ملاحظة هذه التدوينة تتعرض للإضافة بشكل مستمر:
* هذا التأمل وجهة نظري عن سبب حدوث ما حدث، هذه ليست الحقيقة، هذا ما أظنه! التفسير الذي يجعلني أرى ما حدث منطقيا. تفسير ما بعد المآل، وليس ذلك الذي قبل السؤال. وجب التنويه!
ياخي جدا يغيظك الشخص اللي معتبر الدمار في غزة هو الهزيمة! يتكلم عن فلسطين كأنه ولي أمر هذا الشعب المحتل، فهو الذي يعرف ما في صالحه، وهو الذي يحدد معايير النصر.
غزّة خسرت، إسرائيل هُزمت .. وشتان بين خسارة وهزيمة.
الكيان الذي "لا يقهر" وقف أمام أنفاق المقاومين عاجزا، وقدمت المقاومة الفداء، من قادة، ومن جنود، من أجل ماذا؟ قضية التحرير، لبُّ النقاش.
ولكن ماذا تنتظر من الذي يسيِّس كل شيء وكأنه في نقاش حزبي في مقهى شيشة؟ سيردد الهراء نفسه عن موازين القوة والضعف، وسيعيدنا إلى المربع الأوَّل، قوّة إسرائيل، وانبطاحه المستميت أمام قوته الهائلة، وسيبقى يلوم المقاومة مستخدما كل أجندة ممكنة ما دام الأمر تسييسا من لدن عقله العظيم.
غزة خسرت، البشر والحجر، وعاشت نكسة حقيقية، ولكن السؤال الكبير، هل كان لدى المقاومة أي أمل؟ مع اقتراب التطبيع العربي الكبير؟ هل لدى المقاومة أي أمل؟ ألم يكن موضوع وقت قبل أن تصبح المقاومة حجر عثرة أمام المشروع الكبير؟
فلسطين، منزوعة الدسم، والسلاح، ويتولى أمرها وشأنها من يضمن موت المقاومة، ونزع السلاح!
ما هو السيناريو البديل؟ لمقاوم جاهز لحرب؟ إن لم تنتصر في هذه الجولة فهو يسلّم الجيل وراء الجيل من أجل هذا النصر البعيد؟ من أجله أرضه التي احتلَّت والتي أهداها من لا يملك إلى من ليس له حق؟
ليس مخالفة للمنطق أن نقول أن المقاومة حقا افتعلت هذه الحرب، عن سبق الإصرار، والترصد. هجمة السابع من أكتوبر لم تكن عملية نوعية صغيرة تهدف إلى اختطاف أسرى فحسب، كانت حقا افتعالا متعمدا لمواجهة كبيرة، ولكن دعنا نسأل أنفسنا لماذا؟
لأنَّ الموت كان قادما في الطريق، هكذا أو هكذا. تخيّل أن تصبح إسرائيل دولة طبيعية في العالم العربي؟ ولو امتدَّ التطبيع لكي يصبح واقعا؟ مقابل ماذا؟ دولة فلسطينية منزوعة الدسم؟ ليس بها سوى شرطة، وأدوات قمع لأي فكرة بها جيش، أو مشروع لجيش؟ فلسطين بلا مقاومة؟
ضع عقلك مكان المقاوم الذي يرى كل هذا الكابوس يحدث أمام عينيه وستعرف لماذا انطلق جنود المقاومة لتوجيه الضربة الأولى في هذه الحرب، واختطاف أكبر قدر ممكن من الرهائن. هل سيموت بيد عربية؟ أم بيد صهيونية؟ أراد على الأقل أن يموت محاربا، فالمعركة قادمة قادمة، ولا سبيل سوى تمرير الرسالة، الدائمة، رسالة الشهادة، والحق الذي لا يموت، وهذا ما حدث.
