بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 31 مارس 2024

رحلات التغيير .. بين العبور والمرور!

 العقل في مكانٍ آخر. محاضرة علم النفس التنموي، أو التطوري، أو علم نفس النمو، أو علم نفس تطور الأشياء، أو كل ما سبق، أو بعضه تجري على قدمٍ وساق.

عقلي في مكان آخر، لا أستطيع التركيز. ملامح رحلة ماريو التغييرية الرابعة بدأت تتضح، ولكن دعني أولا أضع خلاصات، ونتائج الرحلة الثالثة في موقعها المناسب قبل القفز إلى قلقٍ جديد. قبل أي شيء دعني أسرد أمام ذهني الرحلات الثلاث السابقة: 1- الرحلة الأولى: الذهنية! مقاومة آثار اضطراب مزمن، انجراف المزاج، وانزحاط السلوك، وأضيف لذلك عامل إدماني لخبط الأوراق وناثرها بين سجنٍ، وهجرةٍ، وعزلةٍ، وإرهاق، ونوم سيء، وسهر بالأيام، واضطراب شاملٌ أسأل الله ألا يعود. 2- الرحلة الثانية: الجسدية، الدراجة الهوائية، وبدء التخبيص الجسدي، والنظر للجسد بروح اعتراضية على واقع الحال، أخذت ثلاثة أعوام من المحاولات، ثم فترة من النجاح، ثم كسر في الكتف، ثم عودة للمربع الأول، ثم وقفت مع الممكن والمتاح من مسارات، وخيارات، وعدم إمكانية الاعتماد على رياضة واحدة فقط. 3- الرحلة الثالثة: تنس الطاولة، وإعادة تكرار أخطاء المرحلة الثانية، ثم البدء بتعديلها، النظر للغذاء، والمكملات العشوائية، ثم بعدها، تنظيم الأوراق، أخصائية التغذية، شعار المرحلة هو "الانضباط أولا" وتسميات أخرى مثل مدرسة القرف بدلا من الشغف. تسير على قدم وساق، انتقلت من حالة الإرادة إلى حالة العادة تقريبا، تحتاج إلى التزام مستمر، وإلى تقبل النكسات، وتوطين النفس على الاستمرار في حال حدثت الإصابات. هي أيضا مرحلة السكري، ومرحلة الدسك، وآلام الظهر، وأيضا مرحلة تطبيق بعض فوائد علم النفس المليحة لفعل الأشياء الصحيحة. مرحلة الصوابية الجامدة، الجافة، الخالية من الإبداع، المليئة بالجداول والخطط، الحتمية، غير النسبية، وهي في اكتمال ثلاثة من أرباعها، والقسم الأخير اكتساب المرونة للحفاظ على كل مكتسباتها، وعاداتها، قبل البدء في التخطيط للرحلة الأخيرة. هذه الرحلة الثالثة، بها مخاوف هائلة، بدأت بعد عمر الأربعين، بها ساعات لا ينصح بها من الانهماك في الرياضة، بها ضرورة لكبح النفس عن الانسياق وراء الضغط الشديد على الجسد، وأخذ الأمور بهدوء، مرحلة صالة الحديد كنمط حياة، وتنس الطاولة كمهارة واستثمار للعمر ما بعد الخمسين. تحتاج إلى بعض التأمل، وتأكيد الأهداف، وعدم نسيان العامل الصحي أمام عامل العضلات، وملاحقة النمو العضلي، ووضعه كأولوية أمام عوامل أخرى. الرحلة الرابعة: ستتعلق بالنوم، ودخول نادي الخامسة صباحا، ونبذ حياة الليل، ومحاربة كوكب الدوبامين، والتخفيف من الهاتف، وبعض العزلة الصحية، والانهماك في صناعة المحتوى، وتأسيس بزنس العُمر، وهي كلها ستعتمد على تثبيت نتائج المرحلة الثالثة. والرحلة مستمرة، ومنحنى التعلم المتفاوت جزء من هذه الرحلة. وعموما، صباح الخيرات ..

الأحد، 24 مارس 2024

جدالات الكلام!

 قاش مستحيل أن يحدث بين شخصين:

1- القادم من منطلق انتمائه لجماعة: هو من الأساس لا يناقشك كفرد، وإنما كجزء من انتماء جماعي. متخيل الليبرالي الأمريكي اليساري الجديد لما يفتك بصاحب رأي في مهرجان الكنسلة الرائج عالميا؟ النقاش جاي من استحقاق من طرف واحد، إنه هو يمثل هذه الجماعة، وبالتالي، ما يقوله انطلاقا من الخير العام، وفي هذه الحالة، الخير الإنساني، ولك أن تقيس ذلك لما تناقش شخص جاي من انتماء جماعي، سياسي، أو ديني، أو فكري، أو قومي. 2- القادم من منطقة فردية: وهو يناقشك أنت كفرد، بشكل مباشر، ويقول آراءه كفرد، وهذا يحدث لما شخص يكون لديه وجهة نظر حول حقه التام في اتخاذ موقفه الفردي، ومتى يتوهق؟ لما هذه الآراء تتصادم مع منطق جماعي، مثل الجدال الأزلي حول مواضيع التفكير النقدي الديني، أو السلوكيات الشخصية "التدين، الحجاب، التدخين، شرب الكحول" مثلا شخص متدين، يقول لك: التدين اختياري، وهذا قرار "فردي" أنا أتخذه بنفسي وأطبقه وأمارسه، يهاجمه شخص آخر ويقول له كلا، هذا ما قرارك، أنت ضمن الفئة الدينية اللي تهاجم حرياتنا، وهكذا دواليك، والنسخة المعاكسة تحدث، لما شخص يتبنى سلوك أو اختيار فكري، فيهاجم كأنه صاحب أجندة جماعية، وأحيانا نعم، الفرداني لديه أجندة جماعية، والجماعي لدي أجند فردانية، لكن بشكل عام، النقاش أصلا يحدث في مكان آخر، وكل هذاك الصدام لم يؤسس له اتفاق حول آلية سيره، لذلك ينزع إلى الصدام وإطلاق الأحكام. وعشان أعطي أمثلة غير قابلة للالتهاب. تخيل النقاش بين شخصين، الأول يقول لك: - أنادي بإنه الدوام الرسمي يكون فيه حرية للاختيار، اللي يلبس بدلة، واللي يلبس دشداشة ومصر. أو شخص يقول لك، المصر ما ضروري، خليه كمة. - الشخص الثاني يقول له: هذا هويتنا، وأنا أشوف إنه أفضل نتمسك بها. الحوار من شخص، إلى شخص آخر، وانتهى صح؟ لكن أيضا ممكن الحوار يتحول إلى إنه الشخص الأول يقول للثاني: - أنتم تنادون بالرجعية والتخلف، [فرد ضد جماعة] وأنتم السبب في إنه الأمور لا تتطور [الحوار خرج وأصبح في مكان آخر] - خطاب [فرد ضد فرد]: أنت مخدوع، وتم غسيل دماغك من قبل التقاليد والعادات أيها المنساق المضحوك عليك. وكذلك من الضفة الأخرى: - أنت مخدوع من قبل العولمة التي تنزع هوية، وممسوخ لدرجة إنك ترفض التقاليد العربية الأصيلة. [فرد ضد فرد] لكن باعتباره جزءا من جماعة. - أنتم مخدوعون بهذه الدعايات، وتريدون الهجوم على تقاليد المجتمع ومسخها لهوية منساقة وراء العولمة الغربية. وهذه الحوارات التي تحدث عادة عندما لا نكون وجها لوجه. حادة، بها شحنة من الأحكام والريبة تجاه الآخر، وهذه طبيعة التواصل غير البشري [ربما!] .. نفسد للود ألف قضية عندما لا يتم مأسسة منابر الحوار، وجعلها محايدة وملكا للجميع، وما يحدث في تويتر ليس سببه "جهل الناس" أو سببه "طرح ضحل" أو غيره مما ينادي به رقباء البرج العاجي، الذي يحدث سببه أن هذه الحوارات كلها طاقة نقدية تحدث في غير مكانها المناسب، لأن الذي عليه تهيئة مكانها المناسب يمارس الوصاية والتوجيه والرفض والتسطيح والتجهيل وكافة أشكال رفض هذا النمو والتفاعل لأنه متمسك بنظرية جامدة حول ماهية الصواب، ومعايير غير واقعية عن عدالة المنبر العام. لذلك تويتر هو المنبر العام المرتجل الذي يغطي هذا التقصير الذي كان على مؤسسات كثيرة أن تتولاه، وأن تتحمل منحنى التعلم العام حتى يصل إلى نقاش مثمر، وطاقة هائلة ممكن أن تفعل الكثير من الخير، وتنشر الكثير من قيم الحوار والتعايش فقط بالقليل من الاعتراف بالآخر. المشكلة مستمرة، وستبقى، وللأسف الشديد، هناك من يتخذ من هذه الأحداث الاجتماعية المتتالية حجة لفرض رؤية مؤسسية منهجها إلغاء الرأي العام، واعتباره هامشيا، وبالتالي تأجيل هذا الحوار لأن تأسيس المنابر الاجتماعية العامَّة عملية صعبة، وتحتاج إلى مساحة كبيرة من التفهم للآخر، والأهم الاعتراف به، واحترامه. إذا كان أساس الحوار دعائي، وصدام انتماء للثقافات الشاملة، فهو ليس أكثر من رمي للمزيد من القش في كثبان التحيزات، والحزازات. وإن كان أساس الحوار هو فتك الجماعة بفرد، فهو شكل من أشكال الضغط الاجتماعي، أو القمع الاجتماعي، وإن كان أساس الحوار هو هجوم الفرد على جماعة، فهو شكلٌ من أشكال قلة الحيلة، والشعور بجسامة المشوار، تصرف كاميكازي آخر، انفعالي. هذه الحوارات، هي مهمات متعددة، للجامعات، ولمؤسسات الإعلام، وللثقافة، وللمنابر [العادلة!] غير الموجهة، وغير المتحيزة، الظن بأنَّ تهميش الرأي العام، وتسطيحه، وتجهيله، هو الطريقة لنصرة مدرسة تؤمن بالتوجيه، والأدلجة، ليس أكثر من إضافة إلى جمعٍ إلى الجموع، صناعة لمشكلة، والخطاب سيبقى كما هو عليه، صراع ظنون، وريبات، وتسجيل موقف فرد ضد جماعة، أو جماعة ضد فرد، أو التسلط في أبهى أشكاله بمحاولة طمس كل هذه المنابر المرتجلة والتعويضية من أجل منبرٍ هامد، يعطل تفاعل الأفكار هذا كله لأنه لا يجد وسيلة لقبول الاختلاف. وهنا نجي إلى أس المشكلة الرئيسي، أن يكون موضوع الآراء خاضعا لمدرسة دون أخرى، ومفروضا بأدواتٍ أساسها القدرة على إخراس الآخر، ولي ذراعه، وإعادة صناعة المشكلة بمبرراتٍ مزخرفة وكلام جميل الشكل قمعي المضمون، استعلائي، وإلغائي. الطريق طويل جدا، ويبدو أنَّ عبثية المنابر المتحيزة، وتجنب تأسيسها بعدالة منطقية، وتأجيل شمولها للجميع، وبناء انتقائية شخصية واجتماعية، والتأطير النمطي، وغيرها من الوسائل ليس أكثر من تأجيل فوق التأجيل، وعندما تأتي شرارة في هذا القش المتراكم، سيتنصل من تسبب بكل ذلك من ما فعله، وسيلجأ إلى تفسير سخيف آخر، بحجة أن المشكلة بالناس، وجهلهم، وتخلفهم، وينسى من تسبب بذلك أنه هو الذي صنع كل الظروف لهذه الأزمات الاجتماعية والفكرية. لذلك، وإلى حين تخلق هذا المنبر العادل، سيواصل ما يحدث الحدوث، وستبقى هذه الجدالات بلا نتائج تعايشية، وستبقى رهن مساحات تأثير الأفراد والجماعات، وقوة الصدام بينها، وستبقى رهن قوة المؤسسات، وهشاشة وصولها، أو قوة تأثيرها، وفي النهاية، لأنَّ الذي يفكر بشكل قمعي من الأساس ينتظر هذا اليوم المجيد، سيخرج لنا من العدم المقص الرقابي كحل رئيسي لكل هذه المشاكل التي سببها، وتركها تتفاقم، وتتراكم، لأنه غير قادر على بناء تعايش مع الاختلاف، وإنما هي لغة الدعاية والتوجيه، والتي أصبحت فكرة سخيفة في هذا العالم الذي تحررت فيه المعارف، والمعلومات، والحقائق من سلطة الرقيب مهما حاول واهما أن يتمسك بمعطيات زمانه الذهبي، وقدرته على إعادة تشكيل الحقائق للجموع، فسوف يواصل الفشل مرة بعد أخرى حتى يقبل بأن العالم تغير، وتجاوز تلك المرحلة. النقاشات في تويتر مكشاف جيد على الفارق الهائل بين تجربة الفرد في التعامل مع العالم المتفاعل، وتجربة المؤسسات في ملاحقة هذا الزخم العالمي الجارف، ومن أراد خيرا للناس، فليحترم الناس أولا، وليصنع لهم منبرا عادلاً خاليا من تحيزات الرقيب، ومشاكله الكثيرة، ولكن على من تقرأ زبورك يا داوود! القمعي يدعي أنه يدرأ المشكلة وهو يصنعها. الاستعلائي يدعي أنه يحترم جميع الآراء، وتستمر صناعة الخطاب منزوع الدسم، منزوع القيمة المعرفية، العمومي، الدعائي، المزخرف، والذي يفعل ذلك هو الذي يطلق الأحكام هو الذي يمنع التبرعم الفطري للرأي والإبداع والكلمات، ويبقي الدائرة تدور، عود أبدي لحكاية الرأي، والحرية، والحقيقة، والمعرفة، والنقد، وهكذا دواليك، حركة لولبية، لن تسفر عن تغيير إلا بعد حدوث الأزمات! والمثير للغيظ، أن الذي صنع الأزمة، هو الذي سيتحرك لحلها! وكأننا لا نتعلم مطلقا من أي شيء حدث من قبل!


