بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 مارس 2024

حوارات علمنفسيَّة!

 مشكلة علم النفس، ومن أكبر مشاكله، إنه علم عابر للزمان والمكان. يعني، كل فترة يطلع لك "تريند" وينال اهتمام عالمي كبير، ولا تكاد جريدة تخلو أو موقع إلكتروني، أو حتى "ريلات" الانستجرام وغيرها من وسائل الإدمان الرقمي البصرسمعي منه!

الشخصية النرجسية تارة، ثم اضطراب الانتباه وفرط الحركة [ADHD] ولما نمل عاد من هذي الحبشتكنات نرجع إلى موضوعنا الكبير عن جنون العظمة، وموسوليني، ونرجع إلى الجوكر، والشخصيات السيكوباثية، وهكذا دواليك. أما علم النفس الحقيقي، فهو ممل، وكله خطوات فوق خطوات داخل خطوات وقوائم داخل قوائم، وعملية استبعاد طويلة وممنهجة، وإجابات قليلة، وأسئلة كثيرة، ومنطقة رمادية، وفي النهاية تكاد تقول إنه نص قانوني، ودستور عالمي، وشيء فيه اجتماعُ علماء كوكب الأرض، وأمم متحدة، وجمعية أمريكية لعلم النفس، وجوردن بيترسون الذي يمنح صكوك الجحيم، وغيرها. كيف أشبه أن تكون طالبا لعلم النفس، أو مهتما؟ وأنت مهتم بعلم النفس، ما أن تجد الإطار، ستتسرع لحشر معرفتك ووعيك وانتباهك داخل هذا الإطار. وأنت طالب في مجال علم النفس تبدأ "تتأدب" ولا أقصد بكلمة "تتأدب" أي كنت قليل أدب، بل أقصد تكتسب أدب العلم، وتعرف ثم تحاول بناء الإطار المناسب، تتوقف عن التفكير من جهة الإطار إلى الداخل، وتفكر من الداخل إلى أقرب إطار ممكن، وفي أحيان كثيرة تصفعك الحاجة إلى تخطيط الإطار بنفسك. شيء من هذا القبيل. ولو كنت من المهتمين بعلم النفس ووقعت في هذا الفخ، لا تلم نفسك كثيرا، من لم يقع فيه من الأساس؟ عملة التفكير بوجود إطار نمارسها في علم النفس وخارج علم النفس، ولا علاقة لذلك بالتشخيص والأمراض، بل أيضا في تسمية الأشياء. تسمي الاندفاع، حماسة. تسمي وقاحتك صراحة، تسمي السلوك القهري بالواجب، تسمي المكاشفة سمية، لا تفرق بين حقك واستحقاقك، أشياء بعدد المواقف في هذه الحياة قد لا تسميها باسمها الدقيق. علم النفس هُنا يلعب دور العجوز، الذي يلبس نظارة، والذي لا يدخن الغليون، ويقول لك لحظة، هذا اسمه كذا، وذاك اسمه كذا؟ ليش يا عمّو علم النفس! هو كذا علم النفس، مثل عجائبية سيف الرحبي، لديه طريقة في تسمية كل شيء، أنت متفق، مختلف، هو كذا، تراكمت المعرفة البشرية وقررت تلك التسمية لسلوك، أو لشعور. لو كنت مهتم بعلم النفس لسينمائيته، نعم ستجد مدارس هائلة، بس ربما أحسن لك تدرس علوم جنائية، وتجرب تسوي مقابلات مع آلاف السجناء، وربما كنت محظوظ وتصير خبير في مجالك، وينفعك في كتابة تجربة تحليلية أو بحثية أو أدبية عظيمة. أما لو كنت تريد تعطي ما لسيف الرحبي لسيف الرحبي وما للناس للناس، تأقلم مع مساحة شاسعة من الشرطية والاستبعاد، وسوي لنفسك بارض، واحفر في الشاطئ، ومن ثم في الصخر، ومن ثم في التراب، واكتشف كل التجربة البطيئة وهي تحيطك بمهارات تجعلك نفساني جيد في مجالك. ومثلا، في علم النفس يتكلم عن ظاهرة التأجيل، مثلا، أنا معي امتحانين اليوم، لكنني مصر أصيغ كل أفكاري التي تعطلني عن المذاكرة على هيئة مقالات في تويتر، بينما القضية الحقيقية إني لازم أتأدب وأروح أذاكر قبل لا أنقص درجات وأنا أمتحن وأنا صايم! للحديث بقية غيب ذاكر يا ماريو


