بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 19 أبريل 2019

مراحل




 تعبر مرحلةٌ لأخرى مثل تفتح زهرةٍ كانت بذرة. وأيضا كحال الزهور تبذر مراحل حياتنا بذورها لغدنا المحتمل. زهرة ذات شوك وأخرى ذاتَ عبير، والغد مثل الطين الذي يكوننا، لا يعبأ لأي بذرة صادفت ماءَها، ولا يهتم كثيرا للزهور التي تنبت منه وتعود إليه. نحن أيضا نقف أمام أيامنا هكذا. ربما كنا أقل عنجهية من طين الزمن الذي عجن كل شيء، مع ذلك نحن لا نخلو من الزمن، كما لا يخلو طين الحياة من البذور. أي غد سيحدث؟ أي بذرة ستنبت؟ كل هذه الاسئلة نحملها معنا إلى الطين الذي لن يعبأ لنا أيضا، ولن يهتم لهذه الكتلة البشرية التي أدركت معنى الزمن المؤقت بكل ما تعنيه الكلمة.




الأربعاء، 10 أبريل 2019

المجيء من باب الشوق



 ينتهي الشتاء ليأخذ الوقت وتيرة أسرع. الثواني التي كانت تتضخم أصبحت تتناثر مع هباء الأشجار الذي يرعب العين لبعض الوقت بسقوط الثلوج. الوقت بارد، لكنه ليس إلى ذلك الحد الذي يدفعك إلى تغطية أصابعك بهلع، أو النفخ في قفازيك لعل القليل من دفئ رئتيك ينتقل إليهما. بقفاز مبلل، وبدراجة تحمل معي عنادي إلى مسافة أبعد.
بعد عملي الأخير لم أعد أشعر بمرور الأيام. أحمل تصورا عن اليوم المثالي الذي قد يحدث يوما ما، وأعني بذلك اليوم الذي أتخلص فيه من أعباء وزني الزائد. تغير سلوكي كليا، لم أعد ذلك الدراج الملهوف وراء المسافات البعيدة، أصبحت فكرة الترحل لمدينة أخرى مرتبطة بالوقت، وبجدول الرحلة. عندما تكون وظيفتك على دراجة كل ساعة تقضيها عليها تضاف إلى الوقت الذي قضيته وأنت تفعل الشيء الصواب، تعمل! ولا تفكر بعد عودتك من عملك بساعةٍ أو ساعتين لا تروي ظمأ ولا تشفي غليلا ولا تشبع نهما.
ذهبت أبعد من تصوري البائس عن علاقتي مع الدراجات. كنت أحلم أن أتمكن من قضاء عشرين دقيقة يوميا، لم أكن أحلم أبعد من ذلك. أصبحت أتنقل الآن بها في كل مكان، ومع الوقت وعندما تمكنت من قضاء ساعتين متتاليتين عليها يوميا صرت أعرف شيئا اسمه النوم الطبيعي، والاستيقاظ النشط. ارتبطت عادة قيادة الدراجة بي بشكل مرعب، فمن جانبٍ عملي للغاية هي وسيلة تنقل عملية وسريعة، ومن جانبٍ صحي، الحياة والأكل والنوم والحركة كلها تختلف والتركيز والنشاط الذهني يصب كله في معينٍ واحدٍ من الاطمئنان، أنك تفعل الشيء الصواب، تحاول وتقول: ساعتان لا يكفي!
عندما بدأت في عملي، كنت أتحمل ست ساعات متتالية من الجلوس على كرسي الدراجة. أتحمل المسافة المترافقة معها حسب الارتفاعات في الطريق. كانت بدايتي متحمسة. سعي مهووس لمعرفة سقف ما يمكن أن أصل له وصدمة موجعة عندما قمت من النوم مرهقا لأكتشف أنني نمت عشرين ساعة متتالية!
هناك أخذت نفسا عميقا وبدأت أحسب ما يمكنني حسابه. أرقام الطعام ليست معقدة، المعقد هو إرضاء المعدة والذائقة والشهية في وقت واحد. مارست بعض الحيل، وتعلمت أشياء أخرى ولكنني بشكلٍ عام لم أعد أنظر لهذا كله. أصبحت لدي مشكلة أخرى مختلفة عن تلك التي أعاني منها. يمر الدراج الذي يعمل في مجال التوصيل على خمسين كيلو متر يوميا من الشوارع، وهي ليست كتلك التي يهنأ بها المتنقل في خطوط طويلة ممتدة، إنها رحلة مزعجة من التوقف والضغط وحساب سرعة المشاة والسائقين الذين يقفزون على المنحنيات بدون تأكد. بدأت من العشرين يوميا إلى الأربعين، وصلت للستين لكنني لا أظن أنه الوقت المناسب لفعل ذلك يوميا، ربما في نهاية الموسم وربما في بداية الموسم القادم الذي لا أعرف أين ومتى وماذا سيكون.
اشتقت لساعات الكتابة اللانهائية، لكنني لا أشعر بالذنب الآن. أقول في نفسي ساخرا، لو لدي القدرة على ركوب الدراجة لعشر ساعات متتالية لربما كنت كائنا آخر. أوزع جهدي بصعوبة وبقياس. أحاول ألا أستفز الركبة أو شيئا من تلك الأربطة العنكبوتية المحيطة بها، أقسم الجهد وأتذكر كيف أقطع الشارع الذي أعرفه والشارع الذي أعرفه. تمر على ذهني قصائد، وقصص، وأفكار وحكايات ومشاعر ويمر اليوم في حالة تأملٍ دائمة.
أعود للمنزل، وأطبخ عشائي، أقضي ساعة في حياة اجتماعية، ربما أخرى، ثم أخطط ليوم آخر، ولرحلة أطول. ليس لدي ما أباهي به الآن. أحاول أن أتجاوز خمس ساعات من الحركة إلى ست، وعندما أصل إلى ثمانٍ يوميا سأقف ولن أجازف بالتاسعة إلا بعد شهور تمضي، وعلى أية حال ثمان ساعات متقطعة أو تسع ليست صعبة عندما تحسب حساب التوقف والراحة، الفكرة هي مرة واحدة، أربعين دقيقة صافية في كل ساعة. هناك تصبح الحسابات في آفاق المدن، بل وربما الدول، ولكن منذ متى كان التعجل شيئا جيدا. أراكم بعد ألف كيلو متر ..

