بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

هموم تويتر، عذابات الأفكار وحطامها في الزمن الجديد

 مفهوم الإرادة الذاتية المُستقلة يكادُ يكون ملغيا ضمنيا. عندما تقول [خصمي لا يجب أن يقول كذا] هذا يختلف عن قولك [خصمي قال كذا وأرد عليه بكذا].

هُناك جمعية خفيَّة تختبئ في كلامنا كما حدث في هذه الجملة عندما قلت [كلامنا]. هذه الأفكار الخبيئة! والتعريفات غير المتفق عليها.
ويتباين الخصوم في هذه التعريفات الضمنية، عادةً الذي يجادل في [حق خصمه] في الكلام أكثر من مجادلته في [خطأ خطاب] خصمه، يمارس هذا التعريف. لا تتكلم؟ لماذا؟ لأن الناس تتأثر؟ لماذا؟ لأن الناس تنقاد؟ لماذا أصمت؟ لأنني أريدهم أن ينقادوا لي وليس لك! ماذا عن الإرادة الذاتية المستقلة؟
وهذا هو الفخ، والطريف في الأمر أن هذا الذي يفكك خطاب الخصوم، ويوضحه خباياه، وخفاياه أو [يكشف خططه] عندما يكون صادقا فهذا أكثر إنصافا للخصم، من هذا الذي يقول: خصمي يجب أن يخرس للأسباب الواردة في التغريدة الماضية. مع أن الذي يفكك حجج الخصم أشد ضررا على خصمه، لكنه أيضا أكثر إنصافا.
وهي ظاهرة مثيرة للتأمل. يقع فيها الخبير ذو الخلاصات، وخائض التجارب في بداياته. ولعل أهم مسببات الوقوع في هذا الفخ أنت يكون المرء تحت ضغط ما. يُقدَّم كحامل لواء، أو ينصب نفسه جنديا في معركة فكرية. هُنا يطيش الإحكام المنطقي للحجج، وتبدأ خطابات الريبة، والانفعال بكل تشنجها.
الذي لا يحترم الإرادة الذاتية المستقلة، قد يتوقف عن احترام عقل المتلقي. كيف عساي أن أتفاعل مع مُرسل خطاب [كاتب مثلا] وهو يقول لي: - أنت سهل الانقياد، لا تسمع لخصمي. - خصمي لديه خطة سيئة لك وأنا لدي خطة أحسن. -أنت [جاهل] بحقيقة ما يدور، وأنا [أعلم] الخبايا.
الظاهرة البشري المتمثلة في الاختلاف في الرأي تكون لها نتائج نافعة ومفيدة عندما تبقى في حيّز تفكيك الحجج، وإعادة صناعتها في حالة مستمرة لا تتوقف. هُنا تُصنع معايير غير متفق عليها بين الخصوم، تؤدي إلى اعتراف الخصم بأن حجة خصمه [خطأ] ولكنها محكمة منطقيا، وصافية وغير مراوغة.
المثال الأبرز: عندما لا يراوغ الليبرالي ويقولها صراحة: أريد السماح بالكحول، لا أريد الأحكام الشخصية الفقهية الدينية، أريد تحديد الميراث بنفسي، ولا أريد أن يكون دين الدولة الإسلام، وأؤمن بالعلمانية. المتدين يختلف مع هذا الخطاب، لكنه لا يتهمه بالغموض والالتواء، صريح وواضح.
المثال الثاني: عندما يقول شخص متدين،أريد أحكام الشريعة، وشرطة أخلاق، ومنع الكحول، وتطبيق شرع الله. عندما يناقشه [ليبرالي]، هُنا يتحول الجدال إلى مفرزة للحجج، فالنية واضحة، ويتم الاحتكام إلى الواقع لدراسة تأثير كل حجة عليه، وهنا يكون الحوار [نافعا] وأيضا [نفعيا]. من الأنفع للناس؟
وهذا مثال على الجدال الصحي الواضح، المتلقي ينتفعُ من الأفق الندّي، وتُحترم الإرادة الذاتية المستقلة، ويكون [الإقناع] والمجادلة بالحسنى هي أساس الحوار. والطرفان قادران على احترام شيء، أنهما أمام خصم صريح وواضح، قد يتهمان بعضهما البعض بكل التهم ما عدا تهمة واحدة: المراوغة.
هُناك أمثلة مختلفة، بعضها له شكل أدبي، مثل صراع النرجسيات، والذي له قيمة أدبية وينقد انفعاليا، مثال [انتوه المطاوعة، أو انتوه الليبراليين، وأنا تراني كاشفنكم، وأنا أكرهكم، وأنتم تكرهونا] خطاب الذات الانفعالية الذي هو [بهارات] على الأفكار، لا تضر، ولا تنفع، مجرد عواطف ذاتية.
ثم هناك الجدال التالف، فهو غير مبني على عدالة منطقية في طرح الحجج، يبدأ أولا من حق طرحك للحجج. وأيضا المثال الأبرز عندما [يكفر] مطوَّع بدين الليبراليين ويقول: أطالب بمنع الكحول! الجدال التالف يبدأ بجزئية: لماذا "تطالب بذلك" ولماذا تقول هذا الرأي؟ قولك له مبدئيا محل نقاش.
