بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 12 مارس 2022

يوميات: حياة إنسان عادي

 

 

 

مرحبا يا أصدقاء!

لقد أصبحتُ عاديا! تخيلوا ذلك فقط! أصبحتُ عاديا، فلم أعد المهذون الأكبر! تخيلوا ذلك! عُمر هذه النكتة السخيفة يقترب من عقد ونصف! أصبحت عاديا، وأقترب من الأربعين، ولم أعد أصلحُ للهذونة، أصبحت تتعبني بمعنى الكلمة، وبقدر ما يحقق التدوين الساخر، والنشاط الإلكترونية من تعلم دائم، وخبرات متراكمة، ومهارة في أشكال الكتابات، والحوارات، والعقدة الأزلية التي أدبني تويتر فيها فأحسن تأديبي، القدرة على الاختصار. لا أعلم ما الذي أوقفني عن التدوين، عن هذه الكلمات، لا أعلم كيف استطعتُ أن أعيش بدون نافذة التفكير اليومية هذه، لا أعلم متى سيفهم البعض أنني حقا أكتب ما أعيشه، وأحاول قدر الإمكان أن أجعله صادقا، والجميع يعرفني عندما أكذب، والجميع يعرف لماذا، والجميع يعرف لماذا أعود فأعتذر، والجنون الذي سئمت من محاولة جعله واقعيا، كان التدوين أجمل عندما كانَ هكذا، في ورقة الورد يُكتب، الآن في عصر المنصات السريعة، وتويتر، عشتُ ورطتي المُضحكة، أن أعلقَ في تويتر! كم هو مضحك عندما كنت أكذب على نفسي وأقول، أنا لا أكتب! إنني أغرد، وذلك الفقدان الكبير لهذا الشعور الذي أعيشه الآن، أن هذه الورقة لا تقول لي: قف!

لسنوات وسنواتٍ أكتب هذه البيانات المتحمسة والمبالغ فيها عندما أقرر الانتقال من مرحلة الكتابة في المنصات محدودة عدد الكلمات إلى المنصات التي تسمح لك أن تطيل هذه الجملة التي أطلتها بشكل متعمد لتكون بهذا الشكل! تخيل ما هو شعور هذا القارئ العالمي الذي يتقزز من مشاهدة مادة نصية تُنشر في مدونة شخصية وعدد صفحاتها أقل من عشرين صفحة. هذه ميزة التفكير بالكتابة، وكم هي حياة المتفرغ للكتابة جميلا عندما يكون كل ما يصطدم به هو فقط ذلك الشعور بأن صفحة الورد قد قلبت نفسها. يبالغ عشاق الكتابة بالقلم في تسويق سلعتهم القديمة، فالكتابة في عصر لوحات المفاتيح أصبحت منتجة، ويومية، ومفيدة للكتاب. فالتدوين عملية تمرين وشغل للعقل، ويحافظ على عقل الإنسان سليما ومركزا وجاهزا لالتهام الكميات الجديدة من المعطيات والكتابة عنها. عملُ المدون يرتكز على هذه المهارة الرئيسية، الحضور اليومي، والتضحية بكل مواده الأدبية، وكل ما كان يمكن أن يكون نصوصا جميلةً في عصر هذه الورطة. حدثت أشياء كثيرة جميلة، وبعضها محزن، كنت عالقاً، بمعنى الكلمة عالقا في ورطة بحمد الله استطعت تجاوزها.

