بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 مايو 2022

الرقابة ..

 شتّان بين الرقابة التي تهدف للحفاظ على سمعة الدولة، وحماية اقتصادها من الإشاعات، وحماية المجتمع من الفتن المذهبية أو الطائفية، وتلك الرقابة التي هدفها التغطية على إخفاقات الموظفين الرسميين المعنيين بشؤون الخدمات المدنية والبلديات، شتان بين رقابة ورقابة.

على الرقابة الإعلامية في عمان أن تحدد لنفسها خطا واضحا، هي تريد حماية من وماذا بالضبط؟ إن هذا الستار الحديدي المتهالك الذي تحاول فرضه حتى هذه اللحظة لم يفعل شيئا أكثر من تحييد دور الإعلام عن أداء دوره الوطني. هل الرقابة مهمتها حماية المخطئ؟ أم حماية الوطن من الأخطاء؟
وقد تحول الأمر في الآونة الأخيرة إلى موضوع عناد وصلاحيات غير واضحة. وتصرفات مشكوك في قانونيتها، وإيقافات بالاتصال، ووزارة الإعلام من وزارات الخدمة المدنية، وصلاحياتها تشمل المنشآت الإعلامية، ما علاقتها بالأفراد؟ ولماذا هذه الشخصنة في تعاملها مع الإعلاميين؟
يثبت واقع الحال القانوني في عمان أن الرقابة الإعلامية قد وصلت إلى حد مزرٍ من التعطيل. فهذا هو القانون، والمظلة القانونية التي تُشرف على مواقع التواصل الاجتماعي، تقوم بعملها، واتفقنا أم لم نتفق، القانون هو واقع الحال، فلماذا تقوم الرقابة الإعلامية باختراع نظرية خاصة بها؟
والأمر لا يتعلق بشخص الوزير، وإنما بالمنظومة كاملة. كيف يمكنُ للرقيب أن يزاول عمل الرقابة والإعلام في وقتٍ واحد، هذا هو لبُّ المشكلة وجوهرها. على وزارة الإعلام أن تعيد النظر في تصرفاتها الرقابية، فهي متأخرة عن الركب، ولا يحق لها أن تطلب منه انتظارها لأنها لا تجيد التأقلم!
وحتى هذه اللحظة النظرية الرقابية الإعلامية العُمانية غير معلوم هي في صف من بالضبط! السقف القانوني أعلى بكثير من سقف الرقابة، وغير معلوم سبب تحركات الرقيب، وغير واضحة الأسباب، وتحمي من! لا أدري! هذا الإخفاق والعناد والشخصنة لن تؤدي إلى نتائج جيدة. والقانون هو الحكم لا المزاج!
وماذا عن هذه [الطبَّة] الجديدة؟ اتصالات! وخطاب [سرِّي] ورسائل غير موضحة بالتفصيل القانوني! عموميات! ما هذه الطبة الجديدة التي تحاول فيها رقابة الإعلام التدخل في المنصات الشخصية! بأي قانون يتم اعتبارها [منشآت خاصَّة] ما هذا التخبيص المُبين!
المنصات الإلكترونية عددها بالآلاف المؤلفة! فإذا كان القانون قد صدر منذ عام [2004] ما الذي أيقظ البعض من السبات لكي يتحرك الآن من أجل [الترخيص] ولماذا لغة التهديد والوعيد والملاحقة القانونية! قرأنا القانون، واستشرنا المحامين، وكلهم يردون بالرد نفسه: أين هذا النص القانوني؟
كذلك المشرع العُماني قد وضع نصا بيّنا يفصل بين مؤسسات الإعلام [التقليدية] وبين المواقع الإلكترونية، هذا له قانون، وذلك له قانون، وعندما تقوم منصة إلكترونية بممارسة العمل الإخباري، وقتها نقول نعم، هُنا تقع هذه المنصة تحت مظلة الإعلام، شريطة أن تتبع منشأة تجارية خاصَّة. [منشأة].
وما نهاية هذا التخبيص؟ [يوتيوبر] يعزف العود والأغنيات هل تقول له استخرج ترخيص انتاج فني؟ آخر يقدم بودكاست في قناته [الشخصية] ماذا ستقول له أنت منشأة خاصَّة؟ وكل هذه الآلاف المؤلفة من البشر والمبدعين ماذا ستفعل بهم تدخلهم في سياقك المنهارة متابعاته والاهتمام به؟
وسؤال، ما وجه السريَّة في عمل الرقابة؟ أليس هذا العمل معلنا؟ من أين تم ابتكار الخطابات السرية؟ ولماذا يتم عبر الاتصالات المباشرة؟ ما هذا التخبيص؟ هذه الحقوق القانونية ليست مزاجات، وعندما يصل لك مقال في جريدة وتريد ممارسة مزاجك افعل ما تشاء يا رقيب، في حقوق الناس الزم حدودك.
وتناول الرأي العام، والشؤون العامة من حيث الآراء هذا حق فردي كفله النظام الأساسي في الدولة، هذا حق قانوني، وقد تم تطفيش المبدعين، وأصحاب الرأي بسبب الرقيب، ومدرسيّته الشخصية، وترجيحه لمزاجه. ماذا الآن؟ وما حكاية المراسلات التي تحمل صفة [سري] لماذا السرية؟ أنتم جهة مدنية يا قوم!
وبدلا من أن يتصل الرقيب بالناس، ويهددهم بالملاحقة القانونية، عليه أن يرسل رسائل واضحة، بها تفصيل قانوني. وثانيا، إن كان القانون الجديد ينص صراحة على فصل المؤسسات الإعلامية عن مواقع التواصل الاجتماعي، ومهمة الإعلام هي تحليل ورصد هذه المواقع لا الإشراف عليها!
وما نهاية هذا المسار؟ استخراج تصريح لكل مغرد في تويتر؟ ماذا عن مساحات تويتر؟ هل أيضا الآن يتم اعتبارها [برامج إذاعية]. القانون صدر في زمان قديم ليس به كل هذه التعريفات لكي يتم ابتكارها. وإذا كان الإعلام يفشل في الوصول وإقناع الناس فعليه أن يراجع سياسته، لا أن يوقف نشاط غيره.
وختاما، ما يحدثُ من تصرفاتٍ مبنية على التأويل الشخصي للقانون له عواقب وخيمة، ولن يعطل الآراء والكلام، لكنه سيعطل الجانب الاقتصادي للإعلام، وسيسمح لمزاج الرقيب المتهالك بأن يتفسلف فما ليس له خبرة فيه. المواقع الإلكترونية شخصية، وتتبع أفرادا، فراجعوا القانون جيدا يا رقباء!