الخميس، 4 أبريل 2019


معيوف سونج





أنا ماشي في الحياة،
وحياتي في الجنون.
مرة صاحي، مرة واعي
مرة طايح في السجون!
كل حاجة في حياتي
جاية من أسوأ صفاتي
هل أراعي هل أحاتي؟
ولا أتقبل مماتي؟
أو حياتي في الظنون!

الحقيقة لعبة مرة
جربها لو حتى مرة
الحقيقة كل الثورة
كل كلمة كل فكرة
الجبان عدو لسانه
والحقير من غير عيون


خلي خوفك يمكن ينفع
بكرة تستسلم أو ترجع
والمصيبة إنك تدفع
من عمرك في وجه المدفع
والبقية في حياتك
والبقية ما يدرون

هي لعبة .. والمكان ملعب واضح للشيطان
لا خطوط ولا حواجز، أو صفارة أو ضمان
والحكم خاين حقير، والجمهور ابن حرام

وأنت جالس في مكانك
ومصيرك ما معروف
هذي حالة؟ يا صديقي؟
هذي حالة يا معيوف؟

القصائد والحياة مثل راكب للنجاة
في العواصف في القوارب
في ألاعيب المياه
الهروب حلول معارك
والجنود بدون دروب
الزمان مصيبة خضرا
والبشر بدون قلوب

هي حاجة يا صديقي في فؤادي
والجروح
أسئلة من غير إجابة
والسنين تروح تروح
كل ما أركب سفينة
أو أهاجر من مدينة
الزمن زمن رمادي
والحجر تطلع له روح

أي كلمة في كلامي من كلامي ما أخاف
الحروف طريق مصيري والقصيدة والزفاف
حرفي .. شمسي في الصباح
حرفي حي على الفلاح
حرفي دربي ... دربي حرفي
والجريمة
والسلاح



هذا دربي لا يقين
للأسف أسبابي دين!
والحلم مثل الحياة
صوت حاير في صداه
لا طريقة طريقة للحقيقة
غير كلمة ثم آه

المقاتل والمناضل والمجادل في الحدود
معجزة كانت جميلة
نهر حر ولا سدود
.كل  غابة في القبيلة
من وشايات الجنود
والتفاصيل الأخيرة
كلبشوها في القيود


كل ساعي له قضية، له رسالة له بريد
والإرادة كلمة حرة
ما يليق بها الحديد
كل كاتب في الحياة
له قضية في الوجود
أسئلة ملعونة أصعب
من عبادة من سجود








كل كائن في مصيره معجزة أو معجزات
حتى صاحب في المصايب يوَم تُستدعى الثقات
أي صاحب في الغرائب
في تجاويف العجائب
في الخسارة والمكاسب
يا صديقي معجزات

في السرائر والضمائر والحنايا والضلوع
كل واحد له نوايا، له مشاعر، له دموع
للأسف أيامي غبراء ...
بس خايف من الرجوع
القصائد والأغاني
والكتابة والجموع!

كل ما أفهم حياتي، أكتشف مليون سر
والعمر لعبة صغيرة نرد في أيدي القدر
أيها الخائف تمهل
أيها الماضي استدر
كلما تبعت دربا
جاء في دربي القمر


لا نوايا، لا قضايا، لا مصاحف لا شموع
كل ما أكتب قصيدة، كل  كلمة للرجوع
كل نزوة، كل همسة..
تندب الأيام نفسه
أيها الساري المَروع

أصدقائي في حياتي !
في حياتي أصدقاء؟
من أصدق من أكذب؟
والمحب بلا نقاء؟
كل قائل له مقوله
كل كاذب له حلوله
كذّب الحمل بحموله
شك عاصف
لا صفاء


باقي من أيامي عمري
كان ماضي في فراغ
والثواني تجري تجري
أغلى من كل المصاغ
لا وسيلة كل حيلة معضلة أخرى طويلة
والكتابة درب أسود تجعل الغاية وسيلة
بعد أن يأتي البلاغ


كنت ساري عمري ناري والحطب ورد وزهور
غايب الدنيا وأداري مشكلة كبرى بسرور
لم أجد عقلي التجاري، عقلي مليان بشرور
ثم ثاري .. ودماري
جاء من هذي النذور



ما أخاف إني أعيش أو  أكمل في الجنون
كل كلمة في حياتي، تجعل الدنيا تهون
كل طايش له نهاية ..
أو بداية ..
أو حكاية ..
أو رواية
أو سجون

دمعة أخرى أمي تُبكي أمي مستحيل ومستحيل
العمر بلاوي غبراء ... بس أنا ابن النخيل
ألحق النجمة البعيدة
كل أفكاري العنيدة
للسما يعصف فؤادي
عاشق الرملة ذليل



معاوية الرواحي