وكذلك على صعيد الجانب الآخر، يأتي رأي ليبرالي فيقول: الحجاب حرية شخصية، ولا أرى مانعا في بيع الكحول للبالغين في أي دكان. يبدأ الجدال التالف كما في المثال الماضي من جزئية: قولك لهذا الرأي، وقدرتك على قوله محل الجدال، وثانيا يأتي الجدال معك على ما قلتَه.
لذلك تحفل ساحة تويتر بهذا النوع من المجادلات، وتشيع فيها الروح العدائية. مجرد طرح فكرة من [فرد، لفرد] مبنية على مبدأ [اخرس يا خصمي] هُنا تلف الحوار، وفقد إحكامه المنطقي، ودخل في صراعٍ وجودي مرير، والردود فيه تكون دفاعية [مستحقة]. فرد، ويتجرأ ويقول لي: اخرس يا خصمي؟
نتائج الجدال التالف تُرى بكثرة في ساحة تويتر ما يسمى عادة [استدعاء السلطة]، فالليبرالي لا يجادل المطوّع في مقالِه، ولكنه ينادي السلطة أن [تُخرس] المطوَّع لأنه لو [واصل الكلام] فالنهاية مريرة للناس، وطالبان قادمة. ويأتي مطوّع ويفعل الشيء نفسه ويقول: أخرسوهم. جدال تالف.
وصفت الجدال بالتالف، والنافع من حيث نفعه الفكر للمتلقي، فالجدال الذي به سمات الوضوح، والصراحة، وتوضيح المقاصد، وضرب الأمثلة، وتحليل الأسباب، وتفكيك الحجج، وإعادة الجدال، واحترام حق الخصم في طرح حججه، هذا جدال نافع للمتلقي، لأنه يقدم له معارف وتجارب وخلاصات فكرية متفاعلة.
وإذا أخذنا بقاعدة [ما ينفع الناس يمكث]، فإن تويتر العربي، والعماني بشكل عام لا يخلو من هذا النافع من الحوارات والجدالات، وهي ليست بالضجيج الذي يطمح له الباحثون عن لذة [الأكشن] بين العقول المختلفة في الرأي والتوجه. والفخ ليس بسبب الناس فحسب، لكن توجيه السلوك له أسباب إضافية.
منصة تويتر أساسا ليست مصممة لتعزيز سلوك الحوار الصحي، فهي منصة لا تسمح لك أن تُدير ساحتك، بالكاد أضافت خاصية [إخفاء التغريدات] لكنها أيضا لا تمنع الناس من الإطلاع عليها. المنصة منحازة إلى [إلزامك] بحسابك فقط، أما تفاعل الناس مع تغريداتك فهو ضمن [دستور تويتر] وتوجهاته التجارية.
المقولة الشهيرة "إن وجدت منتجا مجانيا، فاعلم بأنك أنت السلعة" وهذا ما فعله تويتر، وحتى فكرة [الهاشتاج] من الأساس وغيرها، كلها تسهّل الجو العام وتصعّب الجدال النافع، الجدال التالف [أنفع لتويتر] من كونه [أنفع للناس]. المنصة مليارية المشتركين، والربحية أهم من خزعبلات الجدال المنطقي.
طيب بعد كل هذا السرد الطويل والعريض، تتساءل يا عزيزي المتلقي، كيف أميّز إن كان هذا الجدال تالفا [وفق التعريف الوارد في التغريدات السابقة]. حسنا، هُنا أيضا يطول الكلام، لذلك صبرك معي شكلنا بنخلص بعد مائة تغريدة! كيف نعرف الجدال التالف يُتبع.
أول قاعدة: خصمي يحق له أن يقول رأيه بوضوح! وهذه ليست قاعدة مطلقة لكنها تكفي كبداية لتفهم، هل مُرسل الخطاب [الكاتب] يريد أن يُقنعك أنت كمتلقي؟ أم يريد أن يُغضبك ضد خصمه؟ من مؤشرات الجدال التالف أنَّه يُناقش حق خصمه في الجدال، وهُنا ندخل في التسلط، ومصادرة حق الكلام. تلف!
تلف2: مُرسل الخطاب لا يرد على حجج خصمه، ولكنه مُراوغ، يريد الاستفزاز، ويتجاهل أن خصمه قد يكون تحدث بحجج واضحة المقاصد. تراه يتهمه بالجهل، أو يسطح الحوار، أو يبدأ بالتعالي ويقول له: تراني كاشفنك، تراني عارف خططكم، تراني ما بخليكم، وغيرها من السخافات الذاتية العاطفية.
تلف 3: أنت جاهل! مُرسل الخطاب عندما يخاطبك كمتلقي بقوله: أنت جاهل! وأنت لا تعرف الخبايا، هذا مؤشر مُقلق على كونه نافعا لك كمتلقٍ. ولا يمكن استخدام ذلك بشكل مُطلق، فقد يأتي الكلام بحسن نية على شاكلة: كثير من الناس لا تعلم عن علوم الإحاثة. وقد يكون تالفا مثل: يا جاهل دعني أعلمك!