الاثنين، 30 مايو 2022

الذين لا يريدون حلَّا

 

 

الحياة في تعريفِ البعض كفاحٌ مستمرٌ لإثباتِ أنَّهم على صواب. هذا الاعتبار الذاتيُّ أهمُّ من عيشِهم حياةً جيدة، وأعلى أولويةً من علاقاتِهم مع المحيط الذي يعيشونَه. في سبيلِ ذلك يغالون في تمييع الحقائق، وفي شنِّ الهجمات الشخصية، والاجتماعية. لم لا؟ فهم على صواب وبالتالي فإن الصوابيَّة تبرر الوسيلة. ما أصعبَ أن تتعاملَ مع الذين لا يريدون حلَّا، الذين يضعونَ أمامَك سلطتهم الصوابيَّة وكل ما عليك فعله هو أن تتقبلَ ذلك. هذا أو الصدام، بكل معانيه المؤلمة، وخلوَّه من العطف، وغيابِ العلاقات البشرية في دوَّامةِ الخصومةِ والصراع.

لكل مشكلة حل. بعضُ المشاكل حلولها العداوة. ماذا عساك أن تفعلَ مع الصديق الذي صداقته أشد ضررا من عداوته؟ الحياة لا تسير وفق أمنية العيش في سلامٍ وتصالح. ماذا عساك أن تفعلَ مع المدير الظالم، الذي ملأ محيط العمل بالوشايات، المقصِّر في عملِه، والجاهل في تطوير أي إنسان؟ قد يكون الحل الوحيد هو استقالتك وبحثك عن وظيفة جديدة، أو بحثك عن وظيفة جديدة ومن ثم الرحيل بسلام.

كذلك في عالمِ الأفكارِ، البعض لا يريد حلَّا. أيضا الصوابية تبرر الوسيلة، فأنت على خطأ مسبقا. قد تكون إنسانا مرنا فتقول له: نتفق أن نختلف. يصابُ بربكةٍ عقليةٍ جسيمة! كيف يعني نتفق أن نختلف؟ لا يمكن أن نتفق على الاختلاف، ما دمتُ أراكَ مخطئا فهذا يعني الخصومة، أحدنا يجب أن يكون على صواب! ستشعر بالسخف وأنت تضيع وقتك وجهدك في محاورة إنسانٍ مستقطب، متشنج، الحقيقة لديه هي ما يؤمن به أكثر من كون ما يؤمن به هي الحقيقة.

عند غيابِ الرغبةِ في إيجاد الحلول لا يبقى سوى صراع الإرادات. وقد تكونُ إنساناً سلميا، تؤمن بحق الجميع في أن يكون له رأي، تعتبر أن التفاوضَ على حقوق الجميع هو الحل الأنفع لكل طرف. ثم تصدمك حقيقة الحياة، وطبائع البشر، وحيل النفوس، حتى هذا التفاوض ليس أكثر من عملية مستمرةٍ من التلاعب بمنطقيتك، كم مرة شعرت بالغباء وأنت تناقش زميلا في العمل كل همه أن يكيل التهم إلى مهاراتك، أو ليطلق سهامَه تجاه حماستك وطموحك؟

قليلٌ من الناس يعترفون بمشاكلهم، وبالتالي يبحثون عن الحلول لها. البعض يضع مشكلته، وتسلطه في الدفاع عنها كنقطةٍ أولى في التعامل معك، هُنا ماذا بيديك؟ أن تبحث عن حل؟ لن يكون حلا مشتركا، وليس لديك سوى بناء استراتيجية هجومية أو دفاعية، كل من يحميك من هؤلاء البشر، الذين أساس التعامل معهم: غياب الحل. فالحلول لديهم اعترافٌ بمن يختلف معهم، وبالتالي سحبهم إلى منطقةٍ من السلام لا يعرفون التعامل معه أو الحياة فيه.

 

 معاوية الرواحي

 

 

الخميس، 26 مايو 2022

خوف أم وصاية؟

 أن تخاف على مُجتمعك هذا نُبل، فهم أهلُك، ووطنك، وناسك، وعزوتك، وقبيلك من المحبة والانتماء، هُنا تتبنى الإقناع، والمُجادلة، والنقاش، والحوار، وتأخذ مُقاربة طويلة المدى أساسها التوعية والتثقيف.

