بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

رسالة من غريب لغريب آخر

 ما أعرف هل هو العمر، أم هو البارض، أم ببساطة هو التسليم بالأمر الواقع، أو ربما مزيج من الرغبة في عدم التدخل في خيارات الآخرين، أو كل ما سبق، أو بعضه!

لما أشوف حد بكل استماتة جالس يقزم من المقاومة، ما أنشغل أطلق عليه أحكام، لأنني أولا كنت أحد هؤلاء الذين يصدقون أن المقاومة ضعيفة، وستبقى ضعيفة، ومعي تسليم جانبي آخر، أن إسرائيل قوية، وستبقى قوية، كنت في العشرين من العمر، وأتشرب ما يسمى [القيم الغربية] ساعيا بكل جهدي للانسلاخ عن هويتي الإسلامية والعربية، وعشت بعدها سنوات العقل الرافض لنفسه وهويته قبل أن تستقر جميع المراكب على نقطة البدايات، وإيمان العجائز، والإسلام، والعروبة كمسلمات [هويَّاتِيَّة] كما يحب إخواننا عشاق الفلسفة كتابتها. ما هذي النقطة، لا أشخصن المسألة لأن الموضوع جزء من المراحل الطبيعية، ولأنني أؤمن أنَّ الواقع قادر على قلب المسلمات، حتى مثل هذه، المبنية على ميدان، وعمليات، ومقاومة، واختلاط بين الحرب والسياسة والدين والهوية والظروف. وما فيي بارض أناقش حد في الموضوع أو أجادله، بس معي جزئية مليئة بالاستغراب! يعني كعربي، من يوم احتلال العراق، والحرب الثقافية الشرسة التي شنتها أمريكا والعالم بعد هجمات سبتمبر، وإسرائيل تصول، وتجول ولديها عيد وراء العيد في التنكيل بالشعب الفلسطيني، ونتنياهو طابق في حنجرة الشرق الأوسط، وحتى أمريكا لا تطيقه، ولا دول العالم. بعد احتلال العراق، وبعد كل هذه الفصول المريرة، والسيئة، والتي حطمت الوجدان العربي بما يكفي، وتأتيك المقاومة، [ببعض] قوتها، وببعض رجالها، وكل انشغالك هو الشماتة بالمدنيين! مستكاود تحس بشوية كرامة؟ وعزة؟ وأمل؟ وأن طريق النضال من أجل تحرير الأرض طويل الأمد؟ ما هاجنك عن البروباجاندا التي عشعشت في عقلك؟ لما يصدر هذا الكلام عن شخص يائس، على الأقل له معنى، نقول إنه تجرع غصص الهزيمة حتى شبع، كم جيلا حتى الآن مرَّ بهذه المشاعر المزعجة؟ بس يا رجل! يا رجل! لا باقي شيء اسمه إسرائيل، ولا باقي شيء اسمه هيبة الصهاينة، والمقاومة [ببعض] فصائلها فقط فعلت كل ما فعلته! دموع التماسيح على أهل غزة من أجل ما أُدْلجت عليه سياسيا مدعاة لدموع الحسرة عليك وعلى حالك. لأن أهل غزة من هذا الموت وإليه، ثأرهم يشبه موتهم، معقول، ومنطقي، ومقبول، وهذا ما لن أفهمه أنا ولن تفهمه أنت، هذا الخيار الشعبي، الذي يتم اتخاذه تحت القصف والرصاص والتنكيل، والتواطؤ. ما أعرفك حزين على إسرائيل، أو حزين على قناعاتك ومتمسك بها، أو بكل بساطة معاك فلتر أدلجة سطحي وضحل وأحمق وغبي، مرشح جاهز، أول ما تجد فيه ما يستفز أدلجتك، فجأة كأنك تبكي على حال إسرائيل، ومستعد للمجادلة حتى الفجر [وهذا ما لا أستطيعه مع أي أحد]. عموما، لو كان هذا الكلام بشكل ما أو بآخر يزعجك، أنا فعلا أعتذر لك، ما لأني على خطأ، ولكن لأني ربما قلته بقسوة، وكان يجب أن أقوله ببعض روح الأخوَّة التي تجمعني بك كمسلم وكعربي، مع أنني ما محطم الدنيا في التدين، ولا متشنج في العروبة، ماخذ شحنة عادية جدا من الأمرين، ومع ذلك، لا تتخيل شعوري المبهج جدا بالأمل، في نهاية كل هذا الإذلال المتعمد، وفي ذكرياتي في قبل عشرين سنة، ومشهد دخول العراق، والمجازر تلو المجازر على الفلسطينيين. ما تعرف موه يعني لي طوفان الأقصى! ما فقط حركة مقاومة، بل حقيقة وجود، وشعور جديد بشيء اسمه الكرامة، والعدل الكوني [قلت الكوني عشان ربما كلمة الإلهي ما تعجبك] .. مشاعر فياضة، وأفكار كاملة تتخلق من هذه اللحظات التي ملأت وجدان أمَّة كاملةب العزة. ما رايم تعترف إنه المقاومة مستحقة! وجالس تستخدم القيم الغربية عشان تبرر لإسرائيل، وكل كلامك نفسه، إنه أهل غزة يموتون، عني فوادك [يرجف] على موت أهل غزة فقط بعد انتقام إسرائيل؟ ما كأنه فلسطين كلها ساحة حرب، وقتال، ونضال، وحقوق فلسفية معقدة للغاية. يعني لو باغي تأخذ مرجعية إنسانية، وتنادي بالسلام، بل وحتى لو تنادي بالتطبيع، وغيرها من السخافات السياسية التي يبررها البعض بهوس، ونقول إنه هدفك السلام وحل الدولتين، بعدني ممكن أبلع [براغماتية] منطلقك! لكن جالس ليل نهار تدين المقاومة بموت ليس من موتاك، وبدمٍ ليس من دمائك، وأنت غريب، وبعيد، ولا ناقة لك، ولا جمل، ومتشنج لأنك مفترض موقف سياسي ما وعلى بالك إنك جالس تخدم نفسك! والله صدقني، وبدون إطلاق أي أحكام، ومن شخص لا يبرئ نفسه من أي خطأ يدينه الآن، ومن شخص مليء بالأخطاء، ووالله دون قصد أن أؤذيك، أو أهاجمك أو أدينك، صدقني أنت تؤذي نفسك، وتؤذي عقلك، وتؤذي ذهنك، وتؤذي طريقة تفكيرك. استشعر قليلا هذه الكرامة، واستشعر قليلا رجفة المارد الإسرائيلي، وانقسامه، واستشعر قليلا صوت أبي عبيدة وهو يقول: "أتتوعدنا بما ننتظر يا ابن اليهودية!" أعظم أفِّيه وجودي عسكري حربي عربي!! لا تحرم نفسك من هذا الشعور، لا تعيش في قفص انسلاخك عن هويتك، ودينك، ومجتمعك، وحتى لوك نت ملحدا، أو غربيا، غربويا، عالمجيا، وغير ذلك من الصفات، لا تحرم نفسك من هذا الشعور، ما عشان عربي، ما عشان مسلم، عشان إنك إنسان، وشايف وعارف من الظالم، ومن المظلوم! باغي تمسك مجلدات القانون الدولي، وأمم الفيتو المتحدة، أو باغي تجادل باسم اللادين، أو باغي بكل بساطة تكون ضد الجموع، وضد الناس لأنك تخاف على نفسك أو [كائنك الثقافي المعرفي] من إنه يتعاطف مع قضية فلسطين، افعل ذلك، هذا حقك، بس باقي أقول لك إني أشعر بالحزن عليك، لأنك تعيش في زنزانة من صنعك، ومفتاح الباب بيدك، وعسى أن تجد الشجاعة يوما ما لتعرف أن الذات ليست هي محور الكون، لا ذاتك، ولا ذات غيرك. وبس لو وصل كلامي لقلبك، استعشر درس الأمل، والكرامة، والقوة، وتمن النصر والثبات لكل مقاوم في هذه الأرض يرفض الفناء، والانقراض من أجل مكيدة رأسمالية جاءت على هيئة قاعدة عسكرية باسم دولة! ولو فرضنا، إنك متشنج سياسيا، وخلاص، واصل حدك! بعدني أقول لك، بينك وبين قلبك، حاول أن تضع احتمالا واحدا للنصر، فقط، احتمالا واحدا، ولو كان بعيدا. صدقني، هذا من أجلك، ما لأجل القضية، فقضية فلسطين لم تعد تأخذ، أصبحت تعطي، وبعدما كانت تدر دموع الحسرة والضعف، أصبحت تدر دموع الفرح والأمل بالنصر. هداك الله أيها الغريب الذي وجهت له هذه الرسالة، أيها الغريب الذي لا أعرفه. نصر الله فلسطين، والمقاومة وهداهم للحق والوحدة والعزة والنصر، إنه سميع مجيب الدعاء.

الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023

دين الغرب

 شيء دين خفي، سري، في هذا العالم، يؤمن به الملاحدة، واللادينيين، والمسيحيين، واليهود. وهذا الدين اسمه "القيم الغربية"

اليوم أنفقت وقتا في تأمل هذا الموضوع، والآن فقط أنتبه إلى خدعة كبيرة، أن هذه القيم، هي قيم إنسانية [مستحيلة]. هي تشكل السعي النهائي لأي حضارة، وأمَّة ودولة، وحركة سياسية، ونصيب الأمم منها ليس أكثر من الاقتراب منها كهدف إنساني، لا هدف حضاري.
القيم الغربية سعيٌ وليست منجزا، إلا بقدرِ شمولها ما شملته. الديمقراطية الغربية تعيِّن رؤساء الحكومة، وهذه الحكومة تصنع الديكتاتور وراء الآخر، وتموِّل الانقلابات، وتصول وتجول في العالم بحثا عن أقرب قطرة نفط أو حجر ألماس!

لو جئتني قبل عشر سنوات، وناقشتني فقط في القيم الغربية لربما افترستك بأقسى ما لدي من أحكام واتهامات! الآن فقط، أنتبه إلى أي مدى [القيم الغربية] حقيقية، مع فارق واحد! الخدعة تكمن في كلمة [الغربية].
أسأل صديقا مشتغلا في الفلسفة: ما هذه القيم الغربية التي تُخالف ليل نهار فيرد ببرود: هذه قيم إنسانية!

تمر ساعات، وأبدأ أرى المنظور القديم لي، المنساق انسياقا أعمى. ثم أبدأ بالانتباه إلى الخلل في الفهم الذي كان لدي، نعم، القيم الغربية حقيقية، من حيث السعي لها، كونها قيمة إنسانية، وكلمة [الغربية] امتدادٌ سياسي، يعزز الاختلاف الحضاري، ويلغي حقيقة أن الكوكب البشري يعيش هذه التجربة، ويحدث أن تسبق حضارة أخرى.

القيم! سواء جئتها من منظور أنه صنعت من قبل القوي ليتبعها الضعيف، أو من قبل الضعيف لتلجم بطش القوي، كلها مفاهيم بشرية، أقصى نصيب للأمم من الوصول لها الاقتراب منها!

الآن فقط أستطيع أن أرتاح أمام هذه الفكرة المطلقة!

الآن فهمت سر الافتتان المهول الذي يبديه البعض لقيم غربية تجدها بسهولة في الأديان السماوية، فهي جميلة ومقبولة من فمِ الغرب المهيمن، ولكنها مرفوضة من قبل الدين. مثال آخر خارج الانحيازات العقدية، ما الذي يجعلنا نردد دائما مقولة [العرب متخلفون]!
هذه المقولة تحتاج لمراجعة، لأن معايير التخلف والتقديم تتعرض لإعادة تعريف شاملة في هذا العصر. لحظة! هناك فكرة جديدة فتحت هنا.

أعود إلى هذا الدين الخفي! دين القيم الغربية. نعم، القيم الغربية موجودة، بعضها داخل حدود الدول الغربية، وبعضها يتوقف عن العمل وراء المحيطات. وهذه القيم، لا تصنع الخير بالضرورة، ولا توقف الشر بالضرورة، إنها اتفاق آخر لتجمعٍ بشري على تقبل جرائم معيَّنة تحت مظلة فلسفية، وتاصيل ديني لأتباع الدين الخفي، الذي اسمه قيم الغرب، دين بلا أنبياء، قابل للتعديل، ويتأثر بأسعار النفط، وإمكانيات الاحتلال.

عجبتني دين يتأثر بأسعار النفط!

حسنا! أشعر بالرضى، توصلت إلى فكرة مرضية.

لو كنت إسرائيليا!

 مجموعة تغريدات كتبتها بعنوان: ماذا لو كنت إسرائيليا!



سبحان الله! ونصرته لمن هو على حق! انظر لإسرائيل قبل سبعة أكتوبر، وإسرائيل بعد سبعة أكتوبر! قبل سبعة أكتوبر: دولة متطورة، متقدمة، منيعة، حصينة، لديها أفضلية أخلاقية أمام العالم الغربي [سبب وجودها من الأساس] يهود، أبرياء، ناجون من المحارق، وقاسوا صنوف العذاب والشتات والشقاء، ولديهم دولتهم الآمنة، المتماسكة، الديمقراطية، ذات الصف الموحد، وهي واحة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط البائس، الرجعي، المتخلف، العالم الثالث. وتحافظ على دعايتها، فهم الجيش الوديع، الذي يضبط أعصابه، فهو لا يدمر لغرض التدمير، وإنما فقط لديه معضلة أخلاقية، يدفع ثمنها باهظا، يتصل قبل دقيقة من هدم بناية فوق رؤوس ساكنيها، من فرط إنسانيته، ورحمته. والمقاومة، هي الفصيل، الآبق، الذي يرفض السلام، الفصيل الضعيف، غير القادر على المساس بقوة وهيبة إسرائيل! وفوق كل ذلك، إسرائيل، دولة في طريقها للخلود المؤقت، واستمداد قوتها، وبأسها من طابور الراغبين في التطبيع، الساعين له بكل جنون، والمتسابقين لأجله. ثم ماذا بعد السابع من أكتوبر؟ المقاومة لم تكتف بالتغلغل في قلوب المسلمين، والعرب، بل تغلغلت في داخلِ أجيال الكيان الصهيوني المبني على باطل. أسقطت المؤسسة السياسية الإسرائيلية في فخاخٍ متتالية. دولة بنيت على الكذب، والتزييف، والتزوير، تحتاج إلى أكاذيبها لتبقى، ويظن البعض أن المقاومة يعني إعادة الأرض في يوم وليلة، وهذا ما يظنه قصير النفس، أما طويل النفس، فعلمَ باليقين الواقع، أن إسقاط إسرائيل، يعني في البدء إسقاط أكاذيبها طويلة المدى، وإظهار حقيقتها، وكشف نواياها، ليس أمام العرب، أو المسلمين، وإنما أمام العدو من الداخل، ومن يدعمه من الخارج! كيف سيكون صعبا على أي سياسي أن يكذبَ بوجه أصفر عن [المظلومية الإسرائيلية]، أي ناخبٍ غربي هذا سيغير معادلات الترشيح والانتخاب، وأيُّ صعوبة أمام صهاينة الغرب في إقناعِ كوكب الغرب المتعالي بأخلاقياتِه الدموية أنَّ إسرائيل، تقود إبادةً متعمدة، باسم ألوهيم، وباسم التوراة، وباسم اليمين الإسرائيلي، وباسم نتنياهو وسقوطه المدوي، وباسم النصر السريع، وإنهاء حماس، وباسم أشياء كثيرة. إسرائيل، تنكمش، وتعود إلى غربتها الكبيرة، ولا انتصارات تلوح في الأفق، فالتدمير ليس نصرا، والإبادة ليست نصرا، وفي كل خطوة خسارة، في الإقدام خسارة، وفي التراجع خسارة. لله هؤلاء الذين قاوموا، وعلموا أن الصراع هو صراع قوة، وليس صراع مبدأ، أو نظرية. لله هؤلاء! مسحوا عن أعناقنا أغلال التسليم بالهزيمة، وصنعوا غدا مأمولا، وإن لم نعشه قريبا، أو إن لم نعشه مطلقا، فإنه كامن في القلوب. إسرائيل! كذبة مترامية الأطراف، متجاذبة الخيوط، بنيت على باطل، وتسير إلى وهم، كادت أن تفلتَ بأكذوبة القرنين، ورزئت بالحقيقة تسقط على رأسها دفعة واحدة، ما أعظم مكرِ الله! من خديعةٍ ديمقراطية غربية شكلية، إلى حقيقةٍ دمويةٍ غاشمةٍ، كتبَ الله عليهم ما كتب، وكتب للمقاومة ما كتب، والله غالب على أمره. خرجت الحقائق من أقفاصها، ولم يبق سوى أن تصول وتجول حتى يأذن الله بجيلٍ جاء من قلبِ هذه العزة يطلب النصر، ويعيد الأرض من سارقِها. كادت إسرائيل أن تنجو، نعم! كادت، وبداية السقوط، هي هذه، عندما كشرت عن كل وجوهها العنصرية والدموية، أي مأزق هذا! إن قصفت خسرت صديقا من الخارج، وإن تراجعت كسبت عدوا من الداخل. يا مكرَ الله بالظالمين! الحمد لله الذي أمدَّ في أعمارِنا لنرى هذه العبر، والذي أزاح عنا غبار اليأس، وغشاوة الهزيمة، وأزاح هالة الضوء الكاذب عن هذا المشروع الدموي في الشرق الأوسط! والله غالب على أمرِه!


