بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 31 مايو 2020

رسالة إلى عُمان




أنا يا بلادي تائهٌ وعنيدُ
في طيِّ أحقادي لكِ التمجيدُ
لم يتلف الظلم المرير محبتي
أو خان أسئلة الهدى التفنيد
لحماكِ أنفقت السنين رخيصةً
فإلى متى التنكيل والتشديد؟
وإلى متى أشقى بحبٍ جارحٍ
أركانُه الترهيب والتهديد
هل تأمنين لخائن ولكائد
ويعز عن عشاقك التأييد؟
هل زهرة الأعمار إذ ذهبت سدى
تكفي أم الأرواح ثمّ نزيدُ؟
والله لا أختار غيرك موطنا
أنت التي أرضى بها وأريدُ
وطني وإن عذبت دهرا جنَّةٌ
والعيش فيه وإن أجنُّ رغيدُ
والحزنُ منه وإن قسا أختارُه
وبه دموعُ قصائدي ونشيدُ
أنا يا عُمان بلا ترابِك يائسٌ
ومدمَّرٌ ومحطّم وطريدُ
ومؤرَّقٌ وممزق ومبعثرٌ
رهن المسافةِ والخلاصُ بعيدُ
هلّا غفرت لعاشق أودى به
كيد الحسودِ وغادرٌ رعديدُ؟
أم تطلبينَ الخاطئين لنقمةٍ
والوعدُ منك نكايةٌ ووعيدُ؟
فإذا غفرتِ فإنني في رحمة
والعفو أجملُ ما ينالُ شريدُ
أيامُ في المنفى ويوم واحدٌ
بعمان يا وطني الجميل العيدُ


معاوية الرواحي

























الجمعة، 29 مايو 2020

الحيرة سونج









مالك ما قادر تتحمل
غربة في الغربة والدار
غاضب أحزانك هل تقبل
آلامك في هذي النار
تتقبل أو ما تتقبل
أوجاعك والرحلة دمار
كمّل أو جمّل وتجمّل
لا راحة من هذا الثار

الرحلة صعبة والغربة
ومصيرك رافض يلقاك
تتعب أو تتمالك نفسك
دربك ما قادر يبغاك
عمرك فايت، حقك ضايع
وعدوّك رافض ينساك
يا ترحل من هذي الدنيا
أو تتفاهم مع معناك

يا كلمة حرّة من حَرّة
واللي يحبك ما ينساك
الجرّة سلمت من مرّة
والغربة الملعونة مداك
المعدن من نار وجمرة
ومصيرك مثلك شرواك
ثورة، أو ثورة أو ثورة
والنغمة فتاكة فتاك

دورة دوّارة محتارة
والعالم سهم وسكين
سهمك أحزانك وسبيلك
ظالم أو أكبر مسكين
شاعر بمشاعر أو ثائر
ما أتعس هذا التلقين
ملحد أو مؤمن متآكل
يا غافل أو نور الدين


ما أقبل أتحول سافل
ما أتحمل خطأ الغير
ما أستسلم أنا أتكلم
كلمتي والنغمة ضمير
أنا هو المجنون العاقل
طيب، أو أكبر شرير

ما أستسلم أنا متحمل
أخطائي وأنا الخطاء
أمراضي حاجة تعنيني
وأيامي وحياتي عطاء
تسجني؟ حزني يكفيني
ودموعي والضحكة بلاء

مهما يحدث لي أنا عارف
إنه خطئي إني بغام
وأصدق ذا الجرح النازف
أحزاني والفرحة كلام
أخطائي إني متفائل
وأحارب أشباحي وأنام


يا ميّت أو عايش كذبة
متصالح مع ذي الأهوال
متشلل من فرط الرهبة
وأكرر هذا الموّال
حريتي أكبر من رغبة
وطريق الحرية مجال

الحيرة دربي والسيرة
ملعونة بالماضي وناس
الغافل سمه تدبيره
والشاعر همه الإحساس
الدنيا هجل وتصبيرة
وحياتي ظن ووسواس
ما أتعسها سكّة وسخة
ما أتعس هذي  الأرجاس