 أن تعتبره سهل الانقياد، تخاف عليه مما ينافس هدفك في توجيهه، فهذه مجرد وصاية.
لم يتفق البشر يوما ما على مقاربة واحدة تحدد ماهية الصواب والخطأ. ومهما كانت ثقتك بمدرستك، يحدث التعايش بالإقناع، وبالمقاربة الصعبة. من السهل جدا أن تطالب بمنع كُل ما يثير ارتيابك وقلقك. هذا لا يبني مجتمعا، هذا يعطله، وينزع منه أدوات الوعي والتمحيص والتفنيد العقلي.
والدافع النبيل لا يعني بالضرورة نتيجة خيّرة. فلا يسلم الإنسان من الذاتيَّة، ولا من تزكية نفسه ليكون هو خيرُ من يقوم بهذا الدور! ماذا لو لم تكن خصالك النفسية، ومقاربتك السلوكية الاجتماعي هي خير طريقة؟ هل ستكون شجاعا لتترجلَ من صهوة الجواد، وتعلم أنك لست الشخص المناسب؟
ومن ينجو من زحامِ الدفع المعنوي؟ هل ستقبل إن وصفت بالتسلط؟ ويصيبك الاحتراق، وتذهب نفسك حسرات على ماذا؟ على الذين لم تقم بإقناعهم! عندما تستخدم أدوات المنع، والسيطرة، وإعلان عُزلتك، وتشيطن الآخر! من سيقتنع بك! سلاحك إثارة الخوف والريبة! صناعة الأشباح! دونكيشوتية كلاسيكية!
وأدوات الضغط النفسي والتهميش! إلى ماذا قادت من قبل؟ دائما ما تقود للنهايات نفسها! هل تخاف من الوقوف في وجه المدفع من أجل قضية تؤمن بها؟ إن كنت لا تخاف، فلا بأس، هذا العالم مخيف. أمَّا أن تحوِّل رسالتك من الإقناع إلى صناعة الأشباح! فلا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقيت!
ولا يخلو إنسان من هذه النزعة، أن يُشكر، وأن يُحمدَ، وأن يشيع ذكره بين الناس بالتقدير والمحبة! هذه الشؤون الانفعالية تعزز حماسة للمزيد من التفكير والنقد والتحليل. أمَّا كل هذا! كُل هذا! الهلع والذعر! منذ متى أفلح الخوف في شيء سوى إخراس الناس. أما عقولهم فصارت تتكلم أكثر!
الضغط الشخصي سلاحٌ قذر، والاغتيال الاجتماعي سلاح قبيح، ولا يعني أنَّه في يدك أنَّك سوف تستخدمه بإنصاف. ألم يصرخُ المظلومون من الألم عندما مورست عليهم هذه التصرفات القذرة؟ عندما شُخصنت الأفكار؟ ولوحق من يقتنع بها! حتى وهو يدفعُ عن نفسه فقط؟ عن نفسه لا غير؟
وماذا عساك أن تفعلَ مع الإنسان الذي تريد تسييره؟ أنت تلعب أي دور بالضبط؟ هل تتوقع أنَّه سيقبل بك عقلا مرجعيا واحدا فردا كونيَ الحقيقة؟ لماذا لا تقبل أن الحياة توازٍ ومُقاربات وجهد وسعي ومجادلة؟ لأنه الطريق الصعب! ما أسهل أن تصنع الكثرة ظنا منك أنَّها شجاعة!

الأربعاء، 25 مايو 2022

معضلات أزلية

 مُشكلة المُلحد أنَّه يرفض الاعتراف أنَّ ملاحظاته على تاريخية الدين لا تكفي للقطع بأنَّ الإجابة على سؤال الخالق قادمة من الدين.

