بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 أغسطس 2019

مجازات: الألواح



بين الكلام والأدب
ما بين الماء والطين
&&&
لا يصنع الشعراء السفن
من التراب ..
&&&
بين الشجرة والقصيدة
ما بين التراب والشمس
&&&
بين المعنى والدلالة
ما بين الشجرةِ والماء
&&&
المجاز، حقلٌ مصابٌ بالأرق
في دماغِ فلاحٍ نائم
&&&
بين الشعر والمجاز
ما بين الماء والضوء



السبت، 24 أغسطس 2019

بتلة



يحدثُ أن تتجاسرَ لتحدّث أنثى كالسحرِ
عن الطقس، وعن حب الدراجاتِ.
فيغمرُك الماضي بورودٍ لم تعهدها!
من غرسَ ورودَ الماضي في الأمسِ
لترجعَ أمطاراً من عطرِ
الدهشةِ في رئتيك!
حنانيكِ ..
أتيتُ لأبحث عن عود ثقابٍ
أحرقُ راياتي بالخشبِ
الباقي
في الركنِ المنسيِّ
وأنتظر عقابي.
أمّا أن يتناثر شلّالٌ من بلّورٍ في وجهي!
قاسيةٌ هذي الصدمة
علمني الغيمُ دروساً من ذهبٍ
عن غرقى الحبِّ
وأحرجني هذا الدرس الغارق في المعنى.
يحدث أن يتجاسر صعلوكٌ ليكلم أنثى
سلبت منه حكايته لتغني
لتكون قصيدتَها.
والناي.
يحدث أن تتجاسرَ أنثى بالحب
ليكتمل عقابي

معاوية

الخميس، 22 أغسطس 2019

عن العمانيين.



