بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 يوليو 2021

 تُكابر، [وتْجاحد]، تختالُ، تظن بنفسك القوة، تنشغل بتحليل المشهد الكبير جدا، الاعتيادي، الذي يعلكه الجميع، تظنُّ بنفسك الامتياز الخاص دون الجَميع، تتحزب وتغالي في مواقفك، تُخرس صوتَ المنطق والعقل، يعميك شعورك بالأهميَّة، تعزز في ذاتك شعور المنذور لقضية عُليا، وتصدق أوهامك فتخسر.

تنساق وراءَ التيار الكبير، تظن أنك النهر وأنت خشبة تطفو فيه، تظن نفسك المحيط وأنت قارب، تبالغ في الشعور بالقوة، يدك تتحول لأيادٍ، ترمقك العيون المحبة بحسرة، والعيون المبغضة بغضب، ويشبهك فقط من يحسدك، وتَنسى مع الوقت قيم الحب، والأمل، والسلام، فتتحول لآلة، ومتأخرا تكتشف ذلك.
ينبذك الأنقياء، يتجاهلك البسطاء، يعلم الجميع حقيقة أزمتك، لكنك لا تبالي، الشعور بالقوة يجتاحك، قوة الجمعي، تحسب أنك الإعصار وأنت قطرة فيه. تتشدق كثيرا بمواقفك، وما يجب، وما يكون، وأنك [أنتَ] الذي فعل، والذي تفاعل، القضية في ذاتك، ولكنك لا تعرف، ولا تفهم لماذا ينبذك الناس!
ويمرُّ الوقت، وتظن أنك السماء، ولست سوى ريشة في عواصفها، مع النبذ الشديد يكبر بك الغضب، والكراهية، ويستبد بك الجُبن، فهل تفتك بالضعيف؟ نرجسيتك تمنعك، هل تفتك بالنقي؟ الناس يحمونه؟ تفتك بمن؟ تمالئ حتى تتولى طريقك تبتكر العدو، تصنعه لتقتله فتكون بطلا أمام نفسك التي تخسرها تدريجيا.
وتحترق من الداخل، نصفك الذي لم يتحول لجلمود ينبتُ فيه زهر الأمل، أن تتغير، أن تصبح أحسن، لكن هواك شديد، وقديم ومعتَّق وتغالب صبرك عنه، تفوحُ لثانية فيظهر منك ما جاهدت لإخفائه، ذاتك المتأزمة، القبيحة، المعجونة بالحسد والكراهية، تبحث عن صديق فلا تجده، وعن عدوٍ فلا تراه خارج المرآة.
وما النهاية؟ يبتعدُ عنك من أحبَّك، ويقترب منك من ينافسك، ويبغضك، ويحسدك، تجدُ المودة من الذين تتعالى عليهم وتحتقرهم وتشعر أنك [أحسن/ أقوى] منهم، يمسك الوهم بتلابيبك، فتحزن، وتكتئب، وتختفي، وتغضب، وتتعلق بكل القيم العُليا التي تريد أن تُعقلن بها موقفك المعجون بالارتياب والحسرة.
وما النهاية؟ الأنقياء؟ ينبذونك! البسطاء يتجنبونك! الطيبون يخافون منك! تبقى في دائرة المأزومين، والمعقدين، ومشاريع الأشرار، تصبح شريرا وقد ظننت أنك تفعل ما تفعله من أجل الخير، تتمزقُ وتكابر وترفض الاعتراف بخطئك والنهاية ماذا؟ ضياعٌ طويل، وحسرة تملأ المدى والفضاء.
وما النهاية؟ المكابرة؟ والكذب على الذات؟ والارتماء في أحضان العدوانية والشعور المؤرق بالدفاع عن الذات. العدو ليس في الخارج، إنه في داخلك، يبث شروره في نفسك، قد تنجو، وقد لا تفعل، يصاب المحب باليأس، والمبغض بالأمل، فأنتما سواء في درب لا نهاية له سوى المكابرة حتى النهاية.

الأحد، 4 يوليو 2021

ألاعيب قذارة التأويل!

 

 

ما الذي يحدث في هذا العالم؟ انقلبت سلوكيات الشرق والغرب، وتغيرت الموازين والمعادلات التي اعتدنا عليها. نشأنا في جيلٍ يمثِّل فيه اليسار الليبرالي الثورة والثورية. تحمل خطاباته المفاهيم الكلاسيكية لحقوق الفرد، وقداسة رأيه، وتضامنَ الكونِ مع سعةِ الزمان لكل رأيٍ مهما كان. اعتدنا على الصورة النمطيةِ للشرق المحافظ، الساعي للعودة للتراث والمتمترس للدفاع عن الدين والماضي والتاريخ، وذهبَ اعتقادنا إلى أن الغربَ هو العكس، المحافظُ الفرديّ المؤمن بحقوق الإنسان وسيادة القانون! نوهم عقولنا بهذه الترَّهات القيّمة في عالم الأمم المتحدة والفيتو وغزو العراق واحتلال فلسطين! وقضينا من السنوات ما يكفينا لترسيخ هذه الأوهام الظريفة إلى أن جاء هذا العصر الغريب ليغيرَ سابق تصوراتنا إلى لاحق ما حدث من صدام.

تغيرَ القامع والمقموع في العالم الغربي [الحر]، الصفة التي تجمع معظم الدول المتحدثة بالإنجليزية. تفرعنَ اليسار الليبرالي إلى حد التغوّل، وانقلبت آيات القمع. المناضل الآن هو ذلك المحافظُ، وياللغرابة!، الجمعيُّ الاجتماعيُّ القوميُّ المسيحي المتدين! وتولى اليسارُ صناعة الصواب والخطأ. وبزغ نجمع عصور الحساسية جليَّا في خطابات الغرب، فلستَ صاحب رأي فقط، أنت في حقلٍ ألغامٍ من [المشاعر] التي عليك أن تحترمها إن كنت صاحب رأي، وسواءً كنتَ يمينيا أوروبيا تحذر من المهاجرين والتغيير الذي يفرضونه على المجتمعات التي يهاجرون إليها، أو كنت مهاجرا مسلما في دولةٍ تعاني من الإسلاموفوبيا! ستطالب أن تراعي مشاعر الطرف الآخر، ماذا عن الإقناع والمجادلة! هل نسي العالم هذه الطرائف الفلسفية التي بُني عليها تفكير الصواب والخطأ في آخر عشرين سنة! يبدو أنه نسي ذلك، أنت مطالب الآن أن تُراعي كل التناقضات في العالم قبل أن تعترف إنك لا تحبُّ الذي يحدث ولا تنتمي له أو ــ لا سمح الله ــ تتهم طرفا ما بأنه مخطئ وأنك تمقتُ ما يفعله. ونحن لا نتكلم عن الشرقِ فحسب، حتى هذا الغربُ الذي ظنَّت به الأجيال الحرية والعدالة يمارسُ الشيء نفسه، أي جنون يحكم هذا العالم؟