 فهناك تناقض منطقي! إن كنت ترى الدين وهما! فلماذا تعتبره الطريقة الوحيدة للوصول للخالق؟ ولليقين به؟ تنزه الدين حد اعتباره حقَّا مطلقا وتثور عليه؟
وهو شأن من شؤون المكابرة أحيانا! يتشدَّقُ بقوله [اعتبرني ملحداً] طيِّب أنت ملحد. لا بأس، سأناقشك ماديا. ملحد لأنَّك لا تبحث عن الحقيقة؟ لأنَّك لا تتأمل؟ لأنَّك [زعلان على رب العالمين] لأنك تؤنسنه؟ أم لأنك تبحث عن المتناقضات بجنون؟ زعلان لأن البشر ليسوا آلهةً؟ ولا كمال بهم!
ودع عنك أسئلة النبوَّة، لا بأس. سنعتبره شأنا تاريخيا كما يحلو لك. دعنا في سؤال الخالق. تنكر وجوده؟ لماذا؟ لأنَّك زعلان على دينك السابق؟ أم لأنَّك تستنبط من الظن ما تؤجج به قدرتك الفردية على إدراك هل هذا الواسع الشاسع؟ تقول [اعتبرني ملحداً] لماذا يا شيخ؟ يا قُطب العقول؟
ولماذا لا تعترف بأنّك نرجسي، لديك تراكمات وجدانية تجاه موضوع الدين؟ هل تعرف لماذا؟ لأن هذا صعب عليك! صعب للغاية! فحامي حمى العقل والمنطق يرفض سؤال الخالق، والإيمان يبدأ من هذا السؤال. دع عنك تاريخية الدين، دعنا في إنسانيتنا وسؤال الكون الكبير، لماذا ترفضه؟ وترفض احتماله وتحمله؟
ولا أعرف لماذا يغالي البعض في الدفاع عن الدين ضد الملاحدة! بالله عليك أيها المؤمن! أليس المنطق كافيا! يقول لك: هذا الكون بلا خالق! وهل المؤمن لديه دليل مادي أم عقلي! وأنت! ما دليلك العقلي! الكون بلا خالق! لماذا؟ لأن سيادتي قال ذلك! من أنت؟ العقل المُطلق قبل المحض! يا شيخ!
ماذا لو قلت لك أن الإيمان بالله من احتمال وجود الله [ماديا وعقليا] ماذا لو قلت لك أنني أتفق معك! الله يقين، في الوجدان، لكنه في العقل احتمال، وهذا الاحتمال يكفي. سأخاطبك بماديّتك. وبماذا سترد علي؟ بتاريخية الروايات! لماذا لا تعترف أنك حائر أو غاضب، أو مبغض!
لماذا لا تقر أنك لا تملك الحقيقة، حتى في تشدقك المادي! لماذا لا تقر أنَّ اليقين سؤال كبير مستمر! على الأقل فاعترف أنَّ الإجابة احتمالية دائما! على الأقل اعترف أنَّ الحياة في هذا الكوكب سؤال كبير! على الأقل اعترف أن هامشا احتماليا لخطئك موجود! الله يعينك يا شيخ! الله يعينك!
وماذا لديك؟ دموية الدين! يا سلام عليك! وهل هذا الكوكب غير كوكب دموي! وماذا لديك؟ محاسبة الدين وفق آيديولوجية مثالية! نرجسية! مغالية في اعتبار فرديتك مرجعا لكل شيء! هذا يصلح في عالم الشعر أيها المفكر العظيم! سأخاطبك بمنطقك! سؤال الخالق ما الذي غفلت عنه! السؤال أم الإجابة؟
وما عذرك؟ للخوف من النقاش؟ للخوف من الجدال؟ أعرف عذرك، دموية الذين يرفضون السؤال وهؤلاء يستسهلون صناعة العبر، هؤلاء [سلطة] وما أفظع ما فعلوه باسم الدين، هل كل من سألك يريد بك شرا ماديا! كلا. لكن هذه حجتك، لتبحث عن من؟ عن الذي تختبر عليه نرجسية الظن، ورجمك الغاشم به!
وسترفض كل الرفض، الاعتراف بجرحك، وبحزنك. وبتنزيهك لله من كل عيب نسبه البشر إليه من فرط ظنهم بأنَّهم يدركونه بالعقل! كلامك صحيح البشر يفعلون ذلك! هل هذا عذر كافٍ؟ لتمزق نفسك بكل هذه النصال؟ لترمي بوجدانك لكل هذا الألم والشقاء؟ لماذا يحددون هم صلتك بالله؟ وسؤالك؟ واحتمالك؟
وعندما تصول وتجول في هذا الكوكب زائغ العينين، عدائي الأفكار! تغضب عندما يُطلق عليك الآخر أحكامه! نعم تغضب، وتنتصر لذاتيتك، ما هو سلاحك؟ تناقضات الروايات؟ أم تخشب كهنة الحقيقة؟ هل هذا عذر لتلغي الاحتمال الكبير؟ والسؤال الكبير! والدهشة البشرية أمام هذا الوجود؟ هل هذا عذر يا صديقي؟
لماذا أنت ملحد؟ - لأنهم يريدون قتلي! هُم! الآخر؟ الذي لديه السلطة؟ الذي يمارس القوَّة؟ البشر؟ هُم؟ البشر؟ هذا يكفي؟ لتجيب على السؤال الكبير؟ هُم؟ يقتلون؟ ويكفّرون؟ القوة النيتشوية! لماذا أنت ملحد؟ لأن القوة تقول لي أنت ملحد! لقد كفرت بالبشر، ولم تكفر بالله! يا مؤمن!
وتظن أنَّك ملحد، وتقول ذلك؟ لأن المؤمن سمَّاك ملحداً! أي غرائبية في ذلك! تأخذ صفةَ مؤمن عنك! فتؤمن بها! من الذي سمّاك ملحدا؟ - المؤمنون! يا سلام عليك، وأنت تلحد بالإله الذي يؤمنون به! كفرت بإلههم وآمنت بهم! يا سلام عليك! اعترف أنك حالة اجتماعية! على الأقل اعترف بذلك لنفسك!
وتقول: لا أؤمن بالله؟ إله من؟ [الله] الذي يؤمن به من؟ الذي يؤمن به كل هؤلاء الذين أثور عليهم! اجتماعيا، أو فكريا! أي سياق هذا؟ هم يزعمون كمال يقينهم! وأنت؟ لا تؤمن بكمال يقينهم؟ والنتيجة؟ ما هو يقينك؟ - ما لا يؤمنون به! يا سلام عليك يا صديقي! آمنت بكلمة [لا] بسبب من يقول [نعم!]
وما العدمُ الذي تؤمن به؟ مثبت منطقيا؟ وعلميا؟ وماديا؟ تقول عن نفسك أنَّك ملحد، وتفعل ما يفعله المؤمن، تقرُّ بقصور عقل المؤمن، وقصور عقل الإنسان! وماذا عنك! حاشا وكلَّا، خيالك عن سابق الزمن، والتاريخ الفائت يكفي لتقطع [لا أصدق] جيد، لا تصدق، فلماذا تكذب؟ لماذا تلغي الاحتمال؟
أنت مؤمن ما دام السؤال حاضر في ذهنك، غير ذلك لا فرق بينك وبين المؤمن الأرعن، المغالي في وضع نفسه مكان الله، يقرأ النفوس، ويعرف ما تخفي الصدور. أنت مؤمن حتى تقرر أنَّك وجدت الإجابة الكبيرة! ووقتها، ليس لديك سوى جدليات التراتب التاريخي، والذي تجيده، بقوة التشكيك لا قوة اليقين!
