بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 أبريل 2021

هذونة ليست بالقصيرة

 عشت حياتي في تناقض شديد جدا جدا، من موظف في شؤون البلاط، حكومي جدا، وكنت محبوب إلى حد ما، إلى سامريّ الثقافة العُمانية، ومنها إلى ثمان سنوات منبوذ ومصاب بالجرب وتخلى عني من كنت مستعدا للموت من أجله، ثم جات فترة بريطانيا، ثم عدت لعُمان ..

 هذي الحياة عجيبة وغير متوقعة مطلقا!
زمان كنت ما أحب أزعّل حد منّي، متصالح مع كل شيء وأي شيء، وهذا ما شجّع البعض على التمادي، وكنت أكتم، وأكتم، وأكتم حتى صرت شبحا. بعدها جربت معنى أن يكرهك مجتمع كامل، يا إلهي! عندما لا يخجل الشامت أن يبدي شماتته، اعلم إنك في كارثة كبيرة جدا جدا ومرحلة صعبة جدا من حياتك.
ما كنت أتوقع مطلقا أن الوضع الذي أضيق ذرعا به ويقيد حريتي كان يثير حسد البعض، كان يتمنى أن يكون مكاني ومستعد لفعل العجائب، كنت غارقا في عزلة كتابية في دارسيت ويحدث ما يحدث، عزلتي، وقليل من الناس حولي، بعضهم رائعون، وبعضهم زبالة بشرية تركت عفنها في وجداني إلى أن أموت!
وياللهول! أي تلوث أصابني! أي سقم وتجارب مريرة مررتُ بها، الآن وقد حدث ما حدث إن جاءني شخص وأخبرني تجربة شبيهة لن أشعر بالأسى عليه بقدر ما سأشعر بالخوف منه، الذي جرب خسارة كل شيء يتعلم درسا ذهبيا، ألا يتعلق بأي شيء إلا المعنى، وكل شيء عداه سراب ..
وحتى وأنت سامريّ الوعد منك وعليك الحُمى حال المساس، هُناك من يحسدك على هذا الوضع، مفلس، داخل صدام دونكيشوتي مع حكومة وأجهزة أمنية فاقد لأعصابك وعقلك، حتى على هذا الوضع هُناك من يحسدك عليك، وهناك من يتشفى لأنك تعيشه .. الجهر بالسوء [إلا من ظُلم]
ثمان سنوات! من أراد أن يتقيأ فلديه معاوية، قل ما تشاء عنه، هاجمه كما تشاء، أحب كثيرون هذا الوضع المتأزم، وما زال البعض يفوح حمما تجاهي، بعض لم أؤذه، ولم أتكلم عنه بسوء ولم أؤذ حبيبا أو قريبا له من خصوم وأعداء لي [وما أكثرهم] ثمان سنوات من الشماتة! والكراهية، والصدام!
ويجيك جبان نكرة باسم مستعار وينكزني! يظن أنني كنت معارضا، وكأنه هناك معارضة من الأساس في عُمان. كل ما حدث أن سفينة الثقافة خرقها بعض من فيها، هؤلاء الذين حجزوا المقاعد الأولى في قارب النجاة، أما باقي ضحايا تايتانك العُمانية، منهم من مات، ومنهم من يئس .. أمَّا حالة!
وهات يا ملهاة! ثمان سنوات كاملة وهذي التاسعة! تمر على ذاكرتي يوم يوم، خبرة ثقيلة وتركة مؤلمة من الذاكرة. لما تتحول إلى شمّاعة يعلق عليها الجبان أسبابه والشجاع مبرراته، والنقي بقعه، والسقيم تصوراته، أن تكون كل شيء إلا أنت، وحدك مع نفسك، تراقب حياتك وهي تتحول إلى متاهة!
قرار واحد خاطئ، انهيار لغوي واحد دمّر حياتي ومستقبلي [الواعد] وحوله إلى قصة مأساوية لشاعر ذكي وموهوب أصبح قافلة متحركة من العقد النفسية والعداوات والخصومات والأمراض والتناقضات. هل حقا كل ذلك حدث! وكأنني كنت في غيبوبة، أو أعيش حياة في عالمٍ موازٍ!