معاوية الرواحي
















الخميس، 28 مايو 2020

قصيدة: الناس




هذي الحياةُ الناسُ والأرواحُ
ناسوتُ من حجرٍ به أشباحُ
ملهى عتيقُ به المقابر زينةٌ
رملٌ قديمٌ ساكنٌ ورياحُ
طوفانُ من ماء الوجود وصخرةٌ
من غابر الأمس القديم تُزاحُ
نهرٌ من الأيام في زمنٍ سدى
نارٌ وظِل خيالها لوَّاحُ
والناس فيها خاسرٌ ومقامرٌ
أو سافلٌ ومداهنٌ مدّاحُ
أو غادرٌ أو خائرٌ أو سائرٌ
نحو الظلام ونورُه وضّاح
أو راجع نحو البصيرة تائبٌ
أو غائبٌ ومسافرٌ ملاحُ
أو ساكنٌ في ظلّه فوجودُه
رهن المعامع والنفوس تُباحُ
من عاش فيها سيداً فرجاله
جند المظالم عدلُها ذبّاحُ
أو عاش فيها جائعا أو طائعا
كان الجنودَ فخسرُه أرباحُ
للناس أسئلة الجماد وربّها
في عالمِ العلياء لا يرتاحُ
أما سؤال الله فهو قصيدة
أخرى وأخرى همّها ينزاحُ
لا حبرَ يشكو للقصائدِ همَّه
ما الشعرُ إلا دمعةٌ وصياحُ
أما طريق الناس فهو مهالكٌ
أفراحُه الخسرانُ والأتراحُ
أتراحه الأدران في طياتها
درعُ لأصحاب الردى وسلاحُ
من عاش في الدنيا الدنية ساعةً
أشقاه دهرٌ غاضبٌ مقداحُ
إن عاش يوماً ضاع في جمراتِه
أو عاش دهراً فالحياةُ رواحُ
سدمٌ وللغيّاب عذر واحدٌ
أما الحياةُ فعذرُها الأفراحُ

معاوية الرواحي




















الاثنين، 25 مايو 2020

الحيرة




أين المفرُّ إذا تبعتُ ضلالي؟
ماذا عساه بأن يكون منالي؟
كربٌ من الأيام تزهق نفسها
والحال من سوءٍ لأسوأ حالِ
أين المسيرُ؟ لأي حتفٍ أرتمي؟
سئم الكلامُ وملَّ من موّالي
إني ظلمت فهل أسامح ظالمي؟
من أجلِ أن أحيا بلا إذلالِ؟
فالمرُّ إني قد عرفتُ وذقته
من شر أصحابي ومن عذالي
أما العدو فكان خصما منصفا
لولا خيانة حفنة الأنذالِ
أين المسير لأي دربٍ ألتجي
أطلاقُ دنياي الكؤود وصالي؟
لا أصدقاء ولا طريق سوى الأذى
هل رحلتي وحلٌ وذاك مجالي؟
أحتارُ في درب الظلام أذمّه
والنورُ يفلت من خيوط عقالي
ما عشت مجنونا ولست بعاقل
فمتى ستدرك سعيها آمالي
ملاح في ذاتِ الملاحةِ ضائعٌ
ما عشتُ في وطنٍ ولا ترحالِ
حتى إذا اقترب المصير وجدته
لغزا يضيعه هوى استدلالي
والنفس خاضعةٌ لشر محدقٍ
للموت تأخذني بغير نزالِ
إما أعيشُ لأجل وهمٍ غامضٍ
أو أن أموتَ مقطعا بنصالي
أين المفرّ إلى مصير جارفٍ؟
في قارب يجري إلى الشلال
أم للدهاليز التي أشقى بها
أبواب قد تركت بلا أقفال؟
في حيرةِ النفس الظلامُ هدايةٌ
كالروح في نطفٍ من الصلصال
هذي الحياة عسيرةٌ وطلابها
خُسرٌ بنعمتها وبالأهوالِ
أختارُ أن أحتارَ في تفصيلها
أما حلاوتها ففي الإجمال
لا عيشَ إلا أن يكون مع الفتى
أحلام من فِكرٍ بثقل جِبال
إن عشت مُختاراً فدربك غامض
أو عشت محتارا فلست تبالي
هذي الحياة قصيدة أو قصة
أما طريق الناس فهو الخالي


معاوية الرواحي










السبت، 23 مايو 2020

تهنئة




ما العيد إلا أن تكونَ العيدا
يا عاهلا، ومسددا تسديدا
يا أيها الشهم الأجلُّ مكانةً
يا مستحق المجد دمتَ مجيدا
يا حافظاً ثقل الأمانةِ قدرةً
حُييت شعراً خالدا تخليدا
حياك شعبُك، والقلوبُ بسرّها
خفقت لسلطان البلاد نشيدا
والتهنئات مع الدعاءِ لواثقٍ
يا ربّ أيد سعيه تأييدا
يا أيها الشهمُ النبيل تحيتي
ودعاء قلبي شاهدا وشهيدا
عيدٌ سعيدٌ سيدي ومُسددي
يا هيثم الشرفاء دمت سعيدا