سأكتب بكل صدقٍ ممكن، ولا أجد لخصمي أي عذر إن حاول الآن أن يستنبط من كلماتي أي شيء غير ما أقوله بقصد. علقت في عالم النص التويتري القصير، وهذه المرة لست لأنني في معركة جنونية مع السلطة، أو غير ذلك من عنتريات أن سقف الكلام يكفي لتحقيق الكلام! يا ليت، صح في عمان، وأكتب، لكنني سأكتب ما أظنني كنت يوما أكتبه بارتياح وسلام، تلك الثقة بعمان التي فقدتها ككاتب، ولا أعني على الصعيد الرسمي وغير ذلك مما يحلو للكثير أن يجعل حالتي دائما حالة إنسان مهمته أن يواجه السلطة فقط، لماذا؟ لأنه مهمته يهاجم! يا عيني! سنوات وأنا على هذا الموال الممل، يا إلهي، وبعد عودتي من [العُظمى] أكتشف أنني بلا وظيفة، ودخلت هذا العالم الغريب عالم الإعلانات، وصناعة المحتوى البصري ويا للهول! هذا الوقت الآثم الذي أقضيه حرا أكتب أكبر عدد ممكن من الساعات يوميا دون منغصات تموله تلك المنصات الإلكترونية الجديدة، عندما أصبحت سرعة فرد واحد قادرة لتصل على مئات الألوف من الناس! درس تمريني رائع، وعشت دوره بانطلاق، والآن أعود إلى هذه الكراسة البيضاء، أنا أنتمي هُنا.

كانت ورطة صعبة، أن أتحول من مدون يكتب ما يحلو له من مئات الصفحات يوميا، إلى ذلك المغرد الثرثار، الذي يحاول أن يختصر في تلك المساحة الضئيلة. تخيل! ذلك الذي كان يحسب عدد الصفحات التي يكتبها بالعشرات! ويحلل كل صغيرة وكبيرة، ويطيل في الشرح حتى يتأكد أنه قال كل ما لديه بأقصى درجات الوضوح! المشاغب، راعي لندن، وغير ذلك من الصفات الآن أصبح مال إعلانات وصانع محتوى وغيره من هذي الورطة العجيبة! أصعب تحدي في حياتي، والحمد لله ربع العالمين بسببه أستطيع قضاء ساعات أكبر في الكتابة. العمر يمر، وأنا أؤجل هذه اللحظة، وهذه المرة من أجل لقمة العيش. أعلم أن البعض يحلو له أن يصفني الآن بالمعارض السابق الأناني الانتهازي، الوصولي الأناني معاوية الرواحي الذي فاحت رائحة خيبته في الآفاق، نعم خيبتي فاحت كما فاحت حروفي وكلماتي، وكان لي أن أقول حكايتي، ولم أعد أعبأ كثيرا بسبب أو بنتيجة، ما حدث قد حدث! أفضل أن أقضي كل هذه الخيبة كاتبا!

وأيضا إليكم ما حدث لي، اضطررت لابتكار وسيلة عيش، تضمن لي إيجار البيت، وفاتورة الإنترنت والراشن، وأنا بصراحة عملت متسولاً من قبل، وهذه حقيقة يعلمها الأصدقاء، وقلت لهم إنني أعمل الآن [متسولا]. هذا ما كنت أقوله لكل صديق عندما أقرر من رأسي أن أستلف منه مبلغ [سبعة عشر ريال] لأشتري شيئا بالباوند في تلك الفترة الباردة في بريطانيا! يا إلهي، أمامي بركان من الحياة لأكتبه، عسى ألا تحترق هذه الورقة في نوبة جنون! لا أعلم لماذا أشعر بهذا الهدوء! ربما لأنني حسمت جانب الحياة قليلا. على الأقل أعلم بيني وبين ضميري أنني عدت وعشتُ ولعبة لعبة الحياة بعدالة، وهذا ما أنوي أن أواصلَه، ألعبها بعدالة. لا أعرف هل أنجح، أم أفشل! ولا أعبأ، هل أهوي على رأسي فأصير فقيرا، أم سوف أغضب هذه المرة المزيد من الناس، والمزيد المزيد من هؤلاء الذين بأمرهم تأتمر البلاد! سلوك كتابي عام، ويا إلهي! أيضا سلوك مرئي ومسموع! يا إلهي أي جنون أنت تعيش في هذه الحياة يا معاوية! وكأن حياتي فيلم غرائبي لا يتوقف عن إنتاج المزيد من التساؤلات. لقد توقفت منذ زمن طويل عن وصف نفسي بالخير، أو بالشرير، ومر زمن طويل منذ أن كنتُ أشعر أنني زبالة تمشي على قدمين، وفعلت كل ما بوسعي لأعيش نظيفا صادقا، والآن أنا المتنفع الثقافي الجديد من قبل الدولة! طيب من حقكم تقولوا ذلك، لكنني ويشهد الله أنني لم أطلب معونة من جهة رسمية إلا مرة واحدة ولظرف صحي، غير ذلك عايش فعلا حالي حال الجميع، وأنا أحب هذا الأمر، ولا أريد أن أصبح صاحب امتيازات، ولا معامل معاملة خاصة، ولا كل هذا، أريد فقط أن أكتب، أن أتمكن من إكمال هذه الفكرة دون أن يلطمني مبرمج بالقرار الذي اتخذه نيابة عني، في عالم النص القصير، هذا الذي شاع أكثر مما يجب! لم ينته عصر القارئ طويل البال، وأيضا لم ينته عصر الكاتب طويل البال إنها الحياة فعلا التي تجعل الكاتب يضحي بعزلته مع الكلمات، لقمة العيش على سبيل المثال.