صراع الآراء أصبح شخصيا في أزمنة قذارة التأويل. أن تنادي بحق فلسطين فالتأويل القذر يجعلك في خانة دعاة النازية، ومنكري المحارق بل وربما ستوصم بأنك شيوعيّ تكره حضارتك وتمقت ذاتك. تبادلت الحضارات صفاتها في عصر حرية المعلومة وانتصر الغوغاء دعاة المشاعر والعاطفية على أخشاب العقل المحض اليابسة! في شرقنا المتأزم، للطغيان مشاعر، وللوطن مشاعر، وللأقوام مشاعر، بل وحتى للمذاهب والقبائل مشاعر، حتى وإن لم تكن داعية كراهية ولم تكن عنصريا متحيزا، جلاد الحُكم بمشاعره جاهز لممارسة نذالة التأويل، ويصبح الأمر شخصيا بعد أن تُقحم المشاعر في شؤون الأفكار، وتبدأ الكراهية من الطرفين، حتى وإن لم يكن البادئ يتناول مسألة فكرية من منظور شعوري. يسخر بعض رواد التواصل الاجتماعي من نظرية الحريات الشخصية الجديدة ويستخدمون كلمة [أحسُّ] وكم هي فارقة في نقاش فكري، أن تقول أحسُّ. وقد يحدث أن يقول المُعترض على من يحس عاطفيا، فتصبح الأفكار هجاء متبادلا بين شعراء صنْعَتُهم الهجاء، ويصبح الموَّال جدلاً لا يتوقف عن الذي له الحق في أن يحترم مشاعرَه الآخرُ أولا، قدّر مشاعري، الدينية، أو الفكرية، أو الوطنية، أو المذهبية ثم تكلّم؟ ما لهم كيف يشعرون!

هذا العالم أصيب بالجنون، وإن لم تحدث الحرب العالمية الثالثة بسبب هذا الجنون، فلن تحدث لأي سبب آخر. أما أن تكون فردا صاحب رأي ونظرية فهذا الكلام سوف يتبلل في البحر، وستمزق أوراقه المبللة حاملات الطائرات وهي تكوّن العالم الجديد لتعيد صياغة الاحتلال، والطغيان، والاستحقاق الفلسفي الذي سيتحول مع الوقت إلى مُضغةٍ من الأحاسيس الطاغية على الذي يفكر في استحقاقها من عدمه. عالم غريب حقا!

السبت، 3 يوليو 2021

إيضاحات قهرية

 

 

 