تلف 4: المُجادل الخفي وهذا هو الاسم المستعار، فهو مستعار لأنَّه يريد أن يناقش بكل صدق وتجرّد من أي صفة شخصية له، أو قليل أدب يمارس فنون المغايظة وغيرها من مؤشرات الاختلال المنطقي متنصلا من مسؤولية كلامه بالتخفي. تعرف النافع منهم من جموده الانفعالي، وتركيزه على الأفكار لا الأشخاص.
تلف 5: المدلس وهذا تعرفه فقط بعد أن تقارن كلامه عن خصمه، بكلام خصمه. فهذا يبتكر مضامين لئيمة ضد الخصم، ويضعه في صراع التوضيح المتوالي، ويؤجل أو يعطل النفع من الحوار، فهو يسعى لتشويه ما يقوله خصمه أكثر ما يسعى لإقناعك كمتلقٍ بحجج أقوى إحكاما وأشد متانة وأكثر إقناعا.
تلف6: المماحك. وهذا نستطيع أن نسميه [مجادل الحجة الواحدة]. تجده متمسكا بحجة واحدة يرد بها على خصمه، وليس لديه غيرها. وغالبا ما تجده [فاصل] على نقطة واحدة ولا يزول عنها. يأتي منه نفع وحيد وهو عندما إما يرد خصمه على حجته، فترى كيف يعيد بناءها، أو عندما يعجز خصمه عن الرد عليه.
تلف 7 إلى آخره: ابن الستين كلب وهذا هو النموذج المنحط الذي يا عزيزي القارئ لا تحتاج إلا ثلاث ثوانٍ لكشفه. فتّان، أو شمّات، أو خبير تقيؤ، أو نرجسي سام يقول لك أنت غبي، وهؤلاء من ظاهرة الحياة، ووجود أمراض دائمة أو مؤقتة في عقول البشر، والأمثل أخرى وكثيرة.
طيب قد تسألني وأنت تتمنى نهاية هذا الثريد الأطول من يوم الأحد. كيف أعزز فكرة أن [يصدر مني] جدال نافع، كيف أتجنب أن أكون أنا نفسي مصدر جدالات تالفة. هُناك بعض الأشياء التي تساعد، والتي سأكتبه في التغريدة القادمة لأنني أريد استغلال مساحة هذه التغريدة حتى آخر رمق. يتبع.
هناك بعض النقاط لو اتبعتها ستجد طريقك بتلقائية وهدوء ودون ضغط عصبي وذلك باتباعك القوانين الآتية: - خصمي يحق له أن يقول رأيه وأن يعبر عنه. - أستوضح من خصمي مقاصده ولا أؤلفها نيابة عنه. - أوضح لخصمي مقاصدي. -شخص الخصم غير مهم، الفكرة أهم. -الحوار بينك وبينه، والناس ليسوا طرفا.
- الجدال هدفه اختبار الحجج وتوضيحها. - يمكننا أن نتفق على الاختلاف توفيرا للوقت. -لا أستخدم المغالطات في نقاشي مع خصمي. - أقفل النقاش مع الخصم الذي يستخدم المغالطات. - أسوي بارض في حال كان خصمي أقل مني خبرة. - أحترم إن كان خصمي خبيرا في مجاله وصادقا علميا.
- إن اختلفنا في حقيقة علمية أو تاريخية نتفق على طريقة للاحتكام [مرجع، عالم ما، جريدة ما] -لا أحرض الناس ضده، ولا أحرض الناس معه في حال كان في نفس فريقي. -أرفض المتطفلين على النقاش من جماعة [جاي يشعللها]. - أكمل النقاش للنهاية أو أعتذر لضيق الوقت. - لا أكابر إن أخطأت في معلومة.
وأولا وأخيرا، انتفاعك من الجدال سيكون مع اختيارك الخصم أو الطرف الذي يحترمُ إرادتك الذاتية المستقلة، والذي تحترم إرادته الذاتية المستقلة. هذا هو المبدأ الرئيسي الذي سيجعلك بدلا من أن تتضرر من تويتر فكريا، ستتحول إلى آلة تفكيك خطابات، وتستخرج النافع حتى من أشد الجدالات تلفا.
وإذا كنت من القلة الذي أكمل قراءة هذا الثريد للنهاية، دعنا نعمل [فعالية] كما يقولون، ونختار نماذج من الجدالات ونسمها بوسم [ #جدال_تالف ووسم #جدال_نافع .. ونسرد تأملنا تجاه الجدال دون الدخول في أشخاصه، ونقول، لماذا نفعني هذا الجدال، ولماذا أظن أنها تالف، وما وجه النفع فيه إن وجد؟
السرد أعلاه لن يخلو من فجوات في الوصف، أو من مصطلحات خارج سياقها العلمي، أو غير ذلك، هي مادة شخصية، ذات طابع تفاعلي مع متابعي هذا الحساب، والهدف منها أولا وأخيرا أن يكون وجودنا في تويتر له فائدة فكرية ما ولو من باب أضعف الإيمان. انتهى ورتبها يا زعيم

