بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

وتستمر الحياة!

 نزل الخبر على رأسي نزول الصاعقة. معالجي النفسي، أو [موجهي السلوكي] كما أحب تسميته سوف يتقاعد! يا إلهي! هذا الألماني اللعين يجب عليه أن يتقاعد في هذا الوقت. عمر كامل مرَّ وأنا معتد بنفسي اعتداداً غير نافعٍ، وعندما وجدت الشخص الذي استسغت طريقته سوف يتقاعد. يطمئنني أن علاقتنا المعرفية لن تتوقف وأن صداقتنا لن تتوقف وأنه سوف يكلمني، لكنني لن أدفع له كما كنت أفعل، لجلسة متخصصة، لا يبدو أنه يريد التخلي عني، أمثل له [لقطة] معرفية، يعرف عن الإسلام، والعرب، والمسلمين، ويعرف عن ثقافة مختلفة ومغايرة.


معالج غريب، يصرخُ في وجهي، وبمعنى الكلمة [يتنازع]. يغضبه بشدة عندما أقوم بدور المعالج، أو عندما أستخدم عضلاتي البسيطة في علم النفس ضده، يتركني أتكلم ثم يهاجمني بكل قوته، لديه تشخيصه، ويعرف جيدا كيف يحلل مشاكلي.

لسنوات طويلة علاقتي مع حالتي النفسية كلها مرتهنة بشيء واحد، [الدواء، الدواء، التشخيص، التشخيص] بعد عامٍ من العلاج والتطور على مهل أكتشف أنَّ ما أفعله إدراكيا أهم بكثير من فكرة التشخيص لمرة واحدة، الأدوية لها مفعول السحر في استقرار الحالة، لكنها لوحدها لا تفي بكامل الغرض.

يمكنك أن تستقر بالأدوية، شخص في حالتي لديه اضطراب في المزاج، وربما اضطراب الشخصية الحدية، وربما ما هو أسوأ، يستقر بالدواء، على الأقل يوقف مهرجان عدم النوم لعدة أيام، ويوقف الاكتئاب الذي يستمر أحيانا لستة أشهر. القانون العام الكبير يقول: ما دامت حالتك النفسية تؤثر على هناءة حياتِك، وقد تسبب خسارة عملك أو خسارة حريتك أنت تحتاج للعلاج.

لكنني لا أكتفي بذلك، لا أريد فقط أن أصبح مستقرا وحسب، أريد أن أحيا، وأن أنجح في الحياة، وأحلم أن أكمل دراستي، وأن أتفوق فيها، وأيضا أؤسس على مهل عملي التجاري الذي كل يوم يعلمني الدروس والعبر والعظات!
كنت أظن أنني عندما أدرس علم النفس أنني سأستطيع معالجة نفسي، يتضح لي أن المضطرب نفسيا عندما يدرس علم النفس، يتعلم كيف يكون مُعالَجَا جيدا، لا مُعالِجَاً جيدا، وفعلا! بعد عام كامل من الجلسات أرى التغيير الكبير الذي يطرأ على وعيي تجاه نفسي، الوعي شيء، وحدوث المشاكل شيء آخر.

أنفعلُ، وأغضبُ، وأتعرض لكل شيء يتعرض له كل إنسان آخر، تعلمت أن أحاول فعل ذلك في مكان بعيد عن الغرباء. توقفت عن العادة المؤذية في تغذية الانطباعات السيئة عني، صرت أفهم أنني أفعل ذلك لأنني عدواني، وأريد العدوانية، ويؤسفني أن أعترف، أريد أن أؤذي أحداً، الحيلة التي يلعبها عقلي ضدي هي أنه [هو البادئ] وبالتالي أخدع ضميري، وأطلق العنان لأسوأ جوانبي الشيطانية المسكونة بالشر والنقمة! تحزنني هذه الحقيقة، ولكنني متصالح معها، أتعامل معها كمشكلة ستحتاج إلى علاج مستمر، ليس المهم هي [الصفة] بقدر ما المهم هو الفعل، هل أنا شخص سيء، أو شخص جيد، مجددا التصنيف ليس مهما، المهم، هل أعامل الآخرين بإنصاف، وهل أبني نموذجا سلوكيا جيدا يمنعني من إيذائهم ويمنعهم من إيذائي! فكرة إغراء إنسان بأن يؤذيك فقط لكي تنتقم منه شر انتقام هذا اسمه استمرار للمشكلة، وإغراء للنفس بالعودة إلى حياة مسكونة بالشر!

يعلمني العلاج دروسا ثمينة، ربما لأن هذا المعالج يفهم عمله جيدا، وربما لأنني أدرس علم النفس مستسلما لفكرة أنني [طالب] للعلم طريقة في كسر غرورك المعرفي، وتعليمك الدرس تلو الآخر أنَّ كل شيء خاضع للتجرب، وللتمحيص، ولإعادة النظر، والعلاج في حد ذاته عملية تدريسية مستمرة. أخدع نفسي وأقول: هذه ليست جلسات علاج، هذه جلسات تعليم وأنا مصيب إلى حد ما، لكن الحقيقة كما يلي: ما أقوم به اسمه علاج، وآثاره على حياتي كل يوم تتضح وتتحول إلى هدوءٍ طبيعي، وفي الوقت نفسه إلى حالةٍ أقل توترا من القلق.

علمني العلاج السلوكي الإدراكي أشياء كثيرة من الصعب أن أكتبها في أقل من مائة صفحة. ليس المهم هي علاقتي بالناس، أو نظرتهم لي، وليس المهم أن أبقى غارقا في حالة من الندم، والتبرير الدائم، وليس المهم هو بناء نجاحي في هذا العالم، المهم هو علاقتي بنفسي وتعاطفي معها، وكلمة [تعاطف] لا تعني قبول سيئاتها، وإنما التعاطف بمعناه النفسي، [التشاعر] كما أراد أحدهم ترجمتها، أن تشعر بأنك إنسان، يستحق الحياة، ويستحق أن ينتبه لأخطائه ويصلح منها، ويستحق أن يعيش بحقوق كاملة غير منقوصة.

