنني لست ملاحقا من أحد، وأحتفل أنني جربت الآن شعور أن تكون لعبت لعبة الحياة بنزاهة وعدالة ومع ذلك توصف بالانتهازي الحقير، المؤلم أنني عندما كنت انتهازيا وحقيرا لم يتجرأ أحد وقتها أن يقولها في وجهي! أما بعد أن تحولت إلى يهوذا الثقافة العُمانية، فمن المضحك أن تعيدني الحياة إلى هذا السياق. أعرف أنني غبي بما فيه الكافية أنني إن أخفقت سأعترف، ولا سيما في هذا الموضوع، وقصة معاوية وما آلت إليه عندما دخل التاريخ الأسود من أوسع أسبابه كيد عشوائية ضاربة يمنة ويسرة والعدو الخصم يرون فيه فائدة وضررا على نفسهم وخصمهم، تخيل تلك المأساة!

جنحت سفينة اللغة إلى اللغة العامية! يا لها من مأساة! جو العمل، وكل ما فيه من بداهةٍ اضطرارية إن أردت أن تبقى في واجهة منصات تويتر، ولا أقصد من حيث ناحية القوة والتأثير، فقط من ناحية متى سيصلح حسابك ليكون إعلانا، يكفل لك رفاهية الذهاب إلى مقهى لاقتناء مشروب تم تخفيض ثمنه من أجلك فقط وتمت تسميته [ماريو تشينو]. هل هذه العادية التي كان يعيش فيها الجميع؟ لا امتيازات تفرقك، وتسعى للحفاظ على ما صرت تؤمن به من أخلاق، أن تلعب الحياة بنظافة. هذا ما أذكر به نفسي دائما كلما أجد نفسي في هذه الواجهة الكبيرة من المحبين والمبغضين، أعترف لكم أنني لا أعرف كيف أعيش هذا الدور وأقضي معظم حياتي مرتبكا ولا أعرف كيف أتصرف، جانبي العدواني جاهز للدفاع عني في حالة تعرضي للسخرية أو للهزء، وجانبي الغريب الذي به طيبة لا أفهمها! وهو يرحب بالجميع، للتو مر معرض الكتاب الذي كنت أمر في أرجائه مستغربا، لم أعد أهتم بين تداخل العوالم، صرت أهتم لهذا الحلم، أن أتفرغ للكتابة، وأن أكتب قدر الممكن، لم يبق مني صلاحية اجتماعية، أو فكرية أو حتى ثقافية! أعلم حالي، وفي الوقت نفسه أعلم لطف الله، لذلك أشكرُه وأحمده وأكتفي بأن أقول اللهم احفظ نعمك التي أنعمت بها علي. كان شعورا جميلا أنني أمشي في معرض الكتاب وفي جيبي سبعة ريالات! وطبعا قد حان أوان كشف بعض الحقائق الصغيرة عن سر مبادرة الطالب الجامعي التي تُنسب إلى رأسي، في الحقيقة هي لها حكاية ظريفة وقديمة. تعود هذه الحكاية إلى تلك الفترة التي كنت فيها مشروعا جيداً لشابٍ قد يكون أثره جيد على مجتمعه، الحكايات الجميلة لا تكتمل بالضرورة، قفزة واحدة من مشروع كاتب جيد إلى قصة جنون لا نهاية لها! تخيل أن تكون الذي عاش كل ذلك وأن تحك رأسك وتتساءَل، هل حقا حدث كل هذا الذي حدث؟ في فترة سابقة حصلت على بعثة دراسية من ديوان البلاط السلطاني، وكان ذلك في عام 2011، وكن قد استقر بي الرأي على دراسة الهندسة في الجامعة الألمانية وفعلا درست فصلين، ثم حدث ما حدث في الأحداث العُمانية، وقتها كان الجميع يعلم أنني أداة موجهة من قبل أي شيء إلى أي أحد، كل ما يتبناه الأطراف ستجدني كتبت عنه وكأنني أؤمن به تماما، سخافة قاص حلم أن يكون روائيا ودخل عالم التدوين فقط لكي ينشط نَفَسَه في الكتابة! بعد فصلين من الدراسة دخلت معمعة الأحداث في عام 2011 وهناك خذلت الجميع باقتدرا ثم انتهى بي الحال للصدام مع السلطة بأغرب طريقة ممكنة! إلى هذه اللحظة لماذا لم أفعل ما هو حق قانوني لي، الذهاب إلى الجهة المعنية وأقول لهم: لا أريد أن أقابلكم منذ اليوم!