ما يحدث في تويتر، ليس سيئا، وليس خطأ، وليس مزعجا، ولا يفترض أن ينزعج منه أي طرف إلا ذلك الطرف الذي يودُّ أن يقسر الآخرين على تبني وجهة نظره. ما يحدث هو اتفاق على الاختلاف، وكل إنسان يجود بما لديه من حجج ومجادلة، وهذا هو الجانب الصحي في المسألة الرقمية. ما يحدث ليس "ضحلاً" وليس "خاليا من المعنى" وليس "سيئا" .. ما يحدث هو طاقة جماعية هائلة والذي لا يجيد التعامل معها باحترام، وتقدير لكل فرد فيها على حدة هو الذي يصنع الأزمة الكبيرة، وهو الذي يكهرب كل شيء، لأنه لم يحترم الطرف الآخر بما يكفي لكي يعطيه قيمةً لرأيه، وبالتالي، سواء كان هذا الطرف من الناس، أو من الرقيب، أو رقيب من الناس، أو فردٌ متمسك بفردانيته، أو منتمٍ متمسك بانتمائه، أو صانع زخم، أو قائد جموع، أو "مؤثر" أو مجرب، أو ما يكون! كل هذه الطاقة الجماعية، تضخُّ الكلمات، والمجادلات، واللغة، والإبداع، والصورة، والصوت، والرسمة في المكان الذي يستوعبها بطريقته. تويتر ليس جنة الله في الأرض، وليس حريةً موعودة، إنها منصة رأسمالية تبيع وتشتري في كوكبٍ كامل، بخوارزميات هدفها الربح، حاله حال الانستجرام الذي لا يحبك لسواد عينيك، الأمر نفسه. الذي يجعل هذه المنصات جاذبة، وخيارا أول، لتلقي المعلومة، ولإرسالها لأنَّ التقصير في الاستفادة من هذه الطاقة الجماعية [الاجتماعية] يجابَه بمدرسة قديمة، تميل إما لتعطيل الكلام، أو لنزع معناه وتحويله إلى عموميات لم تعد تنطلي على أحد، أو ما هو أسوأ. الخلل أكاديمي، وإعلامي، وتلام المؤسسات الأكاديمية قبل مؤسسات الإعلام. الخلل الكبير، هو عدم وجود مساحة اعتراف، واعتبار أن المنبر المؤسسي قيمة لمن يرتقيه! وهذه معضلة الفرد في هذا العالم الحديث. تكون رقميا: قيمتك هي "تايملاين" وملفات رقمية، وتأثيرك وانتشارك تحدده اشتراطات رقمية غامضة مبنية على إعلاء المربحين للمنصة. تكون مؤسسيا: تتعامل مع رقيب يريد من البشر القيام بدوره بدلا عنه، يفشل في الوصول للناس وإقناعهم، وبالتالي يستخدم منابره كوسيلة لي ذراع، وسيتلف عقلا وراء آخر، ومبدعا وراء آخر، ويتحيز، ويمارس الشخصنة واللف والدوران ولا يبالي أن يتسبب بأزمة شعبية بين الناس وبلادهم فقط ليحافظ على موقعه كرقيب، لعل، وعسى أن يخفف هذا عنه مسيرة الخفوت، وتضاؤل التأثير، والشعور العام بأنَّه يؤدي واجبا شكليا على الرغم من تضخيمه المستمر لمنجزه الذي يُسأل عنه بكلمة "أين؟" أكثر من كلمة "كيف!" وككل مشاكل الكلام، الجميع يعرف ما هي المشكلة، والحل يحتاج إلى أن تغضب الجميع! بالتالي، من هذا الذي سيجازف بأن يكون شجاعا في اعتبار الرأي الفردي العام وسيلة إنتاج، ونمو، ورقابة تفيد الدولة والمجتمع، ومسؤولية تغرس في الأجيال؟ الجميع سيختار تلقائيا خيار السلامة، وعندما يكون الأمر بيده، سيختار ما هو أسلم، وما هو أصمت، وما هو أبعد عن المجازفة والتجربة، وهذه حكاية الكلام المستمرة التي لا يريد شخص أن يتقدم إليها لفرط ما فيها من غموض المجهول، ومن احتمالية الخروج عن المألوف، فضلا عن المعضلات الآخرى السياسية، والاجتماعية، والفكرية التي لا حل لها. انتظار العربة، أو انتظار الأزمة، ووقتها إما الفوضى أو الجمود، الفوضى تقود إلى حلول الصمت، والجمود يقود إلى حلول التسليم واليأس، ودائرة، كلها تصب في النهاية في تعطيل مصدر نمو اجتماعي لأن هذه المهمة يقوم بها بالنيابة عن مجتمع كامل، مجموعة من الأفراد الذين يظنون أنهم يملكون مفاتيح الصواب! عموما، كما قلت وأقول من قبل #الماشيئفائدية هي إحدى تقنيات التأقلم مع وضعٍ مثل هذا. هنيئا للرقيب كل ما يفعله من تعطيل لهذه الطاقة الهائلة والمثمرة فقط بحجة أن خطأ واحدا يشمل بالضرورة الجميع! أمَّا تفكير منتج ومثمر بصراحة!

الساخطون!

ما الذي يدور في عقولهم؟ هؤلاءِ الذين يجعلون السخطَ أساس تعاملهم مع الآخرين! ما الذي كان يمكنه أن يقدمَ لعونهم؟ ومساعدتهم، لتجنب النهايات المؤلمة للإنسان الذي لا يعجبه العجب؟
ثمَّة بشرٌ في هذه الحياة حرموا على ألسنتهم الكلمة الطيبة. وصنعوا عشرات التبريرات لعقلنة أسلوبهم، وطريقتهم في التعامل والحوار. أظن أنك يا عزيزي القارئ قد يتبادر لذهنكِ شخص أو شخصين، تنزعج دائما من طريقتهم في الحديث معك، ولا أقصد هؤلاء، الذين لديهم أمل كبير في اكتشافِ ضرر سلوكهم عليهم، وإنما هذه الحالات التي وصلت إلى الحدود الضارة، وبدأت تعيش في عزلةٍ، وفي بعدٍ، ويحيط بها الشعور باليأس منهم، كما يأكلهم من الداخل الشعور باليأس تجاه الحياة، وتجاه الآخرين، وأنهم لا يتغيرون.
دائما ما أتساءل، كيف يمكن مساعدتهم؟ ما هو القلق الشديد الذي يدفعهم إلى الهجوم بشكل قهري على كل شيء. البعض قد يجد سهولةً بالغة في إطلاق إطارٍ عريضٍ كالوسواس، أو، القلق، البعض قد يتقصى أكثر، هل لدينا إنسان يستمتع بتكسير مجاديف الآخرين، ووصمهم بالنقص، والتعبير عن السخط، أما لدينا إنسان يؤذيه ما يقوله، لكنه يندفع لقوله، يقوله كأنه مسحور، به شيء ما يدفع به دفعا للانتقاد الجارح، وللانتقاص مما هو جميل، أو ما هو مشجِّع، أو ما هو عفوي، أو ما هو متحمِّس!

كيف يمكن أن تتعاطف وأن تساعد إنساناً هذا ما يفعله؟ لعل الخطوة الأولى هي أن تبني دفاعات بينك وبين نفسه، وتتقبل أن هذا الخطب الذي به، وتتخذ قرارا ينفعك، بألا تعتمد عليه كمصدر من مصادر التشجيع!
نغرق أحيانا في البحث عن الأسباب، ونحاول البحث عن أسباب للغفران، وهذه شيء جيد، هل تتخيل ذلك الشخص الذي يهاجمك بضراوة إن قلتَ له أنك تمارس اليوجا مثلا! فيهجم عليك بقسوة، ويصفك بالسخيف! ثم يهجم على العالم الضحل والسطحي! لدرجة أنك تندم أنك شاركته ذلك الاهتمام؟
هل تخبر شخصا ما أنك قبلت في تخصص، فيحقن سخطه تجاه الحياة في لحظتك؟ وكيف أن هذا التخصص نهايته البطالة؟ وأنك تذهب بحياتك للجحيم!
المشكلة أنهم لا يقولون ذلك وهم يقصدون الأذى، ثمة هلعٌ تجاه الحياة، وشعور عارمٌ باليأس، وإن عزلنا احتمالية أننا نتعامل مع إنسان سام يستمتع بتلويث سعادة الآخرين، سنجد أننا نتعامل مع إنسان متألمٍ، لديه الرغبة في أن يسعد بسعادة الآخرين لكنه يعجز عن الاطمئنان تجاه الحياة بما يكفي لكي يثق في حدوث الأحداث السعيدة!

الأسباب التي تجعل شخصا ما ساخطا، وغاضبا كثيرة، السؤال هو كيف نتعامل معه؟ وهذا السؤال ذي الإجابة الأسهل! السؤال الأصعب هو: كيف يمكن أن نساعده؟ كيف يمكننا أن نهدئ من روعه، وكيف يمكننا أن نعيد تذكيره بتلك الأسس المتفق عليها بين البشر، حول المعاملة، واللطف، وأن اللطف الذي ترسله يعود إليك، وإن قبولك بين من تتعامل معهم شيء عليك تعلمه، وتطبيقه، وتصويب مساره!