لم أغير نمط الحياة الذي اتخذته بعد عودتي لعمان. ساعدني أصدقائي، ووقفوا معي، ومن ثم الحمد لله بدأت لأول مرة بالشعور الآمن بوقت العودة لعالم الكتاب، هُنا حيث الكلمة تبقى لكنها لا تحدث ذلك الضجيج، حيث الصدق لا يوقفه عُسر الخبز عن البيت. وصرت الآن رائد أعمال، صعلوك طبعا، وشغل كله مبني على صناعة أكبر وقت للكتابة، ويا سلام، معي فريق متكامل، والآن موضوع لقمة العيش كله متعلقة بالكتابة، وكل ما له علاقة بالتفكير باللغة يعود إلى هذه المدونة، إلى تلك الأيام التي لم تكن فيها التدوينة تتحول مع الوقت إلى ميلودراما المهذون الأكبر! هذا اللقب الإلكتروني الذي تنازلت عنه لمدوّن آخر. في عالم النص الحر، هذا الذي ينطلق بلا توقف التفكير بالكلمات له وقع آخر، ويبقى، ويثبت، ويترك آثارا جميلة، وهذه هي الكتابة، وفوائدها الرائعة. نفس، مثل الدراجة، فقط عليك أن تصنع نمط الحياة الذي يبقيك أكبر عدد من الساعات أمام لوحة المفاتيح تكتب دون أن تكون فقيرا. وكم أكره الحديث عن عملي لكنه باختصار مال صور فيديو، ونجي نزورك، وأسوي إعلان وتدفع مبلغ معقول وأروح بيتنا وشوف إعلانك في منصة سوشال ميديا. حتى هذا الذي أفعله الآن أصبح جزءا من عملي، صناعة المحتوى، وهُناك فريق يقوم [بتنقية] السح من المادة المكتوبة التي أضعها هُنا بإفراط، وبذلك أكن قد تحررت من اضطرار الاختصار، هذه الحياة التي من المؤلم الحياة بداخلها، وكم هي قلقة، وكم هي مُتعبة! لقد اشتقت للكتابة! ولم أظن يوما أن يومَها سيبدأ، وأن التأمل في بدايته، وأن اللغة تنسال من اليدين، وأن الفؤاد مرتبط بهذا التكون الإعجازي لكلمات في عين إنسان، معجزة الكتابة والقلم التي تأسر الإنسان من حياته، وتأسر الإنسان في حياته. أمامي الكثير من العجائب لأكتب عنها، والكثير من قصص السجن، والكثير من حكايات بريطانيا، وكل ذلك الذي لا يُوصف إلا بالجزافي.