سؤال يحزنني دائما، لأن الإجابة الحقيقية، من صاحب تجربة، ثم من طالب في هذا المجال، دائما تختلف عن التصورات، تختلف جذريا، وكليا. أولا، قبل الذهاب إلى طبيب نفسي يعالج بالأدوية والعقاقير، السؤال بشكل عام، هل لقاء مختص في الصحة النفسية هي خطوة حكيمة؟ بشكلٍ عام، علم النفس غير مرتبط فقط بالأمراض، والمختص النفسي لا يعمل فقط في مجالات المرض، والاعتلال، أشياء كثيرة مرتبطة بعلم النفس، مثل الذاكرة، والسلوك، وتكوين قوالب الفهم، وجود أخصائي نفسي في حياتك هو وسيلة وقاية قبل أن تضطر للعلاج. ليس من المستغرب أن يتمسك الإنسان بسوائه النفسي، فهو مرتبط بشكل كبير "بالأنا" سواء تلك الأدبية، أو تلك الفرويدية الملتبسة الغامضة في التعريف بين بدائيتنا وجمعيتنا. لهذا نكبت الكثير من مشاكلنا، وننتظر حتى نمرض، وهذه هي المشكلة في رأيي، لأن الجميع متفق أن الوقاية خير من العلاج، كاتفاقنا مع ضرورة الحمية الغذائية مع مرض السكري، أو الضغط، كاتفاقنا أن الذي يعاني من الكوليسترول أو الكبد الدهني يحتاج إلى بعض الرياضة، كل هذا نتفق حوله، لكن عندما يتعلق الأمر بزيارة [مختص بالصحة النفسية] نصاب بذلك الخدش المروع للأنا، وتعمل الوصمة الاجتماعية المدعومة بالسينمائية الرائجة والمتداولة، مع الانطباعات الاجتماعية لكي تمنعنا عن فعل شيء ينفعنا بشدة. الذي يقابل أخصائيا نفسيا، لا يفعل ذلك بالضرورة لأنه مريض، تستطيع مقابلتهم وأنت بخير لتكون موظفا أفضل، لك تتبنى صناعة عادات جيدة في حياتك، لكي تتحدى القلق الذي تسببه لك المهنة، لتتعلم عن التركيز، والذاكرة، ولكي تقوِّم بعض السلوكيات التي قد تنقلب ضدك بعد سنوات أو شهور، مقابلة الأخصائي النفسي شيء نفعله، والجلسات النفسية والتقويمية والعلاج بالكلام شيء نمارسه دائما، لكننا نقابل كل أحد غير ذلك المختص. جلسات الكلام مع الأصدقاء، والمكاشفة، وفتح القلوب "والفضفضة" التي في محلها وفي غير محلها، نفعله مع شخص غير مختص بالصحة النفسية، لو فعلناه مرة كل أسبوع مع أخصائي نفسي لوجدنا نتائج جميلة جدا خلال شهور. لكن، نفضل مقابلة الأخصائي النفسي بعد نزع القيمة الشكلية للعلاج النفسي. المدرب في صالة الحديد: أيضا شكل من أشكال العلاج السلوكي، وصناعة العادات، ونعتمد على معرفته التجريبية، التراكمية بالسلوك البشري، وهو ومدرسته، من السهل أن نتأقلم مع مدرسة غير متعمقة في علم النفس السلوكي تصدر من مدرب عضلات، لكننا نأنف أن يحدث ذلك مع أخصائي علم نفس سلوكي، لماذا؟ مجددا هي تلك "الإيجو" المرتبطة بالاستقلالية في القرار النفسي، والغم، ثم الغم، ثم الغم، أول ما يتعلمه الأخصائي النفسي هو أنَّه لا يتدخل، يعني سبب غير وجيه لعدم مقابلة شخص يخص صحتك النفسية. جلسات التقويم الوظيفي، مقابلات الوظيفة، كلها بشكل ما أو بآخر تم نسجها من قبل عقول [علمنفسيَّة] الاختبارات السيكوميترية، وتقويم الأداء الوظيفي، والعقوبات، وحتى مواعيد العمل، واختيار ساعات العمل، كلها وضعت بمشورة، واستشارة، وعمل نفساني، نقبل كل هذا لكننا عندما يتعلق الأمر بمشاعرنا السيئة والمؤذية لنا ولغيرنا نتعامل مع الأمر كعبء سري، وكأن مقابلة الأخصائي النفسي مجرد "دلع". العلاج بالعقاقير، أو "الطبيب النفسي" مقاربة من مقاربات الحلول، ولك أن تختار، جلسات بالعلاج بالكلام، والتقييمات النفسية، وتوضيح ملامح السلوك، قد تمتد لعشر جلسات، أو مضاد اكتئاب يعمل بعد أسبوعين، وبعدها تعود إلى سابق عهدك، تتلقى العلاج النفسي الإدراكي من مصادر غير مختصة. تفعل ذلك في خطابك الداخلي، ومعايير نموك القيمي والأخلاقي، وتحديدك لما هو صواب وما هو خطأ، وقد تخطئ في تحديد الصواب الخطأ وتتعلم بالتجربة. تتلقى العلاج النفسي الإدراكي من المجتمع، ومن الدين، ومن كتب التنمية البشرية، ومن المتحدث التحفيزي المختص غير المختص، وربما يلامس شيء ما قلبك في "ريل انستجرام" أو في تغريدة لمغرد تحب متابعته، وتتلقى منه العلاج، بدون مدرسة متكاملة الأركان وبدون أخصائي. العوارض النفسية لن تزول عنا، ولو تسألني، وجود أخصائي نفسي تقابله مرة كل شهر على الأقل هو جزء من واجبنا في العناية بأنفسنا، هذا ونحن [بخير] نعم لقد قرأت الكلمة، ونحن بخير يجب أن نقابل أخصائيا نفسيا لكي نجوِّد عملنا، وخطابنا الداخلي مع أنفسنا، ويجب أن نتوقف عن حصد التوعية النفسية، والعلاج الإدراكي، وصناعة العادات، وتقويم السلوك من مصادر مرتجلة بعضها يتناقض مع بعضها البعض لاختلاف المدرسة. ثمة أمراض نفسية من الكارثة أن تحاول حلها بغير أدوية، وثمة عوارض نفسية قد لا تحتاج إلى دواء راديكالي جذري له أعراض جانبية كثيرة، مقابلة الاثنين، الأخصائي النفسي، والطبيب النفسي يجب أن تكون جزءا من سلوكنا الاعتيادي الصحي سنويا، يجب أن تذهب، وأن تخضع لكشف عام، وأن تتحدث عن سلوكك، وعن مشاعرك المؤذية، وعن السلوك الذي يضرك، وتأخذ صورة شاملة عن تفاقهم وضعك النفسي، بهذه المقابلة وربما ببعض الاختبارات المتعلقة بالأنماط الشخصية، أو بالأنماط المرضية قد تكتشف بعض المشاكل قبل تفاقمها. لذلك، إجابتي يا صديقي العزيز، ليس من يجرؤ أن يقابل الطبيب أو الأخصائي النفسي وهو ليس بخير، بل يجب أن تجرؤ على مقابلته وأنت بخير، وبكامل طاقتك، وبكامل إنتاجيتك، ففي علم النفس كنوز هائلة لتوجيه طاقتك، ولتأمل ذاتك، ولصناعة النجاح، ولحل عقد الخوف من المجهول، ولكشف أنماط سلوكية مبكرا قبل أن تحقق بعض مبتغاك في هذه الحياة لتكتشف أن زيارة مؤجلة ست سنوات لأخصائي نفسي أخبرتك عن معاناتك من وسواس طفيف تفاقهم، أو مع نمط تفكير كان يمكن أن تحله ببعض الواجبات العلاجية، والقليل من الكتابة، أو تسجيل الملاحظات، وغيرها من وسائل كثيرة هدفها أولا وأخيرا نقلك إلى حالة من قبول التغيير، وبالتالي اعتناق السلوك الأفضل لك، والأصوب لتحقيق ذاتك. وشكرا على طرحك لهذا السؤال الجميل جدا جدا، تركت مذاكرتي بضمير مرتاح لأرد عليه.