جربت معالجين نفسيين كثر من باب اللعب والتجربة، معظم الجلسات إلكترونية وعن بعد وفي مواقع معتمدة، هذا المعالج من بين الجميع أعطاني دفعة جميلة في حياتي، ربما لأن به تلك الخصلة التعاطفية النادرة التي تجعله يفهم جيدا أين تتعذب في حياتك، وأن تؤلمك نفسك، وأن يرهقك الوسواس.

أحترمُ نفسي بما يكفي لأقول: لقد قطعت شوطا جيدا يا ماريو، ولن يكون الطريق القادم سهلا، عدتَ للرياضة، وهذا قرار أحييك عليه، وتكاد تتوقف عن نزعتك المرضية في جلد ذاتِك، وفي الوقت نفسه تقاوم بكل شراسةٍ طبائع مؤذية، قادرة على إيذائك، وعلى إيذاء غيرك، لن تكون قصة الحياة سهلةً لأي إنسان، لكنك تحاول، وأسجل تحيةً لك.

الفهمُ العامُ للعملية العلاجية قد تحقق بنجاح. الهم الكبير الذي يسكنني تجاه الغرباء تحول إلى قرارات حياتية أسير عليها. قليل من الغرباء، كثير من الحذر، وتجنب للعفوية الزائدة عن الحد. والاعتذار عن الخطأ، وعدم قبول الظلم تحت أي ظرف كان، حتى ولو كان على هيئة كلمة.
التحدي الذي أمرُّ به هو أن أسعى في الحياة بدون دافع الذنب، أو دافع الندم، أو دافع التعويض، أن أعتبر حياتي كما هي، نتائج لكل الخير والشر الذي حدث، أنا لا أحاول الحياة لأنني خسرت فرصا في السابق، أو لأنني أخطأت، لا أحاول أن أكون إنسانا جيدا لأنني كنت إنسانا سيئا، اللعنة! سيترجمها في جوجل وسينزل على رأسي وسيقول لي بغيظ: "لا يوجد إنسان جيد وسيء، يوجد فعل جيد، وفعل سيء"
لا يجب أن أحاول فعل أشياء جيدة أو خيّرة لأنني فعلت أشياء سيئة. يجب أن أفعل الأشياء الجيدة لأن هذا هو الطبيعي، ويجب أن أتجنب الأشياء السيئة لأن هذا هو الطبيعي. فكرة التعامل مع الذنب، والندم لها نصابٌ من الممكن عندما يصل إلى حالة الاكتفاء يعيدك إلى سابق عهدك، لأنك فعلت الشيء الجيد لدافع خطأ. تقول: لقد عوضت عن خطئي، أستطيع الآن أن أخطئ مجددا! وهذا هو الذي أرصده في الأيام الأخيرة!

عجيبة الفكرة! أشعر بالذنب لأنني أستمتع بوقتي في صلالة، وألعب تنس طاولة! وماذا يفعل عقلي العزيز، يؤنبني لأنني لا أذاكر! طيب! أنا لم أسجل موادا من الأساس! ما هذا اللاوعي الكاثوليكي! لن أتعب نفسي بالتأمل، سأشرح الحالة لمعالجي، وسأنتظر منه أن يخبرني إحدى جواهره الثمينة وبعد عدة أشهر سأعود له بكل بلاهة وأقول: كلامك طلع صح!

أنا فعلا حالة صعبة ومزعجة! أتفهم الآن لماذا يسميني الوالد [الملف الصعب!] ..

افتقدت لحظات الصفاء المليئة بالأندورفين هذه، بعد جلسة رياضة جميلة! هي لحظة، وسأتعب ذات يوم، وسأكتئب، ولكنني أيضا سأنتشي بالحياة، وسأجتهد. الحياة مستمرة! ذات يوم سأكبر، وأمرض وأموت، أو ربما سأموت موت فجأة بسكتة قلبية، فكرة الموت والحياة مبهجة، تجعل لهذه الأيام معنى، لا أشعر بالتعاسة، ولا باللامبالاة، أشعر بتصالحٍ مع فكرة أنني أحاول. هل سأنجح، هل سأفشل؟ لا أعرف، أتمنى أن أبقى هادئا، وأن أكمل الحياة بعيدا عن تكرار أخطائي، أتمنى أن أفعل أشياء جيدة، وأتمنى أن أفعل أشياء خيِّرة، لا أريد أن ألاحق [الصفة] .. أريد أن ألاحق الفعل، وأن أحاول ذلك، نجحتُ: كان بها!

لم أنجح

سأستمر في المحاولة!

للحديث بقية


هم الدراسة! هل سأستطيع معالجة الدراسة بدافع الذنب؟ لأنه هذه الطريقة تحقق نتائج جيدة. معدلي الدراسي مرتفع، من الأساس لا يمكن أن يرتفع أكثر [4] .. حرفيا، والحمد لله، وقل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد، حصلت على [A] في كل مادة درستها في التخصص حتى هذه اللحظة! ولكن هل يمكنني الاستمرار على هذه الطريقة، في احتراق نفسي وصل به الحال إلى تحطيم لحظة جميلة كالتي كنت أعيشها قبل قليل!

الأمر واضح بالنسبة لي، أنا أستخدم دافع الذنب والندم لكي أتفوق دراسيا، وهذه خطير للغاية، ومن الممكن أن يسبب لي ردة فعل تجعلني أكره الدراسة. هل أكتفي هذا الفصل بأن [أستمتع] بالدراسة! هل أستطيع ذلك؟ أذاكر بما يرضي الله، وأنجح، ولو طاشت عني درجة [A] لا أحزن!