هذا ما أظنه، وقد بقيت حائراً طويلا في السبب الذي يجعل المقاومة تستعجل تلك الهجمة؟ لا تفسير آخر لدي، أرادوا الموت مقاومين، فالاحتمالات الكارثية للتطبيع العربي الشامل، وصناعة فلسطين بلا مقاومة كان مشروعاً يطل برأسه، وإسرائيل كانت سترضخ، وستوافق، وستقبل بتلك الدولة (اللادولة) بكل سهولة، وكيف ستحدث دولة (اللادولة) هذه؟
من ستواجه المقاومة وقتها؟ كل ذلك المد العربي الكاسح، الذي سيفعل ما بوسعه لاستئصال شأفة المقاومة، ونزع سلاحها، واتهامها بالخيانة، وخيانة الشعب، وخيانة الأمل، وخيانة الدولة، وطبعا ذلك كابوس العمالة المقيت جاهز لتفتيت ما تبقى، وهات يا أدلجة، وهات يا صناعة للشخصية الفلسطينية الأنانية، والرخوة، والتي (باعت) أرضها من أجل مجموعة عمارات وكثير من الدولارات.
لم تكن المقاومة منتحرةً، ولم تكن في موضع القوة، والجاهزية، ولم يكن لديها وقت للمزيد من الإعداد والتجهيز، كل ذلك التطبيع كان جاهزا ويتمدد، وكان عربيا، ونهايته ماذا؟ الحرب ستكون عربيةً عربيةً، فما الذي تنتظره المقاومة؟ المصير البديل؟ أم رمي الشرارة في برميل البارود، فكان ما كان من إبادة، وجرائم حرب، وموت، ودماء، وكوارث، وهي الحرب، أقبح ما في إنسانية الإنسان.
المشغول بلوم طرف والدفاع عن طرف، أعمى سوى عن همّه السياسي، وشعوره بأنَّه هو ولي أمر فلسطين السياسي، الذي يملي عليها ماهية الصواب من أجل حق ذلك الشعب، لا يختلف خطابه عن إسرائيل، التي أيضا تنظر في شأن الفلسطينيين، وحياتهم كما يفعل هذا المُسيّس الذي أعمته موازين القوى وحسابات الجنود عن بوصلة التاريخ، وعكس مساره، إن لم يكن الآن فبعد أجيال.
هُزمت إسرائيل، وأخرجت للعالم حقيقتها، هزمت أكاذيبها، وفقدت إيمان العالم الغربي بها، غرست كل تلك التضحيات واقعا جديدا، وستكون ألف حرب عربية مع المقاومة، حرب صعبة، حرب فشلت فيها إسرائيل قبل أن تصبح فلسطين بلا مقاومة، وبلا حماس، وبلا قسّام.
لم يعد مطروحا كل ما كان من تسليمٍ مترف لفلسطين منزوعة الدسم، لم يعد مطروحا كل ما كان من آمال إسرائيل بإعادة السيطرة على تلك العصبة الشجاعة، لم يعد مطروحا أن تحلم إسرائيل باجتثاث المقاومة من جذورها، سنة كاملة والنتيجة النهائية التسليم بالأمر الواقع، المقاومة لم تمت، لم تفتت، والشهيد، ابن الشهيد، ابن الشهيد يمررون بالفداء رسالة التحرير، هل خسرت غزة؟ نعم خسرت في الحرب الكثير، أما إسرائيل، فقد هزمت وجرّت أذيال الخيبة، أخرجت أقبح في في أقبحها، ورضخت في النهاية، وأوقفت الحرب.
يسأل البعض عن النصر، وكأن إعادة كل الأراضي المحتلة سيحدث غدا، هذا تعريفه للنصر، هل تعرف أين انتصرت المقاومة؟ أنَّها لم تمت، ولم تسقط بيد كابوس العمالة، ولم تقبل بصفقة (الفلسطين) منزوعة الدسم والسلاح، وتركت للتاريخ ما يكفي لكي تبقى شعلة الأمل باقيةً، أنَّ النصر وإن تأجل، فهو حلم لا يموت. انتصرت المقاومة فقط لأنَّها لم تمت، وقد يبدو هذا النصر شاحباً، وغير كافٍ لسياسي محنّك في مقهى شيشة، لكنه يكفي لمقاومين اختاروا الخيار الصعب، اختاروا الموت على الحياة، وكشفوا للعالم، أن فلسطين أرض الموت والولادات، غزة عوقبت بالإبادة التي فاقت البادئ بالحرب، أما إسرائيل فقد فشلت، وهزمت، وانقسمت، وكسر أنف عنجهيتها، والآن تتفسخ وتفترق.