لا أسمي ما أفعله صراحةً، بقدر ما أسميه وضوحا. أنا هو الشخص نفسه الذي ذات يوم في سلسلة من الهذيان المرضي، كنت أتكلم من وحي الخيال مباشرةً، في تصديقٍ جازمٍ لضلالات مرضية، كنت أعتصر ألماً وأنا أتذكر لحظةً من اللحظات، سواء تلك المتعلقة بفقدان السيطرة على الأعصاب، أو بكل بساطة، بالجنون، وتصديق الخيال. مرةً من المرات، في فيديو مشحونٌ بالتداخل المر بين الواقع والخيال كنت أوجه رسالة شديدة اللهجة إلى حكومة سلطنة عُمان، وأهددهم بأن التنظيم الشيوعي الذي أديره، دخل في كل مفاصل الدولة، الجميع تعامل مع ذلك الفيديو بشكل ضاحك وساخرٍ، وظن كثيرون أنني أمزح، والواقع المر أنني كنت حقا وقتها أتكلم بتصديق تام، وبجدية تامَّة، والسبب النفسي واضح، وهي إحدى آليات التعايش مع الصدمات، تعبير عن الشعور بالعجز أمام السلطة واللجوء إلى الخيال، الأمر يشبه أحلام اليقظة لكن في حالتي ولظروف عديدة تحول إلى مادة مرئية شبه ساخرة. لم أتعايش مع هذه النكسات العلنية بسهولة، العلاج النفسي ساعدني بشدة في الممايزة بين الذي كان تحت سيطرتي، والذي لم يكن تحت سيطرتي، وهنا تأتي أهمية المعالج النفسي، فهو حكمٌ أكثر حيادية من طاقم تحكيم برشلونة مثلا! الوضوح الذي أتبناه هو خط عودة للواقع، ولقد خسرت الواقع من قبل، عدة مرات، خسرته بالضغط النفسي الشديد، وخسرته بإدمان المخدرات، وخسرته بالتلاعب بأدويتي التي كنت أدفع بها دائما لوضعي تحت حالة الهوس المرضي، الجزء المليء بالحبور [المرضي] في حالات ثنائية القطب، وخلال هذه السنوات، طورت مجموعة من السلوكيات الضارة لنفسي ولغيري. وصف أنفسنا نفسيا، وسلوكيا، مهارة صعبة للغاية لا أمتلكها، ومن الصعب أن يمتلكها المرء تجاه نفسه، هنالك دائما معضلات في عزو ما حدث للظروف النفسية الداخلية أو الخارجية، ومن الأساس هذا التقسيم تقريبي ولا حدة من الصواب فيه، ولا جزم، ولا حسم، ولكن وجود المعالج النفسي الماهر يقرب هذا الصواب في الحكم إلى واقع تاريخي، يحول كل شيء إلى وقائع وذاكرة، وما أن يمسك الإنسان بحقيقة ما حدث، تبدأ عملية العلاج الفعلية. أنا متعايش مع حقيقة حالتي منذ زمن طويل، واضطررت لتكوين شخصية دفاعية شرسة للغاية عندما يحاول أي مخلوق كان الاقتراب من أهليتي العقلية، وفي الوقت نفسه، لدي نزعة دفاعية هائلة وخوف شديد من مناطق الاضطراب والجنون، لأنني أعرف جيدا معنى أن يفقد الإنسان سيطرته على عقله. ترفق الله بي، وللظروف الخارجية دور كبير في استقراري، وهي نعمة من الله، هذه الامتيازات التي لا يملكها شخص بنصيب أقل من الوعي، أو اللغة، أو الكتابة، أو الإبداع، أو أن ينتمي لعائلة تصالحت مع مرض ابنها وتحالفت معه في إبقائه بخير، هذه الظروف لا يملكها آلاف مؤلفة من الناس الذين يُخفون، وبعضهم يسجنون في غرف مغلقة، وبعضهم يربطون