صدمتي الدراسية مريرة بمعنى الكلمة! من طالب في كلية الطب إلى صفة [الفاشل دراسيا] لسنوات وسنوات وسنوات! كنت بحاجة لأثبت لنفسي أنني قادر على التفوق، ولكن هل هذا سلوك صحي؟ كل شيء تعلمته في تخصصي يقول لي: ما أفعله خطأ، وربما يكون خطرا!

أرصد اليوم ظاهرة مرضية سيئة. أشعر بانهيار حقيقي وشعور حارق بالذنب، لماذا ذهبت لصلالة يا ماريو؟ هكذا يؤنبني عقلي العزيز! يا ماريو تريد تفشل! طيب يا عقلي المحترم، أذاكر موه بالضبط؟ لا إجابة! لأنها الصدمات التي تتكلم نيابة عني. صدمة الخروج من كلية الطب! وصدمة الملاحظة الأكاديمية في الجامعة، ولاحقا صدمة العيش تحت مسمى [ثانوية عامَّة].

أفهم كل الأسباب التي تجعل حسراتي دافعا، ولكن هذا خطأ. إن كنت أريد أن أفعل ما هو صواب، يجب ألا أستغل هذه الطريقة المؤذية لنيل التفوق الدراسي. ونعم، أعرف أنني خائف، خائف بشدة أن أنتقل من شخصية المحارب، إلى شخصية أخرى، ذلك الذي [يذاكر لينجح] وأفقد ذلك الشعور المليء بالفرح! يا إلهي، كل [A] حتى هذه اللحظة تعطيني شعورا جميلا للغاية بأن الحياة تستمر، حتى ولو كنت سأدخل الأربعين بعد أقل من ثلاثة اشهر!

حسنا يا ماريو. أمامك شهر لكي تصنع دوافع أخرى مختلفة عن هذه المرتبطة بصدماتك. فكرة تعويض الذي فات مغرية بالتصديق، ولكنها غير منطقية. لا شيء فات. الأمر متعلق بنزعة الحياة بشكل معقول ومقبول، وأن تسعى حالك حال الجميع للنجاح.
عجيب ذهن الإنسان! باقي عن الدراسة شهر كامل! وماذا يفعل مستر ماريو! يؤنب نفسه لأنه لم يذاكر! هذا شيء يجب أن تبدأ الحديث بشكل مكثف مع معالجك عنه. يجب معالجة الدافع، وأيضا يجب ان أتقبل شيئا.

النجاح الذي يؤذيك، هذا خطر للغاية. النجاح الذي يسبب لك المرض، ويجعلك تتخلى عن أشياء مهمة في حياتك، هذا خطر للغاية، ومجازفة البعض يسوق لها وكأنها "ضرائب" الحقيقة هي أنك تحدد خساراتك، ومن بين كل الخسارات، صحتي النفسية ليست أبدا محل مجازفة!

سنة بلا رياضة! وماذا كانت النتيجة، اكتئاب حاد للغاية لمدة شهرين، وحالة من الغضب الهادر! لن تستمر لسنة إضافية لهذا الحال، لقد [قنعت] عينك يا ماريو بنتيجة عالية، وما دمت تدرس علم نفس، عليك أن تقنع بنتيجة أيا ما كانت، ناجحة، حتى لو كانت [b] .. بل وحتى لو كانت [b-] أن تصل لهذه النتيجة وأنت محافظ على سلامتك النفسية خير من الحصول على هذا المعدل المرعب فقط لأنك امتلأت بالصدمات وعقدة الفشل الدراسي! ألست طالب علم نفس! لديك طبيب يصف لك الأدوية المناسبة، ومعالج نفسي عبقري، وأنت تتحسن، وحان الوقت لكي تنصت لنداء فعل ما هو أصوب، التفريط بسلامتك النفسية والإصغاء لنداء النجاح بدافع عقدة الذنب هو خطأ كبير، لقد نجوت لعامٍ، هذا الشيء يجب ألا يستمر! ضع هذا في بالك. يا إلهي! كم أريد الحفاظ على هذا المعدل! ولكنني أيضا، لست مستعدا لإرهاق طمأنينتي النفسية أكثر!
قد يأتي يوم وتختار فيه صحتك النفسية، وقد تتقبل [c+] .. قد يأتي يوم وتحصل لك ظروف تمنعك، قد تشغلك الحياة، قد تمرض، فكرة المعدل الكاملة سعي بالمعقول، إن وافقت الظروف سيحدث، وإن لم توافق الظروف، لا تفرط بصحتك النفسية يا ماريو.

أشعر براحة هائلة، لقد فهمت أشياء جديدة وكثيرة. شكرا لطاولة التنس الذي منحتني هذا الصفاء.

الاثنين، 21 أغسطس 2023

المشاهير!

 المشاهير! المشاهير! .. هذه هي الطُبَّة النقدية الجديدة. الظاهرة المُجتمعية تُفرزُ [معروفين جددا] في المحيط العام. في دولة قليلة السكان، ظاهرة متوقعة جدا، حدثت في كل دولة عدد سكانها يقارب عدد سكان عُمان. والكلمة التي تشمل الجميع [مشهور] وما أقبحها من كلمة تُستخدم لتأطير إنسان له موهبة، أو له حضور، أو نشاط، أو رسالة.

