تغيرت فكرة الكتابة والنشر في المحيط الرقمي. من المؤسف جدا أن عالم الكتابة التفصيلية يتحول كل يوم إلى فنٍّ بائدٍ أمام طوفانِ الكتابة السريعة، القصيرة، وكأن المتلقي يصرخ في وجهك: "لا أريد أن أقرأ"
عجيبة في صفاقةُ القارئ عندما يصرخ في وجهك: "لا تكتب شيئا مطولا! من الذي سيقرأ كل هذا الكلام"
يا إلهي! ألا تعلم من أنت؟ أنت [القارئ] هذا هو اسمك، "قالت امرأةٌ" وغابت في الخوارزمية الحديثة! الكتابة من حيث وظيفتها! هذا الذي نحن فيه في هذا التطبيق الذي أتمنى أن يجمع أربابُه عيلون تناقضاتِه.
داهيةٌ هذا الرجل، بمعنى الكلمة داهية، أطلق العنان للمكتوب المطوَّل، وفي الوقت نفسه يوزع الأرباح لأصحاب [مهنةِ] النص القصير، ذوي [الثريدات] والتعليقات، والمقتبسات، والغرائب، والطرائف، أشعر أن عيلون أحياناً قد وجد عذرا لتوزيع ثروته من أجل حرية الكتابة في العالم، أتوهم ذلك من خطواته المتتالية التي [انتزع] فيها هذه المنصة من جنون اليسار العالمي المصاب بالتشنج، الذي يقمع بلا كلل، وبلا ملل، وبلا هوادة، وبلا ارعواء، أتوهم وأتمنى أحيانا أن الذي يفعله في تويتر هو فعليا ذلك.
ربما ليس هذا الذي يفعله عيلون، لعله يعرف جيدا موعد الهجمة العالمية القادمة على هذا اليسار المتشنج، لعله يجهز العدة للسقوط الكبير، عندما تفشل محاكمة ترامب مثلا! أو عندما يسقط المشروع الكبير بألوانه القسرية، وشهرِه الإجباري، وغيرها من فروض الولاء والطاعة التي لم يعد يسلم من هادنَها من شر أن تُفرض عليه. ربما، ربما كان يستعد لهذا السقوط الكبير بتطبيق يحتوي الجميع، يجهز العدة لسقوط اليسار لكي يعود اليمين كما كان، قمعيا، متشنجا، محافظا، يا إلهي، هل العالم هكذا دائما؟ موجة؟ لا تتوقف؟ كل ما نظنه حياةً وخلودا ليس أكثر من حركة للتاريخ، جغرافيا الوجود البشري الأسرع حركة من الجبال، متماثلة الشكل والمضمون؟
أعود إلى هموم الكتابة في هذا العصر الجديد، القارئ عصبي، ومتطلب، وغاضب، وساخط، [ومتشرط] .. كل شيء يأخذك إلى وجبات سريعة جدا جدا، ظننا أن [استاتيوسات] الفيسبوك شبه القصيرة، سريعة التلف، سريعة الذهاب، سريعة الذهاب ستكون أسوأ ما يحيق بالكتابة في العصر الحديث، جاء هذا التويتر [الأكس] حاليا لكي يفسد ثم يصلح.
يسعدني أنني أستطيع كتابة نصوصا مطولةً في تويتر، على الأقل أستطيع تغذية مدونتي بالكتابة دون الشعور المرير بالذنب، أو اللجوء لخدمة [رتبها] التي رتبت لي حياتي في وقت سابق. تعملت من تويتر صنعة النص القصير، بما يكفي، فوق اللازم، والانطلاق في كتابة السطور مريح للذهن، ومفيد لمن يحب التأمل بالكتابة. لكم دينكم ولي دين! الذي يحب كتابة ثلاث جمل في اليوم، ليس كمن يحب كتابة ثلاثة آلاف كلمة كل عدة ساعات، كيف يمكنك أن تشرح لقصيري النفس معنى ملاحقة الكتابة، والتمرين عليها، والحفاظ على هذه المهارة شبه البائدة في عصر التشات [جي بي تي] ..
هل سيأتي جيل ويقول: "لم أعد أقرأ للبشر!"
عدة نقرات ويؤلف لك الذكاء الصناعي نصا كاملا عن تاريخ لعبة تنس الطاولة في الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية، وبقليل من [الحرفنة] في إعطاء الأوامر تستطيع أن تربط ذلك مع إحصائيات الشركات الراعية للاعبين، وتستنبط بعض الأشياء. بهذه البساطة، العمل الذي كان يأخذ شهورا من قبل باحث يتجه الذكاء الصناعي إلى [ترويحه] كما نقول بالعامية العامية، كما نفعل بالتمور [نروِّحها] في سطح مكشوف!