وهي لعبة تلعب بها حتى تلعب بك. أين الإجابة؟ خارج التلاعب بالممكن والمحتمل؟ أليست الأسئلة كلها في عالم المُحتمل؟ لكنك ترفضُ السؤال وتقبل بالسياق! تقبل ما يمكنك تحطيمه! بماذا؟ بسؤال [ماذا لو؟] .. واجد عليك! يا قوي! ماذا لو أنت على خطأ؟ ماذا لو أنك تلعب بالقسمة على الصفر؟
وتترك سؤال الكون الكبير! لماذا؟ لكي تتخصص في تراتبٍ تاريخي! تدخل في شأن سياقي قابل للأخذ والرد! يا عيني عليك يا وجودي يا متسائل! وتتساءل لماذا يتم اعتبارك شأنا اجتماعيا؟ وتتساءل لماذا آلة تخريب اليقين ليست إجابة؟ تركت كونية السؤال إلى اجتماعية الحياة! وتلوم الدين على دنيوتيه؟
يقولون: نعلم! تقول: أعلم! لا فرق بينكما. ماديتكما متشابهة! هو بالإثبات، وأنت بالنفي. ماذا عن سؤال الكون الكبير؟ وسؤال الخالق؟ وكُل ما يقودك للطمأنينة تجاه سبب وجودك في هذا الكوكب؟ وجودك القصير، والذي لن يغير سيرورة حياة العنصر البشري في هذا الكوكب! لن تكون نبيَّا!
وهي لعبة الوعي، وما فوق الوعي، لوغاريتمات. أو حركة التاريخ، وما فوق التاريخ، فهي لعبة خوارزميات. لعبة تفاعل، ذاتية مفرطة في تصديق كوكبك الداخلي، أما الكوكب الخارجي، فهو يمضي في شأنه، بعيدا عن حسرتك المريرة، أنَّ البشر يرون في رجمك الغاشم بالشك: لعبة! جذر متخيل، وحيلة ذهنية!
وإن ناقشتك في اليقين الأوَّل بالله، والخالق! إذا بك تبهت! ما هي أداتك الكبيرة؟ تدنيس المقدس! بول البعير؟ تقززك من الإرث؟ تعالي [البنك بانثر] الذي بداخلك على دموية الحياة؟ ماذا تريد بالضبط؟ شخصيٌّ جدا، وليس لديك سوى هذا المدخل! تلاعبك بالمنطق الكبير وأنت صغير جدا جدا!
أناقشك في فطرة البحث والسؤال، فترتبك! لماذا؟ ليس لديك تكئة تكفي لإقلاقِ طمأنينتي! يجب أن أكون متحمسا به ما يكفي من الرعونة لكي يحاجج تخابثك، لكي يتصدى لمماحكاتك، كأنك العقل البشري الذي قسم على الصفر، وزار الثقوب السوداء، ولديه مجهر المادة والطاقة، وعينه ترى نهاية الكون! يا شيخ!
وعندما لا تجدُ ما تريد إثباته من الفردِ الذي يُناقشك، سوف تتهربُ إلى أسئلة القمع الديني، والخوف من البطش! يبطش بك من؟ إن كنتَ تسألُ فلا دينَ يمنعك من السؤال! هل أهل الدين أبرياء من البطش بالأبرياء! قطعا لا، هل أنت بريء من التخابث على المنطق، أيضا: قطعا لا!
وقد يمدُّ الله . آسف قصدي [الوقت] في عُمرك، فتعرف ثم تعترفُ أنَّك كنت تعبثُ في كل ما تفعله، فلا حقيقة لديك سوى [اللاحقيقة] ولا يقين لديك سوى [اللايقين] ولا ترجيح لديك سوى لاحتمالية العدم، تقسمُ على الصفر، وتضرب المطلقات في بعضها البعض، وتقرُّ متأخر بعجزك عن إدراك هل هذا المستحيل!
ولا أعرفُ أي انقياد لديك إن كنت تؤاخذ المؤمن على انقياده للتلقين! لأنَّ فُلانا شتم الله! والله لم يضربه بصاعقه! فالله غير موجود! يا سلام عليك يا داهية الدهاة! سياق المؤمن، في تبرير المكذّب! الشكّاك لأجل الشك، الظان لأجل الظن! يا سلام عليك، ولا ترى تناقضك البيّن! يا متمزق!
ورغم كل شيء، هُناك من يقبل أسئلتك، ومن يعنيه أمرك، ومن يتمنى لإنسانيتك أن تُكمل رحلة البحث، أن تضع السؤال في مكانِه. دع عنك كل شيء، وفكّر في السؤال قبل كل إجاباتك، وشقائك، ووحدتك، وتراكمات حياتك، وكل غضبك على التلقين الشائع. هُناك من يقبل سؤالك، وهُناك من يراك إنسانا! فلا تيأس.
دع أسئلة التاريخ، وضع إجابات المتسلطين باسم الدين جانبا، تجاوز هذه الكراهية، وابحث في حناياك، واسأل، وتساءل. وجود من يرفض أسئلتك لا يعني غياب من يقبلها. قد لا تكون غاضبا، نقوما، وقد تكون سيء الاختيار فبحثت في المكان الخطأ. ابحث عن السؤال، لا الإجابة يا صديقي الحائر.
تقول"التطور" ثم ستغالي "العلم"؟ ترد على من؟ على الذين يقولون: الانفجار العظيم موجود في آية [كانتا رتقا ففتقناهما؟] .. كلامهم اليقين الذي تريد نسفه؟ رأيهم وركز [رأيهم] يكفي لكي تنسف مبتدأهم؟ يا إنسان! سؤالك خطأ إن كنتَ تُناقش من يريد إثبات إجاباته! هُناك من يقبل اسئلتك ابحث!
وإن كنت تقرأ كلامي، وتفهم حرقتي، أنا مثل الجميع، مثلك، عقلي لا يستطيع القسمة على الصفر. أقبل سؤالك، وأقبل مشاعرك، وأقبل غضبك، وعشت سنوات طويلة فيه، ليست لدي إجابة مطلقة، لدي سؤال، سؤال الاحتمال، وهو يكفي لتبدأ البحث، لتسأل، ومن سأل وصل. فلا تيأس. تجاوز غضبك، وابحث. وستجد.
والشكُّ كالإيمان، ليس فيروسا مصنَّعا لكي تعدي به من تشاء. الجاهز في يقينه، كالمُجهز في شكوكِه. هذا العالم ليس كما تحبُّ، وليس كما أحبُّ، العالم ليس كما يحبُّ أي إنسان. لا تيأس من الله، لا تيأس من البحث عنه، لا تستعجل أي شيء، قُل على الأقل: ربما! ربما تكفي تكفي كثيرا يا صديقي
ولتعلم، لست وحدك الحزين على اليقين. لست وحدك الحزين على الدين، لست وحدك المتحسر على مآل رسائل النبوَّة. هذا الكوكب كتبَ الله عليه الكبد. آمنت، أم كفرت، هذا الشقاء لن يزول، وستبقى الحياة سؤالا كبيرا. آمنت أم كفرت، الإيمان أسئلة احتمال، ما تحمله، وما تتحمله، وما تحتمله. لا تيأس.