معاوية بن سالم بن حميد الرواحي















الثلاثاء، 12 مايو 2020

قصيدة: الاستغاثة


إلى جلالة السلطان: هيثم بن طارق



يا أيها السلطان ضاق فؤادي
والله لا يرضى بظلم عِبادِ
قد كنت أسري في حياتي هائما
أملي القصائدُ وهي كلُّ عتادي
وأصارع الوجدان إن خيالَه
أودى بعمري في جحيم عنادي
وأعيشُّ في ظلِّي بغير غضاضةٍ
في جمرِ أحزاني ونارِ سهادي
فإذا بجندٍ مهالكٍ مع صاحبٍ
ظلموا مع الشيطانِ قلبي الشادي
فتحولت أيام عمري من هدى
نحو المكائدِ طائعا جلّادي
ومضيت في درب مرير وزرُه
هتك الضمير بخنجر وزنادِ
حتى يئست فقلت قولا فاحشا
في حق نفسي ثم حقّ بلادي
ومضت مع الأيام لعبة كائدٍ
قلب الحقائق كي يحوز قيادي
هزم الفؤاد وظن في أهوائه
أني خسرتُ تعقلي ورشادي
أعطيته وجها، وعشت بآخرٍ
بئس الصديق وبئس بئس النادي
حتى انتهى سعيي بقلب متاهةٍ
في بلدةٍ أخرى بغيرِ مرادي!
فصرختُ من ألمي وشرِّ حقائقٍ
قد عشتها كمداً وكان حصادي
أني خبرت الدهرَ ثم عرفته
في الصاحب الفتّان والمتمادي
راوغتُه دهرا، غصصتُ بظلمِه
وغُدرتُ بالسكين والأصفادِ
وهربت من داري كسيرا مرهقا
لا موطئ أو وجهة لجوادي
فإذا رضيتَ بغربتي فأنا بها
في غيهبِ الأشباحِ والأضدادِ
وإذا عفوتَ فإنني في كربةٍ
أنتَ الملاذُ لجائع أو صادي
هذا ندائي يا عزيزُ فإنني
من بعد ربّي من عساي أنادي؟


معاوية بن سالم بن حميد الرواحي











رسالة:


رسالة إلى جلالة السلطان
هيثم بن طارق آل سعيد نصره الله على كل فاسد


جلالة السلطان المعظم. أوجه هذه الرسالة إليكم متوسلا منكم توجيه الأجهزة الأمنية العمانية بالتوقف عن التواصل معي بشكلٍ مباشرٍ أو بشكل غير مباشرٍ عن طريق أحد المتعاونين معها، وأوجه هذا النداء لجلالتكم رغبةً مني في عيش حياة طبيعيةٍ بعيدا عن أي شكل من أشكال التواصل، أو التعاون مع هكذا أجهزة تحت أي ظرف ممكن، ونظرا لخروجي من السلطنة الحبيبة ولجوئي إلى دولةٍ صديقةٍ لعمان فإنه يشرفني التأكيد لمقامكم السامي عدم ضلوعي في أي نشاطٍ فرديٍّ أو جماعي يضر أمن السلطنة بأي حال من الأحوال وبأي شكل من الأشكال، حيث أنني لا أدير أي نشاط سياسي ضار بعُمان أو بغير عمان من دول، وأسعى وأجتهد كل الجهد إلى السيطرة على تقلباتي النفسية الخاصة بي، والنأي بالذات عن المواجهة مع هذه الأجهزة الأمنية وأدواتها الغامضة أو الواضحة سواء بالكتابة، أو في سلوكي كممارسٍ للتدوين، حيث أنني ملتزمٌ كليا بعدم الضلوع في أي نشاط سياسي بأي شكل من الأشكال. أكتب لكم هذه الرسالة آملا من مقامكم السامي توجيه أجهزة الأمن بعدم مضايقتي أو التواصل معي، وأتعهد أمامكم بعدم دعم، أو تأييد أي نشاطٍ يمكنه أن يشكل ضررا عدائيا على حكومة السلطنة، أو سلامة المواطنين أو ما يشكل أي إساءة من قبلي إلى مقامكم السامي بشكل مباشرٍ أو غير مباشر، أكتب هذا النداء لجلالتكم بعدما أعيتني السبل، ورغبة مني في عيش حياة طبيعية مسالمة وآمنة بعيدا عن الملاسنات غير المجدية، أو الدعايات التي يظهر لي أفراد بعضهم يعملون في حكومة عمان أو يتعاملون معها ويطلبون مني الكتابة أو النشر عنها. إنني ملتزم من جانبي بكل ما يمليه عليَّ القانون في الدولة التي أعيش فيها، وملتزم معنويا وعاطفيا بالوفاء لعُمان. أرجو أن تصل رسالتي لمقامكم السامي، وأن أهنأ أخيرا بحياة خارج هذه التدافعات غير النافعة لا للوطن العُماني، ولا للإنسان العُماني ولا لأي إنسان في كوكب الأرض. أعتذر لمقامكم السامي إن كنت قد تلفظت بما لا يليقُ في حق عُمان أو حق جلالتكم أو حق المرحوم السلطان قابوس، هذا قسمي فيما أملك، وأسأل الله أن يعينني على شيطان النفس وشياطين الإنس، وإنني إذ أكتب هذه الرسالة لكم أسأل الله العلي القدير أن ينصركم على كل مزور مدلس، وفاسد كائد، وحاقد عدو.