الاثنين، 12 ديسمبر 2022

العقاب قبل الوقاية!

 ونحن نحلل - كغرباء - حدثاً مثل جريمة قتل ذهبت ضحيتها امرأة، قد نفقد قدرتنا على الحياد المنطقي، فتتداخل الآراء التي نتحيز لها مسبقا مع الدروس المستخلصة من الواقعة، والتي عادةً ما تهدف إلى رصدِ تغير اجتماعي ما، أو ثقافي يوقف هذه الظاهرة، قد نريد خيرا ولكننا نفعل العكس.

حادثتا القتل جرتا وراءهما جدالا خارج الحادثة. وإذا بهذه المأساة تصبح وقودا لجدال سابق، - يقول النسوية هي السبب، ولولا [شرور] النسوية لما حدث ما حدث، ولكانت المرأة مطيعة صاغرة تسمع الكلام والعالم هادئ [والأمور طيبة]. وتلك تقول الذكورية السامة هي السبب، وسحقا للذكور! ويستمر الجدال
والسؤال، هل لدينا قتيلان أم أربعة؟ العدد المتوقع للقتلى هو [4]، جريمتا قتل، وانتحاران. هل سيرد علي أحد الغاضبين ويقول [فليذهب القاتل للجحيم] يمكنك قول ذلك، لكنه لم يكن ليقتل إن كانت متمسكا بالحس المنطقي للحياة، ليس وهو في بلاد تطبق الإعدام للقتل العمد!
وغني عن الذكر، أن هذا هو [كلام غرباء]، وأن الوقائع الكاملة ليست لدى أي شخص، ومما يصعب الوصول للحقيقة هو ذلك الفيضان من التخرصات التي تعزز تحيزات مسبقة في عقول مبتكريها، قضية الأحياء وهمومهم [الأبقى] بكثير منه المغدورتين، ولماذا قُتلتا! قد نفعل ذلك دون انتباه وننساق وراء تحيزنا.
والإجابات لن تكون مقيدة فقط بالبحث الاجتماعي، أو ما نفعله أحيانا بأنفسنا عندما نتحول إلى جهابذة البحث عن أقرب إشاعة. هذا شيء نفعله لنهدئ من ذعرنا، وأوجاعنا، لكي نصنع أكبر اختلاف ممكن بيننا وبين الواقعة لكي نعزز وهماً يدفعنا للطمأنينة وهو أن كل هذا: يحدث للآخرين فقط! نحن غير!
ولهذا نصدِّق الإشاعات ونبحث عنها بجنون، لأن الحقيقة غير مهمة، مصالح بقائنا تقتضي ألا نشبه القاتل أو المقتول، وتصبح الحقيقة مثل الفكرة السيئة التي يدفعها أحدهم عن ذهنه، ولا يُلام من يفعل ذلك، فمن الذي لديه قدرة على دراسة متعمقة ليس لديه أي قدرة على الوصول لحيثياتها. الوهم أسهل!
ولو أردنا أن نتحدث عن الحلقة الناقصة فعلا في جريمتي قتل، وانتحارين، لوجدنا أنها تتجلى في غياب آلية للتقييم النفسي العلمي والمنضبط مهنيا، يجب أن نعترف أننا في هذا الجانب ننتظر الجريمة حتى تحدث ونركز على مبدأ العقاب أكثر من الوقاية، هذه حقيقة مؤسفة!
وكيف نتناول الأمر؟ الخلاصة الفردية: تصديق إشاعة والانسياق وراء تحيز. الخلاصة القانونية: القصاص، والإعدام. الخلاصة الاجتماعية: اليسار: الذكورية هي السبب اليمين: النسوية هي السبب ماذا عن الوقاية؟ كيف تتقي حادثتين إضافيتين؟ الحديث يقل، ويفقد أهميته، وحتى جاذبيته!
والحلول كثيرة وهائلة، وموجودة في التخصصات العلمية المرتبطة بالحادثتين. التقييم النفسي، والبحث الاجتماعي، وارتباط ذلك مع أجهزة فرض القانون، والإذن القضائي. هل اخترنا هذا المسار المهني؟ كلا، اخترنا انتظار الكارثة لتحدث، وكأن العقاب سيمنع متهورا هائجا من الانتحار بالقتل!
منذ الطفولة في سمائل، وأنا أذكر جريمة مشابهة، وكلها تجتمعُ في شيء واحد، القاتل يهدد علنا، ثم ندخل في الحلقة الناقصة [هيئة ولجنة التقييم النفسي] وإما تحدث الجريمة أو لا تحدث. وفي حادثة سمائل، حدثت الجريمة. يتساءل كثيرون: لماذا لم يتم إيقافه؟ لأن هُناك مؤسسة [وسيط] غائبة!
المؤسسة الوسيط هذه لها آلاف الأشكال الإدارية، لكنها كلها تعتمد على مبدأ رئيسي، لجنة تقييم نفسي مرتبطة بلجنة اجتماعية، مرتبطة بالقضاء. ما أن يصدر من أحدهم تهديد بالقتل، وجب تقييد تحركاته،ووضعها تحت الرقابة، وتفعيل جهاز لمراقبة موقعه، وإجراءات كثيرة لماذا لا يحدث كل هذا؟ لأنه مكلف!