وخلاصة الخلاصة، في السابعة والثلاثين، والآن أبدأ حياتي، من الصفر، أكوّن أحلاما صغيرة، وأسعى مستغربا من الحياة الطبيعية، أتربص، وأكتم غضبي، أغالب أمراضي، أتمسك بحقي في الكتابة والهذيان، ما كان مهما لم يعد يعني أي شيء، لا شيء يعني أي شيء لي، هذه الحياة حُكم بالسجن وأقضيه مجبرا!
لا أعبر عن حياتي بكلمة ندم، أو فخر، أعبر عنها بكلمة [حدثت]، بكل ثقل الحتمية في كلمة [حدث] .. يوما ما كنت فتى ذهبي ظن كثيرون أن مستقبلي في عُمان سيكون باهرا. وذهبت بي خياراتي للسقوط الكبير، وياله من سقوط! جات فترة شتم معاوية صار واجب ثقافي واجتماعي! ويا ويلك لو قلت: أحترمه!
واللي أحزنني فعلا ما موضوع خصومتي اللغوية مع الحكومة أو مع جهاز الأمن الداخلي، الذي خارج هذه الدائرة يجهل أن حله ليس صعبا،وأنا رغم قبح لساني يعلمُ الجميعُ والأمن أولهم أنني لست من الذي يخون بلاده، ولست جبانا يحرض غيره، حل المشكلة مع الحكومة أسهل ما في المعادلة! الصعب في مكان آخر!
هذا الذي يجهله كل شخص خارج المواجهات اللغوية الكاميكازية أو الدونكيشوتية مع الحكومة وبالتحديد مع أجهزة الأمن، إنه الحكومة خوارزمية، مثل النص البرمجة، ما مشاعر. تنال من هيبة الدولة يتم التصرف معك، تترك هذا المجال وتنصرف لحياتك، ما حد يتعرض لك، ولا يؤذيك. هذا النظام العماني.
ولأن الشخص اللي ما جرب لديه ظنون، يظن أنها نهاية حياتك ومستقبلك، واحد ما جرب يوما ما يقول لا، ويظن أنها نهاية العالم إنك غضبت وتفوهت بحماقات. وقلة في عمان من دخلوا في مواجهة مع الحكومة وما كانوا أصلا أصحاب تطلعات، القلة من المساكين الذين دخلوا المجال بحماسة الأبرياء.
اللي داخل هذا المجال وهو لعّيب، مثل وضعي، فالمغري معرفيا ليس الصدام مع الحكومة، كله على بعض كلام ينقال في كل مكان في عمان، الفرق إنك تقوله علنا، المغري معرفيا هو قراءة ردات فعل كل من حولك، لدرجة إنك مستعد تتحول شبح فقط لكي تعرف! هذه المعرفة الثمينة حقا! ما صورة المعارض الكرتونية!
وبعد أن تغوص قليلا في بركة الوحل، تكتشف إنه حولك [جبانات] كثر، يحرضونك على مواجهة محتومة الفشل مع حكومة من الأساس صراخك لا يغير بها شيء. كل ما كنت جبان وترمي بغيرك في مواجهة مع الحكومة وأنت في الظل كل ما كانت تأثيرك أقوى، لأنني لم أكن من هؤلاء، بقيت شعرة معاوية بيني وبين الحكومة.
ولو كنت أنا كعماني أراقب حالتي، لن أجد صعوبة في احترام إني تحملت خساراتي بنفسي، ما رميت عشرين شخص في السجن وأنا في [المنفى] كما يسمى من أجل [القضية] كما تسمى، كنت في السفينة الثقافية عندما خرقها من حجز مقعد الدرجة الأولى في قارب النجاة. لذلك دخلت المتاهة مستبقا إياها بخطوة!