كلام أفضل أن أقوله، لكل الناس. قد أبدو لطيفا، وأهبل كثيرا، وأحب المزاح، ويظن البعض بي اللطف لكنني لست لطيفا، بي قسوة شديدة على الذات وأحيانا على الآخر. لقد مزقتني ظروف الحياة وخياراتي إلى حدٍ كبير، غير قابل للإصلاح. أحب الطيبين، والأنقياء، وأحترمهم، ولكنني لست منهم مطلقاً.
أعي أنني شخص مضطرب، مليء بالارتياب، وقادر على الإيذاء، ومتهور ومُجازف وصدامي. لا يمكنك أن تَشعر بذلك إن كنت شخصا طيبتك هي أساس تعاملك مع الآخرين، لأنني أعاملك وفق طيبتك، لكنني لست مثلك، لدي لعناتي واضطراباتي الجسيمة، وقد أشكل خطراً عليك إن لم تفهم متى أصبح قاسيا.
أعيش حياة هادئة حتى يقترب غريبٌ من حقوقي، مساحتي الخاصة، وحقي في الكلام. لقد اختطف التدوين والكتابة نصف عُمري ولا يمكنني إلا أن أكون مدونا. يمكنك أن تظن بي الغباء، والسذاجة حتى اللحظة التي تقتحم فيها أستار خصوصياتي، منها لا أفهم ذلك الشيطان الكؤود الذي أتحول إليه، ويؤسفني ذلك جدا
أذيت قلةً من الذين لم يؤذنني، وأذيت جميع الذي أذاني بلا استثناء. هل أتمنى أنني لم أفعل، نعم أتمنى ذلك ولكن هذا حدث. لدي اضطراباتي التي جعلتني أقرر الحياة بلا صدامات، أدخر هذه الطاقة للدفاع عن نفسي فقط، لذلك أبتعد، وقد يكفي موقف واحد لأبتعد، أرفض ذاتي العدائية كما أفهمها.
ولقد تعقدت نفسيا إلى حد بعيد، ضميري يؤرقني كثيرا، وأخطائي كبيرة وفادحة، ولكنني أيضا أوذيت، وكان الأذى من الذين كنت مستعدا لمواجهة الحياة للدفاع عنهم، لقد عشت درسا قاسيا في هذه الحياة ولست مستعدا لتكرار أخطائه. أعلم أنني غريب الأطوار، لكنني لا أحب قسوتي، ولا عدائيتي الانتقامية.
قد تكون غريبا، يحلو لك أن تشتمني أو تسبني، صدقني لا أحقد عليك، أن تصفني بالتافه، أو بالمجنون أو حتى تعايرني بكلمة [مريض نفسيا] كل هذا لا يغضبني، لكن أن تقترب من المساحة التي بها حقي القانوني، أو الطبي، أو الوجودي، أن تذهب أبعد من كونك صاحب رأي، هُنا لا يمكنني أن أسامح مطلقاً.
لا أزعل مطلقا من كوني شخص أهبل ويسخر الناس مني! من معاوية؟ ذلك الكاتب الذكي الذي يحب الاستهبال كثيرا. وأستخف بالمتنمر، وأحتقر الذي يعتبر حياتي دلوا يتقيأ فيه مشاكله، ولم أرفع قضية ولا أرفع قضية على أحد وأظن أنني لن أفعل ذلك إلا للشديد القوي الذي يستحق، لكنني لست غبيا!
كل الذي أذاني في الحياة له مدخل واحد، أن ينال ثقتي، وأن يستغل حماستي لمآربه، هذه قصة حياتي، كل ملعونٍ ألعنه إلى نهاية العُمر فعل الشيء نفسه، حتى أصبح انطباعا عاما عني، وأرثي لحال هؤلاء الذين يظنون أن الذي حدث من قبل سيحدث مجددا، على جثتي الميتة فقط سيحدث ما حدث من قبل.
اضطراباتي شديدة، وأصابت أقرب المقربين بالأذى. ومن ثم عندما بدأتُ بإيذاء من أذاني تحولت إلى وحشٍ مفترس لا أفخرُ أكن أكونه، هذا حدث ولا مجال لدي لتغييره، لذلك هذا ما أقوله لكل الغرباء، عندما أبتعد عنك فاعلم أنني أحترمك كثيرا وأجنبك اضطرابي، فأنا أعرف اضطراباتي جيدا.
أجيد كل أشكال الكيد .. للأسف الشديد أجيدها وعشت من التجارب ما يكفي لأصبحَ إنسانا غير متوقع. كنت ذات يوم صعلوكا كل همي في الحياة اللذة والمتعة، أستمتع بإحراق الآخرين بريبته، خياراتي في الحياة سأدفع ثمنها لنهاية عُمري، لكنني لن أقبل مطلقا أن يفرضها علي الآخر مهما كانت صفته.
وأخيرا، هذا ما أردت قوله لكل إنسان يظن بي خيرا فوق حقيقتي. إن كان شيئا سيجعلني أحترم نفسي فهو أنني أقاوم كل شياطيني، وأبذل جهدي لأوقفها عند حدها. لا أريد عداوات جديدة، ولا أحب حالتي وأنا أتربص بإنسان لسنوات لأسقطه. تعبت من هذا الموال ولا أمانع تكراره إن أوذيت أو غُدر بي.
ولدي من الأصدقاء التناقضات كلها، الذي أذيته وأصبحنا أعداء، وذلك الذي يدافع عني باستماتة ويقول: أنتم لا تعرفون معاوية. صدقني أنت الذي لا تعرفه، أعاملك بطيبتك لأنك تستحق ذلك، لكنني لست مثلك، وأتمنى كثيرا أن أكون مثلك، ناصعا، ودودا، يسامح! لم يعد هذا ممكنا للأسف. وأتقبل نفسي كما هي.
وأعلم أن البعض لديه كرم باذخ في النصائح، أتعامل مع المختصين فقط في علاجي، غير ذلك أتمنى فقط أن تدعو لي إن تيسر ود في فؤادك تجاهي. لم تكن حياتي سهلة، ولست إنسانا جَميلا كما يود البعض أن يرى الآخر جميلا. لعنتي في الحياة أنا أدفع ثمنها، فلا تجعلها تؤذيك بظنك أنني لقمة سائغة.
ولا أسامح، ولن أسامح من وثقت به فغدر بثقتي، وكل من رأيته قدوةً وكذب عليَّ، لا أسامح كل من كسب ثقتي ليسمح لاضطراباته أن تؤذيني، سنوات من الأذى كسرت زجاج القلب أجذاذا، وها أنا اليوم ذلك الجارح الذي قد ترثي لحالِه وتحزن عليه. هذه الحياة، ولست بصدد التحسر، إنها معركة وكفاح.
أتعافى من سنواتٍ من التناقض ولست بصدد العودة له، ومن الخيارات الخاطئة التي سأقاتل العالم لكي لا أتخذها مجددا. أفضل أن أكون ذلك المهذون الذي يكتب كثيرا، عن كل شيء، وعن أي شيء على تصديق أي اعتبار يلزمني الآخر به، لرغبته فيه، أو لأمنياته أن يجد أداة مثالية يطوعها باتجاه مصالحه.
وإلى فريق المتنمرين وجبناء الأسماء المستعارة! والله إنك لن تنطقي في حقي أبدا مهما حاولت أبشع مما قلتُه عن نفسي. تلك هي آلية جلد الذات التي أدت إلى انعتاقي من الاهتمام بشأنك، وضلالاتك، وخيوطك الاجتماعية، وتصوراتك وتحيزاتك. لست المختص بتقييم خطاياي، فدعك في خطاياك أيها الغريب!
وأقول لكم شيء كاش وبصراحة، أعرف إني مادة للسخرية والاستهزاء، وكلمات مثل [هبيل، خبلة، فاصل، ما صاحي] أعايشها وأراها في نظرات الآخرين، وهذا لا يحزنني، مطلقا لا يزعجني، هل تعرف ما هو المزج والمحزن؟ هذا الذي يزعم الود وهو من الأساس يسخر مني، يقترب مني ليضحك الآخرين! ليهزأ بي!
كغيري من المضطربين، وغير المستقرين، المعانين من خلطة غريبة من جلد الذات والنرجسية، هذا جزء مما أصادفه في الحياة، أن تكون غريبا وتسخر مني هذا شأنك، لكن أن تدعي أنك صديقي، لأكتشف إنك تتقرب للآخرين بالسخرية مني، وإظهار كم أنا غبي [وأهبل] وعبيط! ليتني أملك نفسي لكي لا أؤذيك!
ومنها يبدأ الشعور بالذنب، والأذى، وجلد الذات، وأنتقم من نفسي، وأدخل في موال الحسرات والضيق والألم، لذلك أبتعد، بسرعة البرق أبتعد، حتى مع الريبة أنك تستخف بعقلي، أو تشوفني مريض، أو أهبل، أو عبيط، أبتعد، فقط لكي لا أؤذيك، لأنني إن جرحتك، فلن تشفى ولن أشفى من ما فعلتُه بك.

يلمزونك في الصدق

 مؤسف من يهمز ويلمز علوي المشهور ويتهمه بأنه يطلب امتيازاً أو معاملة مختلفة .. ولا يعلمُ مطلقا الذي يهمزه حقيقة علوي، وعزة نفسه وصدقه مع ذاته. نعم، علوي تأخذه العاطفة أحيانا، لكنه ليس مطلقا مثل كثيرين [ولعل منهم من يكتب هذه السطور] ..