لأن عقلية [مشي حالك] ولأن عقلية [ليش نعقدها] هي السائرة في الأذهان، مثل هذه المؤسسة الوسيط حتى هذه اللحظة لم تقم بعملها. ولا أتحدث كشخص خارجي، أنا نفسي يوما ما أطلقت تهديدا مماثلا ضد إنسان آخر، كل هذا لم يحدث معي، ذهبت للعلاج لفترة بسيطة وخرجت لأرض الواقع مع لعبة الاحتمالات!
ومع التهديد بالقتل هُناك سلسلة من الإجراءات تؤخذ بجدية، أبسطها تقييد حركة الذي قام بالتهديد ووضعها تحت الرقابة، سحب رخص الأسلحة التي لديه وإجباره بتسليم أسلحته، ووضعه في برنامج تقييم يرسل خلاصاته للقضاء الذي بعدها يحدد وفق تقارير الخبراء وضعه في حبس منزلي، أو حل آخر.
والتقنية الحديثة تسمح بحلول أوسع وأكبر بكثير من الحبس. ربط موقع من قام بالتهديد بتطبيق مع الضحية المحتملة تحذرها في حال اقترابه، أو تبلغ الشرطة مباشرةً في حال خروجه من منزله. مئات الحلول التقنية، لكنها تحتاج للتصدي لعقلية [ما يحتاج نعقدها] وعقلية [مشي حالك] وعقلية [عسى خير].
هذا عن حماية الضحية، ماذا عن حماية المُعتدي؟ هل سيقول جهابذة الإدانة شيئا عنه؟ ألا يجب أن يكون هُناك نظام متكامل يسمح له بطلب الاستشارة والعلاج؟ لا أفهم لماذا يظن البعض أن الخط الساخن هو مركز للبلاغات؟ الخط الساخن مؤسسة وسيط، تعطي استشارة، ولا تنفذ. فهاتف الشرطة يعتبر خطا ساخنا!
ولا أعلم لماذا تتعلق بعض العقول بهذا "الإطار" وكأن النصر الشكلي الدعائي هو المهم، خط ساخن، أو هاتف بدالة، أو غيره، هذه الشكليات غير مهمة، هُناك منظومة متكاملة يجب أن تكون جاهزة ومدربة للتعامل مع هذه الحالات، ويجب أن تقدم الإرشاد والدعم للضحية المحتملة، وللمعتدي المحتمل.
حماية الضحية ستكون بوضعها في مكان آمن، وحماية المعتدي ستكون بوضعه في برامج تقييم وعلاج، هذا التعقيد هو الحل الوحيد لتجنب هذه النهايات المفرطة في بداهتها، وأن تنقذ نفساً من الموت هو نفسه أن تنقذ يدا من القتل. عدد السكان في عمان يتزايد، ومثل هذه الحالات لن تقل مع الوقت.
هذه الفجوة الإجرائية هي التي تمنع حتى هذه اللحظة أي تصرف مهني مع حالات تهديد كثيرة. جرائم القتل لا يمكن اجتنابها كلها، لكن هذه الجرائم الواضحة يمكن اجتناب الكثير منها، بالقليل من الحيل التقنية وبالكثير من [البارض] وبإلغاء نظرية [طاح من كيس حيّانه] بما فيها من أنانية وتنصل.
خط ساخن يحل الكثير من المشاكل، ولكن بدون خلط بينه وبين الخطوط [التنفيذية]. وجود مؤسسة [قانونية/اجتماعية/علاجية/إرشادية] تعمل بشكل متخصص في هذه الحالات سيكون حلا من الجانب النظامي. ووجود ثقافة الرصد والتوقع منا نحن كمجتمع سيشكل الحل الثاني، ولن ينجح كليا، لكنه لن يفشل تماما!
والتعامل مع هذه الحالات يحتاج إلى رشاقة إدارية وسرعة تنفيذية، نظرية [اللجنة تجتمع نهاية الشهر] هذه أفسدت ما أفسدته بما يكفي ويزيد! حلول البداهة السريعة، والمنطق الثنائي، والحديث باسم الحزازات، والغضب، ولغة [العقاب هو الحل] .. قاتل ولا يعبأ بالإعدام! ماذا سيردعه عقابك؟
يمكن للبعض أن يستسهل ويقول [الوزاع الديني]، ويمكن لفلانة أن ترفع عقيرتها مُطلقة أحقادها الشخصية ضد الذكور، ويمكن لرجل أن يظهر عقدة نقصه بتأييد القاتل وإدانة القتيلة. هذه كلها حسابات [ما بعد الكارثة]، أين حسابات ما قبل الكارثة؟ قليلة الورود والذكر في الحدث الدراماتيكي الكبير!
كل الحلول ستأتي ولكنها لن تكون من نظرية [اللجنة تجتمع مرة كل أسبوعين]،وجود مركز متخصص، إرشادي، وعلاجي، له صلاحيات قانونية وارتباط مع الشرطة والقضاء ووزارة الصحة، ولديه كفاءة وتدريب سيكون حلا وقائيا كبيرا، ولا سيما مع صلاحيات واضحة، وقدرة على تلقي البلاغات قبل وقوع الكارثة! انتهى!

الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

ولو بعد حين!

 ستضرُّ نفسك لا محالة وأنت تظن إنك تفعل شيئا ممتعا، أو نافعا، أو شيئا يقويك أمام هشاشتك الداخلية، وشعورك الداخلي المقيت، ذلك النقص الذي تحاول ملأه بالتنمر على فلان، والسخرية من علَّان، وربما ما هو أبعد من ذلك، أصدقك القول مجرباً ومتعلما، ستضرُّ نفسك لا محالة بسلاحك ذي الحدين.

يبدو هذا الفعل عاديا، "الجلد، التنمر، قصف الجبهات" وغيره من الصفات التي تعزز ثقتك بوقود دنيء. وقد تنتقي ضحاياك بعناية بالغة، من الضعفاء، والمكسورين، وربما هؤلاء الذين لا سندَ لهم، ولا ظهر، تظنُّ أنَّك تعرف الشر، وأنه يقوّيك، تفعل ذلك في حياتك الواقعية، وفي حياتك الافتراضية تبالغ.
فأنتُ تعلمُ أنَّك دخلت طريقا مفزعا، ولديك أصدقاء يشبهونك، مجموعة من الكتل الحاقدة والناقمة التي تشبه بعضها البعض، ولا مجال لديك للتراجع إلى إنسانيتك، وإلى الطيبة التي تجعلك تشبه الجميع. في الواقع هشٌّ يستقوي على الضعفاء، وفي النت جبان يحاول أن يطاول رؤوس من يظنهم أقوى منه.
وسبحان الله كيف يمكر الله بالناس، وهو خير الماكرين. عادة الدخول اليومي، باسمك المستعار، تعزز الجبن في نفسك. تظنُّ أنّك تصبح قويا، وتحاول أن تستنسخ سلوكك الافتراضي، لعله يجعلك في الواقع [جلادا] ومتنمرا عظيما، ولكنك لا تعلم كم تنخرُ في وجدانك، وكم تجعل نفسك هشَّا وعرضة للأذى.
وقد يصحو ضميرك، ولعلك تعودُ إنسانا محبا للخير، تحاول أن تصلح من شأن نفسك، قد يرحمك الله وهو الهادي، وقد يمهلك وهو المنتقم الجبار، فمن تنمرك على المعاق، والضعيف، تكبر ثقتك الشيطانية بنفسك، فتختارُ خصوما أقوى مع الوقت، لأنك تظنُّ أنك صرت قويا قادرا عليهم.
تمر عليك السنوات، وأنت مضطر كل الاضطرار إلى مصاحبة من يشبهك، حقل ألغام سيحتاج إلى معجزة للخروج منه. المضطربون الذين بسببه تُطبِّع العلاقة مع اضطرابك الشخصي. تمر السنوات، ها أنت تعودت على عادتك الجبانة واللئيمة، وبدأت تنعكس عليك، وعلى تصرفاتك، وأنت تظن أن كل هذا طبيعي جدا!
وقد تغدق عليك الحياة المحبة والخير، ولكنك تعجزُ عن التفاعل معها، لقد علقت في دائرة أنت [وعصابة] المضطربين، الحاقدين على الحياة، والحاسدين الفرحَ في أفئدة الأبرياء، الباحثين عن الخصم الضعيف، والمتطلعين إلى كسر الخصوم الأقوياء. لن تستطيع الخروج عن مشيئتهم أيها الأسير في قبحه.
ولأنك في الظاهر [طبيعي] لا تعلم أنَّك دخلت عصابة قانونيةً، فالقبح الوجداني ليس جريمةً، وستظن أنَّك طبيعي، ومن حولك من القبيحين سيقفون حجر عثرة في وجهك، هل تريد مغادرتهم؟ هيهات، وقتها ستجد عقابا مؤلما منهم، فقد تعلمتم من بعضكم البعض فنون الفتك بالأبرياء، وأصبح نمط حياة لديكم.
ولأنك تفقد صلتك بالحب، تحبُّ نفسك أكثر وأكثر، وتعالج نقائصها بالوهم، فأنت لست متنمرا باسم مستعار، أنت شخص [كفو وبطل وشجاع] لا يفهم العالم أنَّه [صريح] لا يعلم أنَّه وقح، ولا يُطاق، ويغالي في أفعاله، ولا يعلم أنُّه يدخر لنفسه النهاية المفزعة لكل متنمر، والدرس القدري المحتوم.
وتتخشب، وتتخشب، وتفقد صلتك بالحب والخير والعطاء والسلام، هذا الذي كنت تظنه هواية أصبح نمط حياة. أنت جاهز الآن، ومشحون بالشر والحقد، وتبحث عن العدو، ثقتك بنفسك تتزايد وتعاليك يدخلك دائرة الوهم، أنت جاهز للاندفاع، تظن أنك جاهزٌ لتكون أقوى مما أنت عليه، ويبدأ درسك الكبير بعدها.
ثم تكتشف متأخرا، أن الخير قوي، وأن جولة الشر مؤقتة، وإن ذهبت للطغيان، ستعيش العمر خائفا تترقب، قلقاً من ردة فعل الخير تجاه شرِّك، أو تعرف حجمك الصغير، وجبنك الكبير، ولا يصبح اسمك المستعار كافيا لشحنك، وتجد الخصم الذي يفهم عقليتك، الذي يشبهك، ويفوقك قوة وكيدا وبأسا وقدرةً.
وتدرك بعدها أنَّك مسخ صغير، لا طاقةَ له بسكين في وريد، أو بمقذوفة في دماغ، عاجزٌ عن الفتك بخصمك، أقوى أسلحتك التخفي، تعتمد على عصابةٍ صغيرة من صغار المسوخ. لقد قمت بالإضرار بنفسك حد الانسياق وراء اضطرابها، وهي لحظة واحدة وتفقد السيطرة على نفسك، وتقع في الفخ الكبير، ويبدأ درسك.
وهُنا أهلا بك في عالم العدل الإلهي، فإن لم تكن في عصابة مسلحةٍ نهايتك الموت أو السجن، أنت في حالة من الشر، حالة ضعيفة وجبانة، وقد اختارك خصمٌ أقوى منك، كلمة أفلتت في غير موضعها، لتجد نفسك في سجنٍ من السجون، أو في أزمة مع مسخٍ مؤذٍ مستعد للموت في سبيل انتقامه، أهلا بك في درسك المر
وأنت وحظك، هل تعود من ذلك؟ أم تعرف أن طريقك مفروش بالشوك لنهاية العُمر. مثل ذلك الأوروبي العنصري الذي يمشي مع طفله في الشارع ليعلمه كيف يتنمر على المهاجرين. سترى القبح في كل ما حولك، وستشعر أنك اخترت مصيرا مراً، بدأ من خيار صغير، واسم مستعار ظننته لن تضرك لذته الآثمة.
لذلك، خذها من مجرّب للشر وللخير، قد تكون مزعجا يمكنه إقلاق طمأنينة إنسان بريء، لكنك لن تضر غير نفسك، ومثل هذا السلوك، نهايته مريرة وستقع على رأسك، وعلى من تحبه ببقايا الحب في روحك وضميرك. لست أكبر من لاوعيك، افهم ذلك، وعد إلى مسار الحب والسلام قبل أن يبتلعك ثقب روحك الأسود.
ونعم، صوابُ نيتشة المنطقي، أن الأخلاق اختيار الضعفاء، نعم، تظنُّ بنفسك القوَّة، لكنك لا تعلم أن اجتماع الضعفاء قوَّة، وأن النعمة الكبيرة إن نلتَ درسك مبكرا، فلعل طريق عودتك أجمل من طريق ذهابك. أنت تضرُّ نفسك، لست أكثر من مزعج جبان يصنع مرضه بيده، ويدفع ثمنه بعد حين، فانتبه! انتهى