بالسلاسل، وبعضهم يُذهب به إلى دجال ليربطهم بالحبال بحجة إخراج العفريت الذي سكنه. سؤالك لم يكن مجرد تغريدة، إنها قضية حياة بالنسبة لي، قضية وجود مع البشر الذين أؤمن بهم وبحقوقهم، قضية نضالٍ آمل أن أكون أحد جنودها المخلصين، ومع أنني أعاملُ دائما "كعاقل" أو ككاتب على قدر لا بأس به من الموهبة، أو "كعاقل" يمتلك مهارات لا بأس بها من التحليل والقدرة على التفاعل مع الواقع، لم أجعل هذا يخدعني يوما ما لأكون من المترفين بعقولهم، أنا لست من هؤلاء، ولو كنت منهم لانتميت لهم بضمير مرتاح، أنتمي لهؤلاء المضطربين عقليا، الذين يقاسون ويعانون في السيطرة على عقولهم وعلى أفكارهم، هؤلاء الذين لا يفهم أحد لماذا يخافون من النوم، ولماذا ينعزلون بالأشهر، ولماذا يطمحون ويحلمون بالطمأنينة، أنتمي لكل هؤلاء الين يفتك بهم القلق، والغضب، وأنتمي لكل هؤلاء الذين لطالما فكروا بالانتحار لسنوات متتالية، وبعضهم فعلها، وبعضهم أكرمه الله بالحياة. هذا الوضوح يا صديقي، جزء من القضية الكبيرة، وتخص فئة من المجتمع قليل من يهتم لأمرهم، فئة في كوكب الرأسمالية تعتبر "فئة غير منتجة" وفي كوكبنا العربي تعتبر "وصمة عار" .. ولذلك يا صديقي، مثل هذه الأسئلة، تذكرني بما أكونه في حقيقة الحياة، مع أن المغريات الوفيرة التي أمامي تجعلني أنصاع أحيانا للعب دور الذكي، العبقري، مفرط النشاط، صاحب التجربة، أو الابن الضال الذي عاد إلى رشده، وأعترف أنني أستجيب أحيانا مع بعض الحمقى لهذا الإطار الجاهز، فقط من باب عدم تضييع الوقت في نقاش لا يرجى منه فهم أو وعي. أما الحقيقة الصافية، أنني شخص يعاني من اضطراب نفسي، ارتكب الكثير من الأخطاء، وارتكب في شأنه الكثير من الأخطاء، وتحولت مع الوقت والسنوات وتعقيد الظروف إلى حالة صعبة من العلاج، ونبذ العلاج، والصدام، قبل أن يأخذني مركب الحياة إلى اللحظة التي إما أستعيد فيها سيطرتي على عقلي، أو أخسر قدرتي على الحياة المستقلة، كانت ست سنوات كاملة من الصراع والتجربة، وهي مستمرة، ولم أعد أعبأ بتشخيصي، أو بالإطار الذي يعينني على الفهم، كل ما أفكر به هو السلوك، والموقف تجاه أي شيء، ومهما كانت الأشياء لحظية، أعود، فأدرسها، وإن كنت مخطئا، أعترف بخطئي وأحاول تصحيحه، وإن لم أكن مخطئا أحارب بضراوة حتى يكف المعتدي عدوانه. والحق يقال: هي حياة ممتعة جدا، اضطراب البصيرة المؤقت يعطي نتائج أدبية رائعة، لكن هل أعاملها كحقائق، كلا. وعاد لك أن تتخيل التوفيق بين كل هذه الاضطرابات، وبين حياة اجتماعية حتى هذه اللحظة من الأسهل لك أن تلعب دور المصاب بعين، أو الذي "اختطف الجن والعفاريت عقله" بدلا من أن تقول أعاني من اضطراب في المزاج، ولا أنام خمسة أيام، واحيانا عندما أتعاطى جرعة عالية من الحشيش، أو عندما أعاني من نوبةٍ هوس كبرى أهدد الجيش بأنني