 من لا يعرف علوي .. يهمزه ويلمزه!
لم يسع علوي يوما ما لاستغلال [استثمار كما يحب البعض تسميتها] وضعه كمدون وككاتب وكناشط لنيل أي ربح شخصي له، أستطيع أن أقول وأؤكد هذا لأنني أعرفه وهو صديق عزيز وأخ، وأعلم ما لا تعلمون وما كل ما يُعلم يقال. علوي كتبَ عن حرقته، وهي حرقة كثيرين ومشاعرهم، ويشاركهم شقاءهم وحزنهم.
ونعم، التدوين، والنشاط العام، والكتابة مزرعة لهواة ومحترفي التربح الشخصي والساعين للتنفع من الحكومة. هذه حقيقة لا شك فيها، أن تتهم علوي بذلك فأنت ربما تمارس إسقاطاتك الذاتية، البعض يظن أن الذكاء يعني أن تكون انتهازيا .. والبعض يظن أن الجميع يكذب، ويُشترى بثمن، هل علوي منهم! لا!
وبينما يمارس البعض دور الوصي، أو الأب، أو يطرح نفسه بأنَّه الأعلم بالمنفعة الأوجب لعلوي، هو في سياقه الواقعي، شاب عماني خريج وباحث عن عمل، وعلى الجانب يكتب ويحلل الأحداث العُمانية، هل هذا يجعله من المتربحين؟ ولو كان علوي يريد وظيفة لامتياز خاص! لما كتب عن حرقته في تويتر!
رفض علوي أن يُعامل معاملة خاصَّة، ولم يقع في أخطاء من سبقوه، المهرجون في ساحة الكتابة في عُمان كثر، مدعو الثورية، ومدعو المثالية، وغيرهم من زنادقة الكلمة وربابنة التناقض، ويأتي هذا الشاب الصالح بصدقه مع ذاته في هذه الساحة المعجونة بالارتياب! ويهمزه من؟ من باع نفسه رخيصا! هزلت!
وإن علوي إراد امتيازا، لوصل له بسهولة، لكنه يعلم عبء الصدق وخساراته، ويعلم خطورة التبعيّة، ويعلم أنه لا شيء مجاني، ولا دعم يأتي لوجه الله ولا امتياز يأتي بدون شروط وثمن وخسارة للاستقلالية بل وربما لما هو أكثر، خسارة للصدق مع الذات. هل علوي انتهازي مثل من بعض من لمزه؟ قطعا لا!
وماذا قال علوي؟ عبر عن مشاعره؟ ويفكر في الهجرة؟ هل في كلامه ما يؤذي وما يسيء؟ ألا تمر البلاد بأزمة وظائف؟ وأزمة اقتصادية؟ وألم تحدث أحداث صحار قبل فترة وجيزة؟ البلاد كلها في معضلة وظائف، والهم ماذا؟ الوصول للوظيفة المستحيلة! والهجرة للعمل! هذه خيانة؟ فلا نامت أعين الجبناء!
وانظر للشماتة! قاتل الله الانتهازيين وإن كان كاتب هذه السطور منهم، انظر للشماتة! يعني شمتان في شاب عماني ما محصل وظيفة؟ ليش تزعل! ألا يعمل العمانيون في دول أخرى! ما هذا الغل والقبح السيكولوجي! وهو يقول لك أن الواضع صعب، هل كذب؟ هل زيّف، هل طبّل؟ هل فعل مثلك يا شامت يا انتهازي؟
وخذ نظرة على الجيل الثقافي، واحسب الانتهازيين وغيرهم من الذين قبلوا الامتيازات، احسب المتناقضين الذين دخلوا لعبة الرأي العام [بما فيهم هذا من يكتب الآن]، احسب عدد كل متربح رخيص ومتناقض وضيع، وكاذب كذوب دجال أو ثوري مدعٍ أو ناشط نشط وصمت ويعيش على أيام الأمس! هل علوي منهم؟ لا!
وإن كان ما يستحقه علوي من شيء فهو الاحترام، لصدقه ولواقعيته، والدعاء الخالص من القلب لهذا الإنسان الصالح أن يقيه شر نفسه وشر غيره، وأن يكتب الله له العزة والكرامة دائما. جملة [علوي ثروة وطنية] قيلت مراراً، قالها الانتهازيون الذين يريدون له مصيرهم الذي رفضه. فلا نامت أعين السفهاء!
وأستطيع أن أقول أنني متضامن معك يا علوي، قبل تضامني كصديق، أتضامن معك كإنسان، وأسأل الله ألا نراك يوما ما في مقعد الانتهازي، خاسر الذات، تسجن ذاتك في الوهم، وتلعب على الحبلين، أسأل الله لك التوفيق والرضا. كتبت بعاطفة، ولا يلومُك على صدق مشاعرك سوى الذي يكذب على نفسه وغيره!
وإن كنت قادما من جيل التناقض، وحمير الرأي العام، ونشطاء الغفلة، ومدوني الحبلين [ومهذونيه] المتربحين بعلاقاتهم الشخصية، من ظاهرة الرخص، والتناقض وذر الرماد على العيون، وبيع الرفاق للمصائب والسجون، وتحريض الأبرياء، وعقد الصفقات، فعلوي ليس من هؤلاء وأسأل الله ألا يكون!
وإن كنت قادما من جيل المطبلين، المداحين، المبررين، كارهي الحقيقة ومشوهي الحقوق، إن كنت بالذات من هذا الجيل فأنت آخر من يهمز ويلمز علوي، ومن يعرف الغد! هل سنراه مثلهم يوما ما! أم سيواصل صدقه مع ذاته، الناس يتغيرون، وحتى وقت كتابة هذه السطور، علوي لم يتغير صدقه مع حقيقته.
ولماذا يُهمز علوي؟ ويُلمز؟ لأنه ليس من ثوار الحانة! ليس رقما سهلاً هدفه المعاملة الخاصة، ليس صاحب مشاريع باسم الوطن والثقافة هدفها السفرات مدفوعة الثمن، لأنه ليس مداحا رخيصا، وليس مداهنا ممالئا، لأنه رقم صعب من أرقام الكتابة العُمانية، وحالة نادرة جدا جدا من حالات التدوين في عمان
ومضحك جدا من يتهم علوي بأنه كتب ما كتب [ليضغط] على الحكومة وبالتالي تجد له مقعدا خاصا به! أولا: علوي إن أراد ذلك فلن يجعل الأمر علنيا. ثانيا: هذا الزمان انتهى، سالفة تشن هجمة على الحكومة مصيرها السجن والبهدلة.

الخميس، 1 يوليو 2021

عن الجلادين الصغار

 

 

 

التعاطف مع الجلاد ينشأ مع ظنِّك بأن وازعه الأخلاقي يدفعه لتعويضك عما أحاقه بك من ظلم، ولذلك تنشأ هذه الارتباطات السامَّة والخطرة، من هذا الوهم، أن الجلاد قريب منك لأنه يعوضك، بينما هو في الحقيقة يعزز أسباب سلامته، ويخفي جريمته، ويضمنُ ويدرس ويتقي ردة فعلك، أو ثورتك ضده.

للجلاد ذكاء حاد في فهم الضعفاء، وفي السيطرة عليهم، ويتطور وعيه مع تطور وعي ضحاياه، فلعبة الإيهام كلها تدور حول إخفاء نزعته الجرمية، فهو أخطأ وأذاك لأن ظروفه دفعته لذلك، دائما لديه عذر، وسيطرته عليك جزء من حمايته لنفسه، سيبالغ في قربه منك ليحمي نفسه فقط، وليضمن سلامته.