مشحون بالغضب، لكنه يسمه حكمة. مليء بالسخط، ويسمي ذلك واقعية، يسمي ردة الفعل موقفا، يتكهرب عندما تقترب من البضعة المشحونة بالهلع، حتى محاولتك للأخذ بيده لكي ينظر للحياة نظرة أكثر تفاؤلية، سيلطمك كما يفعل أكثم بن صيفي "سوء الظن عصمة، وحسن الظن ورطة" وكلامه صحيح، إن كنا نتكلم عن إنسان يعيش في غابةٍ، أو في ساحة غربةٍ. الذي يفعل ذلك في محيط مملوء بالحب، والتفهم، والعون، والصبر، هذا هو الذي يثير الأسئلة. ما الذي كسرك إلى هذا الحد؟ وما هي الطريقة التي يمكن أن تُعان بها؟ من طريق تأقلمنا مع الشخصيات الساخطة، تحويلها إلى نموذج أدبي متداول ورائج للشخصيات السامة. وهذا خطأ، الساخطُ الغاضبُ يختلف عن الذي يلعب بمهارةٍ على الأعصابِ المكشوفة في وجدانك، ذلك النرجسي الذي يضربُك ببراعةٍ في نقاط ضعفك، والذي يكسرك بتعمد، ويستخدمك في ألاعيبه الاجتماعية، أو السياسية، أو التجارية، أو حتى الفنية والثقافية. هذا النموذج يعرف ما يفعله أما النوع الآخر، الساخط الهلوع لا يعرف أنه يفعل كل ذلك، إنه يمر باندفاعٍ مشحون بالقلق على كل ما لا يعبأ به من نفسه، يمر على حلق الألغام راكضا، تنفجر فيه، تؤلمه وتؤذيه، أما السام فهو جبانٌ ذكي، يلقي بالحجر من بعيد، يترك مؤقتات مدروسة لكي لا يكون هناك عندما تبدأ جروحك بالنزيف. كيف يمكن فهم هذا الإنسان؟ هذا شيء! كيف يمكن مساعدته هذا شيء آخر. تخيل أن تتعامل مع غريب ساخطٍ لا يعجبه أي شيء. وكما اتفقنا أعلاه، تيقننا أننا لا نتعامل مع إنسان يجد إحباط الآخرين ممتعاً، شخص مكسورٌ من الداخل، هلع، قلق، يكون وسائل دفاعية كثيرة، ويستخدم الهجوم النفسي على الآخرين عندما يشعر بالضغط! كيف يمكن مساعدته؟ من الأساس من هذا الذي "فيه بارض" لكي يتعايش معه طبيعته الساخطة؟ لا شيء يعجبه، ولا تصدر من فمه كلمة طيبة، والتعامل معه صعب، والابتعاد عنه هو الخيار الذي يفاقم المشكلة، ويجعله يعيش في دائرة حيرته، وبحثه الدائم عن السبب، فيعود، ويلقي باللوم على العالم، ويزداد سخطا، وبعد ابتعاده، يأتي اقترابه وقد اكتسب شحنة جديدة من السخط، وهكذا دواليك حتى تتحقق الصورة النمطية الاعتيادية للإنسان الذي فقد اتصاله مع الآخرين، ولم يعد قادرا على الحوار أو الحديث مع أحد. كثيرون يمكن إنقاذهم من هذه الخسارات. يمكن تجنب دخولهم للنهاية في نفق الاستخفاف بمشاعرهم الذاتية، وبآمالهم، وبالتالي بآمال الآخرين. تتفاقم المشكلة عندما نبحثُ عن ما يهدئ روعنا من الذين يعانون من الآثار الكاوية لليأس والتشاؤم، أو الآثار الحارقة للقلق والهلع، أو الآثار الانفجارية للغضب والكبت. هنا يصبح لدينا مشكلتان، والمشكلة أصعب بكثير عندما يكون الطرف الثاني طفلا لأبٍ أو لأمٍ يعاني من هذا الوضع. التعامل مع إنسان غير قادر على اللطف، أو إنسان حمضي كاوٍ ينفث ما في غدته تحت ظروف معينة، ليس سهلا. التعايش مع ما يسببه من آثار محبطة ومقلقة في محيط العمل، أو في محيط القرابات الاجتماعية صعب للغاية، ثمة أشياء علينا أن نعززها في أنفسنا قبل المجازفة بتقديم التعاطف أو النصح أو العون لإنسان يخسر بالتدريج الذين حوله بسبب قلقه، ومنظوره الحاد اليائس أو الساخط. إنهم يخسرون الكثير، يخسرون من حولهم، يخسرون من روحهم، يخسرون تفاؤلهم، يخسرون صحتهم النفسية، يخسرون صوابيتهم المنطقية، يخسرون ذلك الدفق الوجداني الرئيسي الذي نحتاجه لنكمل الحياة، دفق الأمل، والمحبة، وتوالد الخطط والأحلام. إن وضعت على عاتقك أن تساعد أحدا منهم، فلتكن الخطوة الأولى أن تحمي نفسك من آثار سخطهم، وأن تحاول بجمال ومحبة تذكيرهم بالجميل في الحياة، بنسختهم السابقة قبل أن يستولي عليهم القلق والسخط، أو الغضب، أو اليأس، أو الاستخفاف. نعم! قبل أن تساعدهم، عليك أن تساعد نفسك، وتحمي نفسك، وتحيط تأثيرهم عليك بنسيجٍ كثيف مضاد لاختراق سهام القلق، ونثار الزجاج الجارح، وقطرات الحمض الكاوي التي قد تفور منهم وأنت تقترب من جرح نازف، أو ندبةٍ لم تشفَ في أرواحهم، أو كسر شديد في أجنحة روحهم. أن تفعل ذلك مع إنسان ليس من محيط أحبتك وأصدقائك، فأنت هنا الذي يجازف بطمأنينته، وربما تلعب دور المنقذ، وربما من الأساس تتدخل في الذي لا يعنيك، أن تفعل ذلك مع إنسان لم يلجأ لك، ويرفض تدخلك فأنت المخطئ هُنا، عليك أيضا أن تتذكر ذلك قبل أن تحاول برومانسية بالغةٍ الانشغال عن مشكلاتك بحل مشكلات العالم. لكن أن تفعل ذلك مع من يستحق، لن أقول هذا واجبك، لكنه من أفعال الخير الجميلة، التي تعيد الأمل للمكروبين، وتعيد الطمأنينة لمن فقدوها، وليس عليك أن تكون مسلحا بالحقائق، بل بالصبر، والمنطق، والأهم، أن تكون قد حميت نفسك من الآثار المرهقة لإنسان يعاني بشدة. تذكر، إنه يعيش قلقه وهذا يؤلمه، يعيش يأسه وهذا يؤلمه، وأن يتحدث عن مشاكله هذا يؤلمه، قد لا تكون دعوة من يعانون من داء السخط المتراكم إلى جلسة فضفضة وتنفيس هي الحل، بقدر ما أن دعوتهم إلى جلسة هادئة، من القهوة، أو رحلة لمشاهدة مباراة، أو فيلم أهم. ربما! كل شيء في هذا المقال قادم من كلمة ربما، المغرقة في الاحتمالية. من الذي يساعد هؤلاء الذين فتك بهم السخط؟ هؤلاء ليسوا جاذبين، ولا يشعرون المرء بالمكافأة المعنوية. تحيط بهم التصنيفات، والتأطيرات، كأشخاص مزعجين، أنانيين، وقحين، ونعم قد يكون بعضهم هكذا، السؤال هو، كم منهم كان يمكن إنقاذهم من النهايات المرة للوحدة، وانفضاض الجميع عنهم، بكثير من التفهم، وقليل من التعاطف!
 

ماذا عنك عزيزي القارئ؟ ماذا تقول في حق هؤلاء؟ 

الثلاثاء، 19 مارس 2024

حوارات علمنفسيَّة!

 مشكلة علم النفس، ومن أكبر مشاكله، إنه علم عابر للزمان والمكان. يعني، كل فترة يطلع لك "تريند" وينال اهتمام عالمي كبير، ولا تكاد جريدة تخلو أو موقع إلكتروني، أو حتى "ريلات" الانستجرام وغيرها من وسائل الإدمان الرقمي البصرسمعي منه!

الشخصية النرجسية تارة، ثم اضطراب الانتباه وفرط الحركة [ADHD] ولما نمل عاد من هذي الحبشتكنات نرجع إلى موضوعنا الكبير عن جنون العظمة، وموسوليني، ونرجع إلى الجوكر، والشخصيات السيكوباثية، وهكذا دواليك. أما علم النفس الحقيقي، فهو ممل، وكله خطوات فوق خطوات داخل خطوات وقوائم داخل قوائم، وعملية استبعاد طويلة وممنهجة، وإجابات قليلة، وأسئلة كثيرة، ومنطقة رمادية، وفي النهاية تكاد تقول إنه نص قانوني، ودستور عالمي، وشيء فيه اجتماعُ علماء كوكب الأرض، وأمم متحدة، وجمعية أمريكية لعلم النفس، وجوردن بيترسون الذي يمنح صكوك الجحيم، وغيرها. كيف أشبه أن تكون طالبا لعلم النفس، أو مهتما؟ وأنت مهتم بعلم النفس، ما أن تجد الإطار، ستتسرع لحشر معرفتك ووعيك وانتباهك داخل هذا الإطار. وأنت طالب في مجال علم النفس تبدأ "تتأدب" ولا أقصد بكلمة "تتأدب" أي كنت قليل أدب، بل أقصد تكتسب أدب العلم، وتعرف ثم تحاول بناء الإطار المناسب، تتوقف عن التفكير من جهة الإطار إلى الداخل، وتفكر من الداخل إلى أقرب إطار ممكن، وفي أحيان كثيرة تصفعك الحاجة إلى تخطيط الإطار بنفسك. شيء من هذا القبيل. ولو كنت من المهتمين بعلم النفس ووقعت في هذا الفخ، لا تلم نفسك كثيرا، من لم يقع فيه من الأساس؟ عملة التفكير بوجود إطار نمارسها في علم النفس وخارج علم النفس، ولا علاقة لذلك بالتشخيص والأمراض، بل أيضا في تسمية الأشياء. تسمي الاندفاع، حماسة. تسمي وقاحتك صراحة، تسمي السلوك القهري بالواجب، تسمي المكاشفة سمية، لا تفرق بين حقك واستحقاقك، أشياء بعدد المواقف في هذه الحياة قد لا تسميها باسمها الدقيق. علم النفس هُنا يلعب دور العجوز، الذي يلبس نظارة، والذي لا يدخن الغليون، ويقول لك لحظة، هذا اسمه كذا، وذاك اسمه كذا؟ ليش يا عمّو علم النفس! هو كذا علم النفس، مثل عجائبية سيف الرحبي، لديه طريقة في تسمية كل شيء، أنت متفق، مختلف، هو كذا، تراكمت المعرفة البشرية وقررت تلك التسمية لسلوك، أو لشعور. لو كنت مهتم بعلم النفس لسينمائيته، نعم ستجد مدارس هائلة، بس ربما أحسن لك تدرس علوم جنائية، وتجرب تسوي مقابلات مع آلاف السجناء، وربما كنت محظوظ وتصير خبير في مجالك، وينفعك في كتابة تجربة تحليلية أو بحثية أو أدبية عظيمة. أما لو كنت تريد تعطي ما لسيف الرحبي لسيف الرحبي وما للناس للناس، تأقلم مع مساحة شاسعة من الشرطية والاستبعاد، وسوي لنفسك بارض، واحفر في الشاطئ، ومن ثم في الصخر، ومن ثم في التراب، واكتشف كل التجربة البطيئة وهي تحيطك بمهارات تجعلك نفساني جيد في مجالك. ومثلا، في علم النفس يتكلم عن ظاهرة التأجيل، مثلا، أنا معي امتحانين اليوم، لكنني مصر أصيغ كل أفكاري التي تعطلني عن المذاكرة على هيئة مقالات في تويتر، بينما القضية الحقيقية إني لازم أتأدب وأروح أذاكر قبل لا أنقص درجات وأنا أمتحن وأنا صايم! للحديث بقية غيب ذاكر يا ماريو