يجب التفريق بين صانع المحتوى، وأصحاب المنصات. الفنان، والعازف، والمنشد، أو الشاعر والكاتب والناقد، بون شاسعٌ بين هؤلاء وهؤلاء، الشخصية الاجتماعية، والشخصية الفنية [الكاركتر] كحالة الكوميديان المعروف جدا [الكوتش أيمون] والذي سينصدم كثيرون أنَّه في الواقع شخص مختلف، لطيف وهادئ وطيب بمعنى الكلمة. لسببٍ ما، ثمة قناعة ضمنية تدور وراء الكلام تُلزم هذا الذي يعرفه الناس بدورٍ ما، ويجب أن ينصاع هذا الدور تجاه تفضيلات مجموعٍ كبير ما. البعض يقول القضايا الوطنية، والبعض الآخر يقول قضايا المعيشة والحياة، وبعض يقول القضايا الدينية، والبعض يقول القضايا الاجتماعية وهكذا دواليك. لسببٍ ما يُلزمُ مجموعٌ كبير من الناس هؤلاء بدفع ضريبة، أن يعرفك الناس يعني أن تفعل شيئا ما وأن تقوم بدور! تخيل أن تطالب عازف جيتار على نياته، يعزف وحسابه [اشتهر] كما تقول الكلمة المتداولة بأداء هذا الدور، هذا وإلا التقريع والتأنيب والتأليب والإلغاء والتسطيح والتهميش!!! ظاهرة المشاهير سببها معروف، أنَّ الدور المؤسسي للإعلام لا يسير على أكمل وجه، خاضع لمعايير رقابية عطلته، وبالتالي كل هذا جزء من الظاهرة البديلة، بديل لن يغني عن المؤسسات الضخمة، بطاقتها الإنتاجية، وقدرتها على تقديم مواد نوعية تروي ذلك العطش المهول للمحتوى وتغيراته في العصر الحديث. هذا هو سبب ظاهرة المشاهير! والجميع يعلم ذلك والبعض لا يريد أن يدين تعنت الرقيب الإعلامي، ومبالغته في التدخل، بل وأحيانا نزعته لإلغاء وتهميش أسماء معينة لأسباب لا توصف إلا بالشخصية، أو بالمزاجية. ظاهرة المشاهير فقاعة سوف تزول مع الوقت. الذي سيبقى هو المبدع، العازف، الفنان، القانوني، الطبيب، الفقيه، العالم، الباحث، هؤلاء هم الذين سيمسكون زمام الانتباه في نهاية المطاف، فهؤلاء لديهم [معنى] يقدمونه في منصاتهم الرقمية، والأولى أن يتم احتواء هذه الجهود تحت مظلة وحبذا تكون مظلة ربحية تعمل بطريقة متوازنة [منصة ثمانية على سبيل المثال] وغيرها من المشاريع الشبيهة، من الذي يتابع الإعلام الكلاسيكي المؤسسي؟ كل يوم يمضي يقل العدد، ويقل، وبينما يكابر بعض ربابنة سفن الإعلام الحقيقة المريرة لا تُحسم إلا باستبانات إحصائية توضح الحقيقة، ولأن هذا هو [الفيل الذي في الغرفة] يُرفض هذا الطرح، ونعود إلى لوم هذه القلة القليلة من أصحاب المنصات النشطة، أو الشخصيات التي أصبحت معروفة! كلمة مشهور في دولة قليلة السكان فعلا كلمة مضحكة. والأكثر إضحاكا اعتبار [أن يعرفك الناس] قيمة، سواء سلبية أو إيجابية. أنت في عمان! عدد السكان بسيط، لا تحتاج أكثر من شهرين في سناب شات لكي تجد مئات الألوف يتحدثون عنك، ويعرفون من أنت! ولكن ماذا بعد؟ يلجأ البعض إلى خطاب مكرور وميِّت، وهو دائما بنفس الشكل، عموميات اجتماعية، ويلعب دور الناصح الأمين، ولا أقلل من هذا الدور، لكنه فعلا دور قاتل للإبداع، ويتحول مع الوقت إلى بوق دعائي لا يتوقف عن العمل، بغض النظر عن المدرسة الفكرية التي تنتمي لها، [الشهرة] في دولة قليلة السكان موضوع صعب للغاية، وعواقبه وخيمة! ومن السهل أن تتعرض للاغتيال الاجتماعية نتيجة خطأ واحد! من الصعب مناقشة البديهي. شخص يحب [يستهبل] في سناب شات، تتفرغ له الأقلام لكي تجلده جلدا لكي [يكون جادا] وماذا بعد؟ لكي يقوم بدور ليس دوره من الأساس، والنتيجة [جاب العيد] بكل بساطة! جاب العيد لأنه يقوم بدور ليس من دوره، شخص يحب الكوميديا، أو يحب العزف، أو يحب أشياء توصف من قبل المتلقي المتعالي بأنَّها [سطحية]!! طيب ماذا عن الذي يجب عليه هذا الدور؟ مجددا! يصمت الكلام، الطبَّة النقدية هي البغضاء، والغل، والضغينة تجاه هذه الفئة القليلة التي أصبحت تسمى [المشاهير] تحديد الكل! وهات يا تنميط! ظاهرة المشاهير امتداد طبيعي جدا لزيادة عدد السكان، مع نسبة مهولة من الشباب، اهتمامات الجيل تصنع جذبا، والعرض يكافئ الطلب، ليست مقلقة كما يبالغ البعض في وصفها، هناك من هو [معروف/ مؤثر] وهناك من هو [مشهور] فقط لا غير. مثل شهرة كارداشيان التي لا يعرف أحد بالضبط ماذا تفعل! هي [مؤثرة]. وهذه ثقافة يتم استيرادها ضمن تجليات الترف، والهوس بالحياة، والمال، والشكليات، موضوع وقت، والزبد يذهب جفاءً، الذي يبقى هو المكتوب، والمُلحن، والمرسوم، والمدوَّن. هذا هو قانون الحياة، يسري على عُمان وعلى غير عُمان. في دولة عدد سكانها قليل، لا تحتاج لجهد هائل لكي يعرفك الناس، السؤال هو: لكي تبقى! هذا هو التحدي الصعب. كيف تحافظ على خطابِك من هذا الجو المكهرب والمتوتر. كيف يصل بنا الحال إلى مناقشة البديهي! ما الذي يفعله فلان؟ يفعل أشياء [سطحية] في الإنترنت! طيب وماذا في ذلك؟ سوف ينفعل ويقول لك: الأثر، والتأثير، والأجيال، وكلام طويل عريض يغطي به تقصيره في تقديم ما يلفت انتباه هذه الأجيال، تقصير الإعلام المؤسسي الذي هو إما متحفظ متزمت يخاف من أدنى لوم أو خطأ، أو تجاري مفرط في الترفيه! هل تستغرب أن تستشري ظاهرة [صاحب المنصة] في مثل هذا المحيط؟ هذا هو المتوقع! الشهرة يعني أن عددا كبيرا من الناس [يعرف من أنت] لا يعني تأثيرك، ولا يعني أنَّك بالضرورة تخرق الأرض وتبلغ الجبال طولا. وحتى وإن تمادى العالم في الافتتان بالضحالة، مع كل تقنية جديدة يحدث ذلك، ثم ينتصر المعنى في النهاية، ويبقى الإبداع الحقيقي، سواء كان إلكترونيا، أو حتى قصيدة كتبت في [كلينكس] نسيها شاعر كبير في مقهى من مقاهي القهوة. العدائية تجاه الانتشار الرقمي، أو الانتشار الاجتماعي ليس موضوع منطقيا، ثمة خطاب ضمني يختبئ وراء هذه العدائية وهي القسر على اتخاذ اتجاه ما، وهذا الخطاب مضر ومؤذ ويسبب نزيفا للمواهب، والعقول، والآراء، وكأنه [عيب] أن يتابعك أكثر من عشرة آلاف إنسان، هذا يجعلك بالضرورة سطحيا! بل والبعض يصل به الحال إلى التباهي بأنَّه [لا يريد الظهور، وهو قادر على ذلك لكنه لا يريد] .. هل يلومه أحد؟ كلا، لأن هذا بكل بساطة حقه المنطقي، واختياره كفرد. المشهور [كما يسمى] ليست مهمته حل قضايا الكون، ولا أسئلته، ولا مهمته حل قضايا المجتمع، وليست مهمته أن يكون [مؤدبا علنيا] يجلد الظواهر السيئة، هذه أشياء جانبية يمارسها البعض تحت الضغط العام، فقط لأن الإعلام التقليدي يواصل تقصيره في هذا الجانب. وحتى وإن حفلت المرحلة لبعض الوقت [بصناع منصات] يعرفون اللعبة، والانتشار، فهم أيضا موضوع وقت بسيط. التوجه للمحيط الرقمي عالمي، وهادر، وكاسح، وبدلا من تحميل هذا الفرد المجرب ما هو فوق طاقته، الاحتفاء والانتباه إلى أصحاب المواهب، والعقول، والنتاج الفني، والفكري، والنقدي أولى من إنفاق كل هذا الاهتمام لتأليب الناس ضد الفلان والعلان. احتفِ بالمبدع، والموهوب، وأنفق جهدك [ومنشانتك] في الرفع من قدر هذا الإبداع، ونشره، ونصحه، ونقده وتمحيصه وتشجيع ممارسيه، أما التشكي من ضحالة العالم، وكونه لا يناسب عينيك، فهذا استحقاق [وحق] أزلي للمتلقي، فالمتلقي له نرجسية لا يمكن لأي مبدع رفضها، وسواء كنت [سناب شاتر] كل همه أن ينشر نكت الواتساب، أو كنت شاعرا، أو كنت مفكرا دينيا، أو كنت منشدا إسلاميا، الجميع له الحق في أن تكون له منصته الخاصة، وأن يحاول، وأن يجرب، وأن يخطئ، وأن يحاول النجاة! أما أن يعرف عشرين ألف إنسان، ثمَّ تظن أن هذا يمنحك مكانة! هذا لا ينقص منك، ولا يضيف لك شيئا، هذه ببساطة مراحل، وبالذات في عمان، المرحلة الحالية تسير قدما نحو الإبداع النوعي في الإنترنت، وإذا أصبح الجميع ينظر لهذه المنصات نظرة مهنية، مع الوقت سوف يتناقص عدد أصحاب المحتوى الرديء، وينتصر التنافس، وتجود لنا الساحة الرقمية بأفضل ما فيها. كيف تشرح لإنسان الفارق الهائل بين أيام [المنتديات] عام 2001، وهذه الأيام التي أصبحت المنصات متاحة للجميع؟ من الصعب فعل ذلك مع جيل فتح عينيه ليجد أن الضوء أسهل مما كان عليه بمراحل. في عمان، كلمة مشهور ليست سبَّة، وليست ميزة. كل إنسان حر في حسابه، يمكنك أن تفتح حسابا في [أكس] لكي تشتم مشجي برشلونة [هذا حقك]، ويمكنك أن تفتح حسابا لكي تنشر آخر قراءاتك للأفلام النرويجية، أو للحدث عن الشطرنج، هذا أيضا حقك. كم أصابني الرعب عندما خضت نقاشا مع أبناء أختي ذات يوم لأجده يقول لي [الواحد عشان ينجح لازم يحاول يكون مشهور!] زلزلني هذا التصريح! طفقت أشرح حتى بح صوتي عن الفارق بين المبدع [المشهور] .. وذلك المشهور [لأنه مشهور] .. لماذا؟ لأنه مشهور، لأنه [صنع منصة] أكثر من كونه صنع أي شيء آخر. الذي سيصوب هذه الظاهرة، وسيساعد على تحويلها لظاهرة نافعة اجتماعيا هو العمل التجاري فقط، على طريقة تحتفل بالإبداع والمبدعين، وإلى أن ينتبه أصحاب رؤوس المال إلى إمكانية ذلك، فإن الواقع سيبقى لبعض الوقت كما هو عليه، حتى تتحول هذه البؤر الإبداعية إلى منصات [مؤثرة/مبدعة/مليئة بالمعنى] وقتها ستحل الظاهرة البشرية محل ظاهرة أخرى، وستأخذ فكرة [الشهرة] طريقها إلى ما نحن عليه، شهرة الفكرة، والإبداع، في دولة نامية، تسعى للنمو في مختلف قطاعاتها الترف وزعمه وادعائه مجرد ظاهرة مؤقتة لا تمثل الحقيقة الكبيرة أو العامة، وفي عمان، موضوع وقت وتذكروا كلام هذا المجنون، موضوع وقت قبل أن يحل محلَّ كل هذه الشطحات إبداع نوعي. في عمان، الحديث دائما يحدث في مكان آخر. الذي يستفز الناس ليس أن [مشهورا] ما يقول رأيا. الذي يستفزهم هو تمجيد الترف، والتباهي، وصناعة واقع مزخرف لا وجود له سوى في المنصات الرقمية، هذا هو الذي يستفز الناس، لا أحد يكره المشاهير، لأنه من الأساس، في دولة قليلة السكان أي شخص يستطيع أن يصبح مشهورا، السؤال الكبير هو: ما الذي ستقدمه بعد شهرتك؟ هو سؤال إبداعي، وليس سؤال مكانة أو تصنيف. على أية حال! للحديث أكثر من بقية! معاوية الرواحي