ولا أعلم ما مصيري في عمان، حياتي لا تخلو من الخوف، والألم الذي أعيشه بسبب ما كنت أفعله الآن أدفع ثمنه بما سبب ما لا أفعله، فلا الآن أنا في لعبةٍ أمنيةٍ أو سياسيةٍ أو موجه من أي جهة داخلية أو خارجية حين أكتب، ولستُ في تيارات الجذب، عدتُ لعمان ووقعت، ووقفت، وكسرت كتفي، وكل هذا الوقت وأنا فعلا ألعب اللعبة بكل عدالة وإنصاف. البعض يحلل لقائي مع سموه وكأنه حدث سياسي، ويدخله في حسابات السين والجيم! لا أعرف كيف سأحبطه عندما أقول له، اللقاء كان مع إنسان عملي، وتحول إلى [جلسة شغل] بعد ثلاث دقائق، هكذا كان النقاش الذي عشته، ولم أطلب شيئا لنفسي، ولن أفعل. سأحاول أن ألعب لعبة الحياة بنزاهة، وبدون امتيازات، حالي حال الجميع، وأن أتوقف عن معاملة أن المثقف وتأثيره ضمن تيارات الشد والجذب بين السلطة والمثقف، الحمد لله ربع العالمين، أكمل عامين تعبت وأرهقت ساعات طويلة حتى كونت أول فريق يمسك عملي. لا أريد أن أخبركم عن عملي في مجال الإعلانات، لأن هذه من خصوصياتي، لكنه ليس سيئا، بالنظر إلى شخص مهلهل، ولا يجيد التعامل مع النصوص القصيرة ويسأم منها بسرعة ويذهب إلى هذا الانطلاق الحر مع الكلمات، نعم لقد عرفت الوصفة، وأنا مستعد أن أعلمها للجميع، لجميع الناس، يمكنك أن تكون كاتبا متفرغا ومع ذلك تكسب ثلاثة آلاف ريال شهريا، هذا ما أفعله في حياتي، مدرسة غريبة من مدارس المال والأعمال، الاستثمار على طريقة الصعاليك، الكثير من التبسيط للمعقد، والغوص في البداهة الرائجة، اضطررت لتعلم شروط العالم الجديد، والآن على الأقل أعلم بيني وبين نفسي أنني متفرغ لكتابة هذه السطور فقط لأن هذه المهنة الغريبة التي اسمها [الإعلانات] قد أصبحت تمول تفرغ كاتب للكتابة. لا أتكلم عن آلاف الآلاف، ولكنني أتكلم عن ما يكفي لإيجار بيت، ودفع فواتير، ولا يخلوا الأمر من شهر بلا عمل أو أسبوعين من الركود. على طريقة الصعاليك أعمل، نوزع النسب مع كل صفقة، لا أمسك عقودا، وحتى لو كان هناك مستثمر يريد أن يستثمر معنا فهناك شروط صعبة جدا لكي نقبل التمويل منه، لأنني في حجم جيد، وعددنا أربعة، وباقي أن يكون هُناك بديل لكل واحد منا. أنا أعود إلى مكاني، إلى جلستي الدائمة وأنا أكتب، هذه التي عشت فيها السنوات مرتين، وعشت فيها العمر ضعفين، هل تعلم ما أجمل أن تسرد حياتك يوميا أمام عينيك؟ وأن تفعل ذلك يوميا، وأنت تتذكر كل شيء مرتين! هل من حياة أجمل وتقاوم اضمحلال الذهني غير هذه؟ أشعر أنني أعود إلى منزلي، إلى ذلك الملاذ عشت معه سنوات قبل أن أقرر الذهاب إلى عالم المعارك الكرتونية، وهجمات الغضب، وغيرها من كل الذي لم ينفع ولم يضر! للأسف الشديد البعض يظن أن الحرية بقول ما لا يستطاع قوله، لقد قيل، ولقد سمع، ولم يعد في هذه البلاد متسع للكتابة غير ما يمكن أن يُنشر في الكتب، ذلك الذي يمر عبر وزارة الإعلام!