سأتخيل أنني إسرائيلي، وأتأملُ ما حدث لدولة الأحلام التي عشتُ وتربيتُ على خلودِها. بم عساي أن أشعرَ أمامَ ما يحدثُ [لدولتي]! وكيف سأنظر إلى تحركاتِها العسكرية، والدموية! وكيف سأنظر لأنانية نتنياهو الذي يهدم أعمدة المعبد على رؤوس الجميع! لو كنتُ إسرائيليا، لكنت الآن اشعر بالقلق الشديد على هذه الدولة التي قيل لي عنها ما قيل عبر السنين! نجاةُ إسرائيل، جاءت من روح الهزيمة التي حلَّت على أمَّةٍ عربيةٍ تدفعُ ثمنَ التاريخ باهظا. ويبدو أن الأقدار تنقلبُ الآن! لو كنت إسرائيليا بم أشعر الآن؟ كل ذلك الذي سموه "دولةً" ليس أكثر من كذبةٍ كبيرة. محيط جغرافي مسروق مليء بالبغضاء، والظلم. استعمارٌ تتحداه المقاومة، وتتوارثُ تقاليده، وتعاليمه، وعقيدته أبا عن جد. فلا العرب قبلوني بينهم، ولا الغرب سيقبلني بأجندتي الدموية، التوراتية، الاستعلائية! لو كنت إسرائيليا! سأتساءلَ، ما الذي يفعله اليمين المتطرف! ومن الذي قادني لهذه الهزيمة! ومن الذي شوَّه وجهي أمام العالم! بأي وجه أقابل الدنيا الآن، بدموعي اليهودية! أنا الناجي من المحارق، صرت الآن جنديا في جبهات الإبادة! لو كنت إسرائيليا، كنت الآن أبكي ذعراً، إن أردتُ السلام الآن، سأقبله عن ذلَّة، وسأتساءَل عن الجيل الجديد، وعن حكومتي المتطرفة، وماذا فعلته بإسرائيل! لقد هدموا كل شيء في وجهي. أين "إسرائيلي الوهمية" التي تمناها عشاق الأوهام! تآلف اليهود والعرب! يا إلهي، سأكتشف اليوم نهايات العنصرية التوراتية، وسأعرفُ اليوم أنَّ لست ابن دولةٍ، أنا جندي في قاعدةٍ عسكرية، جبهةٌ يدير بها الغرب بقايا إرثه الاستعماري، وخيوطِه الساعية للطاقة، والخائفة من هذه الأمَّة التي تمزقت حتى تفتت، واجتمعت على هؤلاء! هؤلاء! أعدائي، الذين اسمهم حماس! يا إلهي! لا يثنيهم الموت عن وطنهم، وأرضهم، أعلم أنني سرقت هذه الأرض، ولكن الوهم يزول عن عيني، ينقشع عن ذهني، أنا سارق لهذه الأرض، ولن يكون بيني وبينهم سلامٌ ولا وفاق، دولتي تكشف عن أقبح وجوهها، يا إلهي! يا ألوهيم الذي تحب اليهود! ما الذي تفعله بشعبك المختار! لو كنت إسرائيليا، سأقف متحسراً. قوة إسرائيل، وانتمائي لها كان نتيجة كل الأكاذيب عن أخلاقيتها، كنت أصمت على مضض عن جنون السلفيين اليهود، وما يدعون إليه، كنت أصمت على مضض، فأنا ابن إسرائيل، الديمقراطية، التي تساوي بين المسلم وغير المسلم. يسمون بعض أبناء وطني [بالعرب] لكنني أصمتُ، فأنا لست عنصريا، أنا أتغذى من أوهام تضخ في عقلي وفي ذهني، الغربُ يؤكد لي أن الديمقراطية، نهاية هذا التاريخ، النهاية الليبرالية تأخذني إلى وطن الأحلام، إلى إسرائيل، قبة السلام، والعدالة، والمساواة، كنت أظن أن كل المشاكل في مجتمعي الإسرائيلي مؤقتة، كل هذا سوف يحل، السلام قريب، والتطبيع قريب! حكومتي تقول لي: لا تخش من المقاومة، إنهم ضعفاء! وأين أنا اليوم، إسرائيل تنهار أمام عيني. يمينها يمثلني، لأجيالٍ قادمة، وأمام عالمٍ كامل، الذين يكذبون من أجلي يُكشفون، الذين يصدقون في شأني يهدمون أحلامي. الحقيقة واضحة، ليس أمامي اختيار سوى الهجرة أو الحرب. هل تستحق هذه البلاد أن أموت من أجلها! يا إسرائيل، يا حلم أحلامي، يا وهم أوهامي! جئتُ إليك ضحيةً أبيع دموعي، وأعيش فيك جلاداً، قاسيا القلب، أفعلُ كل ما حدث لي. يا إسرائيل، لقد أصبحتُ ظالماً، بغيضا، ممقوتاً، من عساه أن يقبل هذه الخطيئة في حق أبناء الله! لقد خدعني الزمان يا إسرائيل. أنا لست ابن وطنٍ، وأرضٍ. لستُ أكثر من جندي في قاعدة عسكرية، يقاتلُ من أجل بقاء الحرب، فلا سلامَ في هذا المكان، ولا تعايش، ولا ديمقراطية، ولا ألفة، ولا تناغم. أنا في شتاتٍ جديد، وإن كفَّ الله عني شتات الأرض، يعاقبني الله بشتات الروح، أنا لست إسرائيليا، لست أكثر من مهاجرٍ مؤقت، جاء غاشما، ولا أدري متى سيرحلُ أو ينهزم. يا إسرائيل، يا وهم أوهامي، وحلم أحلامي. لا أعرف ما الذي أفعله بنفسي، لقد ولدت هُنا، ومنذ نشأة كل الأوهام، أتجرع الحقيقة المرَّة، ويتجرعها معي جيلٌ كاملٌ. لقد كنا مواطنين لبرهة من الوهم. نحن لسنا أبناء شعب. نحن جنود حرب! يا إسرائيل، يا أول أوهامنا وآخر أحلامنا لا وطنَ في هذا المكان. لا شعبَ في هذه الدولة. نحن جنودٌ منذ البدء، وحتى النهاية.