التجربة الحقيقية، ما المواجهة مع الحكومة، ما دمت [تتكلم] وما متطرف ولا ناشر فتنة مذهبية، حدك أسبوعين شهر شهرين في القسم الخاص وترجع تواصل حياتك لا محاكم ولا سجون [النظام القديم مال زمان] متوقع جدا من نظام ملكي تكون أحمق بما فيه الكفاية لتشتم السلطان، أو تحقّر من الدولة. ولكن..
اللي يصدمك ما ردة فعل الحكومة لأنها متوقعة ومتساوية مع الجميع، اللي يصدمك اكتشافك لطغمة من الأنذال في حياتك يدرسون سقوطك إما للم الفتات الذي تخسره، ولديهم تصور وهمي أن الذي يخطئ مرة [خلاص] حياته تدمرت وليس لديه طريق عودة، وهؤلاء لا يعرفون عُمان جيدا. دائما هناك طريق عودة!
وماذا يجعل [مهذون] بدأ التدوين من أجل تحدي سقف الإعلام المؤسسي لينتهي به إلى تحدي السقف اللغوي لأجهزة الأمن، والقضاء، والادعاء وقانون المطبوعات والنشر وقانون الجرائم الإلكترونية، الذي جعلني أمكث في هذه التجربة ما ردة فعل الحكومة، وإنما ردة فعل من المجتمع، وبالذات الأصدقاء!
أي مجنون أنت يا معاوية! رميت نفسك في آتون كان يمكن أن تموت فيه فقط لتعرف! إياك أن تغضب إن وُصفت بالمجنون، لأنك مجنون حقا! لما يتنافس من كنت مستعدا للموت من أجله في التخلي عنك، وبيعك للغرباء لإثبات [وطنيته] أو مثاليته، أنت في نعمه كبيرة، غربال قدري رغم ضريبته المرة. له قيمته!
[أنت خلاص احترقت] .. هذي كلمة يقولها صديق، وآخر يتشفى بإنك ستكون الشخص الذي ستجعله الحكومة عبرة. لا يعلم أنه في عمان يمكنك أن تعود لحياة طبيعية، تعتذر، تتعهد بعدم العودة، يمر وقت وتكمل حياتك طبيعي، والحكومة ما يلها خص بك، عيش حياتك، أنت ملف ما شخص في هذه المواجهات.
وبدأ الغربال الكبير، معاوية دخل الجامعة وخلال سنة وصل عدد الناس الذين يعرفهم بشكل سطحي إلى [900 شخص]، وإلى عام 2012 أربعة آلاف رقم مخزن في هاتفي، احذف أرقام السباك، ورقم السائق في سفرات سريلانكا، قرابة ألفين شخص تواصل معهم ويعرفهم! أي فضول كان يحرقك لتعرف البشر يا ماريو!
واشتغل الغربال القدري، [مشخل] وجودي ثمنه مر ولكن مفعوله حاسم. مرشّح نخل كل الآلاف إلى عشرات قلة من الناس. البعض يظن أن القبضة الأمنية هي نهاية العالم، عايش أجواء السينما، بينما في الواقع، هو تعاقد، تترك النيل من هيبة الدولة، وغيب انقرع عيش حياتك! هذا جوهر الأمر فقط!
وصلت لمرحلة لما كان عمري [27] سنة، وطلبني وزير الديوان، إلى إني أسمع كلمة [أقص يدي لو ما ينتظرك منصب]، حياة مزيفة مبنية على إني أقوم بمهمة حكومية كبيرة، وأفلام يخترعها البشر وأنت نصيبك أن تستغرب، نفس توقعاتهم عن لما تكون [معارض] ههههه أما كلمة قوية على اللي يحدث فعلا!
واحد مجنون، كل همه الهذونة، ويضيق ذرعا بأي قيد، ومتورط في وظيفة رسمية ورغم كل مشاكله وازنَ بين كتابته وبين وظيفته، لكن من قال أن هذا يستمر! تغير كل شيء. ومن موظف حكومي ومدون شعبي وطني إلى النقيض، كلب أجرب التخلي عنه واجب وطني. ضريبة الجنون ليست سهلة أبدا.