ولا يوجد شيء في المرحلة الإبداعية والكتابية أصعب من هذه  الوزارة مع احترامي الكبير لكل من فيها وأولهم أستاذي سابقا، وصديقي ربما سابقا لا أعلم، فهو أيضا لم يسلم من شر لساني، تخيل كيف أصبحت الآن السوشال ميديا مدارس إعلامية ووصل للناس أكثر من مؤسسات وحتى هذه اللحظة لم يتشجع أحدهم للبدء في خطوة شجاعة لإعادة صياغة العلاقة بين الرقيب والمبدع! أتحدث عن تجربة ولا أريد إثارة غضب أحد، ولا عن الموقف الذي حدث لي عندما وصلت ملاحظة رسمية عني في لقاء إذاعي تقول أنه قال على الهواء [أنه يكره الاستحمام! وهذا يخالف الذوق العام] بكل صدق هل هذا يليق بكم يا إخوتنا الأعزاء في الإعلام. لا أريد الدخول في عنتريات المواجهة، أتحدث الآن بكل عملية ممكنة، إلى متى هذا التدخل المفرط، لقد أصبحنا نصاب بالذعر عندما نكتب شيئا بالانطلاق الذي نفعله في التواصل الاجتماعي ويمضي بسلام ويكون مسموحا قانونيا ولا يعرضك للمساءلة وكل صفات عُمان السلام والأمان تنطبق عليه! وهذه التدوينة أحد الأمثلة على ذلك، وتويتر، وما يكتبه الناس ليل نهار عن النداء بإسقاط الفاسدين، ومن يكتب بعادية مفرطة عن هذا الموضوع، كشخص مر بتجربة مريرة، أعيش هذه الهدنة مع السلطة، لست أداةً لها، ولا أريد أن أكون، والحمد لله لا أصلح لمنصب عام بالكاد أصلح في موضع موظف حكومي يؤدي شغله بسرعة شديدة عادة ليعود للكتابة، هذه اللعنة التي أحبها، هذه الرحلة التي أريدها، هذا الانطلاق الذهني الذي ينزع خيوطا سبق نسجها في وعي غامض، أستطيع أن أسميه وعي الكاتب، وهذه حكايتي المكتوبة والعامة الآن، أحتفل أنني لست ملاحقا من أحد، وأحتفل أنني جربت الآن شعور أن تكون لعبت لعبة الحياة بنزاهة وعدالة ومع ذلك توصف بالانتهازي الحقير، المؤلم أنني عندما كنت انتهازيا وحقيرا لم يتجرأ أحد وقتها أن يقولها في وجهي! أما بعد أن تحولت إلى يهوذا الثقافة العُمانية، فمن المضحك أن تعيدني الحياة إلى هذا السياق. أعرف أنني غبي بما فيه الكافية أنني إن أخفقت سأعترف، ولا سيما في هذا الموضوع، وقصة معاوية وما آلت إليه عندما دخل التاريخ الأسود من أوسع أسبابه كيد عشوائية ضاربة يمنة ويسرة والعدو الخصم يرون فيه فائدة وضررا على نفسهم وخصمهم، تخيل تلك المأساة!