يا إلهي! تخيلت أنني إسرائيلي لساعة واحدة! وشعرت بالذعر الشديد! جالس أشوف عنجهية إسرائيل قبل سبعة أكتوبر! وإسرائيل بعد سبعة أكتوبر. ماذ الذي سيفعله الغرب للحفاظ على هذه الكذبة؟ دعني أتخيل! أولا: إن لم يذهب نتنياهو في نظرية هدم أعمدة المعبد، ويتبع نظام علي وعلى أعدائي، فربما سيتم تقديمه كضحية من قبل إسرائيل من الداخل، ومن قبل صهاينة الخارج ككبش فداء من أجل بقاء إسرائيل. ثانيا: هذا الانهيار له ما بعده سياسيا، وقوميا في الداخل الإسرائيلي، لعل فشل مشروع اليمين قادم في الطريق، وهذا معناه يسار إسرائيلي بدلا من مشروع اليمين المبني على [البقاء، التمدد] إلى يسارٍ مشروعه [النجاة، والسلام]. هل هذا الذي سيحدث؟ لأنَّ الغرب كما يصنع الأبطال، ويطبطب على أكتافهم ولو كانت دولهم تتحطم أجذاذا، فهو أيضا يغتالُ البشر من التاريخ، ونتنياهو ليس محصنا أمام التاريخ أكثر من حصانة نيكسون يوما ما! لو كنت إسرائيليا! سأفكر جديا في سلامٍ ذليل، وفي تقبل دولة فلسطينية تنتظر الفتك بي في أي ثانية. وفي سلامٍ مع خصم مُسلَّح. كنت سأشعر بالذعر حقا! لأن الذي أمامي هو إمَّا حربٌ طويلة المدى والأمد، تأخذ إسرائيل من حالة إثبات الوجود وتعيدها إلى مربع الصراع من أجل البقاء، أو سلامٌ وتغيير جذري داخلي. وهل سيسكت اليمين السلفي المتطرف؟ هؤلاء يكفّرون ظلَّهم، هل سيسلم اليسار الإسرائيلي من هذه الفرقة! لو كنت إسرائيليا، لكنت الآن فارغ الفؤاد، أمامي خيارات صعبة! يا إلهي! هل كانت المقاومة تترقب كل ذلك، وتعرفه قبل حدوثه! سبحان الله، كل يوم يمضي تتجلى فيه دهشةٌ أخرى. لم يعد الأمر أمر عقول، إنه وقت صدق نية، ووقت أن ينصر الله من ينصره. الحمد الله الذي أحيانا لنعيش هذه العزة. نصركم الله يا آل فلسطين.


نتنياهو، من قائد الكيان المدلل، إلى كبش فداء الهزيمة!

حسناً، بما إنني اليوم غارقٌ في تقمص العدو، والتفكير بما قد يكون موقفه. سأتخيل أنني نتنياهو، وسأحاول فهمَ العالمِ من زاويته، أو ربما على الأقل فهم الخطورة التي عليه، سواء على مصالحِه، أو على [آماله/أوهامِه].

وصف نتنياهو بأنَّه حرباء، أو زئبقي، أو نرجسي ميكافيللي هو ظلم للحقيقة، فهذه الصفات تأتي تلقائيا مع شخص في وضعه. ونظرا للخصوصية الإسرائيلية الاستعمارية التوراتية اليهوأمريكية، اليهومسيحية، الهولوكوستيَّة، المابعدعثمانية، الوعدبلفورية، اليمينية، السلفية، الليكودية، الحربية، التكفيرية، العنصرية، الدموية، الاستعلائية، الكاذبة، الكذوبة، الخادعة، المرواغة، فإننا لو جلبنا إنسانا ملائكياً ووضعناه مكان نتنياهو، لأصبح نتنياهو مجددا. فالأمر لا يتعلق بخصاله الشخصية بقدر ما يتعلق بالظروف التي تجعلك ما أنت عليه، نتيجة معطيات الزمان، والتاريخ، وحسابات العدو والصديق، والحليف، والممانع.

شخص بهذه الصفات، متمسك بالحكم بجنون، ما الذي يريده؟ مجددا، من الظلم للحقيقة أن تصف نتنياهو بالانتقامي، فهذا يأتي مع ظروف كثير من السياسيين، اليمينيين، المتطرفين، المتمسكين بالسلطة، المرواغين، الكذوبين، الساعين إلى تحقيق المجد والخلود. فهو أمام تحقيق وعد الله في التوراة، وربما، كل هذا الجنون يقوده إلى حلم النيل والفرات، وغيرها من التأويلات الأقدم من وعد بلفور، بين النهرين، وقائد العالم، وجنكيز خان اليهود، وغيرها من أوهام العظمة التي تأتي تلقائيا مع وضعه، سواء الخاص، وموت أفراد من عائلته في بعض المواجهات، أو العام، كونه شهبندر سياسيي إسرائيل، ومتلاعبها مع العالم الغربي، ويعلم الله ما تخفيه إسرائيل من تأثير على دول العالم العظمى كأمريكا وغيرها. لو وضعنا غير بنيامين نتنياهو في منصب رئيس وزراء إسرائيل فإنه سيضطر إلى هذه النهاية، والسؤال هو إلى أي مدى سوف يحتمل العالم الغربي الداعم لإسرائيل فداحة الخسارات المعنوية أمام الناخبين؟

نتنياهو أسقط القناع. والمأزق الذي يعيشه تاريخي أكثر من كونه وجوديا. ولو نظرنا للغربِ وصراعاته، وإلى شخصية زيلينسكي، سنرى صناعة الغرب للأيقونات الراعية لمصالحه، [أيقنة] زلينسكي من قبل المؤسسات السياسية الغربية دليلٌ على برمجة التاريخ الذي يكتبه المنتصر، فلو انتصر زيلنسكي، فإلى الخلود سر، وهات يا تمجيد، وهات يا محاضرات في أرجاء العالم، ولو خسر زيلنسكي، فهو أضعف من أن يقف في وجه الغرب الذي أصبح اليوم يستجديه [سلفة ربع جنيه] ليحارب ضد جبهة الاستنزاف غرب روسيا.

هل نتنياهو في الوضع نفسه؟ كلا! وهذا هو سر المأزق النتنياهويِّ، لأن تقديمه كقربان أقرب للمصلحة الغربية، وميقات الصبر الغربي على إسرائيل وإن بدا أمريكيا مطلقا حتى يوم الدين، لكنها غير مطلق في يوم الميعاد الانتخابي، ثمَّة تراجعٌ واضحٌ للكفة المصدقة لاستحقاق إسرائيل الحربي، وهذا غني عن الذكر.