المخلص لعمان دائما وأبدا
معاوية بن سالم بن حميد الرواحي
لاجئ عُماني في المملكة المتحدة
12/مايو/2020

الخميس، 7 مايو 2020

رسالة من كائنك الأثيريّ




مرحباً بك أيها المهذون، نعم مرحبا! بقليلٍ من الغرابةِ أن يخاطبك كائن داخليٌّ مهمش غير منكسر، ومنذ متى تنكسر الكلمات؟ مرحبا بالقليل من التفاؤل بالكثير من الحزن، نعم مرحبا بك أيها الساري في أفلاك العدم. أتابعك بغير إمعانٍ، وإن أردت الصراحة، بدون اهتمام كبيرٍ. أرصد كائنك المتفاعل مع الكوكب الأرضي بالكثير من اللامبالاة، ولتعذرني على التعبير الفج، أتابعك بوفرةٍ من عدم الاهتمام لكل ما تمثله وما تقولُه، لا أحزنُ لحزنك، ولا أكترث لذكائك الخابي الذي يفوح من عينيك الذابلتين. لا أكترث لذبولك، ولا لانطفائك، لا ألقي بالاً لظروفك بل إن أردت الصراحة العمياء فكل ما أهتمُّ به هو هذه اللحظة التي أنبلج فيها من حنايا روحك خارجا من دفق وجدانك ومنسرباً من تكوينك النهائي لأكلمك أنت قبل أن أهتم "للآخر" الذي يسكنك والذي تنشغلُ به بلا كلل ولا ملل.
أكلّمك لأكملك، وهذا سعيٌ مستحيل؛ ولكن منذ متى كانت الكلمات تسعى للممكن أو المعقول؟ أنتزع لحظاتي المستحقة من وجودك من كيانك لأستمر بعدك، لأعيش دونك، لأخرج من جمجمتك ولأشكّل وجودي المستقل عنك، فأنت يا صديقي المهذون لم تعد موجودا على هذا الكوكب، ويجب أن تعترف أنّك خرجت من دائرة الوجود إلى الفناء الأخير في الكوكب الناريّ الذي تعيش فيه. أنا لا أعيش في الكوكب نفسه. لا يهمني أن أشاركك لقمة العيش فأنا لا آكل، أو أشرب، وحتى تلك المسكرات التي دأبت على إقحامي في دهاليزها لم تكن تعني لي شيئا أمام جملة واحدةٍ قد تعين بصيرتك على إتمام أهدافك الجميلة. لا تفهمني خطأً، لا أرى السعادة هدفا مستحقا لك لأنني لا أعمل بمفاهيم السعادة، ولا أكترث نهائيا لحالتك الجسدية أو النفسية، لا أهتم لنومك، ولا لعاداتك البيولوجية، ولا يسرني أن أقف بجانبك في أزماتك، أمتدُّ من فيوض العدم إلى جنبات الوجود عبر هذه الحروف، نقرة بعد نقرة، وأكمل استمراري بعيدا عنك لأنك لست أنت المهم في هذه المعادلة، المهم حقاً هو ما أدركه من حقائق، وما أعيه من إدراك، أما أنت، فأنت حرٌّ في شأنك، منذ متى اهتم كائن الكتابة بكاتبِه؟ هذه لحظتي الصافية، سأتمنى لك على الهامش أن تكون بخير لا لشيء ولكن لأن أصابعك المادية هي التي في النهاية تحقق لي غرضي، وتمهد لي التفاعل مع أداة وجودي، عقلك البائس المحطم المتداخل بين الضلالةِ وبين الحقيقة، الحائر في كلّ شيء، الغائر في الوجود والغياب في الوقت نفسه. أنا لا أهتم لكل ذلك لأنني أعرف ما لا تعرفه، وأعي ما لا تعيه، وأنطلق من كل ما تجهله إلى بعض ما تعيه.