عزيزي المؤمن

 عزيزي المؤمن، لما تشوف شخص مشكك، ذاتيتك في الانتصار لغضبك ليست أهم من واجبك في السعي لهداية إنسان. لا تحاول إقناعي أن غضبك أما شخص ضعيف حائر متسائل هو الحل الوحيد!

 وبالذات في مجتمع مثل عُمان، أنت الأغلبية! لماذا ذاتيتك أهم من أن يهدي الله بك رجلا!
واحد ملحد [يقول عن نفسه ذلك]! خلاص! خرق الأرض وبلغ الجبال طولا! لا حول له ولا قوة، غارق في الشك ربما حد الذهان، أو حد عدائية اجتماعية جعلته متهورا! أو؟ أو؟ أو! المهم الإيمان أم عدائيتك؟ المهم سعيك لهدايته أم سعيك لإرضاء نفسك؟ المهم ماذا؟ يجب أن تسأل نفسك أيها المؤمن!
وعزيزي المؤمن! لا تقل لي أنك تسلم من النفس الأمارة بالسوء، وبالشر! لا تقل لي أنك تسلمُ من الذاتية، لا تقل لي أنَّ اعتباراتك الاجتماعية غائبة تماما عن كل ما تفعله من اعتبار المشكك مطية لأغراضك الدنيوية. ملحد! بائس، خائف، حائر، يعيش في دولة مسلمة! هذا تستقوي عليه! يا رجل!
ونعم أعرف أن النقاش مع ملحد [قليل أدب] صعب، ولكن أين الهدف الكبير؟ أين هدف الدعوة النبيل؟ أين تحملك؟ أين صبرك؟ باغي الطريق السهل؟ روح فتَّن عليه مع أقرب شخص متشنج! وخلاص، مبروك لقد انتصرت اجتماعيا! هل هذا ما أمرك الله به؟ أن تجادل بالتي هي أحسن؟ اعترف بذاتيتك على الأقل!
وأكتب وعيني تدمع الآن. ماذا لو كان إسحاق الأغبري الذي ذهبت معه للعمرة كان بهذه القسوة! ماذا لو كان سليمان الحسني الصديق العزيز جدا جدا كان بهذا الرفض؟ ماذا لو كان الشأن الاجتماعي أهم من شأن الجدال بالتي هي أحسن، شأن الدعوة لله. شأن التوحيد، النبيل، والمُنقذ؟ والمُنجي؟
وهل تفهم حيرة المتشكك؟ وتساؤله؟ وعذابه؟ هل تشعر بذلك؟ إن لم تكن تشعر بذلك فلماذا تتصدى له بالكراهية! هل أنت ضعيف؟ هل أنت أقلية؟ هل أنت في بلادٍ على وشك أن يذهب دينها للفناء! ذاتيتك ليست أهم من التوحيد بالله، ليست أهم من الدعوة له! فافهم يا عزيزي المؤمن افهم!
وأين وصلنا؟أين وصلنا يا عزيزي المؤمن؟إلى الدعائية الفارغة؟ إلى الحجج الجاهزة؟ إلى ماذا يا عزيزي المؤمن؟ والله وأقسم بالله، عشت في هذه البلاد وأنا أصرخُ أصرخ أصرخ ألما! من الذي نفعني في النهاية! الذي كفّرني؟ أم الذي تحمَّلني وأكد لي أن طريق الله نجاة؟ افهم يا عزيزي المؤمن، افهم!
ولماذا لا تفهم، المشكك إنسان ضعيف، وأنت النهر الهادر. إنسان خائف، وحائر، لماذا جعلت من أسئلته عذابا؟ ستقول لي: يشكك الآخرين في الله! هل هذا من قوته؟ أم من ضعفك في الإقناع؟ هل هذا من تدبيره أم من تقصيرك؟ إن كنت جعلت من السؤال رعبا! فأنت المخطئ أيها المؤمن! أنت المخطئ!
وافعل ما تشاء، واجلب من النصوص ما تشاء، أردت أن تقنع بها نفسك فافعل ما تشاء، هُناك سياق حازم لازم جازم قاطع واضح بيّن. لستَ في عصر بداية الدعوة، لست في عصر بداية النبوَّة، الغلبة لك، فلا تدع ضعفا غير موجود. ولا تصنع شبحا، لتبرر ذاتيتك!
والصبر على الحائرين واجبٌ عليك، والنصح بالمعروف واجب عليك، والجدال بالتي هي أحسن واجب عليك، هل تريد أن تنفّر؟ لماذا؟ لأن نفسك تقول لك ذلك؟ لأن هذا الطريق السهل؟ لأنك تريد صناعة الخوف؟ هذا ليس شأن فكر، هذا سلوك مجتمعي، وأنت تعلم ذلك، فقم بواجبك أيها المؤمن. قم بواجبك أولا!
الدين أكبر من فرد. أكبر من وزارة الأوقاف، أكبر من المساجد، أكبر من سماحة الشيخ المفتي، أكبرُ من الشيخ الصوافي. الدين أكبر من فردٍ واحد، أكبر منك، ومني، ومن المشكك والمتقين، أكبرُ من المتلزم وغير الملتزم. دين الله أكبر من كل هؤلاء. الدين دين الله، لا دين الناس.
وازدرني كما تشاء. قل ما تشاء عني، ملحد سابق، مدمن مخدرات، مريض نفسيا، كُل ما تصفه صحيح. أعلم أن الله محبة، وأن الدين سلامٌ داخلي، وأنَّ السعي واجب، وأن الجدال بالتي هي أحسن أولوية. لك ما تشاء، من غضبك، ومن ضيقك، ومن نفورك، أما أن تجعل دين الله مطية لغضبك الذاتي! أنت المخطئ!
ولك ما تشاء! تريد أن تجعل الدين مذهباً لك ذلك، فالطريق لله بعدد نفوس الخلائق. تريد أن تجعل الطريق لله مدرسةً فلك ذلك، فالطريق لله مدارس، أنت تخطئ عندما تضع التوحيد في طريق واحد، تخطئ عندما ترجّح مدرسيتك فوق سعة الحياة، وإنسانيتها، تخطئ عندما تجعل ذاتك أهم من الرسالة. تخطئ كثيرا!