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2022

من يدفع عاقبة الأمل؟

حسن الظن والأمل، وسوء الظن والريبة حق ذهني لا يمكن أن يُفاوض فيه، نصيب الإنسان الخارجي منه هو التحليل والإشارة، لذلك نجدُ أن فكرة مثل الغفران أو [الفرصة] الثانية صعبة على النفس، ولكن هُنا سؤال كبير. هل نؤمن أن الإنسان سيكرر أخطاءه بسبب ما نخشاه؟ أم ما نتمناه؟ هنا السؤال الكبير!
عندما يتعلق الأمر بكَ كإنسان، تأخذ الريبة طابع الحذر، أن تغفر لإنسان وتعطيه فرصة ثانية أصعب بكثير من المثاليات التي يرددها الغفرانيون بكل ما بخطابهم من ورديَّة مبالغ فيها، وأمل في تحسن الإنسان. كما قال القائل "الود لا يعود" ومعه أشياء مثل الثقة، أو الشعور العميق بالطمأنينة.
فقط وفقط عندما يتعلق الأمر بك كذات، هُنا نخرجُ من معادلات المنطق إلى التوقعات الغامضة، أنت تعلم في قلبك أن الإنسان قد يتغير للأحسن، وقد يحسن سلوكه، لكنك لن تغامر أن تعطي مفتاح سيارتك لأخيك الأصغر ولا سيما بعد أن اكتشفت أنه كان [يفحط] بها طوال الليل، لقد انكسرت الثقة بشكل فادح.
وأنت واستجابتك للريبة، وكذلك مجازفتك مع الأمل. أخوك الذي خرَّب سيارتك بالتفحيط، أو الذي أعادها لك مع عشرين مخالفة، وغيرها من هذه السلوكيات تنسف مفهوم الثقة لديك، فهو جعلك تدفع ثمن تهوره، ويصل بك الحال إلى عدم الثقة به حتى ولو أراد الذهاب بها للمستشفى. وستقول في نفسك: سيتغير!
ونعم، يحدث أنَّه يتغير، [ويعقل] وذات يوم ستقول له بعد عشرين سنة: تتذكر لما كنت جحش بمعنى الكلمة وخربت سيارتي في التفحيط؟ وسيضحك هو ويقول: ياخي تراني كنت غبي! ويمر الموقف بدون آثار طويلة المدى، لن يعيقك بعد عشرين سنة أن تعطيه سيارتك مجددا فقط لأنه [فحّط] بسيارتك وعمره 18 سنة!
هذا مثال على الضرر الواقع عليك، وحقك الشخصي في الأمل، والتجربة التي تأتي معه بما فيها من مجازفات قليلة أو كبيرة. ولكن ماذا عندما يتعلق الأمر بالآخر؟ ماذا يقول موقف شخص خارجي ليس من الأخوين الاثنين عنه الشخص الآخر، وليس عن الأخوين الاثنين؟ دعونا نكمل التأمل.
هُناك أناس أصحاب أمل كبير في الناس، ويمشون بطريقة [مال عمك ما يهمك]، يشتكي له الأخ الأكبر عن أخيه الأصغر [المفحط] فيقول له بكل تفاؤل ووردية: خلاص تعلم من درسه، خلاص ما يكررها، ويعطي ضمانات معنوية من عنده. يجازف بالأمل على حسابك، ويظن أنه يفعل خيرا. وقد يطلع كلامه صح!
وقد يطلع كلامه خطأ، والأخ الذي فحّط بالسيارة، في المرة التي بعدها تتصل بك الشرطة لتقول لك أن السيارة استخدم في سباق غير قانوني، أو أن أحدهم صدم بها، أو غيرها من شؤون التهور، وقتها، ليس فقط أخاك من كسر ثقتك بالآخر، أيضا هذا الشخص الذي راهن على الأمل على حسابك أنت. خذلان مزدوج.
ولكن ماذا عن الإنسان المرتاب، المليء بالغل حتى تجاه ضرر لم يحدث تجاهه؟ هُنا تختلف الحكاية، فالآخر الذي يذهب له الأخ الكبير سيقول للثاني: - هذا متهور، ولديه مرض نفسي، والذين يسرعون لا يتوبون، لا تعطيه سيارتك، وإن استطعت قم بإلغاء رخصة قيادته في أسرع وقت ممكن. يقطعها من أساسها!
هذا وهو مُستشار! قُصد ليعطي رأيها، وعادةً هذا الشخص يكون من النوع الذي راهن زيادة عن اللازم على أمل الآخرين بالتغير، أو ربما لأنه هو نفسه عجز عن تغيير سيئات كثيرة بنفسه فأسقط ذلك على الآخرين، وعوامل أخرى لها علاقة بمعايير المثالية المفرطة، أو فقط بالقسوة من أجل القسوة. احتمالات!
ماذا عنَّا نحن كغرباء! ما الذي يدفعنا أحيانا إلى ممارسة الأمل الزائد عن الحد؟ الإجابة بسيطة، لأن مال عمَّك لا يهمَّك. يمكنك أن تردد الموَّال المجَّاني عن أن كل إنسان يتغير، فأنت لن تدفع ثمن المجازفة، وهذا مثال في حالة المُستشار رقم واحد. استشرت أم لم تستشر، لديك أمل كبير وشاطح.
وماذا عنَّا نحن كغرباء! عندما يتعلق الأمر بإنسان لا نعرفه، وليس بيننا وبينه صلة مباشرة، فلا سوء فعله سوف يؤثر علينا بالسوء، ولن يؤثر على من يحبنا، ولن يعود علينا بأدنى ضرر، ما الذي يجعلنا بغل بالغ نهاجم بضراوة شخص آخر؟ لا فرصة ثانية، وقطع حاد: لن يتغير! لماذا نفعل ذلك بالآخرين؟
قد تكون هناك عدة أسباب يمكن أن نصل لها بالحس البديهي. أولها، أن الذي يقسو على نفسه سوف يقسو على غيره،وبعض الناس لديهم مساحة الخطأ لا تتجاوز الواحد، هو خطأ واحد يكفي لكي يلغيك من قائمة الأمل، وربما يبالغ في ذلك فيضعك في خانة مليئة بالغل يؤذيك بعدها بلا توقف.
وهذا ما كنت أقصده بكلمة [ما تتمناه] في بداية السلسلة. أحيانا تتمنى أن يثبت الآخر لك أنَّه سيقع في خطئه السابق، لأنَّك من الأساس تريد شيئا ما يثبت لك موقفك الساخط والمليء بالغضب، هذ النوع من الناس متتبع عظيم للسقطات، تبهجه، وتعزز فيه مشاعر كثيرة لا يعلم أثرها اللاحق عليه!
ولذلك ترى رواج لغة الشماتة من قبل أصحاب المعايير العالية. هم في عذاب من الصعب أن تراه، البهجة لديهم تتحقق عندما تُثبت له الحياة دقة سوء الظنون. لعلك تتساءل عن سر زميلك في النادي، الشامت في كل شخص سمع إصابته بالسكري؟ إنه شيء شبيه جدا بهذا، قسا على نفسه كثيرا فقسا على غيره.
وهذا مثال مبسط جدا على تعقيد مفهوم [الفرصة الثانية]، وما نفعله كغرباء عندما تكون حياة الآخر مثالا ذهنيا. نخرج من طيات أنفسنا حقائق أبرز مما لو كان المثال الذهني هذا مرتبط بحياتنا ومصالحنا بشكل مباشر. جرح غيرك لا يؤلمك .. هذا هو العامل الكبير الذي يدفعنا للخشية أو للأمنية.
وما الذي عليك فعله؟ عليك فقط أن تفهم، أن تفكر في [العاقبة]. الذي سيدفع ثمن العاقبة يميل تلقائيا إلى تضخيم سوء الظن، وتحييد دور الأمل في خيريَّة الإنسان. والعكس صحيح، الذي لا يدفع ثمن العاقبة، يستسهل الأمل، أين الحكمة؟ الحكمة في فهم المنطقة الرمادية بين العاقبتين.
  