سؤال يحزنني دائما، لأن الإجابة الحقيقية، من صاحب تجربة، ثم من طالب في هذا المجال، دائما تختلف عن التصورات، تختلف جذريا، وكليا. أولا، قبل الذهاب إلى طبيب نفسي يعالج بالأدوية والعقاقير، السؤال بشكل عام، هل لقاء مختص في الصحة النفسية هي خطوة حكيمة؟ بشكلٍ عام، علم النفس غير مرتبط فقط بالأمراض، والمختص النفسي لا يعمل فقط في مجالات المرض، والاعتلال، أشياء كثيرة مرتبطة بعلم النفس، مثل الذاكرة، والسلوك، وتكوين قوالب الفهم، وجود أخصائي نفسي في حياتك هو وسيلة وقاية قبل أن تضطر للعلاج. ليس من المستغرب أن يتمسك الإنسان بسوائه النفسي، فهو مرتبط بشكل كبير "بالأنا" سواء تلك الأدبية، أو تلك الفرويدية الملتبسة الغامضة في التعريف بين بدائيتنا وجمعيتنا. لهذا نكبت الكثير من مشاكلنا، وننتظر حتى نمرض، وهذه هي المشكلة في رأيي، لأن الجميع متفق أن الوقاية خير من العلاج، كاتفاقنا مع ضرورة الحمية الغذائية مع مرض السكري، أو الضغط، كاتفاقنا أن الذي يعاني من الكوليسترول أو الكبد الدهني يحتاج إلى بعض الرياضة، كل هذا نتفق حوله، لكن عندما يتعلق الأمر بزيارة [مختص بالصحة النفسية] نصاب بذلك الخدش المروع للأنا، وتعمل الوصمة الاجتماعية المدعومة بالسينمائية الرائجة والمتداولة، مع الانطباعات الاجتماعية لكي تمنعنا عن فعل شيء ينفعنا بشدة. الذي يقابل أخصائيا نفسيا، لا يفعل ذلك بالضرورة لأنه مريض، تستطيع مقابلتهم وأنت بخير لتكون موظفا أفضل، لك تتبنى صناعة عادات جيدة في حياتك، لكي تتحدى القلق الذي تسببه لك المهنة، لتتعلم عن التركيز، والذاكرة، ولكي تقوِّم بعض السلوكيات التي قد تنقلب ضدك بعد سنوات أو شهور، مقابلة الأخصائي النفسي شيء نفعله، والجلسات النفسية والتقويمية والعلاج بالكلام شيء نمارسه دائما، لكننا نقابل كل أحد غير ذلك المختص. جلسات الكلام مع الأصدقاء، والمكاشفة، وفتح القلوب "والفضفضة" التي في محلها وفي غير محلها، نفعله مع شخص غير مختص بالصحة النفسية، لو فعلناه مرة كل أسبوع مع أخصائي نفسي لوجدنا نتائج جميلة جدا خلال شهور. لكن، نفضل مقابلة الأخصائي النفسي بعد نزع القيمة الشكلية للعلاج النفسي. المدرب في صالة الحديد: أيضا شكل من أشكال العلاج السلوكي، وصناعة العادات، ونعتمد على معرفته التجريبية، التراكمية بالسلوك البشري، وهو ومدرسته، من السهل أن نتأقلم مع مدرسة غير متعمقة في علم النفس السلوكي تصدر من مدرب عضلات، لكننا نأنف أن يحدث ذلك مع أخصائي علم نفس سلوكي، لماذا؟ مجددا هي تلك "الإيجو" المرتبطة بالاستقلالية في القرار النفسي، والغم، ثم الغم، ثم الغم، أول ما يتعلمه الأخصائي النفسي هو أنَّه لا يتدخل، يعني سبب غير وجيه لعدم مقابلة شخص يخص صحتك النفسية. جلسات التقويم الوظيفي، مقابلات الوظيفة، كلها بشكل ما أو بآخر تم نسجها من قبل عقول [علمنفسيَّة] الاختبارات السيكوميترية، وتقويم الأداء الوظيفي، والعقوبات، وحتى مواعيد العمل، واختيار ساعات العمل، كلها وضعت بمشورة، واستشارة، وعمل نفساني، نقبل كل هذا لكننا عندما يتعلق الأمر بمشاعرنا السيئة والمؤذية لنا ولغيرنا نتعامل مع الأمر كعبء سري، وكأن مقابلة الأخصائي النفسي مجرد "دلع". العلاج بالعقاقير، أو "الطبيب النفسي" مقاربة من مقاربات الحلول، ولك أن تختار، جلسات بالعلاج بالكلام، والتقييمات النفسية، وتوضيح ملامح السلوك، قد تمتد لعشر جلسات، أو مضاد اكتئاب يعمل بعد أسبوعين، وبعدها تعود إلى سابق عهدك، تتلقى العلاج النفسي الإدراكي من مصادر غير مختصة. تفعل ذلك في خطابك الداخلي، ومعايير نموك القيمي والأخلاقي، وتحديدك لما هو صواب وما هو خطأ، وقد تخطئ في تحديد الصواب الخطأ وتتعلم بالتجربة. تتلقى العلاج النفسي الإدراكي من المجتمع، ومن الدين، ومن كتب التنمية البشرية، ومن المتحدث التحفيزي المختص غير المختص، وربما يلامس شيء ما قلبك في "ريل انستجرام" أو في تغريدة لمغرد تحب متابعته، وتتلقى منه العلاج، بدون مدرسة متكاملة الأركان وبدون أخصائي. العوارض النفسية لن تزول عنا، ولو تسألني، وجود أخصائي نفسي تقابله مرة كل شهر على الأقل هو جزء من واجبنا في العناية بأنفسنا، هذا ونحن [بخير] نعم لقد قرأت الكلمة، ونحن بخير يجب أن نقابل أخصائيا نفسيا لكي نجوِّد عملنا، وخطابنا الداخلي مع أنفسنا، ويجب أن نتوقف عن حصد التوعية النفسية، والعلاج الإدراكي، وصناعة العادات، وتقويم السلوك من مصادر مرتجلة بعضها يتناقض مع بعضها البعض لاختلاف المدرسة. ثمة أمراض نفسية من الكارثة أن تحاول حلها بغير أدوية، وثمة عوارض نفسية قد لا تحتاج إلى دواء راديكالي جذري له أعراض جانبية كثيرة، مقابلة الاثنين، الأخصائي النفسي، والطبيب النفسي يجب أن تكون جزءا من سلوكنا الاعتيادي الصحي سنويا، يجب أن تذهب، وأن تخضع لكشف عام، وأن تتحدث عن سلوكك، وعن مشاعرك المؤذية، وعن السلوك الذي يضرك، وتأخذ صورة شاملة عن تفاقهم وضعك النفسي، بهذه المقابلة وربما ببعض الاختبارات المتعلقة بالأنماط الشخصية، أو بالأنماط المرضية قد تكتشف بعض المشاكل قبل تفاقمها. لذلك، إجابتي يا صديقي العزيز، ليس من يجرؤ أن يقابل الطبيب أو الأخصائي النفسي وهو ليس بخير، بل يجب أن تجرؤ على مقابلته وأنت بخير، وبكامل طاقتك، وبكامل إنتاجيتك، ففي علم النفس كنوز هائلة لتوجيه طاقتك، ولتأمل ذاتك، ولصناعة النجاح، ولحل عقد الخوف من المجهول، ولكشف أنماط سلوكية مبكرا قبل أن تحقق بعض مبتغاك في هذه الحياة لتكتشف أن زيارة مؤجلة ست سنوات لأخصائي نفسي أخبرتك عن معاناتك من وسواس طفيف تفاقهم، أو مع نمط تفكير كان يمكن أن تحله ببعض الواجبات العلاجية، والقليل من الكتابة، أو تسجيل الملاحظات، وغيرها من وسائل كثيرة هدفها أولا وأخيرا نقلك إلى حالة من قبول التغيير، وبالتالي اعتناق السلوك الأفضل لك، والأصوب لتحقيق ذاتك. وشكرا على طرحك لهذا السؤال الجميل جدا جدا، تركت مذاكرتي بضمير مرتاح لأرد عليه.

لا أسمي ما أفعله صراحةً، بقدر ما أسميه وضوحا. أنا هو الشخص نفسه الذي ذات يوم في سلسلة من الهذيان المرضي، كنت أتكلم من وحي الخيال مباشرةً، في تصديقٍ جازمٍ لضلالات مرضية، كنت أعتصر ألماً وأنا أتذكر لحظةً من اللحظات، سواء تلك المتعلقة بفقدان السيطرة على الأعصاب، أو بكل بساطة، بالجنون، وتصديق الخيال. مرةً من المرات، في فيديو مشحونٌ بالتداخل المر بين الواقع والخيال كنت أوجه رسالة شديدة اللهجة إلى حكومة سلطنة عُمان، وأهددهم بأن التنظيم الشيوعي الذي أديره، دخل في كل مفاصل الدولة، الجميع تعامل مع ذلك الفيديو بشكل ضاحك وساخرٍ، وظن كثيرون أنني أمزح، والواقع المر أنني كنت حقا وقتها أتكلم بتصديق تام، وبجدية تامَّة، والسبب النفسي واضح، وهي إحدى آليات التعايش مع الصدمات، تعبير عن الشعور بالعجز أمام السلطة واللجوء إلى الخيال، الأمر يشبه أحلام اليقظة لكن في حالتي ولظروف عديدة تحول إلى مادة مرئية شبه ساخرة. لم أتعايش مع هذه النكسات العلنية بسهولة، العلاج النفسي ساعدني بشدة في الممايزة بين الذي كان تحت سيطرتي، والذي لم يكن تحت سيطرتي، وهنا تأتي أهمية المعالج النفسي، فهو حكمٌ أكثر حيادية من طاقم تحكيم برشلونة مثلا! الوضوح الذي أتبناه هو خط عودة للواقع، ولقد خسرت الواقع من قبل، عدة مرات، خسرته بالضغط النفسي الشديد، وخسرته بإدمان المخدرات، وخسرته بالتلاعب بأدويتي التي كنت أدفع بها دائما لوضعي تحت حالة الهوس المرضي، الجزء المليء بالحبور [المرضي] في حالات ثنائية القطب، وخلال هذه السنوات، طورت مجموعة من السلوكيات الضارة لنفسي ولغيري. وصف أنفسنا نفسيا، وسلوكيا، مهارة صعبة للغاية لا أمتلكها، ومن الصعب أن يمتلكها المرء تجاه نفسه، هنالك دائما معضلات في عزو ما حدث للظروف النفسية الداخلية أو الخارجية، ومن الأساس هذا التقسيم تقريبي ولا حدة من الصواب فيه، ولا جزم، ولا حسم، ولكن وجود المعالج النفسي الماهر يقرب هذا الصواب في الحكم إلى واقع تاريخي، يحول كل شيء إلى وقائع وذاكرة، وما أن يمسك الإنسان بحقيقة ما حدث، تبدأ عملية العلاج الفعلية. أنا متعايش مع حقيقة حالتي منذ زمن طويل، واضطررت لتكوين شخصية دفاعية شرسة للغاية عندما يحاول أي مخلوق كان الاقتراب من أهليتي العقلية، وفي الوقت نفسه، لدي نزعة دفاعية هائلة وخوف شديد من مناطق الاضطراب والجنون، لأنني أعرف جيدا معنى أن يفقد الإنسان سيطرته على عقله. ترفق الله بي، وللظروف الخارجية دور كبير في استقراري، وهي نعمة من الله، هذه الامتيازات التي لا يملكها شخص بنصيب أقل من الوعي، أو اللغة، أو الكتابة، أو الإبداع، أو أن ينتمي لعائلة تصالحت مع مرض ابنها وتحالفت معه في إبقائه بخير، هذه الظروف لا يملكها آلاف مؤلفة من الناس الذين يُخفون، وبعضهم يسجنون في غرف مغلقة، وبعضهم يربطون بالسلاسل، وبعضهم يُذهب به إلى دجال ليربطهم بالحبال بحجة إخراج العفريت الذي سكنه. سؤالك لم يكن مجرد تغريدة، إنها قضية حياة بالنسبة لي، قضية وجود مع البشر الذين أؤمن بهم وبحقوقهم، قضية نضالٍ آمل أن أكون أحد جنودها المخلصين، ومع أنني أعاملُ دائما "كعاقل" أو ككاتب على قدر لا بأس به من الموهبة، أو "كعاقل" يمتلك مهارات لا بأس بها من التحليل والقدرة على التفاعل مع الواقع، لم أجعل هذا يخدعني يوما ما لأكون من المترفين بعقولهم، أنا لست من هؤلاء، ولو كنت منهم لانتميت لهم بضمير مرتاح، أنتمي لهؤلاء المضطربين عقليا، الذين يقاسون ويعانون في السيطرة على عقولهم وعلى أفكارهم، هؤلاء الذين لا يفهم أحد لماذا يخافون من النوم، ولماذا ينعزلون بالأشهر، ولماذا يطمحون ويحلمون بالطمأنينة، أنتمي لكل هؤلاء الين يفتك بهم القلق، والغضب، وأنتمي لكل هؤلاء الذين لطالما فكروا بالانتحار لسنوات متتالية، وبعضهم فعلها، وبعضهم أكرمه الله بالحياة. هذا الوضوح يا صديقي، جزء من القضية الكبيرة، وتخص فئة من المجتمع قليل من يهتم لأمرهم، فئة في كوكب الرأسمالية تعتبر "فئة غير منتجة" وفي كوكبنا العربي تعتبر "وصمة عار" .. ولذلك يا صديقي، مثل هذه الأسئلة، تذكرني بما أكونه في حقيقة الحياة، مع أن المغريات الوفيرة التي أمامي تجعلني أنصاع أحيانا للعب دور الذكي، العبقري، مفرط النشاط، صاحب التجربة، أو الابن الضال الذي عاد إلى رشده، وأعترف أنني أستجيب أحيانا مع بعض الحمقى لهذا الإطار الجاهز، فقط من باب عدم تضييع الوقت في نقاش لا يرجى منه فهم أو وعي. أما الحقيقة الصافية، أنني شخص يعاني من اضطراب نفسي، ارتكب الكثير من الأخطاء، وارتكب في شأنه الكثير من الأخطاء، وتحولت مع الوقت والسنوات وتعقيد الظروف إلى حالة صعبة من العلاج، ونبذ العلاج، والصدام، قبل أن يأخذني مركب الحياة إلى اللحظة التي إما أستعيد فيها سيطرتي على عقلي، أو أخسر قدرتي على الحياة المستقلة، كانت ست سنوات كاملة من الصراع والتجربة، وهي مستمرة، ولم أعد أعبأ بتشخيصي، أو بالإطار الذي يعينني على الفهم، كل ما أفكر به هو السلوك، والموقف تجاه أي شيء، ومهما كانت الأشياء لحظية، أعود، فأدرسها، وإن كنت مخطئا، أعترف بخطئي وأحاول تصحيحه، وإن لم أكن مخطئا أحارب بضراوة حتى يكف المعتدي عدوانه. والحق يقال: هي حياة ممتعة جدا، اضطراب البصيرة المؤقت يعطي نتائج أدبية رائعة، لكن هل أعاملها كحقائق، كلا. وعاد لك أن تتخيل التوفيق بين كل هذه الاضطرابات، وبين حياة اجتماعية حتى هذه اللحظة من الأسهل لك أن تلعب دور المصاب بعين، أو الذي "اختطف الجن والعفاريت عقله" بدلا من أن تقول أعاني من اضطراب في المزاج، ولا أنام خمسة أيام، واحيانا عندما أتعاطى جرعة عالية من الحشيش، أو عندما أعاني من نوبةٍ هوس كبرى أهدد الجيش بأنني أمسك جميع مفاصله، وأستطيع تحطيم الدولة بإشارة من يدي. نعم، كل هذا مضحك، مضحك بشدة، المؤلم أن تكون أنت الشخص الذي يضحك الآن، وأن الذي تضحك عليه هو نفسك، هو أنت في حالة سابقة. التأطير للاضطراب العقلي سهل للغاية عندما تعلم سببه، الكيماوي، أو الإدماني، المفزع هو ذلك الذي يحدث وأنت في بعيد كل البعد عن المؤثرات العقلية، لذلك يا صديقي العزيز جدا، هي رحلة طويلة، والبعد عن المؤثرات العقلية بداية الطريق، وبعدها، يتحول إلى واقع ممل، ممتع بغياب دهشته، متوقع، وخطوط عودة كثيرة، وسلوك يكتسب مع الوقت ديمومة مُرْضِية، وطمأنينة عامَّة يفسدها بعض القلق، لكنه لا يحطمها للحد الذي يجعل الانهيار التام طريقة تعايش مع الألم. ههههه ياخي، أفعل المستحيل كي أترك المذاكرة، صدقني لو كانت تويتر يسمح لي بكتابة مائة صفحة متتالية لفعلت من فرط هذا التأجيل الرمضاني للواجب الدراسي. كن بخير، مودة وسلام