الأربعاء، 16 أغسطس 2023

والفجر!

 تغيرت فكرة الكتابة والنشر في المحيط الرقمي. من المؤسف جدا أن عالم الكتابة التفصيلية يتحول كل يوم إلى فنٍّ بائدٍ أمام طوفانِ الكتابة السريعة، القصيرة، وكأن المتلقي يصرخ في وجهك: "لا أريد أن أقرأ"

عجيبة في صفاقةُ القارئ عندما يصرخ في وجهك: "لا تكتب شيئا مطولا! من الذي سيقرأ كل هذا الكلام"
يا إلهي! ألا تعلم من أنت؟ أنت [القارئ] هذا هو اسمك، "قالت امرأةٌ" وغابت في الخوارزمية الحديثة! الكتابة من حيث وظيفتها! هذا الذي نحن فيه في هذا التطبيق الذي أتمنى أن يجمع أربابُه عيلون تناقضاتِه.

داهيةٌ هذا الرجل، بمعنى الكلمة داهية، أطلق العنان للمكتوب المطوَّل، وفي الوقت نفسه يوزع الأرباح لأصحاب [مهنةِ] النص القصير، ذوي [الثريدات] والتعليقات، والمقتبسات، والغرائب، والطرائف، أشعر أن عيلون أحياناً قد وجد عذرا لتوزيع ثروته من أجل حرية الكتابة في العالم، أتوهم ذلك من خطواته المتتالية التي [انتزع] فيها هذه المنصة من جنون اليسار العالمي المصاب بالتشنج، الذي يقمع بلا كلل، وبلا ملل، وبلا هوادة، وبلا ارعواء، أتوهم وأتمنى أحيانا أن الذي يفعله في تويتر هو فعليا ذلك.

ربما ليس هذا الذي يفعله عيلون، لعله يعرف جيدا موعد الهجمة العالمية القادمة على هذا اليسار المتشنج، لعله يجهز العدة للسقوط الكبير، عندما تفشل محاكمة ترامب مثلا! أو عندما يسقط المشروع الكبير بألوانه القسرية، وشهرِه الإجباري، وغيرها من فروض الولاء والطاعة التي لم يعد يسلم من هادنَها من شر أن تُفرض عليه. ربما، ربما كان يستعد لهذا السقوط الكبير بتطبيق يحتوي الجميع، يجهز العدة لسقوط اليسار لكي يعود اليمين كما كان، قمعيا، متشنجا، محافظا، يا إلهي، هل العالم هكذا دائما؟ موجة؟ لا تتوقف؟ كل ما نظنه حياةً وخلودا ليس أكثر من حركة للتاريخ، جغرافيا الوجود البشري الأسرع حركة من الجبال، متماثلة الشكل والمضمون؟

أعود إلى هموم الكتابة في هذا العصر الجديد، القارئ عصبي، ومتطلب، وغاضب، وساخط، [ومتشرط] .. كل شيء يأخذك إلى وجبات سريعة جدا جدا، ظننا أن [استاتيوسات] الفيسبوك شبه القصيرة، سريعة التلف، سريعة الذهاب، سريعة الذهاب ستكون أسوأ ما يحيق بالكتابة في العصر الحديث، جاء هذا التويتر [الأكس] حاليا لكي يفسد ثم يصلح.
يسعدني أنني أستطيع كتابة نصوصا مطولةً في تويتر، على الأقل أستطيع تغذية مدونتي بالكتابة دون الشعور المرير بالذنب، أو اللجوء لخدمة [رتبها] التي رتبت لي حياتي في وقت سابق. تعملت من تويتر صنعة النص القصير، بما يكفي، فوق اللازم، والانطلاق في كتابة السطور مريح للذهن، ومفيد لمن يحب التأمل بالكتابة. لكم دينكم ولي دين! الذي يحب كتابة ثلاث جمل في اليوم، ليس كمن يحب كتابة ثلاثة آلاف كلمة كل عدة ساعات، كيف يمكنك أن تشرح لقصيري النفس معنى ملاحقة الكتابة، والتمرين عليها، والحفاظ على هذه المهارة شبه البائدة في عصر التشات [جي بي تي] ..