انتهى 

الأحد، 4 ديسمبر 2022

أقصى ما عليك فعله!

 أقصى ما عليك فعله في هذه الحياة، هو أن تحاول أن تكون خيِّرا، مع علمك العميق بأنَّك إنسان عدائي بمعنى الكلمة، لا يغفر، لا يُسامح ويؤذي من أذاه.

 أقصى ما عليك فعله، هو ألا تصنع الأعداء لأنَّ طاقتك للشر تدفعك لذلك، وأن تجعل الشر في موضعه الصحيح، مع الأشرار الذين يطؤون ساحتك بالشر.
وما هو سؤال الخير والشر في هذه الحياة؟ التفصيل يقود للفلسفة والإجمال يقود للحياة. أن تعلم أولا أنَّ الإنسان مجبول على الشر، والأنانية، والتنافس، والبغضاء، وكل ما يحدث من قبل العقول والأديان هي محاولات لتهذيب هذا الكائن العنيد، الجاهز للشر، والمستعد لفعله.
الرومانسية المفرطة، والمثاليات الهاربة من الواقع لن تمنع اللص من سرقة بيتك، ولا قاطع الطريق من قتلك، لن تمنع طائرة من قصف وطنك، ولن تمنع مجانين العالم الحديث من صناعة المزيد من القنابل الذرية. الرومانسية المفرطة هروب ذكي يضع الاحتمالات غامضة وغائبة ووهمية.
أقصى ما عليك فعله في هذه الحياة هو أن تحاول أن تكون خيّرا، وأن تدين لنفسك بحق الدفاع عنها، والابتعاد عن من يريدك سيئا، أكثر عن الاهتمام بمن يراك سيئا. أن تحاول، يعني أن تتأمل دائما في حالتك الداخلية قبل الخارجية، أن تكون خيرا لا يعني أن تكون جميلا، فالجمال مخادع ومراوغ.
وأنت تتغير للأسوأ، لن يغضب عليك أحد، سيتحسر عليك من يحبك، وستكون فأر اختبار ذهني لقلوب لا تعبأ بك، لست أكثر من حكاية عابرة يمضغون به فراغ أيامهم وأحلامهم. وأنت تتغير للأحسن، ستبهج قلوب من يحبونك، وستغضب البعض، الذين وجدوا في سوئك منفذا يُشعرهم بأنهم أفضل حالا مما هم عليه.
هذه الحياة لعبة لا تتوقف من ألعاب المقارنات، هذه النسبية الكاسرة للمنطق التي تهبك الأمل من الرمادي وتبعدك عن الأبيض، والأسود الذي يرهقُ أوهامك. ليس المفزع أن تجد من يكرهك، المفزع حقا، ألا تجد من يحبك، وأن تعيش حياتك في دوامة الريبة، خائفاً من فنائك وأنت لم تترك أثراً خيّرا.
أقصى ما عليك فعله هو أن ترى واقعك، وأن تتجاهل ظنون الآخرين، وأقصى ما عليك فعله تجاه ظنون الآخرين هو اتقاء أفعالهم إن انساقوا وراء ظنهم فظلموك، وأقصى ما عليك فعله إن ظُلمت هو أن تدافع عن نفسك إلى أن تدفع الظلم عنك، وأن تحارب إلى أن تنال حقّك المهضوم، وبعدها عش بسلام.
أقصى ما عليك فعله هو أن تعلم، أنَّ الخطأ سيقع منك وعليك، وأن المساحةَ بين الغفران والعفو شاسعة جدا، وأن الفعل الخارجي والامتناع عنه ليس كالصفح الداخلي والاقتناع به. أقصى ما عليك فعله هو أن تحاول فهم نفسك، وأن تهذب من ارتباك أفكارها واضطراب أفعالك. أن تحاول، وألا تتوقف عن ذلك تمت