وتشوف اللي يحصل، الحكومة تضيق عليك وتريد منك شيء واحد [اترك عنك النيل من هيبة الدولة] ولكن [الناس] والمجتمع لديهم خطة أخرى. يعاقبك من لم تخطئ في حقه! أما المرحوم قابوس فقد عفا عني، والسلطان هيثم عفا عني. السلاطين لا تهز عروشهم التغريدات. ليت البعض يفهم هذا عن عُمان!
واستمر الغربال، مشخل وجودي عمره ثمان سنوات. لم أعد ذلك الشاب الذكي سريع البديهة المتحمس، تشوهت وتركت حروق هذه التجارب آثارها على وجداني. كنت أقل قبحا بكثير. أتمسك بخلاصتي من هذه التجربة كثروة أحلم أن أتفرغ يوما ما لأكتبها. أتصبر باليسير من الوقت لكي لا تفلت من عقلي. وأحلم أن أكتب
وحدثت الصدمة الكُبرى، النذل الذي يسمي نفسه صديقا، يحسب حساب نهايتك يكتشف شيئا مختلفا. الغريب الذي يعاقبك باسم الوطن يكتشف إنه عمان بلاد تعفو، وإنه السلاطين ما يهز عرشهم واحد يشتم، وإنه الحق العام يسقط عنك. النذل اللي يخطط للتربح من غربتك يكتشف إنك رجعت عمان، وإنه لم يعد صديقا!
أما تجربة بصراحة! إنك تشوف الغم في عين من كنت مستعد تدخل ألف سجن عشانه، مغتم لأنك رجعت وطنك، متضايق لأنك ما تتمزق في الغربة. إنك رجعت وطنك وأنت متمسك بكل من لم يفرط بصداقتك حتى وأنت كلب أجرب منبوذ مهمة الجميع أن يمقتك وأن يتبارى في التبرؤ منك.
وبعد سنوات وسنوات من الهمجية اللغوية، أعود إلى سابق عهدي، كما بدأت، مهذونا. خرج بخلاصة ذهبية عن الحياة. نصيبك من هذه الدنيا لا يتجاوز مائة شخص تعرفهم [ومائة كثير] .. وإن من الله عليك بمأساة تختبر الصديق من العدو فأنت في نعمة ..
وغير اكتشافك لحقيقة من ظننته صديقا، اكتشافك لناس جبناء بالفطرة في المجتمع. واحد مطبل ملّاق عامل فيها معارض في الحانة، [Talks the talk]، يظن إنه مواجهة الحكومة [طقم كلام] يردده وبهذا يدرأ عن نفسه تهمة الانتهازية والوصولية والأنانية. هذا مثال من كعكة الخلاصات الدسمة.
والكعكة ما صغيرة، دسمة، تحتاج ألف صفحة لسردها. ربما عامان أو ثلاثة من التفرغ التام للكتابة فقط ولا شيء غيرها. تشوف أشكال الوهم، سواء من المعارض اللي عباله شغلتك في الحياة تسب الحكومة، أو من الموالي اللي عباله إنه كل ما حدث مؤامرة، أو من الساذج اللي يظن عمان ما عمان!
وكرزة خلاصة الثمان العجاف اللي عشتهن، إنه الصدمة ما تجيك من اللي يكرهك، بل وأحيانا من اللي يحبك، اللي يحبك من سجن لسجن، اللي يحب شعوره بالتعاطف معك، اللي بالنسبة له أنت شماعة يعلق عليها أسباب جبنه وخوره ونفاقه وتناقضه وفزعه من أن يقول ما يؤمن به. هذا وحده فيلم يحتاج يشاف مرات!
وهذي الحياة بصراحة واجد تضحّك .. ولا تقوم إلا على الحب، والتحمّل. على مشارف الأربعين، ربما أكون عشت ثلثي حياتي، وباقي لي الثلث، عشر سنوات جيدة وربما مع دراجة ونظام غذائي عشرين سنة أخرى. وبعدها إلى الشيب، والمستشفيات، وباي باي أيتها الدنيا الدنية. كانت حياة تستحق مآسيها.