رة حد سألني سؤال: ليش دائما الصحة النفسية مشكلة اجتماعية عالمية؟ فأجبته: لأنه في مكان ما يجب أن يقضي شخص أربع سنوات ليدرس، وسنوات طويلة ليتدرب، أو 12 سنة ليتخصص في مجال الصحة النفسية، وينسف رأيه شخص جلس قبل خمس دقائق في مقهى شيشة! هذي هي مشكلة الصحة النفسية في العالم أجمع!

بما إنه وقت المذاكرة حان، هُنا تنشرح النفس للكتابة عن رحلة ماريو التغييرية رقم ثلاثة، والنظام الغذائي في رمضان. أول اكتشاف جديد، عرفت لماذا نترك الحمية الصواب، ولماذا عدة مرات في العمر يمر علي مثل هذا الجدول الغريب وأتركه. لأنه أول أعراضه هو زيادة الوزن! نعم! كما قرأت. من يتوقع إنه الحمية الصحيحة هي ست وجبات، بلا حرمان، وتدريب للأيض! وقياس للسعرات، ولكن ليس بالطريقة الغشيمة، بطريقة هادئة، وخالية من الجوع الشديد، وترفع مستوى طاقة الجسم! صعب جدا جدا أن تصدق ذلك وأنت تمشي على غير هدى في عالم الحمية. على صعيد جانبي، أيضا، برنامج الذهاب لصالة الحديد استمر، ونعم صرت أستخدم الفعل الماضي لأنني واجهت تحديا في رمضان، وإذا بي "أنزحطُ" عن الخطة، ولكن لا يذهب بالك إلى أنني صرت كسولا! الذي حدث هو أنني خالفت نصائح أخصائية التغذية، والتي نصحتني مرارا ألا يتجاوز عدد ساعات التمرين "أي تمرين" عن ساعتين في هذه المرحلة من التدريب الأيضي، ولأن تمارين الحديد مرهقة وتتعب العضلات لم يكن هذا مطروحا، ساعة ونصف ثلاث مرات في الأسبوع، ومع أنه أستطيع الذهاب يومين إلى أكاديمية التنس كنت أفضل الراحة في هذين اليومين. وجاء رمضان! الذي حدث، أنني قبل دخول رمضان قد أنهيت متطلبات التدريب، وبدأت أجد بعض الطاقة في الذهاب لصالة التنس، فماذا كانت النتيجة؟ ماريو ينزحط مجددا في الحماسة غير المحمودة، ثمانية أيام متتالية من لعب التنس، وفي اليوم الأخير خمس ساعات كاملة. لم أستطع التوفيق بين التزاماتي، وغذائي، والذهاب لصالة الحديد، لذلك كنت بشكل ما ضمني أذهب لتنس الطاولة. بعد اليوم الثامن، آلام في الركبة، آلام في الظهر، وقررت أن آخذ استراحةً جيدة لمدة يومين ومن ثم أذهب لصالة الحديد. قلت في نفسي "دعني أذهب للتنس أسخن ساعة ساعتين" ثم أذهب لصالة الحديد، وكان ما لا يحمد عقباه! كبسة أثناء التسخين، وردة الفعل اللاإرادية، وآلم في العضلات القطنية في الظهر، تمزق خفيف جدا لكنه مزعج بمعنى الكلمة. لو كنت أطعت كلام أخصائية التغذية، وتمرنت بالتي هي أحسن لما مررت بهذا الظرف السخيف! يتضح لي أن راحة يومين بعد ذلك الجهد الشاق لا تكفي، وأنني ضغطت على جسدي بدون فائدة تذكر، والآن علي التعامل مع هذه الإصابة بالانقطاع عن الرياضة لمدة قد لا تقل عن خمسة أيام! ماذا أجدت تلك الساعات الإضافية؟ عدد الساعات التي ستفوتني تفوق كل الساعات الإضافية، والتي من الأساس لم تنفعني! درس صغير، وأيضا درس آخر ضمني عن ضرورة الإطالات قبل التمرين! عموما، لدي امتحانات، ومن السخف أن أنظر للموضوع أنه جيد للمذاكرة لأنه أصلا المذاكرة ساعات عمرها ما تعطل التمرين، بس يا ماريو تذكر لماذا هناك حد أعلى لكل شيء، ما شيء فائدة تجلس خمس ساعات وأنت آخر ثلاث ساعات مرهق وتلعب بربع مستواك! أنتظر هذه الإصابة تشفى، بعدين لي جلسة مع نفسي في ضرورة تطبيق الخطط حذفورا حذفورا!

مرحبا يا صديقي، المنظور الذي أنادي به هو إنه المرء منا يطبِّع علاقته مع العلاج النفسي، كونه من الأساس يتلقى عدة جلسات مرتجلة، غير متخصصة في سلوكه النمطي/ الطبيعي. وأنادي أي إنسان أن يلتقي مع طبيب نفسي، ومع أخصائي نفسي مرة في العالم على الأقل. سؤالك يحتاج إلى إزاحة بعض التصور النمطي عن موضوع العلاج النفسي. البعض يظن أن عملية اللقاء مع مختص في علم النفس هي عملية نبش، وتفسير، وتحليل، والذين يتبعون مدرسة التحليل النفسي الشائعة سينمائيا، والحديث عن عقد الطفولة، أو عن المشاعر المكبوتة يتخلق لديهم هذا الانطباع، وهذا ليس عمليا بالضرورة وإن كان يمكنه أن يكون علميا، واستقصائيا، ونافعا معرفيا، لكنه أيضا قد يكون تضييع وقت. بينما أنت تسرد بحرقة قصة طويلة تأخذ منك ساعة لتشرحها، المعالج أو الطبيب يكتفي بجزء منها لكي يضع في وجدانه كلمة واحدة "يعبر عن صدمة قديمة" قد تقضي ربع ساعة وأنت تشرح مشكلة تعاني منها والمعالج يأخذ من كل ذلك الكلام "لديه قلق" وقد تتحدث عن موقف في العمل مع مديرك أو مديرتك وتشرح للأخصائي النفسي بتفصيل تراعي فيه الدقة بينما الأخصائي النفسي كل الذي يسمعه "وسواس طفيف أو جسيم" وهكذا دواليك. لذلك لتستفيد من العلاج، يجب أن تعرف من الأساس ما الذي يريد الطبيب أو الأخصائي النفسي معرفته، وكل معالج وأسلوبه وطريقته. البعض يجد في العلاج النفسي فرصة للحديث عن أعمق المكبوتات بداخله، وربما أشياء يعجز عن قولها لأي شخص من الناس، وجود إنسان ملزم بالسرية "قانونيا" ويتعهد أخلاقيا بعدم إفشاء أسرارك العلاجية تصريحا أو تلميحا، مساحة جديدة في الحياة، واستثمار هذه المساحة يصنع لك مساحات اجتماعية واضحة، وعلى الأقل تتجنب التنفيس المرتجل مع الذين لا يفهمون حالاتك النفسية، ولا سيما لو كانت لديك مشكلة ما! لذلك، لتوفر التكلفة، حدد ما الذي تريده من تلك الساعة، على صعيد الطبيب النفسي، اسأله عن الدواء، وآثاره الجانبية، ومفعوله، واطلب منه مرجعا معتمدا لتقرأ فيه عن الدواء، وعلى صعيد الأخصائي النفسي، فلديه مؤونة وفيرة من الاختبارات النفسية، ومن طرق العلاج، بل ومن المصادر، وما قد يبدو لك غير مهم لتقوله الأخصائي المدرب، والمؤهل يعرف جيدا ما الذي يفتح عينيك عليه، وأنت وعنادك، وتقبلك للتوعية الإدراكية، وأنت وصدقك مع نتائج الاختبارات السيكومترية، وأنت وتفسيرك لها، بشكل عام، المعالج قد يكون مرجعية توكيد لبعض انطباعاتك عن ما هو صحي وغير صحي في سلوكك مع نفسك أو مع غيرك. لذلك أقول اذهب له وأنت بخير، وإن لم تذهب من قبل فلا تذهب لكي تسرد مشكلةً ضخمةً على اعتبار إنك "تراك واصل" خليك تشوف أبرز مشكلة لديك وتعالجها، اذهب لمرة واحدة، وقل للمعالج لماذا أتيت، وإنك تريد أن تراجع. وهناك مدارس كثيرة في التوعية الإدراكية، وفي التحفيز، وفي الدعم، حبذا تطلع عليها قبل الذهاب إلى رحلة أن يكون لديك أخصائي نفسي في حياتك. لو لم تكن لديك حالة مرضية تسترعي العناية الدائمة، قد تزوره مرة كل عام، أو تزوره عند الضرورة، ولو كنت من الذين يحبون تطوير أنفسهم بدلا من أن تكون من جماعة الذين يريدون [تغيير أنفسهم] فقد تكون العملية النفسية معظمها تدور في فلكك أنت، وجهدك الذاتي، واطلاعك، وعودتك مرة في الشهر، أو كل شهرين لذلك المعالج فقط لكي تفتح خيوطا جديدة تستفيد منها في رحلات التغيير، أو رحلات التطوير لصحتك النفسية بشكل عام. الذي أقترحه، هو أن تتابع قليلا من تجارب الذين دخلوا عالم الأخصائيين النفسيين، أو الأطباء النفسيين، وما اكتشفوه، وتنظر للأمر وكأنك ذاهب لتقابل طبيب باطني، أو طبيب كبد، أو طبيب أنف وأذن وحنجرة وأدهشك بحلول للشخير، أو شخصك باختناق النوم التنفسي، وأنت لم تكن تحسب حسابا لذلك، قد يحدث لك ذلك وقد يقول لك: أراك بعد ستة أشهر، ويقترح لك مجموعة من الكتب وبعض الاختبارات التي تكلف عشرة دولارات، وقد تعود له لأنك تريد المزيد من هذه التجربة النفسية، وقد تكفيك هذه الخيوط وتكتشف كتبا في علم النفس الإيجابي، وفي تطوير الذات، تخبرك عن المدرسة التي تتبعها، ويكون لها مفعول منطقي ودائم في جعل صحتك النفسية وإنتاجيتك أفضل حالا. وهكذا دواليك. وأرجو أنني أنصفت سؤالك بإجابة أفادتك.