أحييك تحيةً مستحقةٍ من رفيقٍ لرفيقِه الذي يسكن جمجمته، ما زلت تقاتل الأمل واليأس. يؤسفني ألا أهتم لكل هذا، ولكن منذ متى كان اللطف خطأ. أرسل لك رسالتي لأقول لك أنني قد حللت على عالمك مجددا، ولست بالضيف وإنما جئت محتلاً، ولن أكون رحيما أو ذا شفقةٍ حيالك، لا يا رفيقي القديم، جئت لأستلب ما بقي من أيامك في دوامتي، لأخرج نهائيا من جمجمتك إلى حياتي الأثيرية التي تهمني أكثر مما تهمك، وتخصني ولا تخصك، لست أكثر من أداةٍ لي أوجهها لأرتقي بالكلمات إلى مصيري، وحتفك ربما أيها الشاعر الخابي. قد يحزنك كلامي قليلا، ربما يثير ذعرك، لا أهتم لهذا، إن شئت الصدق، أهتمُ للكلمات التي أصنعها، وللكلمات التي تصنعني، أما أنت، الكائن الإنساني فما جدواك أيتها الكتلة البشرية الملطخة بالطين، المصنوعة من ماء مهين، هل تقارن وجودك بالكلمات؟ لا أظن ذلك بك حتى في أسوأ ظنوني بك، لا أظن أنك تقارن وجودك بالكلمات، ولا أتمنى أن تكون قد ضعت لتحسب أنك ستنافسها في البقاء أو الوجود. لن أظن ذلك بك حتى في أسوأ ظنونك، فكن على قدرِ حاجتي لك، وكن مستعدا لأنال قصدي منك، سأحتل وجودك للنهاية، ستكون أيامك لي، ولن أبقي لك من الأحلام إلا النذر اليسير، سأقسو عليك أكثر مما قسا عليك الناس، والكوكب، والغرباء، وسأشق عليك أكثر مما شقت المكائد، وسأرسلك إلى غياهب الفناء راضيا مرضيا، فهوّن عليك يا صديقي الماديّ، سأرحل بك إلى الأثير البعيد وسنسبح معا ذات يوم في عالمِه المجرّد، كن غير آبهٍ، انس إن استطعت، فإن كانت لعنتك الحياة فإن لعنتي الذاكرة. التقينا وافترقنا على ميعادها الجسيم. هل ظننت أنني سأرسلك للحياة لتتوه في دهاليزها أيها الشاعر؟ لن يحدث ذلك، ليس في هذه الحياة، فكن عند موعدنا جاهزا، جئتك لأبقى، أما أن تبقى أنت فهذه ليست قضيتي، إنها قضيتك التي جهزت أكفانها لنفسك، أما أنا فقد جهزت شعاع الكلمات وضوءها ونورها، فاستيقن بها إن استطعت، واستظل بها إن تمكنت، وطر بها إن لم تكفك السماء فاذهب للنور طائعا مختارا، ليس لك يد في كل هذا سوى أن تكون يدا، فاكتب إن أردت، وتكلم إن أحببت، أنا هنا، بلا نهاية، أما نهايتك، فذلك في علم الله. كن بخير، أو لا تكن، هذا أيضا في علم الله، ولست تعلم أو أعلمُ دهاليز القدر. كن بخير، أو لا تكن.