جنحت سفينة اللغة إلى اللغة العامية! يا لها من مأساة! جو العمل، وكل ما فيه من بداهةٍ اضطرارية إن أردت أن تبقى في واجهة منصات تويتر، ولا أقصد من حيث ناحية القوة والتأثير، فقط من ناحية متى سيصلح حسابك ليكون إعلانا، يكفل لك رفاهية الذهاب إلى مقهى لاقتناء مشروب تم تخفيض ثمنه من أجلك فقط وتمت تسميته [ماريو تشينو]. هل هذه العادية التي كان يعيش فيها الجميع؟ لا امتيازات تفرقك، وتسعى للحفاظ على ما صرت تؤمن به من أخلاق، أن تلعب الحياة بنظافة. هذا ما أذكر به نفسي دائما كلما أجد نفسي في هذه الواجهة الكبيرة من المحبين والمبغضين، أعترف لكم أنني لا أعرف كيف أعيش هذا الدور وأقضي معظم حياتي مرتبكا ولا أعرف كيف أتصرف، جانبي العدواني جاهز للدفاع عني في حالة تعرضي للسخرية أو للهزء، وجانبي الغريب الذي به طيبة لا أفهمها! وهو يرحب بالجميع، للتو مر معرض الكتاب الذي كنت أمر في أرجائه مستغربا، لم أعد أهتم بين تداخل العوالم، صرت أهتم لهذا الحلم، أن أتفرغ للكتابة، وأن أكتب قدر الممكن، لم يبق مني صلاحية اجتماعية، أو فكرية أو حتى ثقافية! أعلم حالي، وفي الوقت نفسه أعلم لطف الله، لذلك أشكرُه وأحمده وأكتفي بأن أقول اللهم احفظ نعمك التي أنعمت بها علي. كان شعورا جميلا أنني أمشي في معرض الكتاب وفي جيبي سبعة ريالات! وطبعا قد حان أوان كشف بعض الحقائق الصغيرة عن سر مبادرة الطالب الجامعي التي تُنسب إلى رأسي، في الحقيقة هي لها حكاية ظريفة وقديمة. تعود هذه الحكاية إلى تلك الفترة التي كنت فيها مشروعا جيداً لشابٍ قد يكون أثره جيد على مجتمعه، الحكايات الجميلة لا تكتمل بالضرورة، قفزة واحدة من مشروع كاتب جيد إلى قصة جنون لا نهاية لها! تخيل أن تكون الذي عاش كل ذلك وأن تحك رأسك وتتساءَل، هل حقا حدث كل هذا الذي حدث؟ في فترة سابقة حصلت على بعثة دراسية من ديوان البلاط السلطاني، وكان ذلك في عام 2011، وكن قد استقر بي الرأي على دراسة الهندسة في الجامعة الألمانية وفعلا درست فصلين، ثم حدث ما حدث في الأحداث العُمانية، وقتها كان الجميع يعلم أنني أداة موجهة من قبل أي شيء إلى أي أحد، كل ما يتبناه الأطراف ستجدني كتبت عنه وكأنني أؤمن به تماما، سخافة قاص حلم أن يكون روائيا ودخل عالم التدوين فقط لكي ينشط نَفَسَه في الكتابة! بعد فصلين من الدراسة دخلت معمعة الأحداث في عام 2011 وهناك خذلت الجميع باقتدرا ثم انتهى بي الحال للصدام مع السلطة بأغرب طريقة ممكنة! إلى هذه اللحظة لماذا لم أفعل ما هو حق قانوني لي، الذهاب إلى الجهة المعنية وأقول لهم: لا أريد أن أقابلكم منذ اليوم!

سيقول لي: طيب، سيكلمك فلان.

تقابل أحدهم ويبدو أن له القرار ثم يقول لك بلطف: حسنا، لك ذلك، ولكن من الآن فصاعدا ستعامل معاملة الآخرين، وإن [اضطررنا] للنقاش معك فسيكون ذلك عبر القنوات الرسمي.