أكتبُ لأنني مضطر، لأن الكتابة سببت لي إعاقة ذهنية، ولا أبالغ في ذلك، لأنني لا أبدأ الحياة إلا بعد أن أكون أمام لوحة المفاتيح، كل ما عدا هذه اللوحة بالنسبة لي حياة هامشية، ليست أكثر من [حياة اجتماعية] مضطر للتأقلم معها.
هنا تبدأ الحياة، وأولئك العشرات الذين يكملون ما أكتبه يكفونني أمام عبثية حياتي الأخرى. يا إلهي! حياة المؤثر [السوشالميدياوي] كم هي مؤلمة، مثل عسر لقمة العيش في هذا الكوكب. أن تكون كاتباً ولكن حياتَك عبارة عن ملاحقة مستمرة لأقرب فكرة لمقطع فيديو قصير، تتمنى أن يقنع الخوارزمية بما يكفي ليحقق لك حضورا رقميا، وهذا ما يقنع المعلنين للإعلان معك. أين المعنى؟ من قال أن المعنى يهم شيئا!
الذي يهمُّ [السوق] هو الترفيه، وإذا أردت أن تعامل المنصات الرقمية كمهنة ستكتشف قوة السوق المهولة في تحديد المهم وغير المهم، ديمقراطية الجموع البشرية بكل فداحتها. البعض لم يجرب هذا العالم، ولذلك يظن أن الموضوع سهل للغاية، جرب أن تدخل هذا العالم بمنصة ثقافية رصينة، مكلفة، وتحتاج إلى استثمار ودعم لسنوات، وحتى بعد نجاحها يجب أن تتعايش مع مهرجان التسطيح، والفئة الناجية التي اختارت المعنى ستتعايش مع ثنائية، تأخذ من السوق ما تدعم به المعنى.
هذا هو النموذج الذي أسير عليه، أحلم أن تكفيني مهنتي من السوشال ميديا لأتفرغ للكتابة بعد عمر الخمسين. هل سأنجح! هل سأفشل، لا أعلم، الذي علي فعله هو أن أحاول، والباقي في علم الرحمن وهو الرزاق العليم.
لا أريد أن أشغل ذهني بالعمل الآن، تعبت ساعتين في تنس الطاولة لأكتب عن الحياة، وأكتشف هذا الذي صرت أؤمن به. لا يفوتني التحسر كأي إنسان موشك على دخول الأربعين على حتمية الحياة، وأن الزمان الذي خلقت له يختلف عن الزمان الذي تعيش فيه. يا إلهي! هل حقا علي دخول جدال مع أحدهم لماذا أكتب كتابات مطولة!
أي استحقاقٍ هذا يجعلك تهجم على ساحةِ إنسان لكي تقول له: قلل كلامك، [مستكاود] أقرأ كل هذا الكلام! كيف؟ كيف؟ ماذا؟ كيييييييييييييييف؟
يحدث بشكل طبيعي وعادي جدا، لا أعرف ماذا سيحدث لهذه المنصة بعد أن يسترد الخالق وديعته من عيلون! أشعر بامتنان لهذا الإنسان المعاكس للتيار، من الذي سيرثه وماذا سيفعل بحريتنا في الكتابة في هذا الكوكب العجيب.
لم تعد الكتابة مهمة كالسابق، ولا وظيفة الكاتب في هذه الحياة، كل شيء يتجه إلى المنظومة المتكاملة مع بعضها البعض، الكتابة [وظيفة] جيدة للغاية في العصر الحديث، ولا سيما في صناعة المحتوى الرقمي، عدا ذلك، طقس القراءة يهجم عليه كل يوم هذا القسر الجماعي، مثل المجبر على [الواتساب] .. وياللعجب، الذي يهجره يعتبر الآن منعزلا اجتماعيا!
ما الذي سيحدث لهذا العالم؟
لا أعرف، أتمنى أن أكون وقتها أكتب، بلا توقف، وبلا ملل ..
إن وصلت إلى هذه الجزئية من هذه التغريدة الضخمة، شكرا لك، سواء كنت تحبني، أو تبغضني، أو تدرسني، أو تراقبني، أو تكتشفني، أو تعرفني لأول مرة. شكرا لك ..
لقد أعطيت لحياتي معنى لا يحدث بدون هذه الكلمات.