ستضرُّ نفسك لا محالة وأنت تظن إنك تفعل شيئا ممتعا، أو نافعا، أو شيئا يقويك أمام هشاشتك الداخلية، وشعورك الداخلي المقيت، ذلك النقص الذي تحاول ملأه بالتنمر على فلان، والسخرية من علَّان، وربما ما هو أبعد من ذلك، أصدقك القول مجرباً ومتعلما، ستضرُّ نفسك لا محالة بسلاحك ذي الحدين.
يبدو هذا الفعل عاديا، "الجلد، التنمر، قصف الجبهات" وغيره من الصفات التي تعزز ثقتك بوقود دنيء. وقد تنتقي ضحاياك بعناية بالغة، من الضعفاء، والمكسورين، وربما هؤلاء الذين لا سندَ لهم، ولا ظهر، تظنُّ أنَّك تعرف الشر، وأنه يقوّيك، تفعل ذلك في حياتك الواقعية، وفي حياتك الافتراضية تبالغ.
فأنتُ تعلمُ أنَّك دخلت طريقا مفزعا، ولديك أصدقاء يشبهونك، مجموعة من الكتل الحاقدة والناقمة التي تشبه بعضها البعض، ولا مجال لديك للتراجع إلى إنسانيتك، وإلى الطيبة التي تجعلك تشبه الجميع. في الواقع هشٌّ يستقوي على الضعفاء، وفي النت جبان يحاول أن يطاول رؤوس من يظنهم أقوى منه.
وسبحان الله كيف يمكر الله بالناس، وهو خير الماكرين. عادة الدخول اليومي، باسمك المستعار، تعزز الجبن في نفسك. تظنُّ أنّك تصبح قويا، وتحاول أن تستنسخ سلوكك الافتراضي، لعله يجعلك في الواقع [جلادا] ومتنمرا عظيما، ولكنك لا تعلم كم تنخرُ في وجدانك، وكم تجعل نفسك هشَّا وعرضة للأذى.
وقد يصحو ضميرك، ولعلك تعودُ إنسانا محبا للخير، تحاول أن تصلح من شأن نفسك، قد يرحمك الله وهو الهادي، وقد يمهلك وهو المنتقم الجبار، فمن تنمرك على المعاق، والضعيف، تكبر ثقتك الشيطانية بنفسك، فتختارُ خصوما أقوى مع الوقت، لأنك تظنُّ أنك صرت قويا قادرا عليهم.
تمر عليك السنوات، وأنت مضطر كل الاضطرار إلى مصاحبة من يشبهك، حقل ألغام سيحتاج إلى معجزة للخروج منه. المضطربون الذين بسببه تُطبِّع العلاقة مع اضطرابك الشخصي. تمر السنوات، ها أنت تعودت على عادتك الجبانة واللئيمة، وبدأت تنعكس عليك، وعلى تصرفاتك، وأنت تظن أن كل هذا طبيعي جدا!
وقد تغدق عليك الحياة المحبة والخير، ولكنك تعجزُ عن التفاعل معها، لقد علقت في دائرة أنت [وعصابة] المضطربين، الحاقدين على الحياة، والحاسدين الفرحَ في أفئدة الأبرياء، الباحثين عن الخصم الضعيف، والمتطلعين إلى كسر الخصوم الأقوياء. لن تستطيع الخروج عن مشيئتهم أيها الأسير في قبحه.
ولأنك في الظاهر [طبيعي] لا تعلم أنَّك دخلت عصابة قانونيةً، فالقبح الوجداني ليس جريمةً، وستظن أنَّك طبيعي، ومن حولك من القبيحين سيقفون حجر عثرة في وجهك، هل تريد مغادرتهم؟ هيهات، وقتها ستجد عقابا مؤلما منهم، فقد تعلمتم من بعضكم البعض فنون الفتك بالأبرياء، وأصبح نمط حياة لديكم.