الأحد، 17 مارس 2024

تأملات فجرية!

 من أصعب المواقف التي أواجهها كإنسان، ذلك التواصل المفاجئ من أبٍ هلوع، أو من أمٍّ هلوعة، أو من أخ، أو من أخت كبيرة، تلك الرسائل المفاجئة والتي تسأل عن أمر حساس للغاية، يتعلق بالمرض النفسي! صعبٌ جداً على النفس، أن أجد نفسي في ذلك الموضوع الذي من يُستشار فيه ليس مؤتمنا فحسب، بل يجب عليه أن يكون واضحا تمام الوضوح.


حكايتي مع علنية الاضطراب العقلي الذي أقاومه لم يكن خيارا بيدي، أصبح خيارا متاحاً للملأ نتيجة الطبيعة العلنية لاضطرابي، وهي حكاية أنفقت وقتا طويلاً في سردِها، وتوضيحها، من سنوات رفض التشخيص، واللعب بمضادات الاكتئاب، حتى سنوات الإدمان على مختلف المواد المخدرة، ثم ست سنواتٍ متتالية من العمل الشاق، وصناعة كل وسائل الاستقرار، وشبكة الأمان العائلية، والاجتماعية، وكل الاختيارات التي لم تكن سهلة إطلاقا، من أجل ماذا؟ الحفاظ على الاستقرار الذهني، والفلات، والهرب من شر نوبةٍ كاسحةٍ قد تقلب بحياتي رأسا على عقب.
لم أعد أهتم بالتشخيص الذي يلاحقني، الإطار الذي يجعلُ الآخر مرتاحاً في فهمي، التشخيص موضوع طبي، إجرائي، قانوني، أكثر من كونه علاجياً بحتا، ثلاث مرات يتم تشخيصي بثنائي القطب، ثم مرة يتم تشخيصي باضطراب الشخصية الحدية، وهما أبناء عمومة متقاربان في الوصف. قبل ست سنوات أدركتُ أنني إما أن أغالب هذا الاضطراب، أو سأسمح له بالفتك بحياتي، وبحياةِ من أحب. غرقت في عدة خطوط غير واضحة، الجانب الاجتماعي كان إحدى العقبات والتحديات، والتعامل مع الآثار العلنية لأشياء كثيرة يشكل تحديا مزمنا، فضلا طبعا عن الاضطرار للتعامل مع سفيه جاهل، أو لئيم شامت، أو ما هو أشد إيلاما، التعامل مع الناس الذين أخطأت في حقهم بلساني أو بأفعالي، هؤلاء أدخر لهما تعاملا يختلف عن الغريب السمج الذي يظنُّ أنه يملك استحقاقاً خاصَّا يسمح له بمد لسانه إلى حياتي، وطبعاً ثمة استثناء خاص للناس الذين تعرضت للأذى من قبلهم، معارك إما معلقة، أو مؤجلة، والذي أعرفه أنها لن تفتح من جانبي حتى يشاء الخصم غير ذلك.
بعيداً عن الأحقاد المتراكمة. لم أختر أن تكون حالتي معلنةً، وقد اضطرت عائلتي لفعل ذلك على أمل التخفيف من العواقب المروعة التي كنت بصدد مواجهتها، قضية عويصة، وصعبة، وامتلأت بالسجون، والهجرة، والتقارير الطبية، والهرب من المصحات، والمستشفيات، وقطع الأدوية، والاكتئاب، والهذيان، وكان ما كان من مسيرة إلكترونية حافلة بالخير والشر، وبالفكر والهذيان، وبالإبداع والكتابة، وبالصدامات والمواجهات، حتى بدأت رحلة التغيير الأولى قبل ست سنوات، ومنها والحمد لله، والشكر لجلالة السلطان، ولوالدي، ولعائلتي، حُل الإشكال القانوني في مسألتي، وبعدها، والامتنان الكبير لصاحب السمو ذي يزن، حُل التعقيد الاجتماعي، وشاء الله أن يمن علي بفرصة ثانية، أتمسك بها، وأفعل كل ما هو منطقي للحفاظ على سلامة عقلي من أي اضطراب قد يقودني لهاوية المواجهات، أبقي علاقاتي الاجتماعية في محيط صحي، وأدرس تخصص علم النفس الذي ينفعني بشدة، ولم تعد الحالة مع العمر صعبة المراس، ومع العلاج السلوكي، والأدوية، أكاد أطمئن إلى تكويني ما يكفي من تجربة المكوث في الواقع والمنطق الذهني النمطي، حتى أرتطمُ بكل قسوةٍ بهذا السؤال الوارد من غريب، يسألني عن قريب له، وينتظر مني أن أقول له شيئا مفيدا، أو عصا سحريةً تعيد كل شيء إلى "طبيعيته" .. يبقيني التواصل لمرة واحدة مع أي شخص يعاني من مرض نفسي، أو مع قريب له في حالةٍ من الهموم تمتد لأيام، ذلك الشعور بالمر بالخوف من قول الحقيقة، وأنَّ الأمر ليس سهلا، وأن الرحلة طويلة، وأن التعامل مع هذه الاضطرابات قد يكون مشواراً يمتد لسنوات، وكلما قاومت حقائقه العلمية، والمنطقية، ازدادت مرارة من يقاومه، وكلما حاولت أن تبحث عن الوهم المريح، تفاقمت لديك مشكلة جديدة.

أمرُّ بمشاكلي، واكتئابي، وظنوني، وشكوكي، وأفقد أعصابي أحيانا، وأتكهرب، لكنني تعلمت بالتجربة أن أخشى على من يحبني من مرارة الحسرات، وأبتعد عن المحيط العلني، هذا الذي تغير، أما أنا، فلم تتغير مغالبتي لذهني، بكل ما فيه من ذكريات سيئة، وبكل ما أعانيه من صدمات، وبكل الندم والغضب، وبكل الثنائيات التي تفرض نفسها علي.

قد أبدو مرحاً وبخير أحيانا، قد أبدو منهمكا في حياةٍ اجتماعية مليئة بالناس، وأنا أحترق قلقا، وتوترا، ورغبةً في البعد والعزلة، قد أبدو عكس ما أشعر به لأن هذا هو الواجب الاجتماعي، والامتثال القسري الذي يعاني منه أي إنسان طبيعي أو مضطرب، وقد يبدو للبعض أن مشكلتي قد حلت، وأنني قد وصلت [للعلاج] وهذا غير صحيح، الحل السحري، والواقع المثالي كله ليس أكثر من آمال متوالدة من ظن الإنسان أن وضعا ما هو "المثالي". وهذه الكلمة، "المثالي" مثل كلمةِ "الكمال" مثل كلمات أخرى، صارمة، وسامَّة، ومدمرة لكل العمل الشاق الذي يبذله إنسان من أجل نفسه أو غيره، لا يوجد وضع مثالي، توجد رحلة قد لا تكون شاقةً بقدر ما هي طويلة، وتأخذ وقتها، وقد يتخللها الإخفاق، والتعب، وربما الفشل، وربما النكسات!

تتناثر الشرارات في قشِّ الطمأنينة، مع صوتِ أب هلوعٍ يسألني عن ثنائية القطب، أشرحُ له أنني لا أستطيع خدمتك بأي شيء، أستطيع أن أدلك على الذي يمكنه مساعدتك، أن أرسل لك رقم طبيب أو معالج، أو أدلك على موقع إلكتروني تستطيع أن "تفضفض" فيه بحرية، وبسريةٍ، أما غير ذلك، فليس بيدي، من الأساس، علمتني تجربتي الشخصية أن أبتعد كل البعد عن عوالم العلاج النفسي! قد أكون متحدثا تحفيزيا، أو كاتبا يلقي الضوء على مناطق مجهولة عن العموم فيما يخص الأمراض النفسية، أو قد أكون [ناشطا اجتماعيا] يتحدث عن القضية النفسية، وحقوق المرضى، أما أن أجابه بهذا السؤال المر! يا إلهي! من الذي لديه الإجابة! لا أحد لديه الإجابة، لا توجد إجابة، توجد رحلة، وستأخذ وقتها وتعبها!

الاضطراب النفسي في عالم الأدب جميل، ولافت، حتى تسميته "الجنون" لا تخلو من تحدٍ للوصمة التي تحدث في العالم اليومي. من الأسهل أن تكون أديبا، مجنونا "مصرقعا/مبدعا" غريب الأطوار لأنك مبدع، هذا سهل، وكم يحلو للمحب أن يؤطرك في هذا الإطار، لأن ذلك أسهل عليه من الصفات الأخرى "مريض نفسيا، مضطرب، فاصل، غير عاقل" .. وهل الامتثال الاجتماعي غائب عن المعادلة! أحيانا من فرط زهقي من جاهلٍ يدخل نفسه فيما لا يعنيه، أجدُ أن هذا القناع أسهل من مناقشة سمجٍ لا يعرف حدوده، أو غبي يريد أن يؤكد تحيزاته بسؤال عن "الجنون" وكيف يكون! أؤكد له أن الجنون أسهل من الغباء، وأن فقدان العقل أسهل من الجهل، نعم، أستطيع أن أؤكد هذا بسلاسة ويسر، فالمجنون يعقل، لكن الجاهل يعلم الله متى يتعلم، ومتى يعلم!