من عجائب العمانيين، أنهم لا يمانعونَ المُجاملين والمُجاملات، حتى هؤلاء الذين يصلون إلى حد الصفاقة والمبالغة، للعمانيين في وعيهم العام فهمٌ وتفهم؛ أن هذه خيارات حياة، فالكائن المُجامل لا يؤذي أحداً وتجده يودّ الجميع.
ومن جانبٍ آخر لا يضيق العمانيون ذرعا من فردٍ ما بسهولة، يستدعي ذلك سنواتٍ من العِناد في الخروج عن السرب الاجتماعي العام، والمقاربات الواحدة التي أفرزها وهم التشابه أثناء مراحل القمع. عندما يستنكف العمانيون تصرفاً من فردٍ فإنّهم يهتكون حقوقه بحماسة، ويتكاثرون عليه ويتناثر الكلام حوله ويجعلونه مضغة لأسابيع، يمكنهم فعل ذلك مرارا بأي شخصية في عمان بما في ذلك شخصية السلطان، والعمانيون عندما تتورم أفئدتهم تجاه شخصية عالمية ينطقون جماعاتٍ، ويصنعون صخبا داخليا يعد هائلا بالقياس إلى خروجه الطفيف خارج الحدود. فهذا هو همّهم الكبير، الداخل العماني أما الخارج فهو قضية أخرى يؤجلها العمانيون أو يتجنبونها ويثقون في السلطة وما تفعله.  
يتصالح العمانيون مع المنافقين، والمرتشين، والكذوبين، والحسودين، والفاسدين ما داموا لا يخرجون عن السرب العام، عن القوانين العمانية الخفية التي تضع الوحدة والحفاظ على الأرض أولويةً كُبرى لا تعوّض، أما المال فهو في نظر العمانيين قابل للتعويض. يتقبل العمانيون منافقي المطاوعة الذين يسرقون مال الناس والمساجد في عملهم الجانبي في مكتب مقاولات، يتقبل العمانيون كثيرا من الخطايا على أنها ذكاء، والحظ يمثل لهم حياةً قريبة من السلطة يرفلون فيها بالامتيازات عن البقية، "يوم تسلم ناقتي ما علي من رفاقتي" هذه أيضا من الأمثال التي يرددها العمانيون ببذخ.
في عمان كن أنيقاً والبس جيدا وتكلم بلطف وافعل ما تشاء، لن يؤاخذك عمانيّ في أي شيء. أما أن تخرجَ عن السربِ حتى وإن كنت مُحسنا، فإن العمانيين لديهم ردات فعل هلوعة تجاه هؤلاء الأفراد، فكما تظن حكومات عمان المتعاقبة عبر الأزمان أن الكلام جريمة، يعتبر العمانيون الخوض في بعض الموضوعات حدثاً مستهجنا، بل ويمتعض مجموعٌ عريضٌ من العمانيين من لوك المواضيع السياسية أو تتبع الإشاعات الدائمة التي تصدر عن السلطان قابوس أو عن أفراد الحكومة، يفعلون ذلك في جلساتٍ سرية ويبعدون أجهزة الهاتف عن هذه الجلسات عادةً. يتكلمون في هذه الظروف الضيقة ويقولون بعض ما يحتقن في عقولهم الأخرى، تلك التي على الجانب التي يفكرون بها بجدية ويتجاهلون تابوهات التفكير في السياسة أو الدين لا سمح الله. يتسامح العمانيون مع كل الناس تقريبا، ومن النادر أن ترى بينهم مذهبيا أو طائفيا أو متشنجاً ويحبه الناس، يميل الناسُ في عمان إلى إحباب هؤلاء الذين ينادون بالسماحة والسلام، لغة القتل، والتهديد، والوعيد، والتكفير، ليست شائعة ولا تسمع لها أخبارا كبيرة في عمان، حتى هؤلاء الذين يخرجون عن السرب العماني وينتمون للدين أو للمذهب أكثر يلتزمون بالقانون العماني الخفي، قانون اللطف، أن تكون عمانيا يعني أن تكون لطيفا، ثمة دستور سري خفي كُتبَ والجميع يتبعه. الخارجون عن السرب في عمان يتبعون قواعد كثيرة من دستور عمان الخفي. يتسامح العمانيون مع الخارجين عن السربِ بعض الشيء، وزاد تسامحهم في السنوات الأخيرة، لا يمانع العمانيون أن يُسجن الكتّاب، فهم يعلمونَ أن النتيجة هي عدة أيام في السجن، لا يمانع العمانيون أن تستبد السلطة وأن تثبت الدولة هيبتها، هم لا يفكرون في الحرية والكلمات كأولوية، هيبة الدولة بالنسبة للعمانيين هي ذلك الشعور العام بالرهبة الذي يمنع السارقين من القفز على البيوت، هنا يتفق العمانيون على هيبة الدولة وعلى كل ما تفعله الدول بالأفراد، يغمضون عينهم عن الذي يحدث في صفقة سريةٍ أخرى عقدت جهنم، هنا يثير العمانيون استغرابَ الآخرين، فرغم طيبتهم ينساقون متعجلين وراءَ الاقتصاص، لا يهدأ لهم بالا حتى يأخذون حقوقهم التي لا ينامون عنها، هنا ستجد معظم العمانيين من المحافظين، الجدد والقدامى لا يهم، عندما يتعلق الأمر بسرقة المكيفات من المدارس لا يمانع العمانيون من السلطة أي شيء حتى لو قطعت يد السارق أو صلبته على دوار برج الصحوة حتى تعفن.
عندما يتعلق الأمر بالكلام، فمن عجائب العمانيين اتفاقهم على لغةٍ عامّة بيضاء، يحتكم لها الجميع عندما يجد الجد. يحب العمانيون المبالغات، ويحلو لهم التسلي بالنمائم بين الفينة والأخرى، وفي عمان هناك نوعان من الشخصيات، تلك التي يتجنب الجميع الحديث عنها مهما بدر منها، وتلك التي ينطلقون في الحديث عنها بلا حرج، هناك نصٌّ آخرٌ خفي غامضٌ من فهمه نال الكنوز في عمان؛ وهو اختيار العمانيين الجماعيّ لبعض الأفرادِ لأداء دورٍ عام، هنا يلتف العمانيون حول المفتي، وحول العلماء، ويلتف قليل من الجمهور العماني إلى ما تتجادل حوله الثقافة أو مصلحي التيار الديني من الطيف الأزرق الفاتح طيف الإسلام الجديد والمتسامح والمدني.
يتساءل العربُ عن عُمان، ولديهم حق في ذلك، طبع العمانيين الغامض والصموت محير، وتحولهم إلى الصمت والتقوقع والبعد، ثم تحولهم لحالة الكلام جمعاً ظاهرة أخرى تستحق دُوَارَهَا. يحب العمانيون أن يضعوا الكلام في موضعه، يصمتون لأن الصمتَ حكمة قبل أن يكون أمراً من الملك. يجتازون الأيام ويختارون مواضيع قليلة يتفقون حولَها، ثم يعودون إلى عهودهم الصامتة، وسكونهم المتربص ينتظرون يوما من أيام عمان الكبيرة ليحدث.