في حالة الجرائم المروَّعة مثل اختطاف امرأة لعشر سنوات وسجنها في قبو، دراسةُ الجلادين من هذا النوع واضحة وسهلة وتميل للأدب والسرد أكثر من العِلم. أما في حالة الجرائم الصغيرة، والأذى والكيد الشخصي، والحسد، والانتقام، الجلاد قد يكون مديرك في العمل الذي هدم مستقبلك لأنه يكره قبيلتك.

الجلاد مجرم يعلم ويعي الذي يفعله، منهزم أمام فكرة أنَّه يؤذي الضعفاء فقط، فهو جبان، وكذوب، ومراوغ، ولا يواجه، وقد لا تجد له أعداء مطلقا، بل وربما لا تسمعه يتحدث بالسوء عن شخص، أما أمامك كون ضحيته فهو أقوى من الحياة، وأكبر، وقادر على الشر والجنون، ويهدد، ويتربص بردة فعلك بحدة.

مع تراكم جرائم الجلاد وأذاه على حياتك تكتشف أنك في أزمة، لكنه استبقَ كل ذلك قبلك بوقت طويل. ستعيش قتالين في وقت واحد، مع نفسك التي تريد تقويمها لكيلا تتقبل المزيد مع الأذى، ومع هذا الجلاد الجاهز للبطش بك بكل ما ادخره تجاهك من وسائل حماية، تحميه منك، وتضمن له تكرار جنونه مع غيرك.

يشيع أدب الجلادين والقتلة المتسلسلين، هؤلاء الذين لديهم مشاكل مركبة تؤدي لاكتشافهم في نهاية المطاف، الجلاد الذي يؤذي الضعفاء، ويستغل حاجة المرضى للعلاج بالإيحاء، والتي تؤذي ابنة زوجها، وغيرها من الأمثلة، هذه جزء من الحياة، جزء من وعي الفرد، جريمة معنوية لا نص يدينها، ويقي منها.

بعض الجلادين يستخدمون خصالهم النفسية للتربح في الحياة، فالذي يُسقط كُل منافس له في العَمل بالإشاعات، أو بإرسال عاهرات، أو بإقحامهم عالم المخدرات، أو تلفيق التهم والرشاوي ضدهم قد ينجو ما لم يُكتشف، هذا لا يفعل ذلك لأنها متعة، وهؤلاء لا يسقطهم إلا من هو مثلهم فقط، فلا أصدقاء لهم.

بعض الجلادين وضعهم أسوأ، فإيذاء الآخرين لديهم متعة، ويرتبط الأذى في شكله الأدبي عادة بالجنس، والاغتصاب، والقتل، وهذا نادر الحدوث في الحياة النمطية، أصحاب هذا الاختلال يصعب اكتشافهم، ويصعب علاجهم، وينغمسون لسنوات في لذتهم الآثمة حتى تصبح هي حياتهم التي يخافون الاعتراف بها.

الجلادون جزء من الشر في هذه الحياة، فثمة شرطي دخل كلية الشرطة ليتمكن من إطلاق النار على سود البشرة في شوارع نيويورك، وثمة جلاد يعمل منتجا في هوليود. هذا النمط المتطرف هو الذي يشيعُ تحليله ودراسته لشيوع الاهتمام به، أما صغار الجلادين، فهم أكثر انتشارا، وضررهم أقرب من الكبار.

الشخصية العنيفة معنويا هي التي تؤدي إلى حالات الانتحار المفاجئة التي تحدث للضعفاء والمرضى. وهذه الحالات المؤسفة من الأذى هي التي تعزز في الجلاد تطوره، هي التي تعزز ارتقاءه الآثم إلى المرحلة التي بعدها، ولكل جلاد نهاية مروعة إن سمحت له الظروف، لا يكبر جميعهم، وبعضهم ينجو ويفلت.

الرغبة في إيذاء الآخرين من أجل الاستمتاع بذلك، بلا ردة فعل، ولا غضب ولا انتقام هي أقصى تجليات المرض النفسي وأخطرها. وارتباط النرجسية، مع غياب التعاطف، والاستثارة، وربما وجود الضحايا الهشة هذه وصفة صناعة المأساة الكبيرة والصغيرة، جثة في حقل، أو إنسان بائس مهزوم محطم الوجدان.

المتنمر مشروع جلاد، قد ينتهي به المطاف تافها كل همه السخرية من فلان وعلّان، أو قد يتطور الأمر فيصبح هوسا، وهذا ما تراه في قنوات اليوتيوب، عندما يتخصص أحدهم في التنمر على فئة معيّنة، ليست الفكرة ولا الانتماء الفكري السبب، الدعوة للعنف، أو ممارسة عنف اللغة، جلاد جبان بلا سلاح.

ولا أتحدث عن النقدية الموضوعية، أو الكراهية الموضوعية. الجلاد يبحث عن الضحية الأضعف ليفتك بها، ومع الوقت تتشوه معززات الحياة لديه، ومع فقدانه لقيمة الإنسان الأخلاقي، ورضاه بما أصبح إليه من جريمة معنوية تُكمل ظروف الحياة الحكاية، هل هو قاتل أزقة؟ أم جبان باسم مستعار يدعو للعنف.

التوصيفات الطبية والعلمية [السايكوباثية، السوسيوباثية] وغيرها تصف ما يعجز وعينا النمطي عن الانتباه له. ولا تستغرب أن الجلاد كثير الظن بالآخرين أنهم مرضى، بل وربما يكون بارعا في تتبع أمراضهم، يعجز عن فهم ذاته ودوافعها، فهو يؤذي الآخر من باب المتعة، والاستثارة فقط. وهذا صعب الفهم!