ذعر نتنياهو يدفعه للمقامرة أكثر وأكثر بكل شيء. مع الأمنياتِ الكبيرة بأن يحقق نصراً في حربه على قطاع غزة الملغوم بخبراء حروب العصابات، وموقعي الخسائر للجيوش المنظمة، وفوق ذلك، الجاهزين للموت. العقوبة الشعبية، واستنفار الداخل الإسرائيلي، والذهاب لجرائم الإبادة [الأخلاقية والمبررة غربيا] وكل يوم يظهر شقٌ جديد في جرانيت الأكذوبة الإسرائيلية. أن يقدم قربانا، هذا في حد ذاته ذعر وجودي، لأن ذلك يعني ليس فقط نهاية تاريخه، وإنما تاريخ حزبه، وحكوماته، بل وتاريخه الشخصي [كبطل] من أبطال إسرائيل، وفوق ذلك، انهيار متوقع لليمين الذي بكل جنونه يدفع به دفعا للذهاب لنهاية المدى الممكن من الصدام والمواجهة.

المعجزة التي يحتاج لها نتنياهو، هو أن يقود جميع قيادات حماس مكبلين بالأصفاد إلى محاكماتٍ يتابعها العالم في تل أبيب، هذا هو الرهان الوحيد الذي ينقذه، ويحافظ على تاريخ، بل ويمكن حركته كاملة، ويمينه المتطرف، وجمهور المحافظين الكلاسيكيين الذين تقوده الروح الإسرائيلية المسعورة للمزيد من العنصرية، والقتل، والتدمير، إلى درجة محاكاة الجرائم التي حدثت في حق اليهود [وفق المنطق الإسرائيلي] ..

هذا هو الشيء الوحيد الذي ينقذ مسيرة هذا المسخ السياسي، الحربي، الدموي، الانتصار المدوي، والسريع. ووقتها، سيرضخ الداخل الإسرائيلي إلى وضعٍ يشبهُ حقبة السبعينيات، ويعيشُ تحت مظلة إسرائيل المهددة وجوديا، ويعشعش في عروق وجذور إسرائيل النابتة المزيد من التطرف الديني، والسعار العنصري، والجنون الجديد الملدوغ هذه المرَّة من حماس، ولو تحقق هذا السيناريو، فحماسٌ أخرى في الطريق، وتذكروا، نحن نتكلم عن حماس فقط، وليس باقي المشهد المقاوم المعقد. ،

نتنياهو ظن أن العالم سوف يحارب معه، كما ظن زيلنسكي أن العالم سيعيد له أوكرانياه السليبة.


تحت أي ظنٍ من الظنون المنطقية يمكن أن يستمر! هذا هو الوضع الذي يرزح تحت وطأته المستر بنيامين، الكاوبوي الذي يلبس قبعات اليهود، والأمر ليس بيد إسرائيل هذه المرَّة. كل يوم يقترب، والقرار هذا يخرج من يد إسرائيل إلى يد العالم الذي صنعها، ويدعمها.

الذي ينتظره مجلس الجبابرة صناع إسرائيل هو نتيجة لحرب نتنياهو على غزة، فإن انتصر، وقاد قادة حماس والمقاومة وأعاد احتلال القطاع وأمسك بالمقاومين، ونكَّل بهم، فهو يستحق المراهنة عليه، وسيتحول إلى بطل حرب حروب إسرائيل، والعالم يكفيه مقطع فيديو لكي يقرر الانحياز، لقد نجح ذلك مع كبار العقول المنحازة، فهل يفشل مع عامة الناس؟

وإن فشل نتنياهو في مشروعه، فالجنون هو الأكيد، حتى يتم إزاحته من الداخل أو في ظروف أخرى، من قبل مجلس الجبابرة المحافظين على إسرائيل، وقتها سيكون قدا ستنزف الصبر الغربي، وتجاوز المدى الممكن لدعمه، ويقدم كقربانٍ في إسرائيل الجديدة، والتي ستصنع كوهمٍ للمارد الضعيف، الذي تم تلقينه الدرس، ويقبل بالتوازنات الحديثة، ويعود لما كان عليه من كيد، وحقد، وتطبيع، وسلام، وربما هذه المرَّة في المعادلة دولة مسلحة باسم فلسطين، ستكون مجددا جبهة العدالة في العالم، ومنطقة صراع الأرض وسارقها، والحق والعدل، والظالم والمظلوم.

أن تكون في مقعد نتنياهو في هذا الوضع العالمي، وفي هذه اللحظة [الإسرائيلية] .. ليس أمامك سوى الرهان اليهودي، وحسمِ الصراع، والأوهام، وتكذيب الواقع، ويا إلهي! سبحان خير الماكرين! هل حقا هذا الذي يحدث لأحد أسوأ رؤساء وزراء إسرائيل!

على الصعيد [العالمجي] نتنياهو قائد حرب، وإسرائيل في حالة حرب، والنصر معقد الملامح، والهزيمة بدأت قبل الحرب. هل هذا المجنون المهووس سيرعوي عن بدء حرب عالمية ثالثة؟ هل سيرمي قنبلة نووية على قطاع غزة؟

هل سيدفع بكل أوراقه؟ نعم سيدفع بكل أوراقه، والقرار الأخيرة بيد مجلس جبابرة العالم، هل سيقبلون أن يكون نتنياهو هو الذي سيشعل فتيل الحرب الكبرى؟ أم سيقدمه الغرب قربانا، ويضغط على إسرائيل [نسخة يهودي مخففة] أكثر عالمية، وليبرالية، ويعود مشروع تطبيع وتخليد إسرائيل، وسلامها، وحل الدولتين، وغيرها من المشاريع القديمة؟

كل هذا! في علم الغيب، وأسأل الله العلي القدير، أن ينصر المظلوم على الظالم، وأن يمحق قائد الحرب الإسرائيلي، وأن ترده المقاومة مدحورا، مهزوما، يعيش باقي أيامِه رمادا بعد أن فرّط في إسرائيل، وفرطت إسرائيل به.


أتأمل حالة الحرب الإسرائيلة على المقاومة، وأقف متسائلا. هل حقا أخذت مجريات الأحداث هذا الطريق الغرائبي!
ألم يأخذ الوضع حالة النصر المستحيل، والهزيمة المستحيلة!
النصر الإسرائيلي مستحيل!
وهزيمة المقاومة مستحيلة!

دعونا نتخيل قليلا!

في الحرب، هنالك مهزوم، وهنالك منتصر. دعنا نتخيل قليلا. وأسأل الله ألا يمكن إسرائيل من غزة.

متى ستعلن إسرائيل النصر الحقيقي، الذي يشهد به القاصي والداني؟

متى سيعود نتنياهو منتصرا كأمير من أمراء حرب بني إسرائيل؟ ويمشي الخيلاء في تل أبيب؟

فقط في حال تكرر سيناريو وقوع قادة النازية في يد الحلفاء. هذا هو السيناريو الوحيد الذي سيُدخل الجيش الإسرائيلي تاريخ إسرائيل منتصرا، وماذا يعني ذلك؟ الاحتلال البري، ونجاحه، واقتياد قادة المقاومة إلى تل أبيب، ومحاكمتهم، وإعدامهم، ويعاد احتلال قطاع غزة، وهكذا يُعلن النصر الإسرائيلي.

إسرائيل حتى هذه اللحظة تحارب جبهة واحدة، ولم تتحرك الحرب إلى نطاق شاسع، ومع ذلك، هذه [الإسرائيل] تعاني الأمرين. لا نصر يلوح في الأفق، وهذه الأمجاد البربرية تقودها لخسارة ما يسميه الغرب [أفضليتها الأخلاقية] مع اعتذاري لنعالي على هذا المصطلح.