سيقول لي: طيب، سيكلمك فلان.

تقابل أحدهم ويبدو أن له القرار ثم يقول لك بلطف: حسنا، لك ذلك، ولكن من الآن فصاعدا ستعامل معاملة الآخرين، وإن [اضطررنا] للنقاش معك فسيكون ذلك عبر القنوات الرسمي.

آخر عهدي عن المألوف عيشه في عمان أن الأمر بهذه الطريقة! وأدخل لك صدام كاميكازي مع جهاز مخابرات كامل! يا شيخ! طيب على أي قضية بالضبط؟ لا أعرف. الذي أعرفه أنني لم أعد مدونا يعيش في دائرة الاستدعاءات الأمنية، أقول هذا والشخص الذي سيقرأ هذا الكلام من جماعة [هناك] يعلم أنني لا أقول زورا. ولا أعيش وأستلم مهمات من السلطة، ولا مسؤول عشان أكون كاتب بيانات المعارضة العُمانية قليلة العدد، كل هذا يحدث والجميع يعلم به ويعلم عنه، نصيبي منه في عمان أن أكتب في هذه المدونة، لا أعلم ماذا سيحدث لو قدمت هذه اليوميات لوزارة الإعلام! إلى هذه اللحظة أتذكر حكاية أن قول كلمة [أكره الاستحمام] على الهواء مخالف للذوق العام! يا أصدقاءنا في وزارة الإعلام ليش كذاك؟ على أية حال، لكم دينكم ولنا دين، لست بصدد مساءلة أي شيء فلسفيا، صرت أنظر للحياة من منظور إجرائي، وأحاول نشر روايتي [الوثبة] التي لا أعلم هل سيتم السماح بها أم لا، أيضا كل هذا لم يعد مهما. أيها أهم؟ أن تنشر كثيرا؟ أم أن تكتب بحرية!

هذا ما جعلني أكتب الكتابة الشذرية، وهي كلها تعود إلى سنوات سابقا وكنت أيضا أكتب بهذه الطريقة، أضع كل شيء كامل الدسم في تدوينات مطولة، حرمني هذا الاعتياد لسنوات من تكوين استقلالية مالية، الآن اليوتيوب وغير ذلك يمكنك من الاستقلال ماليا، وما زلت مفصولا من شؤون البلاط السلطاني، ورجوعي للعمل إليه شبه مستحيل، وبقيت الناشط الوحيد المعلق ولم يعد لوظيفة حكومية! لا أعرف لماذا موضوعي في عمان دائما سهل وصعب في وقت واحد، الذي أعلمه أنني أذكر نفسي، حلوة الحياة هكذا، لا تنظر لأي صلة لك بالحكومة أنها فرصة لامتياز خاص بك، العب لعبة الحياة نظيف، فليكن المال من عرقي وجهدي وتعبي وساعاتي الطويلة المجهدة وأنا أنتقل من حوار إلى حوار، فقط لكي أعيش هذه اللحظة الصادقة مع الذات. أظنُ أن فترة صعلكتي قد تنتهي، وربما أعود لوظيفة حالي حال الجميع. في كل الأحوال الحمد لله الأحوال ليست سيئة، والوضع يتحسن.

لا أحب المال، وعندما صرت رب أسرة كنت في الوقت نفسه قد قررت أن أجرب الحياة بوضوح، وألا ألعب على النقاط الحرجة ولا المخاتلة، وألا أجعل موضعي الغريب في عالم الكتابة في عمان موضع انتفاع مادي، قد أكون على وشك إنشاء شركة على نظام الصعاليك، وهذا يجعلني مطمئنا. لم أعد أحتاج شيئا في الحياة، لدي ثلاثة دراجات، وسيارة أفالون عمرها أقل من  عشرين سنة، وأخرج لتصوير إعلان وأستحضر طاقتي لصناعة المحتوى البصري، وأتأقلم مع حكاية المثقف الإعلامي أميجو معاوية هذا الذي أصبح الآن يحاور الشعراء مجددا على الهواء الطلق! اللغم المتفجر ماريو، ومعاوية، وشيطان التواصل الاجتماعي [السوشال ميديا] والآن إلى هذا المتوتر الذي أصبح يعي أهمي الاعتزال، والكتابة، الكثير الكثير من الكتابة، والكثير الكثير منها.

وكأنني أريد أن أسترد ثمن لوحة المفاتيح هذه في جلسة واحدة!