معاوية الرواحي


الجمعة، 16 أغسطس 2019

عن الحياة في الغربة

من التغييرات التي تسببها الهجرة، وأظن إنها تنطبق على الجميع غياب شعورك بثمن الكلمات. المفروض أن الكلمة حق الجميع، أكثر من مائة دولة في العالم تعامل الكلمات ككلمات، والرأي كرأي، عمان لسوء الحظ ليست من هذه الدول.
كسر الخطوط الحمراء واصطياد المألوف بالمنطقي كانت أساسيات الخطاب الذي أنطلق منه في الكتابة، مع هذا يأتي تلقائيا وضعك كشخص مهدد، وهذا يأتي معه مزيج معقد من الأحداث والمشاعر، وتكتبُ أكثر في هذه الدائرة، لا نهاية لها. تغضب، تثأر لذاتك، يتبلور في وجدانك [إيجو] عنجهيّ دفاعيّ يشبه الملاكم الذي تخلف خصمه عن النزال. في تلك الحالة من الجاهزية الذهنية والقلق العارم قد تسرقك وتخطفك لحظة الكتابة، من حياة الناس والبشر إلى حياة أخرى، تشبه رصف اللبنات، لا تتوقف، تعمل فيها الذاكرة والعقل في مدارات داخلية وأكوان وكواكب شخصية لتجد نفسك تكتب، كيف أشرح ذلك، أظن أن شرحه مستحيل، لا كلمات يمكنها أن تصف ذلك السديم الشاسع في نفوسنا مهما حاولنا. ربما الصراخ ينفع!

بقيت لفترة أشعرُ بالخجلِ من هذا الواقع الجديد. الكتابة من بعيد لم تكن يوما ضربا من ضروب الشجاعة. لم أكن من الذين صمتوا في عمان، شناعاتي الكبرى حدثت هناك بأسوأ ما يمكن للكتابة أن تفعل، أتكلم عن مدة مكوثي هنا، في برمنجهام.
لم أشعر بغربة أشدّ من غربة عمان في أي مكان في العالم، لكنني شعرت بالغربة عندما لم أعد أجد كلماتي. دافعٌ كبير للكتابة اختفى فجأة، لم تعد بطولةً تعاش، ولا موقفاً وجوديا، وأن تكتب وأنت في عمان وحتى وإن كسرت خطا أحمر، ثمة بصيرة ما تهديك للصواب، سأنسب هذه الظاهرة لعمان وأتناسى عوامل أخرى في الكون لبعض الوقت، على الأقل حتى نهاية هذا المنشور.