هُنا، يمكن القول، بكل معايير الحزن والأسى أن إسرائيل [انتصرت] في حربها، حماس تخرج، ويتم تطهير الأنفاق، وتفكيك السلاح، وإعادة غزة إلى إدارة الاحتلال بكل من يتواطأ معه. هل هذا السيناريو ممكن؟ كل المعطيات تقول أن جبهة استنزاف شديدة تنشأ، وأن إسرائيل لن تحقق هذا النصر المؤزر ليس قريبا. ما هي المقاومة؟ وما بأسها، ومن يدعمها؟ وإلى أي مدى؟ وما علاقتها بالمشهد العالمي؟ ومن سيتحرك ضد إسرائيل لإطالة أمد الصراع؟ وما هو الثمن؟ هنا الحرب تعرك عرك الرحى بثفالها كما قال الشاعر، لصاحب الحق ولغاصبه، الحرب تعرك الجميع. وكل هذه الحسابات غامضة، وغائبة، وتسير رهن صراع الجبابرة في الطاولات البعيدة في الغرب والشرق.

هذا هو سيناريو انتصار إسرائيل، والذي يبدو مستحيلا بمعنى الكلمة. قد يثخنون الضرب، ولكن عودتهم بقيادات حماس إلى تل أبيب، وتفكيك المقاومة بكل فصائلها المعقدة لا يبدو شيئا ممكنا منطقيا، حتى مع الاحتلال البري الشامل، ربما مع [أرمجدون] الشرق الأوسط، وحتى هذا الخيار، سيعني دخول جبهات متعددة، وباختصار [حرب عالمية ثالثة].

ثم نأتي إلى المقاومة! الانتصارات تعددت ولمَّا تبدأ الحرب. الضربةُ كانت شديدة، ليس من حيث نتائجها العسكرية، وإنما من حالة الفوضى التي صنعتها في عموم إسرائيل. ارتباكٌ قاد إسرائيل لردة الفعل، وللحرب، ولإظهار الباقي من المخفي من حقائقها. جيش الدفاع يتحول لجيش إبادة، وعلى الضفة الأخرى شعبٌ مقبل على الموت والحياة، ومقبل على النصر والشهادة على حد السواء. كيف ستغلب هؤلاء الذين جعلتهم يعيشون في سجنٍ كبير!

غزة، حالة تمردٍ من سجناء على السجَّان، ويضحكني الذي يلوم المقاومة على [المقاومة]. ألم تر أن العالم العربي يتبرأ مسبقا من نتائج الصراع! ما الذي لديهم سوى المقاومة! حتى قبولهم كلاجئين، أو [تهجيرهم] سؤال غير مطروح! الكل يقول لغزة: قاتلي ..

وكأنه سؤال معيشة وليس سؤال حياة! وكأنه سؤال خبز، وماء، وشاحن بطارية وشبكة إنترنت، وليس سؤال وطن، وبقاء، وقضية، ووجود، وظُلم تاريخي، وتواطؤ دولي!

يا تُرى، ما هو شكل [الحقيقة] في عقول أبناء غزة، وأبناء فلسطين! لا بدَّ أنهم يرون الحقيقة صافيةً، ويعلمون نهايات كل هذا الذي اكتشفناه فقط بعد جولة واحدة من المواجهات طويلة المدى.

لا نصر لإسرائيل، وإن دخلت حرب الاستنزاف، خسرت، وإن تراجعت، خسرت.
ولا هزيمة للمقاومة، فحتى لو أبيدت عن بكرة أبيها. لقد تركت خلودها لأجيال، وأجيال، وأجيال.

يا سبحان مكر الله! كيف انقلبت معادلة إسرائيل من التطبيع الوشيك، والخلود، إلى هذا الوضع المزري. علما أن فصائل المقاومة كلها لم تدخل الحرب بعد!

يا رب العباد! ارزقنا طمأنينة الذي قال [معلش!] وهب لنا يقينه بالنصر!

كل ما يحدث الآن له ما بعده!

رغم كل محاولاتي، لحماية نفسي من الخيبة، أفشلُ في بناء أي سيناريو فيه هزيمة المقاومة في غزة. أتابع تصريحات إسرائيل الهشَّة، المتخاذلة، والمليئة بالمبالغة والكذب! كل هذا، فصيلٌ واحد في الميدان، فقط، واحد، ومئات ألوفٌ مرابطون في انتظار موعدهم الكبير! أحاول بناء مشاعر منطقية تجاه ما يحدث، وافشل مرارا وتكرارا. لم يعد المنطق مهما، ولا تلك الحسابات مُقنعة لي. ثمَّة فكرة أصبحت مستحيلة في ذهني ومشاعري، فكرة اسمها [الهزيمة]. كل شيء يتحدث عن نصر إسرائيلي، هش للغاية! قصفها هش، أعداؤها كالأشباح. باختصار، المنطق لم يعد مهما! وفي هذه اللحظة، ثلاثة أكواب مركزة من القهوة تجعل رأسي يطنُّ طنينا، ومشاعري كلها تهفو إلى شيء واحد: النصر! النصر! فقط النصر! وتراجع إسرائيل، وتأكلها بأحماض الهزيمة داخليا، وتنازلاتها القادمة بعد هذا الدرس المروَّع الذي دفعها لإعلان الحرب! النهاية التي كانت تدخرها إسرائيل للمقاومة مريرة، وذليلة. لا عجب أن المقاومة اختارت الحرب! طريق المقاومة لخوض بركة من الوحل، وشرق أوسط جديد تلعب فيه إسرائيل دور الدولة الطبيعية كان وشيكا! الضغوط الدولية، ونقل السفارة الأمريكية للقدس، وكل شيء كان ينذر بإسرائيل طبيعية، وربما [خالدة] ومصير المقاومة كان مريرا، بكل من فيه، بتاريخ شهدائه. كل هذا يتضح الآن فقط! كل هذا كانت المقاومة تراه قبل حدوثه، قبل أن يتجلى أمام عيوننا المليئة بالبصر الخاوية من البصيرة! المقاومة، كانت تعلم أي نهاية مريرة إن تم إعلان خلود إسرائيل في الشرق الأوسط. وكل شيء كان وشيكا! يا رب المقاومين، وناصر المظلومين، هنئنا بنصرهم، وأخز إسرائيل، ومن والاهم، واذقهم الذلة، واملأ جموعهم بالفرقة، وابثث في قلوبهم الخور والروع والجبن والكسل إنك سميع مجيب الدعاء. أحاول بناء أي خطر رجعة منطقي يحميني من الخيبة، لكنني فشلت، وقد نجحت لسنوات وسنوات في استساغة الهزيمة، والتعامل معها كأمر واقع. يا رب غوثك ونصرك .. صوّب نوايا من خرج في سبيلك بسلاح أو بكلمة أو مال. وارزقنا أن نرى أيام الله في كل محتلٍ وظالم!