لذلك، فالانتباهُ هو أساس التدخل في المشكلة مبكرا. طفلٌ يخنق القطط، هذا مؤشرٌ مقلق، قد يفعل ذلك لأنه يقلد، وقد يفعل ذلك لأن الذي يتشكل بوعيه إنسان متأزم، كل المشاكل النفسية لها حل في مراحلها الأولى، تلك التي استفحلت، يستحيل حلها، ليس بعد سبع جثث في القبو، هذه مشكلة لا حل لها. كِبار الجلادين، والشياطين البشرية يعلمون ما وصلوا له، ولسبب ما يكملون حياتهم بيأس ويفقدون قدرتهم على السيطرة إلى انتهائهم في حبل مشنقة أو حكم بالمؤبد، هذا الجلاد الصغير، والجبان، والذي بقايا الإنسان الأخلاقي الذي به تؤرقه هذا ماذا يفعل بحياته؟ يعلم أنه قبيح ولكنه لا يستطيع أن يعترفَ بمشكلته، وقد تتفاقم المصيبة ويكونَ مصابا بالنرجسية، واضطرابات الشخصية، وإن أضفنا إلى ذلك سلوك عصابات، أو إدمان مخدرات أو دولة في حالة حرب فهُنا ظروف نشأة العصابات، والمرتزقة المسلحين، وغيرها من أشكال العنف والجريمة في الحياة. كيف يساعد نفسه؟ هذا الذي يعلم أنه قبيح؟ الإجابة المنطقية هي أن يعترفَ للمختص الطبي وأن يسعى لإيجاد حل لمشكلته وفي معظم دول العالم يتم حماية خصوصيته الطبية، قد يكون ذلك قد تأخر بالنسبة لقاتلٍ متسلسل لكنه ليس متأخرا لإنسان يقاوم هذه المشكلة، مثل الذي يحب الكيد لغرباء لا يعرفهم، أو لضعفاء يعرفهم فيلعب دورا في حياتهم بما يسبب لهم المرض، أو الإدمان، أو السجن، أو كل شيء غير الموت، يمكن للجلاد أن ينقذ نفسه من مصير مرعبٍ بالكثير من الإرادة والقليل من الوعي فهذه الحالات غير المركبة كمثال الطفل الذي يخنق القطط لم تذهب بعيدا إلى الحد الذي يمكننا أن نطلق جبننا البشري تجاهها فنصبح جلادين ونرفضها، وهذا ما يحدث للأسف بسبب الجهل، أو النظريات الحمقاء الحدية المغالية في المثالية والمعايير العالية، هذا أيضا جلاد صغير، وهو أيضا مشروع إنسان مؤذ أو مجرم، وهو أيضا جلادٌ باسم العلم، أو الفقه، أو الدين، أو المجتمع، أو القيم العالية والنبيلة، اعلم أنك جلاد وفي طريقك لخسارة إنسانك الأخلاقي وكل ما يربطك بالنبل والقيم البشرية التي تعزز وجودك وحياتك في هذه الدنيا كمطمئن مُسالم ما دمت تتخذ أو تساهم في قرار يؤدي إلى تدمير مستقبل إنسان لم يؤذك، أو إلى تحطيم حياة شخص في محيط عملك، أو مجتمعك فقط لأنك تكره لونه أو عرقه أو جنسه. الجلاد قد يكون رجلا يعيق امرأة بسبب عقده النفسية من حبيباته السابقات، قد يكون أكاديميا يحرمها من النجاح، وقد تكون امرأة تفعل الشيء نفسه، برجلٍ لم يؤذها ولكنها تؤذيه، وهذا ما نفعله في حياتنا العامة فنسميه [شخص معقد]، إنه مشروع جلاد، وليس بالضرورة قد تعرض للأذى كما تقول النظرية السطحية القديمة [ضُرب كثيرا فأصبح يحب الضرب]، الذي ضرب كثيرا ربما أحب أن يضرب الذي يضربه، ويحب أن يكون قويا ليدافع عن نفسه، وربما سيحب أن يضرب من هو أضعف منه، الجلاد هو مس الشيطان في الكوكب البشري، هو الشيطانُ الذي يقتل، ويسرق ويفسد ويغالي في قتل المتظاهرين ويقتل السجناء أثناء التحقيق معهم، الجلادُ يمكن أن يكون طبيبا، أو ممرضا، أو قاضيا، أو شرطي مرور، أو مدرسا، أو موظف في شركة اتصالات، يهتم العالم كثيرا بالجلادين المرتبطين بالإثارة الجنسية، وبالقتل من أجل المُتعة ولا يهتم للعدد الأكبر، هؤلاء الذين يمكنهم تدمير حياة أسرة أو إنسان بقرار ظالم، أو بإشاعة كيدية، أو ربما بحساب إلكتروني باسم مستعار يجعلون فيه حياة فتاة جحيما، أو يهاجمون بريئا ويفتكون به لأنه يؤمن بمعتقد يخالفهم، الأذى والضرر والأثر الذي يتركه الفعل هو الذي يحدد صغار الجلادين، ولأننا في هذه الحياة لا نعتبر الجرائم المعنوية شأنا من شؤون آلة الدول ومنظومة القوانين فإنهم ينجون، وهُنا تأتي مهمة الوعي وأثير الثقافة وشعاع اللغة ليكمل هذا النقص، وليصنع قطعة من نسيج الوعي تربط هذه الخيوط الهشة لعلها تفسر لنا ما الذي حدث لنا في ماضي حياتنا عندما عرفنا إنسانا بعين زائغة يبحث بجنون عن كل ما يضرنا ونحن لا نفهم ونتساءل: ما الذي يستفيد من كل ما يفعله؟ إن كان ثمة فائدة لهلع الجلاد فهو أنه قد يعود إلى وعيه ويقاوم، وإن لم يفعل فإنه قد يبالغ ويذهب للبعيد، فجلاد بسببه تم طردك من فريق كرة القدم يختلف عن الجلاد الذي سرق مالك ووضع لك المخدرات في طعامك، يجب على الإنسان في هذه الحياة أن يعرف أن الشر موجود، وأن يمايز بين أنواع الشر وأهدافه، ولهذا فإن علم النفس وغيابه عن المناهج المدرسية، والحالات الشهيرة مثل الفصام، وثنائية القطب، والوسواس القهري، ولاحقا في المراحل الدراسية المتقدمة تفصيلات التعريف للشخصيات الجُرمية جزء من وعي الإنسان الذاتي، ومسؤوليته وواجبه تجاه ذاته وواجب المنظومة العلمية والعملية لتيسر له وسائل الوعي هذه، الجلاد لا يعُرف من الدراما والمسلسلات. يقول العمانيون [الصاحب ساحب] لسبب عميق للغاية، لأن هذا العالم ليس بريئا والشك والحفاظ على مساحة أمان وارتياب معقولة ينفع الناس، على الأقل يحميهم من الجلاد زائغ العينين الذي يتلذذ بمصائب الآخرين حتى يسببها لهم، هؤلاء لهم علاج، وإن لم يطلبوا علاجهم، فثمة وسائل حماية ومواجهة توقفهم عند حدهم، هُنا دور الثقافة والوعي الأهم من ترديد المكرر الممل عن أهمية الوعي والثقافة. لا تكن جلادا، ولتكن ضحية لجلاد. وإن ابتليت بجلادٍ لا يعرف مشكلته، فاعلم مشكلتك، تعاطفك معه قد يكون أحد مشاكلك، فلا تكن ضحية.