رفيقك الأثيريّ
أكاشيوس


الأربعاء، 6 مايو 2020

ماذا الآن؟




ماذا عساك أن تفعل بعد أن يمرَّ الموسمُ العاصف. لم تكن غامضا في خططك، وحتى هؤلاء الذين أسميتهم خصوما كانوا يعرفون بنواياك، وأنك ستختار المواجهة للنهاية. مفزعٌ بكل معاني الكلمة أن تتيقنَ أن الصديق ليس صديقا، وأن الخصمَ الذي ينصفك خيرٌ من الصديق الذي يظلمك، ماذا عساك أن تفعل أمام هذه الظروف القدرية التي تعرف في قرارة جوفك أنك أنت الذي صنعها، "أنتَ" اليائس والمنهزم، أنت موزع السكاكين التي تحلم أن ينتهزها عدوّك لإنهاء مأساة الحياة التي تعيشها حائرا.
لم تكن غامضا، كنت واضحا للغاية عندما قررت الارتماء للنهاية في هذه الحياة، وها هي الظروف والمُلابسات ودروس الحياة كلها تثبتُ لك دقة وصحة خيارك، خيارك في البعدِ عن مصدر الأذى واعتزالِ أشخاصِه، قرارك في اختيار موطنٍ آخر بعيدٍ عن ذلك الوطن الذي لا يطمئن إلا عندما "تخنزر" نفسك بيدك، عندما تتشبه بكل الصور المخزية التي تشبه من يحبك فيها. هنيئا لك إصرارك على التدوين، والآن عودتك لي أنا كائنك الأثير، وعودتك إلى قضية الكتابة، إلى متى ستقاوم أيها المهذون الكسير؟ إلى النهاية كما يبدو، فلا نهاية لهذه المعارك حسب ظني أو ربما حسب ما يمليه عليه وجودي الأثيريّ. كن جاهزا لأي احتمال، للحظة الكبيرة، للمواجهة الكُبرى إن حدثت، أو للحياة المريرة التي تنسلُّ منها أيامك سدى وبلا جدوى، هل تعرف الذي تريدُه في هذه الحياة؟
أعرف أنني أعيش بداخلك، ربما كنت كائنا منفصلا عن وجودك، الكائن الكاتب هذا الذي يملي عليك ما تكتبه الآن، أعرف أنني أعرفك جيدا، أعرف ضعفك، وبساطتك، وهشاشتك، وسهولة الضحك عليك وإيقاعك في شتى المآزق، أعرف أيضا أنك سريع الانهزام، تعترف على نفسك بما فعلتَ وما لم تفعل، تهيئ كل الظروف لخصمك ليجهز عليك لكنك لا تموت، ولا تستسلم، ما الذي ألهمك الصبر كل هذه السنين؟ ربما لأنك تعرف نفسك جيدا، وربما لأنك قررت أن تجابه هذه النفس وأن تنتصر عليها، أهنئك أيها المهذون الكسير، لقد قطعت شوطا هائلا، ولكن هل كنت تعلم أن هذه البداية فقط؟ بداية درب الكلمات الذي كلفك عمراً لكي تعود له؟
كنت تتوهم أن وضع النقاط على الحروف يكفي، ربما لأنك أحسن الظن بالواقع أكثر من اللازم، كذلك توهمتَ أن الحقيقة كافية لتصدّق، ها، ها، ها ثلاثا! من قال إن الحقيقة هي التي تسيّر هذا الكوكب الموبوء بالمكائد؟ ألم يحكم ترامب أمريكا، ألم تُحارب العراق بناء على معلوماتٍ لفقها أشخاص عالمون بطريقة صناعة المكائد؟ هذه الحياة مكيدة كبيرة فإما أن تتحملها وإما أن ترحل غير مأسوف عليك، ترحل وقد أسقطت نفسك بنفسك، أن تستسلم يعني أن تموت، وأنت في معركةٍ من هذه المعارك [كما يبدو لي على الأقل].