أمسك جميع مفاصله، وأستطيع تحطيم الدولة بإشارة من يدي. نعم، كل هذا مضحك، مضحك بشدة، المؤلم أن تكون أنت الشخص الذي يضحك الآن، وأن الذي تضحك عليه هو نفسك، هو أنت في حالة سابقة. التأطير للاضطراب العقلي سهل للغاية عندما تعلم سببه، الكيماوي، أو الإدماني، المفزع هو ذلك الذي يحدث وأنت في بعيد كل البعد عن المؤثرات العقلية، لذلك يا صديقي العزيز جدا، هي رحلة طويلة، والبعد عن المؤثرات العقلية بداية الطريق، وبعدها، يتحول إلى واقع ممل، ممتع بغياب دهشته، متوقع، وخطوط عودة كثيرة، وسلوك يكتسب مع الوقت ديمومة مُرْضِية، وطمأنينة عامَّة يفسدها بعض القلق، لكنه لا يحطمها للحد الذي يجعل الانهيار التام طريقة تعايش مع الألم. ههههه ياخي، أفعل المستحيل كي أترك المذاكرة، صدقني لو كانت تويتر يسمح لي بكتابة مائة صفحة متتالية لفعلت من فرط هذا التأجيل الرمضاني للواجب الدراسي. كن بخير، مودة وسلام

رة حد سألني سؤال: ليش دائما الصحة النفسية مشكلة اجتماعية عالمية؟ فأجبته: لأنه في مكان ما يجب أن يقضي شخص أربع سنوات ليدرس، وسنوات طويلة ليتدرب، أو 12 سنة ليتخصص في مجال الصحة النفسية، وينسف رأيه شخص جلس قبل خمس دقائق في مقهى شيشة! هذي هي مشكلة الصحة النفسية في العالم أجمع!

بما إنه وقت المذاكرة حان، هُنا تنشرح النفس للكتابة عن رحلة ماريو التغييرية رقم ثلاثة، والنظام الغذائي في رمضان. أول اكتشاف جديد، عرفت لماذا نترك الحمية الصواب، ولماذا عدة مرات في العمر يمر علي مثل هذا الجدول الغريب وأتركه. لأنه أول أعراضه هو زيادة الوزن! نعم! كما قرأت. من يتوقع إنه الحمية الصحيحة هي ست وجبات، بلا حرمان، وتدريب للأيض! وقياس للسعرات، ولكن ليس بالطريقة الغشيمة، بطريقة هادئة، وخالية من الجوع الشديد، وترفع مستوى طاقة الجسم! صعب جدا جدا أن تصدق ذلك وأنت تمشي على غير هدى في عالم الحمية. على صعيد جانبي، أيضا، برنامج الذهاب لصالة الحديد استمر، ونعم صرت أستخدم الفعل الماضي لأنني واجهت تحديا في رمضان، وإذا بي "أنزحطُ" عن الخطة، ولكن لا يذهب بالك إلى أنني صرت كسولا! الذي حدث هو أنني خالفت نصائح أخصائية التغذية، والتي نصحتني مرارا ألا يتجاوز عدد ساعات التمرين "أي تمرين" عن ساعتين في هذه المرحلة من التدريب الأيضي، ولأن تمارين الحديد مرهقة وتتعب العضلات لم يكن هذا مطروحا، ساعة ونصف ثلاث مرات في الأسبوع، ومع أنه أستطيع الذهاب يومين إلى أكاديمية التنس كنت أفضل الراحة في هذين اليومين. وجاء رمضان! الذي حدث، أنني قبل دخول رمضان قد أنهيت متطلبات التدريب، وبدأت أجد بعض الطاقة في الذهاب لصالة التنس، فماذا كانت النتيجة؟ ماريو ينزحط مجددا في الحماسة غير المحمودة، ثمانية أيام متتالية من لعب التنس، وفي اليوم الأخير خمس ساعات كاملة. لم أستطع التوفيق بين التزاماتي، وغذائي، والذهاب لصالة الحديد، لذلك كنت بشكل ما ضمني أذهب لتنس الطاولة. بعد اليوم الثامن، آلام في الركبة، آلام في الظهر، وقررت أن آخذ استراحةً جيدة لمدة يومين ومن ثم أذهب لصالة الحديد. قلت في نفسي "دعني أذهب للتنس أسخن ساعة ساعتين" ثم أذهب لصالة الحديد، وكان ما لا يحمد عقباه! كبسة أثناء التسخين، وردة الفعل اللاإرادية، وآلم في العضلات القطنية في الظهر، تمزق خفيف جدا لكنه مزعج بمعنى الكلمة. لو كنت أطعت كلام أخصائية التغذية، وتمرنت بالتي هي أحسن لما مررت بهذا الظرف السخيف! يتضح لي أن راحة يومين بعد ذلك الجهد الشاق لا تكفي، وأنني ضغطت على جسدي بدون فائدة تذكر، والآن علي التعامل مع هذه الإصابة بالانقطاع عن الرياضة لمدة قد لا تقل عن خمسة أيام! ماذا أجدت تلك الساعات الإضافية؟ عدد الساعات التي ستفوتني تفوق كل الساعات الإضافية، والتي من الأساس لم تنفعني! درس صغير، وأيضا درس آخر ضمني عن ضرورة الإطالات قبل التمرين! عموما، لدي امتحانات، ومن السخف أن أنظر للموضوع أنه جيد للمذاكرة لأنه أصلا المذاكرة ساعات عمرها ما تعطل التمرين، بس يا ماريو تذكر لماذا هناك حد أعلى لكل شيء، ما شيء فائدة تجلس خمس ساعات وأنت آخر ثلاث ساعات مرهق وتلعب بربع مستواك! أنتظر هذه الإصابة تشفى، بعدين لي جلسة مع نفسي في ضرورة تطبيق الخطط حذفورا حذفورا!

مرحبا يا صديقي، المنظور الذي أنادي به هو إنه المرء منا يطبِّع علاقته مع العلاج النفسي، كونه من الأساس يتلقى عدة جلسات مرتجلة، غير متخصصة في سلوكه النمطي/ الطبيعي. وأنادي أي إنسان أن يلتقي مع طبيب نفسي، ومع أخصائي نفسي مرة في العالم على الأقل. سؤالك يحتاج إلى إزاحة بعض التصور النمطي عن موضوع العلاج النفسي. البعض يظن أن عملية اللقاء مع مختص في علم النفس هي عملية نبش، وتفسير، وتحليل، والذين يتبعون مدرسة التحليل النفسي الشائعة سينمائيا، والحديث عن عقد الطفولة، أو عن المشاعر المكبوتة يتخلق لديهم هذا الانطباع، وهذا ليس عمليا بالضرورة وإن كان يمكنه أن يكون علميا، واستقصائيا، ونافعا معرفيا، لكنه أيضا قد يكون تضييع وقت. بينما أنت تسرد بحرقة قصة طويلة تأخذ منك ساعة لتشرحها، المعالج أو الطبيب يكتفي بجزء منها لكي يضع في وجدانه كلمة واحدة "يعبر عن صدمة قديمة" قد تقضي ربع ساعة وأنت تشرح مشكلة تعاني منها والمعالج يأخذ من كل ذلك الكلام "لديه قلق" وقد تتحدث عن موقف في العمل مع مديرك أو مديرتك وتشرح للأخصائي النفسي بتفصيل تراعي فيه الدقة بينما الأخصائي النفسي كل الذي يسمعه "وسواس طفيف أو جسيم" وهكذا دواليك. لذلك لتستفيد من العلاج، يجب أن تعرف من الأساس ما الذي يريد الطبيب أو الأخصائي النفسي معرفته، وكل معالج وأسلوبه وطريقته. البعض يجد في العلاج النفسي فرصة للحديث عن أعمق المكبوتات بداخله، وربما