الدنيا!

  أرقٌ، وليلٌ، والجروحُ كثيرةٌ والشاعرُ الوثنيُّ ماتَ ليخلدا هل كانَ أغنيةً، فعاشَ قصيدة؟ أم في توتّره العنيد تشردا؟ فيحاربُ النسيان، لا يختارُه إلا تناثرُه على سَعة المدى ليغيب مثل الدهرِ، يخلد واهماً في معجزاتِ الشعرِ،أو آيِ الهُدى
يسري كأنهار المياهِ فيلتقي بالشمسِ في شلالِها متعبدا ويشدُّه نحو الدموع خيالُه ويردُّه عن ضحكِه صوت الصدى ويخافُ من أحزانه فيحبُّها ومتى يذِل له الصباح تمردا ويتوهُ ثم يتوهُ في أفكارِه إن تاه ضلَّ، وإن تيقن فاعتدى
فالنرجسي به يخاف مماتَه والواقعي به يكرُّ إلى الردى ويفر لا مكرا، ولكن ماكرا يسعى إلى أيامه متجلدا هي صخرة الدنيا، ينوء بحملها مستبشرا، بالمال أو ذُل الندى
ويحب، لا حبا، ولكن راغباً ما كانِ ظنَّ بأمسِه يأتي غدا هل عاش مثل الظل رهنَ خيالِه؟ أم مات منسيا وأدمعه سدى؟ هي هذه الدنيا، طريقٌ غامضٌ لا يسلم الإنسان فيه من الردى! معاوية

الأحد، 22 مايو 2022

فلا نامت أعين العقلاء!

 لست مُتفائلا بنهايةِ كل هذا الصخب. كنتُ أتمنى أن يتحولَ إلى طاقةٍ تمد محركات النقد، واللغة، والإبداع بالحوار. أن يصنع هذا الحماس وهذا الجهد مكانا مُشتركا لنختلفَ فيه، ولنتجادل، بل وحتى لنختصم بصدق وبإنصاف. كنتُ متفائلا لوقتٍ ليس بالقصير، والآن بدأت أتيقن: النهاية لن تعجب أحدا!