أما المقاومة، وهذه الأمَّة، فتجرعت من الكرامة جرعةً مُرَّة ولاذعة، كانت تكفي لكي تخلد الرسالة: فلسطين حرةَّ، ذات يوم، ذات جيل، ذات قرن، ذات عقد، ذات أبد. فلسطين حُرَّة ولم تمت بعد.
وهذا نصر مبين، وإن لم يكن مبهرجا بما يكفي لمسيّس بائس، لا يعرف سوى لغة الرياضة والأهداف: من مات أكثر هُزمت في الحرب!
وكأن كل هذا لعبة والمنتصر من حصد أكبر عدد من النقاط!
هذا العالم العربي عجيب فعلا! عجيب بمعنى الكلمة!
يعتمد على تعريفك للنصر. وبالمناسبة ما كتبته أعلاه هو رأيي الشخصي، وهو رأي متواضع جدا وقد وضحت هذا في بداية المقال.
وجهة نظري أنَّ كل ذلك الاستعداد كان لحرب مؤجل، أو فلنقل (مواجهة مؤجلة).
من منظور استعماري بحت! إسرائيل المنيعة، الحصينة، القوية، ذات اليد الطويلة هُزمت من أي منظور؟
النفسي: كسرت أنف تلك العنجهية، فإسرائيل التي تتحدى دولا بأكملها، اليوم تعجز أمام قطاع صغير، لجأت للوحشية، وانتقمت من المدنيين، هذه هزائم نفسية متتالية، تنخر في الاقتناع الداخلي بأخلاقية الحرب، والبلاد، والقيادة السياسية، حمضٌ كاوٍ يتغلغل ببطء في نفوس الإسرائيليين أنفسهم.
دفعهم للوحشية هذا في حد ذاته هزيمة أمام الدعم العالمي لهم، المقاومة هُنا لم يكن أمامها سوى أن تحارب في اللحظة الخطأ. أما قيام إسرائيل بمعاقبة المدنيين، هذا ليس من الحرب في شيء، هذه دموية، ووحشية، وجرائم حرب صمت عنها العالم أجمع، أين الهزيمة إذن؟ الهزيمة في كل ما تنازلت عنه إسرائيل في سبيل الوصول للمقاومة.
الصف الأول، الصف الثاني، الصف الثالث: هي مقاومة ميليشا ثورية إن صح التعبير، ليست مقاومة جيش دولة منظم، السؤال هو شكل الهزيمة الثانية؟
إسرائيل فشلت في التصدي (لحركة) مقاومة، متناثرة دعمها شحيح، وقد لا يخلو ممن يلعب على أوراق سياسية ما (ليس محور النقاش هنا).
إذا على المقاييس العسكرية، المقاوم يدرك أنَّه ميّت ميّت، لكنه هل كان موت مهزوم؟ هل قادت إسرائيل قادتهم للمحاكمات، ومرغت أنوف المقاومة في التراب؟ والتفكيك، والاستئصال؟ أم بقيت 15 شهرا تحاول حسم ما تظنها حربا خاطفة سريعة لتتحول إلى استنزاف مدته عام ونيف، والنهاية؟ انكسار نفسي إسرائيلي هائل، وشعور بالنذالة، والقذارة العالمية، وخسارة كل الأفضلية الأخلاقية! أما لوم المقاوم لعدم قبوله بالهزيمة هذا في حد ذاته هزيمة.
كما قلت أعلاه، بقيت في حيرة هائلة! لماذا المقاومة استعجلت افتعال متعمد للحرب، الآن بعد الحسابات الأخيرة! يتضح أنها حرب ستقوم هكذا أو هكذا، أي حرب صعبة ستكون بعد التطبيع الوشيك؟ هل ستسلم سلاحك ليد عربية تريد استئصاله؟ معناه ستحارب من؟ انظر للسياق القادم سياسيا؟ تسليم المقاومة سلاحها لمن؟ لأدوات إسرائيل؟ مجددا، الذي يلام على الحرب ضد المدنيين هو إسرائيل، الذي يلام على محاولات الإبادة هي إسرائيل، كون المقاومة تعلم حقارة الخصم هذا لا يجعلها مضطرة لقبول ذلك. نتكلم عن وطن محتل، وطن لن يقبل الاحتلال نتكلم عن (شعب) صاحب حق، وفي كل الأحوال، هل الواقع يسمح بتمثيل تشريعي يعلن الحرب عبر برلمان فلسطيني؟ المقاومون مسلحون وجيوش بلا دولة، انتظار تحرك سياسي/ عسكري منظم منهم ليس أكثر من ضرب من تعجيز الضحية لتكون مثل الجلاد.