الحق الذي يراد به باطل، هو ما يفعله البعض من ذكر للدمار، والقتل، والتشريد الذي تمارسه إسرائيل ويقول لك بالفم المليان: لماذا تستفزون دولة قوية! هذا الكلام انطلى علينا لسنوات، لأن هذه الدولة القوية لم تختبر، ولأن البعض ظن أن تحديد مصير فلسطين هو خارج فلسطين، كما أن تحديد مصير إسرائيل هو خارج إسرائيل. اليوم، صراع المصير يتم بين شعبين، والكفة اتزنت. ما الذي تدخره إسرائيل لقطاع غزة؟ التجويع، والسجن الجماعي؟ وماذا بعد؟ إن صارت لإسرائيل الغلبة؟ التفتيت، ونهاية المقاومة، وربما التهجير، والاستيطان، هذا ما فعلته إسرائيل من قبل، وما ستفعله، بجنون، وهوس، وانسياقٌ أرعن! آلآن قلبك على الذي يموت! وكأن إسرائيل تدخر لهم الحياة! ما لم تبدأ به، لا تنتهي به، لو فعلا قلبك على غزة، لفهمت أن هذا الاختيار، اختيار شعب. ألم تقرر الديمقراطية قرارها من قبل! لا يوجد شيء يجعلني أقتنع الآن بأن قلبك على الذين يموتون في فلسطين، فحتى الذي آمن بكل دعايات إسرائيل، وقوتها، وحصانتها، فهم الآن أن القوة لا تصارع إلا بالقوة. قلبك على إسرائيل، وعقليتك الغربية المليئة بالتناقض، وعودتك إلى منظومة قيمية ممسوخة، لا هي مع هويتك التي عشت وتربيت عليها، ولا هي مع العالم الذي ينبذك من الأساس ويتعامل معك كعالم ثالث [غبي] يستحق أن يُحتل وتسرق ثرواته. لا تخجل، أن تفتح عينيك، وأن تستشعر النصر، والعزة، والكرامة، لا تخجل أن تعترف إنك كنت على خطأ، لا تخجل، ودع عنك الحديث كأنك أحد الجالسين في طاولة الدول الكبرى، لتحدد مصير غزة نيابة عنها. افتح عينيك، واستشعر نهاية فصلٍ مذل من الأكاذيب، واستشعر رجفة العدو، وتبديد أكاذيبه، وانقلاب العالم عليه! ستقول لي: المقاومة سبب كل هذا الموت! وكأنه هي المحتل؟ سأقول لك: الذي تدخره إسرائيل، أسوأ من الموت! واصعب من هذه الحياة، والتي على مرارتها، لم تعد أمامها خيارات سوى أن تحارب، مهما كلفها ذلك من أرواح. ولو كان قلبك على السلام العالمي، لك أن تسأل، من الذي يرفضُ صفقات تسليم الأسرى؟ ووقف العدوان؟ لذلك، لا تقول لي قلبك على الإنسانية، قلبك على إسرائيل، لأنها ببساطة بالغة تؤكد لك خياراتك السابقة، عندم قررت مع سبق الإصرار والترصد أن شعب فلسطين آل للنهاية، وعليه أن يقبل موته أمام التاريخ! أخبرك بشارة تحزنك؟ شعب فلسطين ولد من جديد، وقضيته ولدت من جديد بعد أن كادت أن تقترب من الرماد، وكما تولد فلسطين أقوى بعد كل فصل من فصول الموت، هذه المرة، ولادة إسرائيل جديدة، أضعف جندا، وأقل حشدا. لا تخجل أن تعترف، إنك أخطأت في القياس والمقارنة، ولا تخجل أن تقول "لستُ فلسطينيا، ولست من يحدد خيار فلسطين" الذي يقرر مصير فلسطين، هو شعب فلسطين، وإن قرر أن يحارب من أجل مصيره، إن لم تستطع أن تنجو من أكاذيبٍ ترسخت لأجيال في فؤادك، وهزيمة عشعشت في بصيرتك، فعلى الأقل، لا تجادل من أجل إسرائيل، فالموتى ليسو موتاك، والقصف لا يقع على رأسك، فلا حزنك له معنى وأنت تدعو المقاتل للاستسلام، ولا تعاطفك له معنى وأنت تبحث عن البادئ القريب، ونسيت البادئ البعيد. لا تخجل، وقل لنفسك: لقد أخطأتُ وتمن النصر، لهؤلاء الذين يعلمون الأمة كاملةً، معنى أن تكون صاحب الحق.

وبالمناسبة، عشان يفهم البعض شيء. هل بعدك تتساءل لماذا يختارُون المقاومة؟ بعدك عندك تساؤلات؟ هل تعرف أي نهاية ذليلة تدخرها إسرائيل للباقي من المقاومين الفلسطينيين؟ وهذا القطاع الصامد الأبي؟ تخيل لثانية واحدة، أن تكون فلسطينيا. العالم يقرر مصيرك نيابة عنك، والمسلمون، والعرب يقررون هزيمتك نيابة عنك، وتيار قادم من التطبيع سوف يجعل من تلك الدولة المسخ التي سرقت أرضك [دولة طبيعية]. مسجون في قطاع، ومن الذي يتربص بك؟ الذي باعَ، والذي خانَ، والذي يركض للتطبيع ركضا، الذي يسيل لعابه أمام مليارات إسرائيل، وتسهيلات أمريكا، وصمتِها حتى عن مذابح دموية يرتكبها في حق شعوبٍ آمنة، وفق [القيم الغربية]. تخيل فقط، أن تسكن ذاكرتك أصوات الصواريخ، والفقدان، والموت، وأن حياتك قد تذهب في لحظةٍ واحدة، ومعظم من تحبهم في المهجر، وشعبك بلا وطن، ولا أرض، وحتى عندما جاء يختار، وقف العالم أجمع في وجه خيارِه. وتتساءل؟ لماذا يختار الذي يعيش في هذه الظروف المقاومة؟ ولماذا يتعايش مع الموت: ألم تدوِ في ذهنك "كلنا مشاريع شهداء" ما الذي تريده أكثر لكي تقتنع، أنَّك لست فقط على خطأ، ولكنك أيضا مخدوع للنخاع، ولديك استحقاقٌ ليس من حقك. لستَ فلسطينيا، لستُ فلسطينيا، وإن كنت على الأقل سأتمنى النصر، سأتمناه للمقاومة، وإن لم أتمن لها النصر، سأتمنى الهزيمة لإسرائيل، أمَّا أن تكون في حيزك الجغرافي الخاص بك، لم تعرف حربا، ولا سلاما، وتظن أن يدك في الماء وتستجدي الذي يده في الجحيم أن يقبل الهزيمة! أنت واهم حتى آخر خيوط حمض بصيرتك النووي! كان كلامك له معنى في وقت سابق، نعم، كان كلامك يمكن معاملته كحقيقة لا يمكن الشك فيها، كان له قدرة على خداع أي شخص وفق تحليل يبدو عملياتيا، وعمليا، لكن هذا اليوم الذي جاء، لتفهمَ أنك ما دمت لا تعيش تحت احتلالٍ يقيس عليك الماء والهواء، فإن كل حياتك، موقوفة من أجل لحظة النصر، أو لحظة الموت. ما دمت لست جنديا في هذه المعركة، إن لم تتمن النصر، لا تتساءل عن جدوى المقاومة، لأن المقاومة هي آخر الجبهات التي قد تعلن موت شعب كامل، ونهايته من التاريخ! لله فلسطين، وأهل فلسطين، ولله غزة، وأهل غزة، ماذا فعلتم بأمَّة كاملة! كل هذا الذي يحدث له ما بعده! هذه ليست ظروف عادية! واللهَ نسألُ النصر والتمكين، والثبات، والهداية لنا أجمعين.


