بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

 لما تتعرض للكثير من الضغط، وربما الرفض، وبعض التقليل من مكانتك، ومهاراتك، وتواصل الصراع لفترة طويلة جدا فقط لتثبت أبسط الأشياء، البديهية، والتي من حقك، منطقيا، وإنسانيا، ولكنك تتعامل مع مجموعة من الناس، أو مؤسسة، أو مجتمع، أو شخصيات نافذة، أو ربما تكون جزءا من أقلية تتعامل معها دول نافذة بالإقصاء والتهجير، والشر.

لما تكون فرض تتعرض للإلغاء من قبل ناس قادرين على صناعة سرديات محكمة حولك، وحول حقوقك، وحول حقيقتك.

نعم، الحق معك، نعم أي شخص موضوعي غير منحاز يعلم أن الحق معك، ولكنك هل تعلم معنى أن تتحول إلى إنسانٍ حاد للغاية، من فرط ما أُلغي أصبح هو نفسه إلغائيا، يعيد توجيه الجروح التي تعرض لها بشكل موجه، أو عشوائي إلى الآخر الذي يعرفه؟

رب أسرة، يتعرض للإلغاء في عمله، يحرم من الترقيات، يساء له في تقديرات عمله، يظهر له زميل يحسده، ينشر عنه الإشاعات في العمل، أو امرأة عاملة في مدرسة، تريد أن تحصل على بعثة (تستقعد) لها مديرتها. تظلمها، والجميع يعلم أنها مظلومة، وقس على هذه الأمثل ما يكفي لكي تعرف القصد.

قد تكابر وتقول: لم يفت هذا كله في عضدي. كل هذا الرفض، والتشنيع، والتشهير، والسرديات التي تحاك حولي لم تغيرني. لكن هل حقا لم تغيرك؟

هل أصبحت حادا؟ شرسا؟ مستعدا للفتك بأي شخص يبدي لك أي ملاحظة ولو كانت بسيط جدا عن سلوكك؟
هل أصبحت لا تفرق بين الشخص الذي يهدي إليك عيوبك ليصلحها؟ والذي ينبش عن عيوبك لكي يسلط عليها الضوء؟
هل أصبحت كاسرا، عاصفا، مستعدا لإلغاء أي شخص يقترب منك، أو من خبرتك، أو من مهارتك، أو من حقيقتك؟ بأي شكل من أشكال الإلغاء أو تحجيمها بجهل منه؟

هذه أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك إن الضغط الذي تعيشه في مهنتك، أو في الحقل الذي تعمل فيه، أو في مجتمعك قد تراكم إلى الحد الذي جعل سلوكك مع من يحبك وتحبهم مليئا بالدفاعية، شرسا، جاهزا لقرع طبول الحرب.

وقد لا تفعل ذلك، ربما تصبح ساخطا، توزع الأحكام يمنة ويسرة، فاقد الطمأنينة الذي لا يعطيها، فاقد التوكيد الذي لا يمنحه، فاقد الكلمة الطيبة الذي لم يعد يجد وسيلة لقولها. وربما لا تشعر بذلك، من فرط انشغالك بالحرب التي تواجهها، سواء كانت الحرب الناعمة، أو تلك اللامبالية عندما يسيء تقديرك رئيسك في القسم، أو رئيسه، أو رئيس رئيسه، قد لا تنتبه إلى ما أصبحت عليه بسبب تلك الضغوط.

ومتى ستستيقظ من تلك المعركة؟ أو الغفوة؟ أو الغفلة؟ عندما يعود حقك - هذا إن عاد- لتجد نفسك قد حولت كل المحيط الذي حولك إلى معركة من الإلغاء، والتسلط، والسخط، والدفاعية المفرطة، وربما عقّدت أبناءك، أو إخوتك، أو أصدقاءك، أو زوج، أو زوجة، أو مرؤوسين لا ذنب لهم فيما تتعرض له!

لا يتعايش الجميع مع ضغوط الإلغاء، والسرديات، والتهميش المتعمد، وسطوة الحاسد عليه، أو التسلط، بعضهم يتحول إلى ساخط ينثر الزجاج الحاد، ويرميه في آذان من يحبونه، وهو لا يعلم أن الظُلم يمكنه أن يجعل من المظلوم ظالما.

نعم، أنت مظلوم، وكل إنسان مظلوم في شيء ما، لكن هل تستطيع أن تتصور أنك عندما تصل لحقك تجد نفسك في صدمة حقيقية، أنك ربما عشت لسنوات متتالية وأنت في حالة سخط ستجعل مشوارك للعودة إلى حياة هادئة أصعب بكثير؟

السؤال الكبير: هل ستراجع نفسك التي تغيرت تحت الضغوط؟ أم ستكابر مكابرةً هائلة وتقول: أنا معذور، كنت مظلوما؟

هنا السؤال الجوهري الذي إما يجعلك تعترف بأنك تحتاج إلى بصيرة جديدة تجاه صدماتك وجرحك، أو أن تعلقها في شماعةِ فاتورة الذين ظلموك.

البعثة التي حرمتَ منها في عملك، قد تأتي، لكن ابنك أو ابنتك الذين دفعوا ثمن أعصابك المحترقة طوال سعيك للدكتوراة لن تعوضهم سعادتك وأنت تسافر تاركا ذكريات سيئة في أناس جعلتهم يظلمون معك.

باختصار، أن تكون رحيما والعالم لا يرحمك، هذه من أشق الابتلاءات على نفس الإنسان!
مع ذلك
القسوة ليست حلا!
فما الحل!
لا أعرف!
الحل هو أن تعرف أن هذا يحدث، أما كيف ستعالجه! هُنا حكاية أخرى مختلفة للغاية..