 

 

 

تأملات في الحب والكراهية والأمل والرجاء

 

 

جُنَّ الليلُ، وجننتُ معَه بعض الشيء. عُدتُ لهذا الدفترِ القديم الذي منحته نصفَ عُمري. نعيشُ في زمنٍ عجيبٍ أصبحَت فيه الذاتيةُ ضرباً من ضروبِ السخافة، وكأن الذي يعتبرها سخافةً ليس سخيفاً، ليس ذاتياً، وكأن هذا العالم وهذا التاريخ البشريُّ يسيِّرُ شؤونَه بغيرها. كبرتُ بعض الشيء على الشعور بالخجلِ تجاهَ ذاتيةِ الكتابة، أي جريمةٍ في الحياة أكثر توغلا في الذاتية كجريمة الكتابة؟ كل شيء ذاتي، كل إنسان محركه ذاتيّ، أما هذه المثاليات ناصعة الحَماقة أنَّ الكتابة، والأدب، والشعر كُلُّها أفعال تطوعيَّة فهذه أوهامُ الإنسان الضائع الذي لديه الكثير من الوقت ليفكر في ضياعه. لن أبرر ذاتيَّتي لأحد، ألم تدخل أنت لهذه الصفحة؟ يمكنك أن غضب إن أرسلتها لك مربوطةً في ساقِ حمامةٍ زاجلة، هُنا، المكان مكاني، وهذا الليل لوحةٌ في جداري المرصِّع بنجوم الذكريات، ونيازك الحسرة، والشموس الغائبة التي تصنع لحظة الكتابة هذه وتفتك بها في آنٍ متماهٍ مع ضدِّه.

لم يخرجُ الزمانُ عن صفاتِه المتأزمة، الكوكبُ في مأساةٍ ويحكمُ العالمُ فرعونٌ يسحقُ مشيئة الاعتيادي والنمطي تحت حذائه. جنودُه الخوارزمية تتمركز في ثكناتها الدمويَّة، يسافرُ ويتغلغل في عروق مدنية الإنسان، مشيئته هي الحاسمة الصارمة، وقراراته لا تُرد وموتاه لا يعودون ليخبروا الناجين سرَّ الحقيقة والخليقة، فرعونُ التاسعُ عشر يحكم الكوكبَ وينقذ الطبيعةَ من شرور الإنسان، يسحق أنانية الأحياء ويهدي القادمين في الغد كوكبا أجمل من هذا التجمُّع البشري القبيح الذي انشغلَ بصناعة الأسلحة وترك حُلم الاقتراب من المدينة الفاضلة إلى هذه المدن الرأسمالية العاهرة، فرعون يحكم العالم ولم نخرج من لحظته الزمنية بعد. نعيشُ مع الذاكرةِ والحسرة ويلهينا الأمل، أما العالمُ فقد ارتاحت دواليه، وتنفست عروقه الصعداء ففرعون التاسع عشر ربما كان الهدية التي أجلت الدمار الكبير، لسنا في المدينة الفاضلة، ولكن ربما تأجل الجحيم سنين تكفينا لحياة ما، لشبه حياة ما، لأي شيء غير الحسرة وتذكر الأوجاع والحياة مع الحزن صديقِ اللغو الأليف، وحليف الروح الغامر.

عدتُ للكتابة، لا أعرف لماذا! أجهلُ لماذا أقول عدت لها وكأن التعريف القديم هو الذي يصوّب بوصلة التعريفات، لماذا أكتبُ يومياً؟ إنه العام السابع عشرُ! ما حدثَ عُمر، وما أشعرُ به لحظةُ بدءٍ أبديةٍ تُكمل هذه المُتَكَوِّنات النصيَّة أمام عينيَّ، لماذا أكتب؟ من العبثيَّ أن يُسال هذا السؤال أو يجاب عليه، أكتب لأنني أكتب، هذا يكفي دون المزيد من الحذلقة فعادتي أن أكتب عن الكتابة، أو البقاء المجنون في سردِ وتدوين أحداثِ عُمان، العمل التدويني الذي انعجن في دمائي حتى أصبحَ قصة وجودي، لا جديد في عُمان، لا جديد يُكتب، المجتمع يتفاعلُ بلا توقف والثقافة الاجتماعية تقطع خطوة كل يوم وانتهى ذلك الزمانُ الذي سئم شاكوه من العزلة الحضارية والاجتماعية والسياسية وباقي النسب والمصادر الصناعيَّة، نحن في العصر الجديد الأحوال هادئةٌ وحياتي طبيعية في هذه البلاد! أدوِّن ما استطعت، وما طاشَ من ذلك العبث أقضيه في العبث بالكتابة، هذه حياتي التي أتقبلُ جنونَها مدركا أن السعادة تنبع من الداخل، وأن الرضا قرار، وأن كثرة التشكي لن تغير مسار النهر، سأنجرفُ في أيامي حتى أموت وما دمت أنجرفُ سأكتب، لا لشيء، ولكن هذا العُمر أقصر بكثير من أن تقضيه دون أن تكتب، عن عُمان، أو عن حماقاتي وذاكرتي، أكتب لأنني لم أعد أتساءل: لماذا أكتبُ.

تزاحمُ عُمان أفكاري، هذه مأساة الشعور بالأهميَّة، نرجسية الكاتب المزعجة التي تشغله عن الحيوي الأجدى. عشتُ سنين طويلةٍ تحت سياط الكراهية حتى تخشبت مشاعري، يبدو أنني الآن لست مكروها كالسابق، صمت كثيرون عنِّي وتوقف التنمرُ بعض الشيء ولكن الجمر في الصدور لا يحتاج أكثر من نفخةٍ ليشتعل، هذا هو الوضع الأكثر خطورةً من ذلك السابق المشتعل بالصراع والمواجهات، الخصمُ الناقم الصامت يتربص، وقد يظنُّ الآخرُ أنه ارتياب الشعور بالأهمية والاستهداف، ليته كذلك، إنها طبيعة الحياة والنتاج النهائي لخيارات العُمر التي خرجت من مسارات الحب والأمل إلى دهاليز الكراهية. هذه حياتي وما تحولت إليه وأقصى ما أستطيع فعله هو أن أعالج أمراضي الكثيرة، وأن أواصل الخطو بالكثير من الحذر، والمعدوم من الثقة في الآخرين، كم هو محزن أن يعترفَ صعلوكٌ قديمٌ بحتمية الارتياب، أن تعترف بخيبتك، وأن تتذكر أوجاعَك القاسية وأنت تؤنب ذاتك، وتجلدها بقسوة كي لا تُجن فتكرر أخطاء الماضي ونكساته. كل هذا من الماضي، والباقي منه ليس أقل خطورة، وليس أكثر، فالخطر الخارجيُّ ثلث المُعادلة، أما ثلثاها الأفدح ففي النفس، واحدها في الخفي منها، وثانيها في هذه الحروف التي تقول ما لا أقوله نيابة عني، لم أعد أصف حياتي بالمأساة، ولا الملهاة، ولا الاستثنائية، ولا العادية، إنها حياة حتمية وما دام قلبي ينبض فيجب أن أحاول وأن أقاوم، والباقي في علم الله وهو خير الحافظين. آمنت بالله، ولا إله إلا الله.