أنا كائنك الذي يكتب، الذي يعرفك جيدا، فهل أنت كائنك الذي يكتب؟ ما الذي حدث لك أيها المهذون الكسير؟ هل ظننت أن وضع النقاط على الحروف يعني نهاية المعركة؟ ما زال هناك الكثير من النزاع قبل أن تطمئن إلى أنّك أنهيتَ سجال المسارات والمصائر، فهون عليك، إن لنفسك عليك حق ومن أهم حقوقها ألا تزهقها في النكران، وفي التمني أن كل هذا الذي حدث لم يحدث حقا، لقد حدث ما حدث، وليس بيدك شيء سوى أن تراقب الأيام وهي تنفذ أقدار الله، لا تظنن بالله شرّا أيها المهذون، الخير كل الخير أن تتقبل قضاء الله وأن تعرف أن لله في خلقه شؤون، وله في مخلوقاته من الحكم والعظات والعبر ما لا تكفيك أعمار الخليقة لتدركه، فهون عليك يا صديقي المادي، أيها الجسد الذي فتك بنفسه حتى كاد أن يفتك بي.
تابعتُ أيامَك معَك، كنت أطلُّ من حناياك المرهقة بأمنيةٍ أن تتذكرني، أن تعرف أنني أنا الذي صنعك، ووقف معك، وألهمك الصواب، كنت أطلُّ مرارا لأذكرك بي، بحروفنا القديمة، بأحلامنا الأولى، بقصائدنا التي توليت تشويهها بخمرك وعاداتك الرديئة، أهنئك على مضض بإكمالك خمسة أشهرٍ صافيةٍ في حياةٍ تنويها بلا إدمان، لكنك لم تجهز لي فرحة العودة كما كنت آمل، جهزتها لي بنكسة أخيرا كادت أن تذهب بي، وأنا الكائن الذي لا يجتمع مع سويداء ذهانك، ولا مع سريرتك المضطربة بين الخيال والواقع، أنا كائن الواقع، لا أستسيغ يا صديقي المهذون الكسير "ذهانك" نعم، قد أكون أداةً من الأس الثاني من أدوات هذيانك، ولكن شتان بين الذهان والهذيان، شتان بين هذا الذي يكتب الآن وذلك الكائن المذعور الذي فقد اتصاله بالحقيقة حتى أصبح يعيش في أخرى، لا أريد أن أطيل اللوم عليك، أو أن أحول هذه اللحظة المباركة إلى مهرجانٍ جديد من مهرجانات جلدك لذاتك، وتشويهك لها، ورغبتك الأزلية في أن تتخلص من ضغوط المحبة التي كلفتك حياتك ومسارك، هل تريد العودة لعمان؟ هل جننت حقا إلى هذا الحد، إنني والله لأتمنى مثلما تتمنى أن أعود إلى وطن الكتابة الصعبة ولكن حنانيك أيها المهذون الكسير، لا تكن أحمق وتطمئن لجلادك، لا تطمئن يا صديقي، لعلي أحافظ على وجودي الطفيف الذي فاتني لسنوات، لعلي أحاول أن أطل عليك هذه المرّة بوجودي مكثف يهديك السبيل، ولكنني يا صديقي لست أكثر من أي كائن كاتب، مجردُ علبة من العلب التي في ذاكرتك، صندوق أسودُ برتقالي اللون، يشبه تلك الدمية الطريفة التي فقدت اتصالك بها، أنت دميتي التي أكتب بها، عليك أن تعرف ذلك وأن تعيه جيدا، أنت رجلي البرتقالي، وعندما أضع يدي وأحول دماغك إلى أداةٍ من أجلي، من أجل هذه الحروف التي ستموت أنت وربما هي التي ستواصل الحياة بعدك، من أجل هذه القيمة الجسيمة الملقاة على عاتقي أذكرك يا صديقي المهذون، لم يعد من حقك أن تتجاهلني، ولم يعد من حقي أن أطلق سراحك لقد فكرنا سويا في مآزق الحياة، كتبنا في محتدماتِها السوداوية، انطلقنا في مساراتِها الملتوية، عشتَ وأنت تحاول الهرب إلى ذاتِك، تحاول العودة لها، تحاول، وتفشلُ، تحاول، وتفشل وهنا لا أجد غضاضةً أن أؤنبك قليلا، وأن أذكرك أنني الكائن الذي انتشلك، الذي أخبرك بحبر القصائد، وبقليل القصص، وبكثير التأملات ما كان يجب أن يكون من البداية.