لا أستطيع مساعدة أحد في حل إشكاله النفسي، وأقصى ما لدي من قدرة هو حديث الأقران، وعموميات علم النفس الإيجابي، ذلك العلم المظلوم من قبل قطيع آخر من "الجاهل المتعلم" ومن الأساس هذا الموضوع الحديث عنه يطول ويطول، لما في هذا المجال من تداخلاتٍ مع مجالات أخرى، تكاد تكون بديلا للإدمان على السوشال ميديا، أو بديلا لإدمان المسلسلات، أو بديلا لليوتيوب الذي بدلا من فتحه في صفحة إلكترونية تقوم باستئجار نائح واقعي يخبرك عن جمال الحياة، نعم هذا موجود، ولكن علم النفس الإيجابي موجود أيضا، وله تطبيقات كثيرة في عون الأقران لبعضهم البعض، وتشجيعهم على التغيير، وهذا هو الهدف الضمني الذي يجعلني دائم الكتابة عن الرياضة، وعن تغيير الحياة. أكتب وأنشر لجمهور خفي، صامتٍ، تربطني به علاقة قوية، لمئات، أو آلاف يعانون من وطئة اضطرابهم، هؤلاء هم الذين يمدني بالحياة، وبالطاقة، وهؤلاء هم الذين أعتبرهم المتلقي الأول لكل نشاطي الاجتماعي، أما البقية، الغارقون في ترف عقولهم، بكل صدق! لا أعبأ بهم، ولا بأحكامهم، ولا بمعاييرهم، ولا حتى بتطلعاتهم تجاهي مهما بدت طيبة ومشحونة بالأمل، أعلم حدود ما أستطيعه، وأعلم أين أقف أمام التحديات المرتبطة بشيء مختلف حوله اسمه: [الحياة الطبيعية] هذه المسكينة التي تعريفاتها تفوق أنفس الخلائق حتى!

يؤرقني ذلك الصوت الهلوع: "يعني ما شيء حل!!!"

هذا يشتكي من صدمة لابنه الذي يمر بحالة ذهانية، هذا شخص له مكانة مرموقة في مؤسسة تعليمية وفجأة يرى أشباحا ويسمع أصواتا، وتتوالى الحكايات التي لا أريد أن أسمعها، ولا أحتمل أن أعرفها، أقاطع من يتصل بي أو يتواصل معي كأنني "حاسد" أعرف الإجابة السحرية ولكنه لا يريد أن يقولها لأحد، لا أريد أن أعرف عن مشاكل الآخرين، لا أريد حلها، لا أستطيع ذلك، لست مؤهلا، ولا أريد ذلك، أقصى قدراتي هي ذلك الفعل العمومي بالكتابة والنشر، تلك الإيجابية التي قد تنفعك بعد أن تحل مشكلتك الطبية، عمومية، مرتبطة بتجربة فرد يقاوم، أكثر من ذلك، الحلول رحلة، عليك أن تبحث عن الشخص المناسب لحلها، وعليك أن تتحمل وعورة الطريق، وأن تتوقع بعض الإخفاقات، والنكسات.

- "يعني ما شيء طريقة ثانية"

لا توجد طريقة ثانية أو أولى، توجد ألف طريقة، عليك أن تبدأ، سواء كنت زوجاً تعاني زوجته من اكتئاب ما بعد الولادة، أو كنت زوجة يعاني زوجها من وسواس قهري، أو كنت أباً وصدمك ابنك المبتعث بنوبة هوس كبرى وتم تشخيصه بثنائي القطب، أو كنت أما لطفل من أطفال التوحد، أو أنت نفسك بدأت تعاني من الحديث القهري، أو مشكلة عصبية، أو شكوك تدمرك، أو ترى أشباحا ترقص في الجدار، أو فقدت قدرتك على النوم أكثر من ساعتين، أو أصبت بشلل مفاجئة في حالات القلق، أو، أو، أو. لا توجد طريقة أولى، توجد ألف طريقة بعد الثانية والثالثة، يوجد مشوار، قد لا يطول كما تتوقع، لكنه ليس قصيرا كما تتمنى.

أكتب عن تجربتي لعلها تنفع الآخرين، وأواصل المقاومة لأن هذا واجبي تجاه نفسي وتجاه من أحب، غير ذلك، أشعر بامتنان للحياة، ولطبيبي الذي أتابع معه، وللمعالج النفسي الذي أثرثر معه بالساعات، ولزملائي في قسم علم النفس بكلية مزون، وأشعر بامتنان لاختياري هذا التخصص، والذي أكد لي أن في علم النفس أكثر من العلاج النفسي، والذي به أناس مبدعون، ورائعون، لا أحتمل ولا أريد أن أكون منهم.

الشيء الوحيد الذي أجد شجاعة في الحديث عنه، عن أي شخص مضطرب نفسي، هو أنَّ الذي يحتاج للتوعية والفهم قبل الشخص الذي يعاني من المشكلة، هم الذين حوله، هنا أنطلق بصدامية ومجابهة، الذين يحتاجون لفتح عيونهم هم ذوو كل من يعاني من اضطراب نفسي، يحتاجون إلى وضع مصلحته العلاجية فوق مصالحهم الاجتماعية، يحتاجون لشجاعة للتصدي للوصمة الاجتماعية، يحتاجون لحمايتهم من بطش الذين يستغلون غياب بصيرتهم المؤقت، أو الدائم.

أفعل ذلك لأنه دين أدين به لرب العباد، وكل يوم يمضي أشعر بأنني أدين لله بفعل كل هذا، ليس من أجلي، ولا من أجل أي شخص آخر، هذا هو دافعي الذي يجعلني أستمرُ رغم كل شيء. رغم كل الواقع الاجتماعي الذي يحيط بي، ورغم كل الحلول التي سخرها الله لي.

الحمد لله أولا وأخيرا، هو المنعم، والرازق، الفضل لله، والشكر لله، ومن تلك الحياة التي كنت فيها من نوبة وراء نوبة، وسجن بعد سجن، وانهيار علني بعد انهيار علني، واكتئاب يمتد لأكثر من عامٍ، من تلك الهلاوس، والجنون، والهجرة، وكل ما تفوهت به لساني بوعي أو بغير وعي، بمخدرات وبدون مخدرات، رغم كل الأيام التي كانت فكرة الانتحار هي الخيار المنطقي الوحيد! عبر الله بي إلى أيام أخرى لو قال لي أحدهم أنني سأعيشها لبصقت في وجهه من فرط ضخامة التفاؤل.

هذه الرسالة التي أؤمن بها، وهؤلاء الناس الذين أنتمي لهم، فئة ليست معكم أيها الأصحاء عقليا، ليست منكم، هؤلاء هم الذين أنتمي لهم، وأقاوم معهم، وهم الذين أستمد منهم القوة، والطاقة، والعزيمة، وهم الذين بقدر عجزي عن مساعدتهم، لا أعجز عن تشجيعهم، وتحفيزهم، وتذكيرهم، بأن الحياة ممكنة، وأن الطريق إلى حياةٍ وصحة نفسية أفضل ممكن، وله ألف طريقة، وأن لكل أزمة نهاية، ولكل وعكة شفاء. هذا ما أؤمن به، وهذا ما لأجله أفعل ما أفعله، وهذا قسمي فيما أملك، أما قسمي فيما لا أملك، هو أنني لا أملك الحلول، ولا أضع نفسي في طريق الحلول، وكل الذي بيدي هو التذكير الدائم بالرحلة، والمكوث في منطقة البصيرة أقصى وقت ممكن. ونصيبي في هذا جميل، ويكفيني، والحمد لله على كل حال.

معاوية

الاثنين، 11 مارس 2024

مساحة اسمها عالَمُك!

 

 

 

 أكادُ، بين الحين والآخر، أفقد أعصابي، وأنفجرُ في وجه هذا العالم المكتنز بالعقلاء. للعاقلِ تعريفٌ سخيفٌ في قاموسي، هو ذلك العاجزُ عن فهم الجنون! المكتفي بقمة جبل الثلج، بالنذر اليسير من الوعي الذي يوهمَه أنَّ وجودَه الواعي هو قمة جبل الثلجِ التي تبدو له طافيةً أعلى سطح ماء المحيط. العقلاء مزعجون، بمعاييرهم، وأنانيتهم، ونزعتهم للشر، وللظلم، وللبدائية، والهمجية باسم كل ما هو حضاري وعادل وينتمي أحياناً لقيمٍ مطلقةٍ يمارسها المجانين ضمن أيامهم العادية واليومية، ويقاتل العقلاء من أجلها بمجادلات معقدة، مفعمة بالحزازات، والحساسيات، والخوف من المجهول، وهذا الخوف الملعون! هذا المجهول! يسكن في دواخلنا البشرية، ويعشعش في سرائرنا، يراه المجانين بوضوح، ويعجز العقلاء عن فهمه، والمجانين، هؤلاء، هم الذين أنتمي لهم رغم كل هذا الهذيان الطافح بالمنطق الذي تجبرني الحياةُ على عيشه!

هذا ليس عالمي أنا فحسب. إنه عالمُ الجَميع. كل ما يخرجُ عن وجودنا، ووجداننا، وأفكارنا، ومخيلتنا، وأذهاننا، يتحول إلى عالمٍ آخر. جزءٌ منه هو ذلك الكبير جداً، الذي يحلو لنا أن نسميه كوكباً، وجزءٌ آخر هو ذلك الذي يحدث فيها تفاعلنا مع الوجود. وعينا أصغرُ من كوكبنا الحقيقي، كوكب وجودنا الحتمي. قمة جبل الثلج التي تبدو للبعض كافية لكي تسمى حياةً، ووجوداً، تخفي وراءَها وجودنا الحقيقي، وسواء كان ذلك المكتوم، أو المكبوت، أو الذي يجنُّ عنَّا، أو الذي لا نستطيع السيطرة عليه، نحنُ نكمنُ في تلك المنطقة المظلمةِ التي لا نستطيع السيطرة عليها، وإلا فلمَ نعجز عن السيطرة على خفقات قلبنا؟ وعلى تحركات عضلاتنا الناعمة في أحشائنا؟ نعجز عن ذلك لسبب وجيه، لأننا لا نستحقُّ أن نوجد بشكلٍ كاملٍ، لا نستحق أن نتذكر كل شيء، ولا نستحقُ أن نعرف كل ما عرفناه، نعيشُ في هذه الخدعة من الوعي ونتوهم بكامل إرادتنا العقلية، بكل ما فيها من ضمني وجليٍّ، أننا نعيش كما نريد أن نعيش!

لأكون صادقا معك عزيزي القارئ، توقفت عن الانتماء إلى عالم العقلاء منذ زمن بعيد. ولا أقصد عالم العقلاء في سياق المرض، والغفلة، والجنون الذي يوصفُ بلسان اللئام. أعني ذلك العالم المنطقي المرتهن بالمصالح، والذي تسمى فيه الأنانية ذكاء، وتسمى فيه القسوة ضرورةً. أنتمي، وأعيشُ وأكتبُ لعالمٍ آخر من المجانين هم الذين يهمني أمرهم، ويعنيني شأنهم. أكادُ أخرجُ من جلدي عندما أعيش موسماً اجتماعياً مشبعاً بالغرباء. هل أصدقك القول أكثر يا صديقي الغريب؟ كل هذا ضغطٌ يشبه المهنة، أنجو منه، هذه هي الكلمة الدقيقة. أن تنجو من الموسم الاجتماعي، وأن تنجو من كل اعتبارات الضوء والتحقق، وأن تتجاوزَ كل هذا إلى تلك الذات الحقيقية التي تعرفها تنتمي لمن، لهؤلاء الذين يحملون أوجاعهم الخفية، ويقاتلون معاركهم الداخلية، وقليلٌ من يشعرُ بهم.

