شتّان بين الرقابة التي تهدف للحفاظ على سمعة الدولة، وحماية اقتصادها من الإشاعات، وحماية المجتمع من الفتن المذهبية أو الطائفية، وتلك الرقابة التي هدفها التغطية على إخفاقات الموظفين الرسميين المعنيين بشؤون الخدمات المدنية والبلديات، شتان بين رقابة ورقابة.
على الرقابة الإعلامية في عمان أن تحدد لنفسها خطا واضحا، هي تريد حماية من وماذا بالضبط؟ إن هذا الستار الحديدي المتهالك الذي تحاول فرضه حتى هذه اللحظة لم يفعل شيئا أكثر من تحييد دور الإعلام عن أداء دوره الوطني. هل الرقابة مهمتها حماية المخطئ؟ أم حماية الوطن من الأخطاء؟
وقد تحول الأمر في الآونة الأخيرة إلى موضوع عناد وصلاحيات غير واضحة. وتصرفات مشكوك في قانونيتها، وإيقافات بالاتصال، ووزارة الإعلام من وزارات الخدمة المدنية، وصلاحياتها تشمل المنشآت الإعلامية، ما علاقتها بالأفراد؟ ولماذا هذه الشخصنة في تعاملها مع الإعلاميين؟
يثبت واقع الحال القانوني في عمان أن الرقابة الإعلامية قد وصلت إلى حد مزرٍ من التعطيل. فهذا هو القانون، والمظلة القانونية التي تُشرف على مواقع التواصل الاجتماعي، تقوم بعملها، واتفقنا أم لم نتفق، القانون هو واقع الحال، فلماذا تقوم الرقابة الإعلامية باختراع نظرية خاصة بها؟
والأمر لا يتعلق بشخص الوزير، وإنما بالمنظومة كاملة. كيف يمكنُ للرقيب أن يزاول عمل الرقابة والإعلام في وقتٍ واحد، هذا هو لبُّ المشكلة وجوهرها.
على وزارة الإعلام أن تعيد النظر في تصرفاتها الرقابية، فهي متأخرة عن الركب، ولا يحق لها أن تطلب منه انتظارها لأنها لا تجيد التأقلم!
وحتى هذه اللحظة النظرية الرقابية الإعلامية العُمانية غير معلوم هي في صف من بالضبط! السقف القانوني أعلى بكثير من سقف الرقابة، وغير معلوم سبب تحركات الرقيب، وغير واضحة الأسباب، وتحمي من! لا أدري!
هذا الإخفاق والعناد والشخصنة لن تؤدي إلى نتائج جيدة. والقانون هو الحكم لا المزاج!
وماذا عن هذه [الطبَّة] الجديدة؟ اتصالات! وخطاب [سرِّي] ورسائل غير موضحة بالتفصيل القانوني! عموميات! ما هذه الطبة الجديدة التي تحاول فيها رقابة الإعلام التدخل في المنصات الشخصية! بأي قانون يتم اعتبارها [منشآت خاصَّة] ما هذا التخبيص المُبين!
المنصات الإلكترونية عددها بالآلاف المؤلفة! فإذا كان القانون قد صدر منذ عام [2004] ما الذي أيقظ البعض من السبات لكي يتحرك الآن من أجل [الترخيص] ولماذا لغة التهديد والوعيد والملاحقة القانونية!
قرأنا القانون، واستشرنا المحامين، وكلهم يردون بالرد نفسه: أين هذا النص القانوني؟
كذلك المشرع العُماني قد وضع نصا بيّنا يفصل بين مؤسسات الإعلام [التقليدية] وبين المواقع الإلكترونية، هذا له قانون، وذلك له قانون، وعندما تقوم منصة إلكترونية بممارسة العمل الإخباري، وقتها نقول نعم، هُنا تقع هذه المنصة تحت مظلة الإعلام، شريطة أن تتبع منشأة تجارية خاصَّة. [منشأة].
وما نهاية هذا التخبيص؟ [يوتيوبر] يعزف العود والأغنيات هل تقول له استخرج ترخيص انتاج فني؟ آخر يقدم بودكاست في قناته [الشخصية] ماذا ستقول له أنت منشأة خاصَّة؟ وكل هذه الآلاف المؤلفة من البشر والمبدعين ماذا ستفعل بهم تدخلهم في سياقك المنهارة متابعاته والاهتمام به؟
وسؤال، ما وجه السريَّة في عمل الرقابة؟ أليس هذا العمل معلنا؟ من أين تم ابتكار الخطابات السرية؟ ولماذا يتم عبر الاتصالات المباشرة؟ ما هذا التخبيص؟ هذه الحقوق القانونية ليست مزاجات، وعندما يصل لك مقال في جريدة وتريد ممارسة مزاجك افعل ما تشاء يا رقيب، في حقوق الناس الزم حدودك.
وتناول الرأي العام، والشؤون العامة من حيث الآراء هذا حق فردي كفله النظام الأساسي في الدولة، هذا حق قانوني، وقد تم تطفيش المبدعين، وأصحاب الرأي بسبب الرقيب، ومدرسيّته الشخصية، وترجيحه لمزاجه. ماذا الآن؟
وما حكاية المراسلات التي تحمل صفة [سري] لماذا السرية؟ أنتم جهة مدنية يا قوم!
وبدلا من أن يتصل الرقيب بالناس، ويهددهم بالملاحقة القانونية، عليه أن يرسل رسائل واضحة، بها تفصيل قانوني. وثانيا، إن كان القانون الجديد ينص صراحة على فصل المؤسسات الإعلامية عن مواقع التواصل الاجتماعي، ومهمة الإعلام هي تحليل ورصد هذه المواقع لا الإشراف عليها!
وما نهاية هذا المسار؟ استخراج تصريح لكل مغرد في تويتر؟ ماذا عن مساحات تويتر؟ هل أيضا الآن يتم اعتبارها [برامج إذاعية]. القانون صدر في زمان قديم ليس به كل هذه التعريفات لكي يتم ابتكارها. وإذا كان الإعلام يفشل في الوصول وإقناع الناس فعليه أن يراجع سياسته، لا أن يوقف نشاط غيره.
وختاما، ما يحدثُ من تصرفاتٍ مبنية على التأويل الشخصي للقانون له عواقب وخيمة، ولن يعطل الآراء والكلام، لكنه سيعطل الجانب الاقتصادي للإعلام، وسيسمح لمزاج الرقيب المتهالك بأن يتفسلف فما ليس له خبرة فيه. المواقع الإلكترونية شخصية، وتتبع أفرادا، فراجعوا القانون جيدا يا رقباء!