ولأنك تفقد صلتك بالحب، تحبُّ نفسك أكثر وأكثر، وتعالج نقائصها بالوهم، فأنت لست متنمرا باسم مستعار، أنت شخص [كفو وبطل وشجاع] لا يفهم العالم أنَّه [صريح] لا يعلم أنَّه وقح، ولا يُطاق، ويغالي في أفعاله، ولا يعلم أنُّه يدخر لنفسه النهاية المفزعة لكل متنمر، والدرس القدري المحتوم.
وتتخشب، وتتخشب، وتفقد صلتك بالحب والخير والعطاء والسلام، هذا الذي كنت تظنه هواية أصبح نمط حياة. أنت جاهز الآن، ومشحون بالشر والحقد، وتبحث عن العدو، ثقتك بنفسك تتزايد وتعاليك يدخلك دائرة الوهم، أنت جاهز للاندفاع، تظن أنك جاهزٌ لتكون أقوى مما أنت عليه، ويبدأ درسك الكبير بعدها.
ثم تكتشف متأخرا، أن الخير قوي، وأن جولة الشر مؤقتة، وإن ذهبت للطغيان، ستعيش العمر خائفا تترقب، قلقاً من ردة فعل الخير تجاه شرِّك، أو تعرف حجمك الصغير، وجبنك الكبير، ولا يصبح اسمك المستعار كافيا لشحنك، وتجد الخصم الذي يفهم عقليتك، الذي يشبهك، ويفوقك قوة وكيدا وبأسا وقدرةً.
وتدرك بعدها أنَّك مسخ صغير، لا طاقةَ له بسكين في وريد، أو بمقذوفة في دماغ، عاجزٌ عن الفتك بخصمك، أقوى أسلحتك التخفي، تعتمد على عصابةٍ صغيرة من صغار المسوخ. لقد قمت بالإضرار بنفسك حد الانسياق وراء اضطرابها، وهي لحظة واحدة وتفقد السيطرة على نفسك، وتقع في الفخ الكبير، ويبدأ درسك.
وهُنا أهلا بك في عالم العدل الإلهي، فإن لم تكن في عصابة مسلحةٍ نهايتك الموت أو السجن، أنت في حالة من الشر، حالة ضعيفة وجبانة، وقد اختارك خصمٌ أقوى منك، كلمة أفلتت في غير موضعها، لتجد نفسك في سجنٍ من السجون، أو في أزمة مع مسخٍ مؤذٍ مستعد للموت في سبيل انتقامه، أهلا بك في درسك المر
وأنت وحظك، هل تعود من ذلك؟ أم تعرف أن طريقك مفروش بالشوك لنهاية العُمر. مثل ذلك الأوروبي العنصري الذي يمشي مع طفله في الشارع ليعلمه كيف يتنمر على المهاجرين. سترى القبح في كل ما حولك، وستشعر أنك اخترت مصيرا مراً، بدأ من خيار صغير، واسم مستعار ظننته لن تضرك لذته الآثمة.
لذلك، خذها من مجرّب للشر وللخير، قد تكون مزعجا يمكنه إقلاق طمأنينة إنسان بريء، لكنك لن تضر غير نفسك، ومثل هذا السلوك، نهايته مريرة وستقع على رأسك، وعلى من تحبه ببقايا الحب في روحك وضميرك.
لست أكبر من لاوعيك، افهم ذلك، وعد إلى مسار الحب والسلام قبل أن يبتلعك ثقب روحك الأسود.
ونعم، صوابُ نيتشة المنطقي، أن الأخلاق اختيار الضعفاء، نعم، تظنُّ بنفسك القوَّة، لكنك لا تعلم أن اجتماع الضعفاء قوَّة، وأن النعمة الكبيرة إن نلتَ درسك مبكرا، فلعل طريق عودتك أجمل من طريق ذهابك. أنت تضرُّ نفسك، لست أكثر من مزعج جبان يصنع مرضه بيده، ويدفع ثمنه بعد حين، فانتبه!
انتهى