أحتاجُ للكتابة دائما لأذكر نفسي، وأحتاجها أكثر لأفهم عالمي. لذلك أكتب، وعندما أخلو بنفسي إلى هذه المدونة بعيدا عن تلك المنصات المكهربة بالتفاعل السريع أتذكر أنتمي لمن. أتعلم أيضا، على صعيد هامشي، طريقةً جديدة للكتابةِ عن ذاتي بعيدا عن اللغة النمطية، أنا مجنون، لست مريضا، أنا مبدع، لست سياسيا، أنا كاتب، ولست متحدثا باسم الحقيقة البشرية. نصف عُمري ذهبَ في عالمٍ مضطربٍ، ونصف نصفه ذهب في عوالم المرض العقلي، وغياب الواقع، وبينما يبدو للبعض بسخفٍ بالغٍ أنَّ القيمةَ في تجاوز كل ذلك، أعيش عالماً مختلفاً، القيمة فيه هو مواصلة الحياة وجعلها منتجةً، ومثمرةً، ومليئة بالحب، والسلام، والعطاء، وأسعى بجنون لكي أكون خيِّراً، وأقاوم بضراوة استعدادا هائلا للشر، كيف أشرحُ لإنسانٍ رومانسي يعيش حياةً ورديةً معنى أن تكون جاهزا للشر في كل لحظةٍ من لحظاتك، وأن بينك وبين إعلان أقصى وأقسى حروبِك سلسلةٌ من المواقفِ، أو حالةٌ من العداوةِ قد تؤدي إلى رمي الشرارة في كل ذلك الجحيم الذي ينتظر سبباً واحداً فقط لتفرَّ منه كل المسوخ الحبيسة!

لم يعد يرهقني حسن ظن الناس بي، ولم يعد يزعجني سوء ظن الناس بي. كلاهما سواءٌ لدي أمام هذا العالم الذي أعيشه. معركتي مختلفة عن ذلك الذي يبدو للإنسان الغريب الذي يعرفني منذ عام واحد. معركتي مع هذا المسخ المشوه بالآلام والصدمات، المصارعُ الأزلي للندم، والمقاوم اليومي للشر، هُنا مساحةُ وجودي التي تغنيني عن تصديق تلك المشاهد الاجتماعية المتتالية، بكل ما فيها من رغبةٍ لتصديق أفضل ما يكون عن الإنسان، أو تلك الجاهلة المرتجلة التي تضع حياة المرء في علبةِ كبريت.  أن تعرف عالمك، يعني أن تمسك بقرارات حياتك، وأن تسعى إلى خطةٍ أفضل لتعيش، وأن تعلمَ أن الحياة ستفنى وأنت في ميدان المقاومة، تحاول جاهدا الحفاظ على هذه البضعة الخيرة التي بك، وتقاتلُ بشراسة أن تؤذي إنسانا آخر بلا سبب وجيه.

لا أعرف ما الذي دفعني لكتابة هذا الكلام، ربما هو إدراكي لتلك العزلة التي تمنع العموم الكبير عن الخوضِ في هذه الكتابة التفصيلية، هل تتخيل أن الكتابة العلنية أصبحت أيضاً شكلا من أشكال العزلة. لكي تنعزل في هذا الزمان الجديد عليك أن تكتب مقالا! تخيل أي عصر تنقلب فيه معادلات الإنسان الداخلي والإنسان الخارجي. لتخرج من ذاتِك، ولتعيش مع الناس، عليك أن تخرج بتدوينة قصيرة للغاية لا تتجاوز الخمسين كلمة في منصة رقمية، ولتنعزل عن الناس ستفعل الشيء نفسه، ولكنك ستكتب ألف كلمة تشرحُ فيها فكرة شبه متكاملة، يمكن للقارئ أن يخرجَ منها بقراءة أكثر دقةً عن ذلك الذي تمرُّ به، وعندما يصل قارئك إليك، تصل الحلول، هذا غير المعالج النفسي الذي يقرأ كل حرف في مدونتي ويطلب مني بإلحاح تقليل الكلمات المحلية التي تخرج من لساني، ليسمح للذكاء الصناعي بترجمة كلامي قبل أن يعود لي بخطةٍ جديدة من دماغه الألماني العتيد! أكتبُ هنا لأنني أحبُّ عزلتي، لأن هذا هو عالم الحقيقي، أما ذلك المشحون بعشرات الآلاف من الذي أصبحوا يسمون الآن "متابعين" فلا أعرف ما الذي أشعر به حيالهم، جئت لهذه الحياة لكي أكتب، أعيش لكي أكتب، حياتي مرتبطة بكل من يقرأ لي، موهبةٌ بسيطةٌ في الوقوف أمام الكامرة لا تصنع عالما حقيقيا، ما أسخف هذه الورطة، أن تكون إنسانا مضطربا يقاوم الشر الحبيس به، يتجنب أن يكون مؤذيا وضارا، متحفزا للدفاع عن نفسه، وتجدُ نفسك في ذلك السياق الاجتماعي الذي يثقلك بالتوقعات. ورطة جميلة عندما أنظر لها من سياق القيمة العلاجية التي تحققه له، ومرهقة عندما أنظر لها من زاوية القلق الذي تسببه.

ماذا عساي أن أقول لك عزيزي القارئ، إن كنت قد وصلت لهذه السطور، فربما لأنها نشرت في كتابٍ من المقالات، سأوقعه في معرض الكتاب، على أملٍ أنني وقتها لم أضطر لخوض أشد معاركي ضراوة، وأكبر انتقاماتي شراسةً، على أمل أن كل الحياة المليئة بالأعداء التي أعيشها قد وصلت إلى تلك الهدنة العمياء، على أملٍ أنني فعلا سأعيش الحياة الطبيعية التي قد تكون أنت ممن يعيشونها، ماذا أقول لك عزيزي القارئ؟ لعلك جئت هنا لتتفرج، أو لتتعلم، أو لكي تبحث عن ثغرةٍ في منطقي، أو ربما لأنك عدو قديم جاء يقرأ واقع الحال الجديد، على أملٍ أن يعاود إيذائي، أو على أمل أن يجدَ طريقةً ما يسمم بها سعادتي المسممة وجوديا. لا أعرف ما الذي جاء بك إلى هنا عزيزي القارئ، لكننا هنا وحدنا، في عزلة عن ذلك الانتشار الجارف السريع، وفي وحدةٍ مع اللغة، نتفق على الإشارات، ونختلف في التأويل. لقد أتممت الألف كلمة التي جئت لكتابتها، سنلتقي في مقالٍ آخر أيها الصديق، وسنلتقي في حالٍ آخر أيها العدو، أيا ما كنت، شكراً لأنك قضيت بعض عزلتك في هذه الصفحة الملطخة بكل هذا السعير القلق.

 

 

معاوية الرواحي

 

 

الأحد، 10 مارس 2024

ديناميكية الاستمرار على الرياضة!

 #اكتشافات_حديدية:


لما بدأت، كنت أظن أن صالة الحديد هي ثنائية من الألم ونهاية الألم، ووصلت إلى إنه السبب الذي يجعلك "تعود" للصالة هو إنك تتغلب على آلامِك التي عشتَها في جلسات التمرين الأولى، ووصل هذا الظن معي إلى مرتبة الاعتقاد، ونعم هو صحيح.
يتضح لي شيء، إنه مثلما زوال الألم، وفك العضلات المتشددة مذهبيا سبب للاستمرار، لكنه سبب زائل، لأنه بعد أسبوعين أو ثلاثة من التمرين، لا يصبح لديك ذلك الألم، ويصبح ألم العضلة مجرد إرهاق، ومن الأساس وجود ألم بعد راحة ثلاثة أيام يدل على أن التمرين كان خطأ.
طيب، لو كان الوضع كذاك؟ لماذا يتحول البعض إلى مدمن صالة حديد؟ هذا الإدمان الحميد لصالة الحديد، ياخي ينفع عنوان لمقال منفصل. عموما.
يتغير السبب الذي يدفعك للاستمرار إلى شيء جديد، ينقسم إلى قسمين:
الأول ذلك الخارجي: شعورك بأن قوتك تتحسن، وأن أداءك الرياضة في رياضة ما يتحسن، وهذا دافع طفيف.
الثاني ذلك الذي هو داخل الصالة: تمرين كنت لا تستطيع أن تتقنه، ومن الأساس لا تستطيع أن تتمرنه يتحول إلى تمرين متكامل [15 تكرار] ثلاث جلسات.
تغير سبب الاستمرار، لأنك بعد مدة، لن تعاني من ذلك التخشب في العضلات، ولن تعاني من ضرائب فترة التأهيل العضلي، ونظام حزب البعث العضلي من الرماد والجمود.

اليوم أكتشف، إنه سبب الاستمرار ديناميكي، متحرك، يتبع نسبية أدونيس أكثر مما يتبع حتمية المعري. ومع اكتشافي هذه الفائدة النفسية، أيضا على الجانب عرفت سببا للتوقف.
أنت تحتاج كإنسان إلى الشعور بتطورك، وبفائدة خطتك لك، لما تمارس مدرسة الغشامة الأناركية العبثية الفوضوية اليسارية الفردانية المفرطة في التجريب، أنت تعيد اكتشاف العجلة، تعيد اختراع تمرين الحديد الذي اكتشفه فلاح في العصر الحجري، وبدأ يفرح لعضلات [الباي] التي نمت نتيجة استخدامه للمحراث، لذلك، ستصاب مع الوقت بشعور مزعج، إنه النمو العضلي لديك غير متناغم، ولا يحمل الوشائج الفاتنة لثنائية أبولو وآلهة الجمال، بلغة أقل تحاذقا، تكتشف إنك جالس تخبص في موضوع معقد للغاية، وبناء الجسد البشري فوق طاقتك، مما قد يجعلك تتوقف، هذا إن لم يقودك عدم الاتزان العضلي إلى إصابة تجريبية تقصف الباقي من حماستك.

هنا تأتي ضرورة اختيار مدرسة، واتباعها بحذافيرها، حذفوراً، حذفوراً، متبوعا، مخطوطا، مسطورا، واتباع مدرب لديه خطة تجاهك. لو حدث يوما ما بعد سنوات، وبدأت أمارس دور الوسواس الخناس الحميد وأقنع مزيدا من الناس بدخول عالم صالة الحديد الساحر سأنتبه لهذا الموضوع النفسي. تكرار التمارين التي كنت تعجز عنها وفجأة صرت تستطيعها هذه رسالة حازمة، جازمة، واضحة المعالم، قليلة المظالم، عالية التركيز، فاتنة التعزيز، مبهجة كأنها قبلة من ابنة أخيك وهي تقول لك "أحبك عمي" في صباح العيد، حتى مع علمك أن براغماتية القبلة مرتبطة بالعيدية لكنك تشعر بذلك الحبور الفاتن يغزو قلبك.

أظن والله أعلم، أن استمرار هذه الرسائل الصغيرة هنا وهناك، وهذا التعزيز لسلوك من الأساس صعب، ومليء بالألم والتحدي والعرق والإرهاق والخوف من الفشل، والانهيار العضلي، هي التي تجعلك تخطط لانهيارك العضلي بطريقة حكيمة.

أظن أيضا أنَّ المعلومة هي إحدى أسباب الاستمرارية في التمرين، فبعدما كنت تجهل عزل العضلة صرت تعزل، والعزل مع العضلات غير مكروه، وتشعر أن محيط جهلك يقل، وبالتالي أن استقلالية تلوح في الأفق بعد شهور طويلة، أو قصيرة.

حتى الآن، أؤمن أن ثلاثة أيام في الأسبوع هي الفترة الذهبية الكافية لغرس العادة دون هرس الخطة. قد أغير رأيي لاحقا.

غير المدرب خطة تمرين الأحد، أول أيام الأسبوع وجعله يوم تمرين التقويم والإصلاح، وبذلك يكون يوم الثلاثاء يوم الصدر والأكتاف، ويوم الخميس هو يوم الرجل.

أكملت - حسب كلام المدرب - ثمانين بالمئة من عملية التأهيل لأنطلق في التمرين بالشكل الكلاسيكي، جلسات، عدَّات ورفع أوزان [معقول] وبدأت أقلل من اعتمادي الرقابي على المدرب، فالمدرب رقيب رياضي يتبع مدرسة التمكين والمسؤولية أكثر من مدرسة القسر وصناعة قيمة لنفسه لأنه [رقيب رياضي]، وعشان ما آخذ مسار هذه الشذرة المتطاولة في البنيان اللغوي، أقدر أقول إنه تمرين صالة الحديد هي عملية متغيرة المراحل، في كل مرة الإشباع النفسي يأخذ صورة جديدة، ومعززات الاستمرار تتغير ذهنيا وعمليا.

والحمد لله على كل حال، حفظني الله من شر الإصابات، والتهور.

ومساء الخير ..