لا أؤمن بالحبِّ كما كنتُ أفعل كفتى في مقتبل العُمر، أحب عائلتي والباقي أدخره للقليل من الأصدقاء الذين لم تفتك بهم ظروف الزمن. أؤمن بالكراهية، كثيرا وأقلل من شحناتِها كل يوم يمضي. أكذبُ إن قلت أنني لا أكره، سأكذب على نفسي وهذا أخطر من الكذب على الآخرين. أكره لأنني أختارُ ذلك، وأفضل أن أكره من يستحقُ ذلك كما أفضل أن أحب من يستحق ذلك، صفقة عادلة بيني وبين نفسي المعذبة بالقلق. صرتُ أكذبُ أقلَّ بكثير من السابق، لا أعرف ما سبب ذلك؟ توقفت عن تضخيمِ الناقص منّي بالكذب لأدرأ الاحتقار، وعن تحقير الجميل بي لأتجنب الغل، ثمَّة ما حدثَ منذ هجرتي من عُمان إلى عودتي وغيَّر كل ذلك، ولا أهتم للأسباب النتيجة الحاليةُ مُرضية، كذب أقل، ضمير أكثر ارتياحا وهذا أهم بكثير من كل أوهامِ المكانةِ ومعضلات المكان. أحبُّ هذا الذي يحدثُ من التفافٍ اجتماعيٍّ حولي، ذلك الحب العفوي الذي يُشعرني أن الله يعوضك ما دمتَ مظلوما، ويعاقبك ما كنتَ ظالما، لقد ظَلمتُ وظُلمتُ في هذه الحياة وها أنا اليوم في هذه الصفحة الجديدة أحاول التمسك بتلابيب المعقول والنمطي وأعض بأسناني على حياتي العاديَّة وأيامي المتشابهة، جزاك الله كل الخير يا من كنت سببا في كل هذا.

تغيرت أحلامي في هذه الحياة. يرحمُ الله الإنسان بموتِ أحلامِه. لست ثائرا يريد تغيير كل شيء ولست خائرا منهزما، أخاف من الله كثيرا أما الإنسان وكيده فأعلم أنه سيحيق بي متى ما ظلمتُ غيري، أو ظلمتُ نفسي بالعودة مجددا إلى ولعي المهووس بتحقير ذاتي، لماذا أفعل ذلك؟ لا أعرف ولا أريد أن أعرف، المهم أنني صرتُ أرفض ذلك من نفسي، وسأجد طريقةً ما تعيدني لصوابي إن نسيتَ شكر الله على نعمه التي تزيّن حياتي بالطمأنينة. أصبحت لدي وظيفة آكل منها لقمة العيش، هذا التدوين الذي قادَني لخساراتِ العُمر أصبح اليوم رئيسي في العَمل، يصرفُ لي القروشَ التي أدفع بها إيجار المنزل، واشتري بها أحذيتي الرياضية، لست ثريا ولست فقيرا وأعيش دروس الحياة في كل يومٍ يمضي بقلقه وهلعه، لم أكن أعلمُ أن الحياة بلا نشاط سياسي جميلة وهادئة إلى هذا الحد! لا نظامُ تحاربُه ولا غرباء يفتكون بك! أن أكون مهذوناً هذا قرار وجوديُّ كنت غبيا عندما ظننته خطأ. أن أكون المهذون الأكبر هذا قرار ذاتي أعلم أنه خطأ، لكنه خطأ جميل، أحب هذا الخطأ الاعتباطي الذي أعيشُه كل يوم. يعاتبني الغرباء، لماذا أعيش كالأهبلِ؟ أبحث عن السخرية! وأسخر من نفسي! ما الخيط الفاصل بين جلد الذات والضحكات؟ إنها الهذونة! ولذلك رجائي بها كبير، إنه واحة التوازن الوحيدة لإنسان لديه هذه الأزمات المربكة في شخصيته وفي ذاته وفي هرموناته الدماغية، الضياع كل الضياع أن تعيشَ وأنت تفكر بسلطة لسان الغرباء عليك! وإن كنت عُمانيا فمن الحماقة أن تنسى أن هذا الكابوس يتشابُه فيه كل تجمّع جغرافي عدد سكانه قليل، لن أعيشَ في عمان التي بها ملايين الملايين، سأموتُ في عمان قليلة السكان فلم لا أجد طريقة للتأقلم، ويبدو أنني وجدتها، لستُ مطمئنا إلى مكائد الغرباء، هذا هو الارتياب الذي يبقى بك بعد أن تسلك طرق الكراهية وبعد أن تشتعل العداوات في عُمرك، معارك كسر عظام لا تتوقف، وأصدقاء ملاعين ترجو من الله أن يذيقهم شر كيدهم. عدا ذلك فكل شيء هادئ في مسقط، الزمان، والمكان، الفيروس يسيطر على الحياة ونحن نحاولُ أن نمرَّض حزننا بملهيات الغد، بالرجاء، بالأملِ أن أشد ما نحن فيه هو أشد ما نحن فيه. سأحمدُ الله كثيرا، وسأكتبُ حتى تنطفئ شمعة العُمر وأرحل.

 

آمنت بالله ..

 

 

عن حزننا ..

 

 

 

تتلون الأيامُ ..

أما حزننا

فشعاع

نرثيه إن عاثت

بنا الأوجاعُ

ونردُّ عنه

ظنوننا

وغوايةَ الأوهام

نطلبُه إذا

استلبَ الهُدى

الإيقاعُ

ونودُّه

كالأصدقاءِ

نحبّهم

إن سافروا

أو هاجروا

أو ضاعوا..

ونردُّه فرداً

إذا اجتمعت دموعُ

العالمينَ

وساءت الأوضاعُ

ونصدُّه عن وجهنا

إذ نلتقي

ونشدُّه

للروحِ

إن عزلَ المكانَ

صفاتَه

ليحينَ قبلَ

 أوانه الإبداعُ

ونحبُّه

كالماء

نطلب قربَه

إن غاب ممطرُ

غيمةٍ لمَّاعُ

ونخافُه إن جاءَ

لا مستأذناً

بل غاضباً

ومعاتبا

يلتاعُ

ولنا به آياتُ

من أعمارنِا

إذ كانَ في حُكم الزمانِ

يُطاعُ

ويراه في المرآة

ثم يخونُه

بالحبِّ

يسرفُ عاشقٌ

طمّاعُ

للحزنُ ألفُ حقيقةٍ

بضميرنا

أما السعادةُ

بسمةٌ  .. وقناعُ

 

 

معاوية الرواحي

يوليو/2021