أشياء يعجز عن قولها لأي شخص من الناس، وجود إنسان ملزم بالسرية "قانونيا" ويتعهد أخلاقيا بعدم إفشاء أسرارك العلاجية تصريحا أو تلميحا، مساحة جديدة في الحياة، واستثمار هذه المساحة يصنع لك مساحات اجتماعية واضحة، وعلى الأقل تتجنب التنفيس المرتجل مع الذين لا يفهمون حالاتك النفسية، ولا سيما لو كانت لديك مشكلة ما! لذلك، لتوفر التكلفة، حدد ما الذي تريده من تلك الساعة، على صعيد الطبيب النفسي، اسأله عن الدواء، وآثاره الجانبية، ومفعوله، واطلب منه مرجعا معتمدا لتقرأ فيه عن الدواء، وعلى صعيد الأخصائي النفسي، فلديه مؤونة وفيرة من الاختبارات النفسية، ومن طرق العلاج، بل ومن المصادر، وما قد يبدو لك غير مهم لتقوله الأخصائي المدرب، والمؤهل يعرف جيدا ما الذي يفتح عينيك عليه، وأنت وعنادك، وتقبلك للتوعية الإدراكية، وأنت وصدقك مع نتائج الاختبارات السيكومترية، وأنت وتفسيرك لها، بشكل عام، المعالج قد يكون مرجعية توكيد لبعض انطباعاتك عن ما هو صحي وغير صحي في سلوكك مع نفسك أو مع غيرك. لذلك أقول اذهب له وأنت بخير، وإن لم تذهب من قبل فلا تذهب لكي تسرد مشكلةً ضخمةً على اعتبار إنك "تراك واصل" خليك تشوف أبرز مشكلة لديك وتعالجها، اذهب لمرة واحدة، وقل للمعالج لماذا أتيت، وإنك تريد أن تراجع. وهناك مدارس كثيرة في التوعية الإدراكية، وفي التحفيز، وفي الدعم، حبذا تطلع عليها قبل الذهاب إلى رحلة أن يكون لديك أخصائي نفسي في حياتك. لو لم تكن لديك حالة مرضية تسترعي العناية الدائمة، قد تزوره مرة كل عام، أو تزوره عند الضرورة، ولو كنت من الذين يحبون تطوير أنفسهم بدلا من أن تكون من جماعة الذين يريدون [تغيير أنفسهم] فقد تكون العملية النفسية معظمها تدور في فلكك أنت، وجهدك الذاتي، واطلاعك، وعودتك مرة في الشهر، أو كل شهرين لذلك المعالج فقط لكي تفتح خيوطا جديدة تستفيد منها في رحلات التغيير، أو رحلات التطوير لصحتك النفسية بشكل عام. الذي أقترحه، هو أن تتابع قليلا من تجارب الذين دخلوا عالم الأخصائيين النفسيين، أو الأطباء النفسيين، وما اكتشفوه، وتنظر للأمر وكأنك ذاهب لتقابل طبيب باطني، أو طبيب كبد، أو طبيب أنف وأذن وحنجرة وأدهشك بحلول للشخير، أو شخصك باختناق النوم التنفسي، وأنت لم تكن تحسب حسابا لذلك، قد يحدث لك ذلك وقد يقول لك: أراك بعد ستة أشهر، ويقترح لك مجموعة من الكتب وبعض الاختبارات التي تكلف عشرة دولارات، وقد تعود له لأنك تريد المزيد من هذه التجربة النفسية، وقد تكفيك هذه الخيوط وتكتشف كتبا في علم النفس الإيجابي، وفي تطوير الذات، تخبرك عن المدرسة التي تتبعها، ويكون لها مفعول منطقي ودائم في جعل صحتك النفسية وإنتاجيتك أفضل حالا. وهكذا دواليك. وأرجو أنني أنصفت سؤالك بإجابة أفادتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.