هو سؤال جوهري: ما تعريف النصر؟
النصر الإسرائيلي هو فقط بتفكيك حماس جذريا، وإعادة احتلال غزة، وإقناع العالم أن هذا من أجل الخير والإنسانية، لكن قتل منك ألفان ثلاثة فتقتل خمسين ألف مدني؟ هذه هزيمة في موازين الوحشية الأخلاقية، حتى ما فعلته حماس بالمنظور الغربي كتصرف (إرهابي) واجهته إسرائيل بإرهاب دولة، وإبادة. هل هذا انتصار؟
النصر ليس بالنتائج النهائية للمأمول الكبير (التحرير) النصر في الموت المستحق من أجل راية تسلم للتاريخ القادم. لقد قضيت هذه المرحلة، لكنه لم تقض بنهاية المقاومة، وإنما بإدراك نهاية فصل وبداية آخر، وإعادة التموضع، والتعامل مع (الإسرائيل الجديدة) التي كشفت وجوهها الشوهاء، كل هذا تقدم استراتيجي، نحن لا نتكلم عن حرب مساحات (لم تبدأ بعد) نحن نتكلم عن استحقاق التحرير، عدم فنائه هذا شيء.
المقاوم جاهز للموت، أن تموت محاربا، وتعطي معنى لموتك، أن تقاوم، هُنا شيء من الصعب فهمه على شعب انتزعت منه أرضه باسم قرارات استعمارية ويطلب منه باستماتة أن يقبل الأمر الواقع، وأن يسلم هويته، وروحه، وترابه فقط لأن مجموعة حسابات دولية، لديها حسابات مختلفة عن النصر والهزيمة.
غزة ليست دولة، والمقاومة ليست جيش دولة، وأن ترغم أنف إسرائيل على التفاوض معك هذا في حد ذاته مساواة لها ما لها في الوعي الجمعي، وعي المقاومة، وحلم التحرير.
لو كان تعريفك للنصر هو سقوط إسرائيل نعم، هذه هزيمة، ولو كنت تبحث عن الانتصارات المتراكمة معنويا، سنرى أن المقاومة لم تمت بيد عربية.
أنا شخصيا متشائم، وأتوقع الأسوأ، والسيناريو المفزع الذي سيحاول فيه العالم شراء فلسطين، وتمييع قضيتها، ودفعها لاعتبار المقاومة شغبا يمنع دولة منزوعة الدسم والسلاح، هذا هو خوفي، أن ما لم تصلح فيه الدبابات سوف تفعله الدولارات، وبعدها نرى إسرائيل تختال في ردهات التطبيع العربي كجزء من النسيج الثقافي، أما فلسطين؟ فماذا يحدث لها؟ عمارات، ودولارات، وتجهيز لاستئصالها لاحقا بيد عربية وربما بيد فلسطينية!!
لم يكن أمام المقاومة سوى أن تعلن معركتها، أن تقدمها، وما حاولت إسرائيل فعله في ميدان السياسة عطلته المقاومة في ميدان الواقع. أما لوم حماس لأنها لم تقبل الهزيمة فهو عجيب غريب، مارست إسرائيل دمويةً حقيقية، وجرائم حرب، فلو كنا سنحكم المنظور الغربي، والقانون الدولي هذا، فليحاكم الطرفان أما محكمة عدل، وليفرض مجلس الأمن على الطرفين مشيئة القانون العادل (نظريا فقط) والمجحف عمليا وثقافيا بكل تحيزاته إلى دولة احتلال شرعيتها الوحيدة فجوة سقوط العثمانيين وبدء عصر التقسم العربي.
لهذا أقول (وجهة نظري) هنا وجوه من الانتصارات الصغيرة، أما النصر الكبير فقد سلمت راياته إلى جيل آخر، وطوبى لمن مات مقاوما، ومنح حياته وموته معناه. هذا نصر آخر، لكل من يتوق إلى قضية تستحق موتها وحياتها.
أتمنى أنني وفقت في شرح وجهة نظري بحذافيرها.