حسن الظن والأمل، وسوء الظن والريبة حق ذهني لا يمكن أن يُفاوض فيه، نصيب الإنسان الخارجي منه هو التحليل والإشارة، لذلك نجدُ أن فكرة مثل الغفران أو [الفرصة] الثانية صعبة على النفس، ولكن هُنا سؤال كبير.
هل نؤمن أن الإنسان سيكرر أخطاءه بسبب ما نخشاه؟ أم ما نتمناه؟
هنا السؤال الكبير!
عندما يتعلق الأمر بكَ كإنسان، تأخذ الريبة طابع الحذر، أن تغفر لإنسان وتعطيه فرصة ثانية أصعب بكثير من المثاليات التي يرددها الغفرانيون بكل ما بخطابهم من ورديَّة مبالغ فيها، وأمل في تحسن الإنسان.
كما قال القائل "الود لا يعود" ومعه أشياء مثل الثقة، أو الشعور العميق بالطمأنينة.
فقط وفقط عندما يتعلق الأمر بك كذات، هُنا نخرجُ من معادلات المنطق إلى التوقعات الغامضة، أنت تعلم في قلبك أن الإنسان قد يتغير للأحسن، وقد يحسن سلوكه، لكنك لن تغامر أن تعطي مفتاح سيارتك لأخيك الأصغر ولا سيما بعد أن اكتشفت أنه كان [يفحط] بها طوال الليل، لقد انكسرت الثقة بشكل فادح.
وأنت واستجابتك للريبة، وكذلك مجازفتك مع الأمل. أخوك الذي خرَّب سيارتك بالتفحيط، أو الذي أعادها لك مع عشرين مخالفة، وغيرها من هذه السلوكيات تنسف مفهوم الثقة لديك، فهو جعلك تدفع ثمن تهوره، ويصل بك الحال إلى عدم الثقة به حتى ولو أراد الذهاب بها للمستشفى. وستقول في نفسك: سيتغير!
ونعم، يحدث أنَّه يتغير، [ويعقل] وذات يوم ستقول له بعد عشرين سنة: تتذكر لما كنت جحش بمعنى الكلمة وخربت سيارتي في التفحيط؟
وسيضحك هو ويقول: ياخي تراني كنت غبي!
ويمر الموقف بدون آثار طويلة المدى، لن يعيقك بعد عشرين سنة أن تعطيه سيارتك مجددا فقط لأنه [فحّط] بسيارتك وعمره 18 سنة!
هذا مثال على الضرر الواقع عليك، وحقك الشخصي في الأمل، والتجربة التي تأتي معه بما فيها من مجازفات قليلة أو كبيرة. ولكن ماذا عندما يتعلق الأمر بالآخر؟ ماذا يقول موقف شخص خارجي ليس من الأخوين الاثنين عنه الشخص الآخر، وليس عن الأخوين الاثنين؟
دعونا نكمل التأمل.
هُناك أناس أصحاب أمل كبير في الناس، ويمشون بطريقة [مال عمك ما يهمك]، يشتكي له الأخ الأكبر عن أخيه الأصغر [المفحط] فيقول له بكل تفاؤل ووردية: خلاص تعلم من درسه، خلاص ما يكررها، ويعطي ضمانات معنوية من عنده.
يجازف بالأمل على حسابك، ويظن أنه يفعل خيرا.
وقد يطلع كلامه صح!
وقد يطلع كلامه خطأ، والأخ الذي فحّط بالسيارة، في المرة التي بعدها تتصل بك الشرطة لتقول لك أن السيارة استخدم في سباق غير قانوني، أو أن أحدهم صدم بها، أو غيرها من شؤون التهور، وقتها، ليس فقط أخاك من كسر ثقتك بالآخر، أيضا هذا الشخص الذي راهن على الأمل على حسابك أنت. خذلان مزدوج.
ولكن ماذا عن الإنسان المرتاب، المليء بالغل حتى تجاه ضرر لم يحدث تجاهه؟
هُنا تختلف الحكاية، فالآخر الذي يذهب له الأخ الكبير سيقول للثاني:
- هذا متهور، ولديه مرض نفسي، والذين يسرعون لا يتوبون، لا تعطيه سيارتك، وإن استطعت قم بإلغاء رخصة قيادته في أسرع وقت ممكن.