تجاوزتُ شعوري بالخجل، الخجل من الهرب، واللواذ بعيدا إلى حالة الكتابة الشعواء، كنت أسوأ بكثير من سعيد جداد، وأسوأ ربما من كثيرين سوف يدونون بعدي. كان في عقلي درس مناعة واسع شامل جسيم كبير نهائي واضح وحتمي أؤكد به أن عمان لن تنهدم بالكلمات، وفي شتاءٍ من الأشتية التعيسة هنا كسرتُ كل هذا دفعة واحدة، اتخذت حججي الدفاعية الشرسة التي أدافع بها عن نبل هذه الكتابة الرديئة، كتابة الصعاليك، لغة الهائمين بحثا عن أرحب حيّز للغة. لم أحرض أحدا، لا أنتمي لأي شيء، لا أعتبر ما أفعله شيئا خطأ، أو مجنونا، أو مريضا، وإن كانت بعض الشتائم في بعض الأسابيع تزعج الناس فربما عليك أن تحذفني من حسابك، كذلك عن الذي أكتبه عن الدولة، أو عن أحداثٍ عشتها، أنت معني بالعودة إلى الواقع لتتأكد عن الذي أقوله وأكتبه، دفعةً واحدة، على كل الجبهات، تويتر، الفيس بوك، اليوتيوب، الفيديو، الصوت، الصورة، مثل المجنون انسقت وراء حالة تعبيرية محض، دائمة ويومية ظننت أنني لن أخرج منها، قلتُ فوق ما أحتمل قولَه، وجربت كل هذه الوسائل التي ارتبطت في ذهني في عمان بالسجون، تويتر يذهب بك للسجن، والفيس بوك يفعل ذلك، واليوتيوب يفعل ذلك، بل ويذهب بك في السجن في دول أخرى! كانت صدمة واقعية مش بطالة لواحد يظن الحياة دفتر أبيض.

صرت أكتب ما أفكر به ولم أعد أعبأ بأحد، للمرة المليار أقول، لست من دعاة الحقيقة، ولا من كتاب الحلول الذهبية، ليس لدي مقاربات حادة تصلح أي شيء، كل حلمي في الحياة أن أعيش حياة بسيطة، بعيدا عن السياسة، لا أعيش فيها مضطرا لتلقي اتصال كل عدة أسابيع من جهة أمن الدولة لتولول لي معصرة من معصراتها عن خطر الإمارات على عمان، عشت هذا ودفعت ثمنه وما نادم، ورحت الإمارات، وخرجت من تحت أنوفهم وخرجت من عمان، كل هذا كان فصل كبير تعلمون جميعا تفاصيله فقط لأنني قلت كل شيء.
بالي الآن صافي، لم يعد لدي أي شيء آخر أخفيه، لا عن حياتي في عمان ولا عن حياتي بشكل عام، أعيش عدم الحياة وأحب الدراجات كثيرا، هذا ما عرفته عن نفسي. لا أخطط لقيادة الرأي العام، ولا لصناعة المعجزات، لا توجد معارضة في عمان، والقلة القليلة من الذين هربوا من بطش أجهزة الأمن بعضهم كانوا مع هذه الأجهزة أصلا، وإن غفلت عين العدالة البشرية، العدالة الشعرية لا تخفى عن أي شخص.

الكتابة في الغربة مطلقا ليست شجاعة، ليس فيها أدنى ذرة من المقارنة مع المناضلين بأقلامهم في الداخل العماني، لها طعم وحيد، طعم الوقت، عندما تكمل أفكارك، بدلا من الحالة التي في عمان التي لا تكمل فيها قول نصف ما تريد قوله إلا واتصال القسم الخاص يوقف عليك لحظة كتابة ربما كنت تريد أن تكملها.

أكملت لحظة الكتابة، وبكل صراحة، لم أكتشف أشياء جميلة. لم أكتشف أنني جهبذ يمكنه توحيد الناس أو شيء من هذا القبيل، ولم أكتشف أنني صاحب غد لأكون مديراً على خمسة أشخاص، هذه الفردية هي مُنقذي وهي الملجأ القديم، منذ أن عرفت الحياة.