آخر عهدي عن المألوف عيشه في عمان أن الأمر بهذه الطريقة! وأدخل لك صدام كاميكازي مع جهاز مخابرات كامل! يا شيخ! طيب على أي قضية بالضبط؟ لا أعرف. الذي أعرفه أنني لم أعد مدونا يعيش في دائرة الاستدعاءات الأمنية، أقول هذا والشخص الذي سيقرأ هذا الكلام من جماعة [هناك] يعلم أنني لا أقول زورا. ولا أعيش وأستلم مهمات من السلطة، ولا مسؤول عشان أكون كاتب بيانات المعارضة العُمانية قليلة العدد، كل هذا يحدث والجميع يعلم به ويعلم عنه، نصيبي منه في عمان أن أكتب في هذه المدونة، لا أعلم ماذا سيحدث لو قدمت هذه اليوميات لوزارة الإعلام! إلى هذه اللحظة أتذكر حكاية أن قول كلمة [أكره الاستحمام] على الهواء مخالف للذوق العام! يا أصدقاءنا في وزارة الإعلام ليش كذاك؟ على أية حال، لكم دينكم ولنا دين، لست بصدد مساءلة أي شيء فلسفيا، صرت أنظر للحياة من منظور إجرائي، وأحاول نشر روايتي [الوثبة] التي لا أعلم هل سيتم السماح بها أم لا، أيضا كل هذا لم يعد مهما. أيها أهم؟ أن تنشر كثيرا؟ أم أن تكتب بحرية!

هذا ما جعلني أكتب الكتابة الشذرية، وهي كلها تعود إلى سنوات سابقا وكنت أيضا أكتب بهذه الطريقة، أضع كل شيء كامل الدسم في تدوينات مطولة، حرمني هذا الاعتياد لسنوات من تكوين استقلالية مالية، الآن اليوتيوب وغير ذلك يمكنك من الاستقلال ماليا، وما زلت مفصولا من شؤون البلاط السلطاني، ورجوعي للعمل إليه شبه مستحيل، وبقيت الناشط الوحيد المعلق ولم يعد لوظيفة حكومية! لا أعرف لماذا موضوعي في عمان دائما سهل وصعب في وقت واحد، الذي أعلمه أنني أذكر نفسي، حلوة الحياة هكذا، لا تنظر لأي صلة لك بالحكومة أنها فرصة لامتياز خاص بك، العب لعبة الحياة نظيف، فليكن المال من عرقي وجهدي وتعبي وساعاتي الطويلة المجهدة وأنا أنتقل من حوار إلى حوار، فقط لكي أعيش هذه اللحظة الصادقة مع الذات. أظنُ أن فترة صعلكتي قد تنتهي، وربما أعود لوظيفة حالي حال الجميع. في كل الأحوال الحمد لله الأحوال ليست سيئة، والوضع يتحسن.

لا أحب المال، وعندما صرت رب أسرة كنت في الوقت نفسه قد قررت أن أجرب الحياة بوضوح، وألا ألعب على النقاط الحرجة ولا المخاتلة، وألا أجعل موضعي الغريب في عالم الكتابة في عمان موضع انتفاع مادي، قد أكون على وشك إنشاء شركة على نظام الصعاليك، وهذا يجعلني مطمئنا. لم أعد أحتاج شيئا في الحياة، لدي ثلاثة دراجات، وسيارة أفالون عمرها أقل من  عشرين سنة، وأخرج لتصوير إعلان وأستحضر طاقتي لصناعة المحتوى البصري، وأتأقلم مع حكاية المثقف الإعلامي أميجو معاوية هذا الذي أصبح الآن يحاور الشعراء مجددا على الهواء الطلق! اللغم المتفجر ماريو، ومعاوية، وشيطان التواصل الاجتماعي [السوشال ميديا] والآن إلى هذا المتوتر الذي أصبح يعي أهمي الاعتزال، والكتابة، الكثير الكثير من الكتابة، والكثير الكثير منها.

وكأنني أريد أن أسترد ثمن لوحة المفاتيح هذه في جلسة واحدة!