هل سيأتي جيل ويقول: "لم أعد أقرأ للبشر!"

عدة نقرات ويؤلف لك الذكاء الصناعي نصا كاملا عن تاريخ لعبة تنس الطاولة في الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية، وبقليل من [الحرفنة] في إعطاء الأوامر تستطيع أن تربط ذلك مع إحصائيات الشركات الراعية للاعبين، وتستنبط بعض الأشياء. بهذه البساطة، العمل الذي كان يأخذ شهورا من قبل باحث يتجه الذكاء الصناعي إلى [ترويحه] كما نقول بالعامية العامية، كما نفعل بالتمور [نروِّحها] في سطح مكشوف!

أكتبُ لأنني مضطر، لأن الكتابة سببت لي إعاقة ذهنية، ولا أبالغ في ذلك، لأنني لا أبدأ الحياة إلا بعد أن أكون أمام لوحة المفاتيح، كل ما عدا هذه اللوحة بالنسبة لي حياة هامشية، ليست أكثر من [حياة اجتماعية] مضطر للتأقلم معها.

هنا تبدأ الحياة، وأولئك العشرات الذين يكملون ما أكتبه يكفونني أمام عبثية حياتي الأخرى. يا إلهي! حياة المؤثر [السوشالميدياوي] كم هي مؤلمة، مثل عسر لقمة العيش في هذا الكوكب. أن تكون كاتباً ولكن حياتَك عبارة عن ملاحقة مستمرة لأقرب فكرة لمقطع فيديو قصير، تتمنى أن يقنع الخوارزمية بما يكفي ليحقق لك حضورا رقميا، وهذا ما يقنع المعلنين للإعلان معك. أين المعنى؟ من قال أن المعنى يهم شيئا!
الذي يهمُّ [السوق] هو الترفيه، وإذا أردت أن تعامل المنصات الرقمية كمهنة ستكتشف قوة السوق المهولة في تحديد المهم وغير المهم، ديمقراطية الجموع البشرية بكل فداحتها. البعض لم يجرب هذا العالم، ولذلك يظن أن الموضوع سهل للغاية، جرب أن تدخل هذا العالم بمنصة ثقافية رصينة، مكلفة، وتحتاج إلى استثمار ودعم لسنوات، وحتى بعد نجاحها يجب أن تتعايش مع مهرجان التسطيح، والفئة الناجية التي اختارت المعنى ستتعايش مع ثنائية، تأخذ من السوق ما تدعم به المعنى.

هذا هو النموذج الذي أسير عليه، أحلم أن تكفيني مهنتي من السوشال ميديا لأتفرغ للكتابة بعد عمر الخمسين. هل سأنجح! هل سأفشل، لا أعلم، الذي علي فعله هو أن أحاول، والباقي في علم الرحمن وهو الرزاق العليم.

لا أريد أن أشغل ذهني بالعمل الآن، تعبت ساعتين في تنس الطاولة لأكتب عن الحياة، وأكتشف هذا الذي صرت أؤمن به. لا يفوتني التحسر كأي إنسان موشك على دخول الأربعين على حتمية الحياة، وأن الزمان الذي خلقت له يختلف عن الزمان الذي تعيش فيه. يا إلهي! هل حقا علي دخول جدال مع أحدهم لماذا أكتب كتابات مطولة!
أي استحقاقٍ هذا يجعلك تهجم على ساحةِ إنسان لكي تقول له: قلل كلامك، [مستكاود] أقرأ كل هذا الكلام! كيف؟ كيف؟ ماذا؟ كيييييييييييييييف؟

يحدث بشكل طبيعي وعادي جدا، لا أعرف ماذا سيحدث لهذه المنصة بعد أن يسترد الخالق وديعته من عيلون! أشعر بامتنان لهذا الإنسان المعاكس للتيار، من الذي سيرثه وماذا سيفعل بحريتنا في الكتابة في هذا الكوكب العجيب.

لم تعد الكتابة مهمة كالسابق، ولا وظيفة الكاتب في هذه الحياة، كل شيء يتجه إلى المنظومة المتكاملة مع بعضها البعض، الكتابة [وظيفة] جيدة للغاية في العصر الحديث، ولا سيما في صناعة المحتوى الرقمي، عدا ذلك، طقس القراءة يهجم عليه كل يوم هذا القسر الجماعي، مثل المجبر على [الواتساب] .. وياللعجب، الذي يهجره يعتبر الآن منعزلا اجتماعيا!

ما الذي سيحدث لهذا العالم؟

لا أعرف، أتمنى أن أكون وقتها أكتب، بلا توقف، وبلا ملل ..
إن وصلت إلى هذه الجزئية من هذه التغريدة الضخمة، شكرا لك، سواء كنت تحبني، أو تبغضني، أو تدرسني، أو تراقبني، أو تكتشفني، أو تعرفني لأول مرة. شكرا لك ..
لقد أعطيت لحياتي معنى لا يحدث بدون هذه الكلمات.


عنان !

 للمرة الألف أعيش هذا الإدراك الهادئ، الجامد مثل حقيقة تشبه علاقة الطاقة بالأشياء. أدرك كم تعني رياضة تنس الطاولة في حياتي، وأربط الآن بينها وبين أشياء كثيرة. ذكريات الجامعة في بريطانيا، ومدرسة مازن بن غضوبة، والأهم، طاولة المنزل، وذكريات الطفولة.