اكتشفت أنك ستغضب حتى تكتب، ومن ثم ستكتب حتى تغضب .. وهي دائرة لا يمكن كسرها، والتدخل فيها يُنتج عَوجا وخللا هائلين، أقول هذا على صعيد شعريّ بحت. الشعراء ليس مكانهم المناصب السياسية، هذه وجهة نظري على الأقل، وليس مكانها احتدامات الجموع، الشاعر مستشار رائع فنيّا، ينفع في شؤون الناس، والحب العام والوحدة وتجاوز الخصومات لكن أن يتولى شاعر الكتابة في الشؤون العامّة، هذه محض خسارة للشعر أولا وأخيرا ومن ثم خسارة للشاعر نفسه.

وماذا الآن؟ العودة للنقطة أ. كما كنت في التاسعة عشرة من العمر، وحيدا في مدينة غريبة على وشك أن ينقرض في أي جامعة تكون في الكون. أعامل الحياة مثل حُكم السجن، وأعيشه مضطرا، الانتحار خيار جبان، والحياة ليست جميلة بكل معاني الكلمة. أتهجل بالأيام وأقول ماذا خسرتُ من يومٍ تقرأ فيه وتكتب وتسمع القليل من فيروز؟ لم تخسر هذا اليوم إن عشتها في بداية حياتك أو نهايتها، أو جميع حياتك، لكن هذا خيار فكر جيدا قبل اتخاذه. لا عودة بعد أن تقرر هذا القرار.

وهذي الغربة، تقدر تكتب وتكمل كلامك. لكن إنه يكون موضوع شجاعة إنك تكتب وأنت بعيد، قلت هذا الكلام داخل عمان، وأقوله خارج عمان: خارج عمان، الكلمات لها كل القيَم الأدبية، إلا قيمة الشجاعة.

كنت أمقت هذه الحقيقة، وكان يزعجني كل شخص يقول [أنت تراك في بريطانيا] مع الوقت صرت أجد في هذه الحقيقة منطقا جميلا، يجعلني أكمل كلامي. لم تعد ساحة معركة ولا موضوع إثبات وجود ولا حق بقاء، عندما خرجت من عمان، لم أحمل معي غير لوحة مفاتيح، وهذا كل ما أحتاجه في هذه الحياة.


معاوية الرواحي

الثلاثاء، 13 أغسطس 2019

عن اللاجئين:




كل لاجئ تجربة مختلفة وحياة تماماً منفردة عن الآخر، بعد وضع هذا في البال. ما هي أيام المهاجرين حقا؟ هي تجربة كأيام البشر والمختلف فيها أنّ المهاجر يعيش في الوقت نفسه انسحابَه من حياتِه السابقة في بلاده وفي الوقت نفسه تأقلمه مع البلاد التي أصبح يعيش فيها. صدمة هائلة من التفاصيل الكثيرة والوفيرة والحقائق المتنوعة والخيارات والمسارات والملفات والإجراءات والقوانين والأنظمة إلى العمل والاستقرار.

كل بلاد في العالم تبدو مخيفة عندما تكون جديدا عليها، مثل صدمة اكتشافِك بعد عامين شراء سلعة بضعف ثمنها لأنّك لا تفرّق بين المتجر الجيد والمتجر السيء. النقل، والحياة في دولة عدائية مع السيارات ــ لحسن حظ كل سائق دراجة ــ وترتيب حياتك والتعرف على نظام النقل وخيارات السكن والعمل.
يعيش المهاجر هذه الصدمة وينمي معها حسه بالتقبل والتأقلم، يأخذ بعضهم شهورا في تجاوز حياتهم الأولى ويغرق بعضهم سنواتٍ. يكمل بعضهم الطريق فيسكنون بطريقة قانونية ويكملون مسار أوراقهم، يترك البعض هذا الدرب ويكملون الحياة في طواف دائم. تصادف لاجئا عرفته في مدينتك وقد أصبح صاحب محل أو مستثمرا ناجحا، وترى من وصل ثريا، وسكن على حسابه في البداية وقد تبهدل بسبب نمط حياته المترف. ترى اللاجئ الذي اشترى سيارة وندم على ذلك وقد ترى اللاجئ الذي يقضي أيامه على دراجة هوائية ناسيا قلق التنقل.