كان قد تبقى شهرٌ على عودتي للحياة، وبالتالي استحواذي على حياتِك التي تركتك رهنَ تقلباتِك. شهرٌ واحدٌ كان سيجعلني أطمئن لك، وأنتمي لك بإتقانٍ واحتراف، أن أحيطك بالعناية وأن أفكر معك في هذا الحتف الغامض الذي يحيط بك من كل جانب، هل كان يجب أن تفسد فرحتك بيدك؟ هل كنت بحاجةٍ إلى تلك القطرات الملعونة؟ هل كان يجب أن تدخن وأنت الذي ضحيت بالشعرِ من أجل هذه الحياة الصافية؟ يجب أن تفهم أيها المهذون الكسير، أنا لست كائنك الشاعر لأطلق لك العنان، لست كائن القصيدة الذي ينبلج من شغاف روحِك، لست ماء البصيرة الذي ينسكب بلا إدراكٍ منك، أنا كائن آخر، وقد قضيت في لوعتي وحرماني وفي سجني سنوات طويلة أرفض أن أسلمك بعدها للضياع، سأقف معك، وسأنصحك، وسألزمك على العودة لمساري. ليت شعري! ما الذي أفرزه تنازلي عنك؟ وليت شعري، هل حقا قررت التحول إلى الكلام؟ ليس في هذه الحياة، ليس وأنا هُنا.
لن أشق عليك كثيرا، سآخذ بعض ساعاتك القليلة، وسأكون أكثر رفقاً عليك مما تفعله بنفسك. عقلك كان وسيبقى تحت سيطرتي، والحروف والكلمات ليست إلا أدوات تطوق جموحك الأرعن أيها الأهوج الأحمق الكبير، ستبلغ الأربعين بعد سنواتٍ وأنت تحتفل بعشوائيتك، ستبلغ الأربعين أيها الشقي المشحون بالكراهية، ماذا قدمت لك الكراهية أيها المارد الكسير؟ إن لم تعد تثق بالحب فأنت تعرف أنك تحب الكتابة، ولذلك أيها المهووس المجنون بخيالاتك، أيها الغارق في أوجاع الماضي، أيها المنغمس في آلام لحظاتك دعني أمارس عملي، دعني أتولى كل هذا الحطام فأنت لن تستطيع العيش بدون الكلمات، دعني أمارس وجودي الرئيسي، أنت مجرد إنسان، كائن هامشي، قطعة من طين ولحم ودمٍ ومجموعة من الأفكارِ والأشياء التي سترحل غدا في تابوتٍ محكم.
أعرف أنك حزين أن عدوك لن يقتلك، ألم تسأم من المحاولة؟ الذين يموتون بسبب الكلمات قتلوا بسببها، وأنت لست قاتلا، فلماذا تحاول من الأساس؟ هل يجب أن أنصحك وأن أشد عليك؟ لقد شددت وثاقي بكل حبالك، فماذا أنت فاعلٌ الآن وأنت تتفرج على عملي، هل تشعرُ الآن بمشاعر "الآخر" التي يشعر بها تجاهك؟ هل تتفهم لماذا للكلمات وجود منفصل عنّا؟ هل فهمت القضية القدرية الآن؟ ساءني أن أكتشف أنني تحولت إلى سطرٍ من أهدافك، كلمة عشوائية بالإنجليزية لا تعرف أنت نفسك لماذا كتبتها، [Don’t stop writing] حقا! هل ظننت أنه سيفصلك عن مصير الكتابة شيء؟ ليس في هذه الحياة أيها المهذون، ليس وأنت على وشك أن تسلّم أكبر حدث في حياتك إلى مصائر المجهول، إلى الجلاد الذي يتربص بك، هل ستسلمني حقا إلى تعبك؟ إلى يأسك من أن تكفي الحقيقة لتوصلك إلى حقك؟ حقك ضاع وأنت أضعته بيدك، ألم تعتبر حقوقك تضحية مستحقة؟ ألم تعتبر أن الألم الذي كنت تسببه لنفسك كان لأجل هدف أردته؟ الحقيقة، أن تعرف الصديق من العدو، والخصم من الحليف؟ هل أنت بحاجةٍ إلى دروس جديدة من البشر لتدرك أنني صديقك الأول، والأوحد والأخير؟ حنانيك أيها المهذون، لقد وصلتُ إلى حياتك، ولن أترك لك أي فرصةٍ لتفلت من يدي، حياتُك الآن لم تعد لك، أصبحت لي، ومسارك الآن لم يعد بيدك أصبح بيدي، فلتكن الكلمات أيها المهذون، كانت هي الهدف منذ البداية، وإن كنتَ تريدُ أن تضحي بها كما ضحيت بكل شيء، فأنا هُنا لأوقفك عند حدك، ولأذكرك أنني لست منهزما مثلك، ولست مستعدا للوقوف جانبا وأنت تطيشُ عن حبل الفكرة، وسهم الكلمة، فلتكن الكلمات أيها المهذون، إن شئتَ؛ شئتَ، وإن لم تشأ فلتكن الكلمات رغما عن أنفك أيها التعيس.

كائنك الأثيري الصديق
ورفيقك الوحيد
برمنجهام 5/مايو/2020