أكمل خمس سنوات منذ أن استقرت حالتي العقلية، أسلحة الاستقرار كانت دائما تتضمن الرياضة، الدراجة، وتنس الطاولة. لم ينتصر الاكتئاب علي إلا بعد ذلك الكسر الموجع لكتفي، أكتشف الآن لأي مدى كنت أوازن حالتي الوجدانية بالحركة، وأشعر بتأثير تلك الطاولة على مجريات حياتي ككل. عامان كاملان بلا تنس، الشهور الأولى أتعافى من كسر مركب أصاب مفصل الكتف المدعم الآن بصفائح التيتانيوم، والعام الثاني في الخوف من الشوارع في مسقط. معظم من حولي يمارس كرة القدم، في ملاعب الترتان، ولسبب ما، الرباط الصليبي، والإصابات والعمليات! كل يوم صديق يقول لي: غضروف! أو إصابة في الوتر الصليبي! مخيف! أفكر كل يوم في هذا الجسد الذاوي، الآيل لا محالة للضعف والهرم، أمامي سنوات كافية لأغير من نظامي الغذائي، والرياضي، وأن أعتمد الحركة [كشغل] كجزء من أيامي، كأولوية أضحي بأشياء أخرى من أجلها. رغم هذا الزكام الطارئ الذي نسف ثلاثة أيام من رحلة صلالة، الأمور تسير على قدم وساق. تذكرت كم أحب رياضة تنس الطاولة، وكم تعني لي في هذه الحياة، وفهمت لماذا أصبح الاكتئاب ينتصر بين الفينة والأخرى، صرتُ سمينا، لا احتمل رحلاتٍ طويلة بالدراجة، عملية جراحية، ثم عملية ثانية، وتعافٍ مع كسر الكتف، وزيادة في الوزن، وانشغالٌ لعامٍ كاملٍ لم أستطع فيه التنفس، ضغط شديد. عندما وصلت صلالة أيقنت، أنني كنت متعباً بصدق، مرهقاً من كل شيء، وموشكٌ على الانهيار أو الانفجار. لا شيء يمنح هذا الصفاء الذهني، كما تفعل الرياضة! أووووه! تذكرت، دراجتي الهوائية وصلتني! في صلالة القديمة، كل شيء صديق للدراجات! خطة صلالة للرياضة تسير على قدم وساق ..
يا رب حفظك لي من كل شر وسوء وإصابة ..


في سياق مختلف


لعبُ دور المشهور المليء بالحيوية، والانطلاقة، والحماسة عقوبة إغريقية ظريفة بمعنى الكلمة لكائن مليء بالجروح، والتشوهات، والأمراض النفسية، والاضطرابات الوجدانية، والصدمات. هو دور "أظرف" لإنسان يسعى في هذه الحياة أن يكون كاتباً. هي "وظيفة" بكل ما في الكلمة من دلالات متناقضة، مجموعة من التصرفات تؤديها باحتراف ومهنيةٍ، وبالنسبة للبعض تأتي معه طبيعيةً للغاية، فلا ترهقه، ولا تتعبه، بل بالعكس، تنشطه وتجعله يحب الحياة وينطلقُ أكثر وأكثر، كم هو محظوظ هذا الذي طبيعته [غيميَّة] إلى هذا الحد، يطوفُ ويمطر وإن لم يمطر يُظلُّ. أمرُّ بمخاض فكري عميق، والأمر لا يتعلق بمصالحِ الحياة، أو الوجود بقدر ما يتعلق بطبيعتي الحقيقية، المليئة بالاضطراب، والاكتئاب، والسودواية، واليأس، والعدمية. أنا لستُ كل ذلك، لكنني أيضا لا أخلو من لحظاتٍ مثل هذه. هذه الحيوية ليست فوق طاقتي، أؤدي [مهنتي] بإخلاصٍ وبعض الإتقان، الأمر كما أسلفت ليس فوق طاقتي، إنه فوق حقيقتي. إيجابية [الشهرة] بالنسبة لكثيرين تحقق اجتماعي، أو [تاثير]. يحزنني أنني لا أشبههم، تمنيت أنني إيجابي لهذا الحد! لولا الكتابة، لكنتُ الآن أخونُ كل أحزاني، هذه هي الباقية الصالحةُ للتكوين. لم يبق لي سوى لحظات التأمل الصافية هذه، وحتى هذه اللحظة لا تأتي بسهولة، يجب أن أمرَّ بشتى أنواع الآلام والمخاضات لكي أحصل على هذه اللحظة التي تنير لي الطريق. الآن وأنا أكتب أعرف ما الذي أنا مقبل عليه، التصالحُ مع أحزاني، وسخطي، ويأسي، نعم التصالح مع، وليس الافتتان به، وليس الاحتفاء به، وإنما التصالحُ أنَّ هذه الحياة لن تمر بلا كدرٍ، ولن تسير بلا مرارة. هل تعلمون ما هو المحزن حقا؟ أن لحظة الحقيقة هذه ستمر مرور الكرام، مهما اجتهدتُ، وكتبت، وسردتُ، وأوضحت، وحللتُ ستبقى هذه اللحظة هامشيةً أمام الحقيقة الجديد للعالم المليء بالضجيج، حيث يحمل الناس وجوههم في أيديهم، وينحتون ابتساماتهم بالمباضع! ساخرةٌ هي الأقدار، ساخرةٌ دائما .. الذي أعرفه، أنني سأطلق العنان لسوداويتي، وتشاؤمي، كما أطلق العنان لذلك الكائن [الهجلي] الذي لا أعر من أين يستمد طاقته على المرح والفرح! شخصٌ عاش ما يكفي من القرف في هذه الحياة يستحق تشاؤمه بلا منازع! ومع ذلك، ها هو يحاول في هذا الكوكب الظريف! ماذا عساي أن أقول، سأنحت ابتسامة في وجهي وأمضي!