كل هذا يسبب الذعر في البداية، ألا تعرف الشتاء هُنا هذه في حد ذاتِها تجربةٌ مخيفة وعمياء. لكن الإنسان يتصرف، بشكل ما أو بآخر يتأقلم، يتعلم بعض الحيل، يكتشف طرقا مغايرة تختلف عن ما يفعله الغرباء، يعرف متجرا لطيفا يشتري منه الطعام، وآخر مختلف يشتري منه الأدوات الكهربائية، ويبدأ بإمساك العروض الإلكترونية التي هنا وهناك. يجد مكانا يشتري منه الفول، يكتشف ناديا رياضيا ينفع لأيام الشتاء، يصنع جدولا زمنيا ممتدا يغطي السنة، وهُنا يمكنك أن تقول أنك وصلت، وأنك قطعت يومك الأول في بلاد الهجرة، عندما تصبح خططك أكبر من وقتك، وياللساعات المهولة وأنت بعيد، كل ما تحلم به من وقت ستجده، ستجد وقتا لتتعلم الطبخ، ولتمارس الرياضة، ولتقرأ، ولتكتب، ولتلعنَ الحياة في الفيس بوك وستجد الساعات تتناثر بعد الساعات.

الوقت سيمر، هكذا أو هكذا، والهجرة من بلادٍ اجتماعية وجمعية إلى بلاد فردية كل إنسان فيها كوكب سيرهقك الوقت قليلا حتى تفهم هذا السرّ. سيقل عدد الذين يتصلون بك، ستتبادل الرسائل مع أعز أصدقائك مرة في الشهر، ستغرق في البعد، واكتشاف الذات، والعمل على عاهاتك وأخطائك ومشاكلك وربكتك في الحياة.

يمر العام، الثاني، تسير في الثالث، تقل الأشياء الجديدة، تطمئن إلى رتابة الأيام وتضبط المنبه من أجل يوم الغد.

الاثنين، 12 أغسطس 2019

قصيدة: الرهان



 المجدُ للمعنى، أنا لا شيء
أوراقي الموسيقى، فكرتي هدفي
ودربي موسمي الهجلي
لا سربي القديم
كتبتُ كي أبقى، صرعت هزائمي
لا الصمتُ أبقاني رفيقا
أو حروف الموت في لغتي
رمتني في الدروب بلا رفاق
الأصدقاءُ هم الحقيقة!
هكذا!
في الحب أعبرُ
أمتطي سرجي
المسافة/ والتفاصيل الصغيرة
في نهاياتِ التلاوةِ
قاطعٌ يومي
ودربي صارمٌ
هدفي سحيقٌ
والنجومُ رفيقة السمّارِ
في دربِ الهدى
تكفي لأكمل رحلتي
ولطائف الأيام
تكفيني لأعبرَ
في هيامي
أو غرامٍ
لم يجد هدفا فجاء إلى زحامي
فكرتي لغتي
أنا لا شيء
أيامي غبارٌ
قاحلٌ قفري
وأسئلتي يساورها الدوار.
هجرتُ معضلتي
التجأتُ إلى المعاني
كل ما في الشيءِ
أشياءٌ من اللاشيءِ
أنت "هوَ" المعاني!
غامض ربٌّ العبادِ
وواضحٌ درب الطغاةِ
أتيتُ للدنيا لأكتبَ
كي أجهز سفرة الأيام
لليوم الكبيرِ
لرحلةٍ أخرى
أنا اللاشيء!
يصنعني ضياعي!
غامضٌ دربي ..
ويصرعني.
خيالي لعبةٌ أخرى
وتاهت عن جدال العاقلينِ
الحرُّ من عرف الجنونَ قصيدةً
أمّا زمان الصمت!
 إن فاتته أغنيةٌ
ستهلكه القصائد
والحياة هي الرهان!