بم عساه أن يشعر الحالمُ بالحرية؟ الإحباط، وتوقع الأسوأ. من ظاهرةِ الحيطة البالغة، وكثرة الحبس على ذمة التحقيق، وتوالي المآسي الثقافية، والاستهداف الفردي، والاغتيالات الاجتماعية، إلى وضع شبه مبشر وفق المعقول بكل المقاييس المنطقية، وضعٌ مُهدد الآن بتحوله إلى هيمنة طرف دون آخر.
انتشار ثقافةُ المنع! واعتباره سلاحا يمكن استخدامُه، بل وحق مبرر. هذا يُمنع، فهو متدين وينادي بما لا يتسق مع الليبرالية، وذاك ليبرالي فيجب أن يُمنع. سُلطة جماعية تُمارس بوفرة وإفراط، وتسجيل المواقف أهم من الرسالة نفسها. من حقك أن تُنادي بمنع أي شخص، ومن حقي أن أحزن عليك ثم عليه.
وما نهاية كل ذلك؟ منذ عام 2002م، عندما دخلت عالم النت كنت في وهم خطيَّة الحرية الجماعية والفردية، أظن أنني كبرت على هذه الآمال التي لا نهاية لها سوى الخيبة. وكأن سنوات التضييق الخانق كانت بعيدة جدة حد نسيانِها، وكأن اليوم الذي كانت فيه الكلمات مقاصل نهايات لمصير إنسان بعيدة!
وانظر إلى شخصيةِ المُلاحقة. وإلى الزخم الاجتماعي الذي يأتي معها. وكأن القمع خصلة طبيعية، والانسياق وراء انزعاج الرأي الجمعي كحجة لإخراس إنسان أمر طبيعي. انظر للتناقض الكبير بين ما هو مُتاح من قبل العالم، وبين ما هو مطروح في الساحة محليا! هل فهمت لماذا يتأثر أبناء مجتمع بهم؟
هل فهمتَ لماذا أنت مخيب للآمال؟ ولست مغريا حتى بأن يُقرأ لك، وأن يُسمع لمؤسساتك الإعلامية، وأن يتم التعامل مع طرحك الديني بسعة أكبر؟ كُل هذا نتيجة ثقافة المنع، والإخراس، وكتم الآراء وتصنيف الأفكار، وكأن الأفكار ستتغير إن صنفتها! هل فهمتَ لماذا أيها [الفرد الجمعي] لست مُقنعا؟
ونهاية هذا معلومة. فئة تستبدُّ حتى يجتمع كل من يختلف معها ضدها. وبعدها، ودِّع هذه البداية الأولى، بدأت في الإنترنت، وماتت في الإنترنت. ووقتها سيغالي كهنة الخوف في موقفهم، وسيظهر للوقحِ موقفه: هذا المجتمع لا ينفع معه الحرية! وسيقولها منتصرا، وشامتا، ومتقينا أنَّه على صواب.
ولم نعد نحاسب بعضنا البعض على ما نقوله فحسب. حتى هذا الذي لم نقله صرنا نحاسب عليه. لماذا لم تقف مع؟ لماذا لم تقف ضد؟ لماذا قلتَ شيئا قد يجد فيه خصمي حجَّة؟ لماذا لا تصادم؟ لماذا تُناقش في وقت ارتطام الجموع الكبيرة ببعضها البعض! لك الله أيها الفردي، ليس لك سوى درعك! ولا سلاح لك!
ومن يلوم الذي قنطوا! وأصابهم اليأس؟ كيف ستقول لكل متحمس أن الوضع الطبيعي، والصحي هو استمرار الجدال. فهو أزلي، والأبدية نتيجة نجاح حضاريَّته. إن كان الجدال لم يتوقف منذ عصر النبوَّات، فهل تتوقع أنك اليوم ستوقفه؟ بماذا؟ بقرع ناقوس الاستهداف الخارجي؟ والمؤامرات بلا تفاصيل وأدلة؟
وهذا الناقوس شبع ضربا! فالمحافظ يضربه وكأن نت فليكس لا تكفي لأدلجة ربع كوكب الأرض. واليساري يضربه لأن التيار الديني سوف يعيث في الأرض منعا وقمعا، والخائف من السلطة لا يقول أنَّها قد تتدخل في الساحة، وأنها قد تحبس وقد تعتقلُ وقد تعتبر فعلها وأداً لأزمة. ولأنني خائف: لن أقول ذلك!
وهل تحترمُ من الأساس قومك ومجتمعك وأنت تتهمهم بالأمَّعية، والسذاجة؟ هل سترضى أن أقول عنك: أخاف عليك، نيابة عنك، لأنني أعرف إنه يمكن التأثير عليك، ولذلك أمنع عنك ما أشاء! هل هذا إنزال الآخر منزلته؟ أم إنزاله من منزلته؟ كيف أصبح هذا الخطاب منطقيا؟ لا أدري! هذا العالم غريب جدا!
والمنع، المنع، المنع، المنع، الكلمة المفضلة التي يلوكها كل طرف. المنع، المنع، هذا يمنع لأنه يطالب ببيع الخمور، وذلك يمنع لأنه يطالب بإيقافها، المنع المنع. حتى مع الذي يعبر عن رأيه، ورفضه، وموقفه الذاتي، المنع، المنع، لماذا؟ رأيه قد يؤثر على شخص آخر! لأنك تفترض أن الآخر إمَّعة.
وكأن سبب الخطاب ولسان حاله يقول [أحب الناس، ولكنهم أغبياء، ساذجون، يحتاجون لي لأحمي عقولهم من خصمي]!!!! ياه! هذا عالم العقلاء حقَّا؟ وهكذا يفكرون! وكأنه يسألك: - هل وجدت الفكرة مقنعة؟ إن قلت نعم قال لك: أنت على خطأ، لا تقتنع! يجب أن أحميك بمنع من يقنعك بدلا من أن أقنعك!
هل حقا هذا هو عالمكم يا عقلاء؟ أحمد الله أنني آمنت بالكوميديا! ففي عالم الضحك لا يمكن أن يقول لك أحد [هذا ليس مضحكاً] فحتى هذه الضحكة هي شأن فوق الوعي والقرار، تطبق سننها عليك لا إراديا فتضحك. إن ضحكت، فقد ضحكت وإن انزعجت فقد فكَّرت وشعرت. النكتة معنى، والفكرة نسيج! وشتان بينهما!
وبينما العاقل ينشغل بأن يسجَّل موقفه، ينشغل المجنون بأن يعيش موقفه، والحمد لله على نعمة الجنون. فعلى الأقل يمكن للمجانين أن يفهموا لغة العقل، أما العقلاء! هم وباء هذا الكوكب التعيس، وهم صنّاع الكراهية، وهم عقالُ الحقيقة، ولِجام الكلام! فلا نامت أعين العقلاء!