يقطعها من أساسها!
هذا وهو مُستشار! قُصد ليعطي رأيها، وعادةً هذا الشخص يكون من النوع الذي راهن زيادة عن اللازم على أمل الآخرين بالتغير، أو ربما لأنه هو نفسه عجز عن تغيير سيئات كثيرة بنفسه فأسقط ذلك على الآخرين، وعوامل أخرى لها علاقة بمعايير المثالية المفرطة، أو فقط بالقسوة من أجل القسوة.
احتمالات!
ماذا عنَّا نحن كغرباء! ما الذي يدفعنا أحيانا إلى ممارسة الأمل الزائد عن الحد؟ الإجابة بسيطة، لأن مال عمَّك لا يهمَّك. يمكنك أن تردد الموَّال المجَّاني عن أن كل إنسان يتغير، فأنت لن تدفع ثمن المجازفة، وهذا مثال في حالة المُستشار رقم واحد. استشرت أم لم تستشر، لديك أمل كبير وشاطح.
وماذا عنَّا نحن كغرباء! عندما يتعلق الأمر بإنسان لا نعرفه، وليس بيننا وبينه صلة مباشرة، فلا سوء فعله سوف يؤثر علينا بالسوء، ولن يؤثر على من يحبنا، ولن يعود علينا بأدنى ضرر، ما الذي يجعلنا بغل بالغ نهاجم بضراوة شخص آخر؟
لا فرصة ثانية، وقطع حاد: لن يتغير!
لماذا نفعل ذلك بالآخرين؟
قد تكون هناك عدة أسباب يمكن أن نصل لها بالحس البديهي. أولها، أن الذي يقسو على نفسه سوف يقسو على غيره،وبعض الناس لديهم مساحة الخطأ لا تتجاوز الواحد، هو خطأ واحد يكفي لكي يلغيك من قائمة الأمل، وربما يبالغ في ذلك فيضعك في خانة مليئة بالغل يؤذيك بعدها بلا توقف.
وهذا ما كنت أقصده بكلمة [ما تتمناه] في بداية السلسلة. أحيانا تتمنى أن يثبت الآخر لك أنَّه سيقع في خطئه السابق، لأنَّك من الأساس تريد شيئا ما يثبت لك موقفك الساخط والمليء بالغضب، هذ النوع من الناس متتبع عظيم للسقطات، تبهجه، وتعزز فيه مشاعر كثيرة لا يعلم أثرها اللاحق عليه!
ولذلك ترى رواج لغة الشماتة من قبل أصحاب المعايير العالية. هم في عذاب من الصعب أن تراه، البهجة لديهم تتحقق عندما تُثبت له الحياة دقة سوء الظنون.
لعلك تتساءل عن سر زميلك في النادي، الشامت في كل شخص سمع إصابته بالسكري؟
إنه شيء شبيه جدا بهذا، قسا على نفسه كثيرا فقسا على غيره.
وهذا مثال مبسط جدا على تعقيد مفهوم [الفرصة الثانية]، وما نفعله كغرباء عندما تكون حياة الآخر مثالا ذهنيا. نخرج من طيات أنفسنا حقائق أبرز مما لو كان المثال الذهني هذا مرتبط بحياتنا ومصالحنا بشكل مباشر.
جرح غيرك لا يؤلمك ..
هذا هو العامل الكبير الذي يدفعنا للخشية أو للأمنية.
وما الذي عليك فعله؟ عليك فقط أن تفهم، أن تفكر في [العاقبة]. الذي سيدفع ثمن العاقبة يميل تلقائيا إلى تضخيم سوء الظن، وتحييد دور الأمل في خيريَّة الإنسان.
والعكس صحيح، الذي لا يدفع ثمن العاقبة، يستسهل الأمل، أين الحكمة؟
الحكمة في فهم المنطقة الرمادية بين العاقبتين.
انتهى