معاوية الرواحي









الأحد، 11 أغسطس 2019

مجازات: الجندي واللص



تأخّر عن حتفِه
فعاش
ثلاث دقائق إضافية

***
سارق السفينة
مات بضربة شمس

***
أخطأتُه ست رصاصات
قبل أن يقتله الملل

***

تمسّك الجندي ببندقيتِه فماتَ غرقا

***
اللصُّ الذي سرق الخمرةَ ماتَ جوعا

***
سرقَ الجنديُّ النومَ من عيونِ اللص
***
اللصُّ الذي سرقَ البندقيةَ أصبحَ جنديا
***
الجنديُّ الذي سرقت بندقيته أصبح لصّا
***
سرقَ ملابسَ الجنود
فقتله اللصوص

معاوية الرواحي













السبت، 10 أغسطس 2019

مجازات: المظلة والكابوس




الطريق الذي سرت فيه
رصف بالحُفر
حتى أصبح نفقا

***
أخطائي التي علقتها على شمّاعة
أصبحت ملابسي ..

***
الحذاء الذي سحق الورود لام الطريق

***
لبس الدرع بعد أن صدأ معدنُه

***
السكين في الرسالة
طَعَنَت رجل البريد

***
عندما اتفقت العناكب
غزلت حبل مشنقة

***

وضع السمّ في الحبر
وكتب وصيته

***

الخفّاش الذي لعن الظلام
ماتَ نهارا ..

***

فسد الزمان عندما حسب الحارس أجرَه غنيمةً
***

مظلّة أحلامه لم تنقذ السفينة من الغرق.



معاوية الرواحي






الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

عتاب




أتبوءُ بالمعنى وحيداً؟
أيها النسر الجريح؟
طويتَ أياما عجافاً
وانتشرتَ مع الهشيمِ
النارُ تفهم نفسها!
يا أيها الجمر القديم
هجرتَ أيام الوقيعة والتجأتَ
إلى الرمادِ/ الوقتُ يأكلُ نفسَه
وتصيح: إنّي من بلادٍ
عندما عزّت بلاد
أيّها المرميّ في شرّ القصائدِ
أيها الملقيّ للأيامِ في هذا الزحامِ
كتبتَ أيام الوجود
صنعت نافذة
كسرتَ الباب للغرباء
أوقدت الشموعَ من القصائد
لم تكن صنما
لقد سئمَ الغناءَ الناسُ
وانتصر الرمادُ
وأنت تصرخُ
غاضباً: يا قوم إني من بلاد!
كلما ذهب الغناءُ إلى حدائقه
أتى الحراسُ، فالمعقولُ
للجبناءِ
والنرد المقدس للطغاة.
والآن؛ ينتصر التقاة.
تبوءُ بالأيام
والمعنى يغيبُ من الحياةِ
وأنت ترحلُ ثم ترحلُ
لا صديق/ ولا رفيق/ ولا نجاة
تقاتل الإيقاعَ
وديانَ الدهورِ
وأصدقاء الأمس
أرباب القبور
وأنت ترحل للنهايةِ
يا صديقي
كل أيام الحياة مكيدةٌ
لا مرءَ يسلمُ من حياةٍ ما ..
لقد خرجت من الأقفاص أجنحةٌ
إلى المجهولِ
تبحثُ عن مدى
والله يعلمُ
ما مداه!


معاوية الرواحي