بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 يوليو 2021

 تُكابر، [وتْجاحد]، تختالُ، تظن بنفسك القوة، تنشغل بتحليل المشهد الكبير جدا، الاعتيادي، الذي يعلكه الجميع، تظنُّ بنفسك الامتياز الخاص دون الجَميع، تتحزب وتغالي في مواقفك، تُخرس صوتَ المنطق والعقل، يعميك شعورك بالأهميَّة، تعزز في ذاتك شعور المنذور لقضية عُليا، وتصدق أوهامك فتخسر.

تنساق وراءَ التيار الكبير، تظن أنك النهر وأنت خشبة تطفو فيه، تظن نفسك المحيط وأنت قارب، تبالغ في الشعور بالقوة، يدك تتحول لأيادٍ، ترمقك العيون المحبة بحسرة، والعيون المبغضة بغضب، ويشبهك فقط من يحسدك، وتَنسى مع الوقت قيم الحب، والأمل، والسلام، فتتحول لآلة، ومتأخرا تكتشف ذلك.
ينبذك الأنقياء، يتجاهلك البسطاء، يعلم الجميع حقيقة أزمتك، لكنك لا تبالي، الشعور بالقوة يجتاحك، قوة الجمعي، تحسب أنك الإعصار وأنت قطرة فيه. تتشدق كثيرا بمواقفك، وما يجب، وما يكون، وأنك [أنتَ] الذي فعل، والذي تفاعل، القضية في ذاتك، ولكنك لا تعرف، ولا تفهم لماذا ينبذك الناس!
ويمرُّ الوقت، وتظن أنك السماء، ولست سوى ريشة في عواصفها، مع النبذ الشديد يكبر بك الغضب، والكراهية، ويستبد بك الجُبن، فهل تفتك بالضعيف؟ نرجسيتك تمنعك، هل تفتك بالنقي؟ الناس يحمونه؟ تفتك بمن؟ تمالئ حتى تتولى طريقك تبتكر العدو، تصنعه لتقتله فتكون بطلا أمام نفسك التي تخسرها تدريجيا.
وتحترق من الداخل، نصفك الذي لم يتحول لجلمود ينبتُ فيه زهر الأمل، أن تتغير، أن تصبح أحسن، لكن هواك شديد، وقديم ومعتَّق وتغالب صبرك عنه، تفوحُ لثانية فيظهر منك ما جاهدت لإخفائه، ذاتك المتأزمة، القبيحة، المعجونة بالحسد والكراهية، تبحث عن صديق فلا تجده، وعن عدوٍ فلا تراه خارج المرآة.
وما النهاية؟ يبتعدُ عنك من أحبَّك، ويقترب منك من ينافسك، ويبغضك، ويحسدك، تجدُ المودة من الذين تتعالى عليهم وتحتقرهم وتشعر أنك [أحسن/ أقوى] منهم، يمسك الوهم بتلابيبك، فتحزن، وتكتئب، وتختفي، وتغضب، وتتعلق بكل القيم العُليا التي تريد أن تُعقلن بها موقفك المعجون بالارتياب والحسرة.
وما النهاية؟ الأنقياء؟ ينبذونك! البسطاء يتجنبونك! الطيبون يخافون منك! تبقى في دائرة المأزومين، والمعقدين، ومشاريع الأشرار، تصبح شريرا وقد ظننت أنك تفعل ما تفعله من أجل الخير، تتمزقُ وتكابر وترفض الاعتراف بخطئك والنهاية ماذا؟ ضياعٌ طويل، وحسرة تملأ المدى والفضاء.
وما النهاية؟ المكابرة؟ والكذب على الذات؟ والارتماء في أحضان العدوانية والشعور المؤرق بالدفاع عن الذات. العدو ليس في الخارج، إنه في داخلك، يبث شروره في نفسك، قد تنجو، وقد لا تفعل، يصاب المحب باليأس، والمبغض بالأمل، فأنتما سواء في درب لا نهاية له سوى المكابرة حتى النهاية.