هذا يوم حياتي الأول، أختصر فيه للقارئ الجدي ما يعرفه القارئ القديم لي كمدون عن ظهر قلب، هؤلاء الذين هم أصدقائي، وهؤلاء الذين يعلمون جيدا متى يجب أن أكتب، ومتى يجب أن أتوقف عن الكتابة، يجب أن أكتب، يجب أن أكتب كل هذه الحياة بلا رؤية الحروف وهي تتكون أمام عيني، وأكتب بلا توقف، كل ذلك التوقف كان متعبا، ولذلك مشتاق، ولا أريد أن أفلت هذه اللحظة من يدي. لا أخفيكم، أن تلعب لعبة الحياة [نظيف] متعب جدا، ومرهق، ولكنه جميل، والشعور بالحرية وأنت تعرف استحقاقك لتعبك جميل أيضا، كل ما يأتي بالمجان لا تشعر بخسارة فقده، لم أعد أنظر بهذه الطريقة للحياة، صرت أعلم خسارة ما كسبت، فقد تعبت عليه، الساعات والساعات، وبعدها الأسابيع والأسابيع، وصناعة فريق عمل من المتناثرين في العمل منزليا، مشروع ليس فيه طاولة! وأخيرا ضبطت، ولم أعد قلقا بشأن المال، ليتني فعلت ذلك منذ ثمان سنوات وعشت صفاء كتابيا في وقت غزير، طاشت عشر سنين لا أعلم كيف عدت منها! من تجربة الحياة، وكأنني واحد غيري! من السجن! إلى الهجرة، إلى النيبال إلى صناعة الشموع، إلى وإلى إلى! هل يمكن للإنسان أن يكتب حياته كاملة في صفحة واحدة!

بالمراسمِ التي عنت لي الكثير، سلمت لقب المهذون الأكبر، إلى ذلك التعيس الذي جاء طالبا له! لا مزيد من لعنات الجنون، وقرصات التدوين الساخر!

أن تجد وقتا لتكتب! هذا هو السعيد في الحياة حقا! كنت أعلم أنني لن أطيق الحياة دون الكتابة، والانطلاق الغزير فيها، وتحليل كل صغيرة وكبيرة، والانطلاق بلا توقف! ولكن من هذا القارئ الذي يحتمل هذا يوميا! قليلون، ولكنهم يكفون لإعطاء الحياة قيمتها!

عندما يضيق وقتُ الكتابة تتحول حياتك إلى أعذار لصناعة النص، حتى في رسائل الواتساب، بل وفي الرسائل الصوتية، وأخيرا عبر وسيلة الحياة البديلة في العصر الجديد، تويتر الذي أشعرنا أنني نعيش في [حوش] واحد! الكل يعرف أخبار بعض، نلتقي في الواقع أم في تويتر لم يعد هناك فرق! لقد انتهت غربة التدوين وأصبح الآن الجميع يعيش طبيعيا بعيدا عن جدال الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني أو كهنة الدفاع عن الكتابة بخط اليد!

لا أعلم عن نخبويتك عزيزي القارئ، إن كنت هُنا قد دخلت لتقرأ عجائبَ اللغة، فأتمنى أنني لا أخدعك، أنا هنا لأفكر، لأعيد تسخين ملكة الكتابة التي في أناملي، لأنطلق دون الخوف من رنة هاتف، أو عدم الرد على أحدٍ صباحا، هيأت لنفسي الظروف التي تسمح لي أن أكتب بلا توقف، وسيكون ذلك جزءا من مهنتي، وأولا وأخيرا من حريتي، أن أستطيع ربط نفسي بلوحة المفاتيح وتسمية ذلك عملا وأن أكسب منه [لقمتين حلوين] كما يقول المصريون.

لا أعلم لماذا ما أزال في لعثمة الدخول في الموضوع. ولكنني فهمت الآن بم نفعتني الكتابة في منابر النص القصير! مقيد الحروف! لكنني أيضا فهمت ما الذي أضافته من الشيب  إلى شعري ولحيتي. سوف تأخذ اللغة مع الوقت مسارهاً، وستبدأ في تحديد أولوياتها الجمالية، وستختار ما تقرر أن تغفل عنه، ولا بأس، عندما تأتي تلك اللحظة لست خائفا من أن أخسرها، أو أن أخسر الشعور بصدق حدوثها، وبصدق كتابتها.

إن كان ثمة مصير لي أعيشه ككاتب، فسوف يكون هذه المدونة، ولتكن الحروف كما كانت.

 

معاوية الرواحي/ مارس/ 2022