هذا يوم حياتي الأول، أختصر فيه للقارئ الجدي ما يعرفه القارئ القديم لي كمدون عن ظهر قلب، هؤلاء الذين هم أصدقائي، وهؤلاء الذين يعلمون جيدا متى يجب أن أكتب، ومتى يجب أن أتوقف عن الكتابة، يجب أن أكتب، يجب أن أكتب كل هذه الحياة بلا رؤية الحروف وهي تتكون أمام عيني، وأكتب بلا توقف، كل ذلك التوقف كان متعبا، ولذلك مشتاق، ولا أريد أن أفلت هذه اللحظة من يدي. لا أخفيكم، أن تلعب لعبة الحياة [نظيف] متعب جدا، ومرهق، ولكنه جميل، والشعور بالحرية وأنت تعرف استحقاقك لتعبك جميل أيضا، كل ما يأتي بالمجان لا تشعر بخسارة فقده، لم أعد أنظر بهذه الطريقة للحياة، صرت أعلم خسارة ما كسبت، فقد تعبت عليه، الساعات والساعات، وبعدها الأسابيع والأسابيع، وصناعة فريق عمل من المتناثرين في العمل منزليا، مشروع ليس فيه طاولة! وأخيرا ضبطت، ولم أعد قلقا بشأن المال، ليتني فعلت ذلك منذ ثمان سنوات وعشت صفاء كتابيا في وقت غزير، طاشت عشر سنين لا أعلم كيف عدت منها! من تجربة الحياة، وكأنني واحد غيري! من السجن! إلى الهجرة، إلى النيبال إلى صناعة الشموع، إلى وإلى إلى! هل يمكن للإنسان أن يكتب حياته كاملة في صفحة واحدة!

بالمراسمِ التي عنت لي الكثير، سلمت لقب المهذون الأكبر، إلى ذلك التعيس الذي جاء طالبا له! لا مزيد من لعنات الجنون، وقرصات التدوين الساخر!

أن تجد وقتا لتكتب! هذا هو السعيد في الحياة حقا! كنت أعلم أنني لن أطيق الحياة دون الكتابة، والانطلاق الغزير فيها، وتحليل كل صغيرة وكبيرة، والانطلاق بلا توقف! ولكن من هذا القارئ الذي يحتمل هذا يوميا! قليلون، ولكنهم يكفون لإعطاء الحياة قيمتها!

عندما يضيق وقتُ الكتابة تتحول حياتك إلى أعذار لصناعة النص، حتى في رسائل الواتساب، بل وفي الرسائل الصوتية، وأخيرا عبر وسيلة الحياة البديلة في العصر الجديد، تويتر الذي أشعرنا أنني نعيش في [حوش] واحد! الكل يعرف أخبار بعض، نلتقي في الواقع أم في تويتر لم يعد هناك فرق! لقد انتهت غربة التدوين وأصبح الآن الجميع يعيش طبيعيا بعيدا عن جدال الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني أو كهنة الدفاع عن الكتابة بخط اليد!

لا أعلم عن نخبويتك عزيزي القارئ، إن كنت هُنا قد دخلت لتقرأ عجائبَ اللغة، فأتمنى أنني لا أخدعك، أنا هنا لأفكر، لأعيد تسخين ملكة الكتابة التي في أناملي، لأنطلق دون الخوف من رنة هاتف، أو عدم الرد على أحدٍ صباحا، هيأت لنفسي الظروف التي تسمح لي أن أكتب بلا توقف، وسيكون ذلك جزءا من مهنتي، وأولا وأخيرا من حريتي، أن أستطيع ربط نفسي بلوحة المفاتيح وتسمية ذلك عملا وأن أكسب منه [لقمتين حلوين] كما يقول المصريون.

لا أعلم لماذا ما أزال في لعثمة الدخول في الموضوع. ولكنني فهمت الآن بم نفعتني الكتابة في منابر النص القصير! مقيد الحروف! لكنني أيضا فهمت ما الذي أضافته من الشيب  إلى شعري ولحيتي. سوف تأخذ اللغة مع الوقت مسارهاً، وستبدأ في تحديد أولوياتها الجمالية، وستختار ما تقرر أن تغفل عنه، ولا بأس، عندما تأتي تلك اللحظة لست خائفا من أن أخسرها، أو أن أخسر الشعور بصدق حدوثها، وبصدق كتابتها.

إن كان ثمة مصير لي أعيشه ككاتب، فسوف يكون هذه المدونة، ولتكن الحروف كما كانت.

 

معاوية الرواحي/ مارس/ 2022