جولة العداء! بين الحق والباطل، وحقيقة اسمها "فلسطين" في ساحات الفكر، والإعلام، والرياضة، والأفراد تنتشر كما قال الشاعر: كتفشي البرء في السقم. تغير الصمت، وانتبهت العقول إلى الحقيقة التي طمستها ظروفٌ متتالية كلها بلا استثناء كانت لصالح إسرائيل، دائما ما يحدث شيء ما في المنطقة العربية، ودائما يكون لصالح إسرائيل، وبين كل حدثٍ وحدث، تبدأ الضغوط على هذه القاعدة العسكرية التي تحمل اسم دولة! والآن ماذا! ماذا بعد السابع من أكتوبر؟ تغير التضامن! لم يعد عمل النخبة الخارقة أو المارقة، لم يعد من الاستثنائي أن تتضامن مع فلسطين، أصبح ذلك هو الطبيعي، وتجمعات عشاق إسرائيل، أخذوا سحنتهم القميئة، المتناقضة، وأكاذيبهم، وأصروا عليها. تدور عجلة الأجيال، والتقادم، ويحل الجديد الصارم مكان القديم المتفق عليه، كانت إسرائيل جبهة التقدميين، أمام الشرقِ العربي الإسلامي [المتخلف] الأدنى مكانةً، الأقل قيمةً، وإذا بالزمن يأخذ طابعا جديدا! هذه المرة لم تعد فلسطين فكرة نخبوية غربية، لهؤلاء المسحورين بالشرق الأوسط، وألف ليلة وليلة، حتى ذلك [العادي] جدا، الغارق في عالم العمال، بكل انشغاله، وسعيه لجلب الحساء واللحم والبطاطا لعائلته الصغيرة، حتى هذا الذي لم يكن يهتم للسياسة العالمية وما بها أصبح اليوم يقول بالفم المليان: فلسطين على حق! البعض يظن أن المقاومة جولة واحدة، وانتصار سريع، مُستَعْمَر يفكر بعقلية مُسْتَعْمِر، ويصدق آلة الدعاية الأمريكية، والصهيونية، واليوم ينكسر كل شيء، فكرة الحرب تنكسر، فكرة العد والعديد تنكسر، وفكرة إسرائيل الموحدة تنكسر. انقشعت غيوم الأكاذيب التي تحمي الكيان الصهيوني، الأكاديميون يقولون قولهم، النخب، الإعلام، الثقافة والأهم: عصر الأفراد! هذه الفردية الفريدة غير المتنازلة عن الحقيقة هي التي الآن فقط تكشف للجميع اختيارات المقاومة، وتوقيتها! وحدث ما حدث، وياللهول! ظنت إسرائيل أن الأمر سيكون سهلا، وسيتم تأطير دمويتها، ووحشيتها، وسلفيتها اليهودية التكفيرية بكلمة [ردة الفعل] تركتها المقاومة في ورطة، فماذا فعلت إسرائيل، تركت كل حلفائها في ورطة! وجاءت كما بدأت، ورطة كبيرة تختبر أخلاقيات العالم، وكل ما هو صوابٌ وخطأ فيما يخص الإنسانية! نالت فلسطين التضامن من قبل! ولكن مثل هذا؟ هذا كله جديد، جديد جداً، تجاوز تضامن المنابر المشروطة، إلى تضامن الناس، وهذه الحقيقة تتفشى، بشأن فلسطين، وحقه الوجودي، وبشأن إسرائيل وحقيقتها الواقعية، تغيير كبير وشاملٌ. لا أعرف اختيار الفلسطينيين، هل يقبلون بهذه التضحيات والخسارات، ولا أعرف اختيار المقاومة، وهل كانت تعي حدوث كل ذلك، لست فلسطينيا لأحدد لهم خساراتهم نيابة عنهم، الذي أقوله: أسأل الله النصر للمقاومة، والهزيمة لإسرائيل. عدا ذلك فلسطين كقضية، وإن صنعت جبهةً صغيرةً بالمقاييس الرأسمالية العسكرية، فإنها صنعت جبهة كبيرة في عالم الأفكار، وستجعل أكاذيب إسرائيل أصعب فأصعب. هل سيواصل العالم الرضوخ تحت عناد وهمجية اليمين الإسرائيلي؟ أم سنرى إسرائيل هذه المرَّة تقدم التنازلات، والقرابين، وكل همِّها تجنب الانكماش الذي يقود للانهيار! والله غالب على أمرِه


من الصعب أن تشرح للجيل الذي عمره الآن عشرين سنة كيف كانَت لوعة الصدام مع إسرائيل في الجبهات الفكرية، والإعلامية. كيف تشرحُ لإنسان لم يعش تلك المرحلة ما الذي كان يحدث؟ وأي شعور بالعجز وقلة الحيلة؟

الكتاب، والإعلام كل همِّهم: يجب أن يعلم الغرب بحقيقة إسرائيل! يجب أن يعلم الغرب بحقيقة إسرائيل!
هذا كان الشغل الشاغل، والهم الكبير. المحيط [الجيوسياسي] كما يحب البعض تسميته يعلم المعضلة جيدا، والشعوب تعلم، والحكومات تعلم! من الذي يجب عليه أن يعلم!

عدو إسرائيل ليس بحاجة ليعرف المزيد عن جرائمها ووحشيتها، هذا معلوم من الإسلام والعروبة بالضرورة. الذي يجب أن يعلم عن حقيقة إسرائيل هو الذي يحمي ويصنع دموية إسرائيل. الناخب الغربي، الذي إن وصلتَ له بأدواتك الثقافية، والإعلامية قادر على تغيير المعادلة جزئيا. هذه ليست معركة يوم واحد، والصمود الفلسطيني هو الذي حسم هذه المعادلة، وقدم التضحيات التي تحميه من الفناء، وأخذ الخطوة التكتيكية طويلة المدى، تلك الخطوة التي تمنع إسرائيل من الخلود.

كلمة سهلة في اللسان! نقولها بتسليم مغيَّب، أن تطلب من الفلسطيني الانهزام التاريخي، وتقبل الأمر الواقع! سهلة للغاية! تقولها وأنت في منزلك، فلا أنت عشت تحت قصف الصواريخ، ولا إهانات نقاط التفتيش الإسرائيلية، ولا قيس عليك الماء، والدواء، ولا تدفع ثمن التواطؤ مع المحتل، ولا تتكالب عليك الأمم، وأجهزة الاستخبارات، ولا ترزح تحت وطأة عالمٍ يعاملك بالصورة النمطية، ويسميك بالإرهابي، والعربي، والمسلم، والشرق أوسطي، وإن كنت ترزح تحت ذلك جزئيا، بشكل عرضي، جانبي، هامشي، فإن السيف ليس على رقبتك، وتقولها خفيفة في اللسان: انهزموا يا آل فلسطين!

تغيرت المعادلة كثيرا! بعد السابع من أكتوبر! جبهة الاستنزاف نشأت، وحسابات العالم تجاه إسرائيل ويمينها المتطرف تغيرت، وأدرك الجميع أن الحلول الخاطئة تأتي من الثقة باليمين المتطرف، وأي يمين متطرف تقوده تفسيراته للدين تحت مصلحة سياسية نهايته هذه، من أي دين!

يهودية ليكودية، مع يمين محافظٍ غربي المرجعية، شرقي البغي، وتكونت كل هذه المعطيات أمام العالم، الذي لم يعد يكتفي بمعرفة الحقيقة المُجملة، وإنما أصبح يتعطش للمزيد منها. أشياء كثيرة تغيرت.

الذي يدعم المقاومة، كان له سبب، واصبح الآن لديه مائة سبب. والذي يدافع عن إسرائيل، كان لديه عائق، وامتلأت أمامه الآن مآزق المنطق، وفخاخ الحقيقة وملأت طريقه بالعوائق. نعم، التضامن العاطفي مؤثر وقوي، ولكن التضامن المنطقي، المُسبب، هذا هو الذي يغير واقع الميدان!

هذا، ونحن نتكلم عن مشهد صغير من المواجهات! ماذا عن الغد؟ كيف سيكون؟ ومجلس جبابرة العالم المضاد للغرب ماذا سيقول؟ وماذا سيفعل! الطريق أصبح مفروشاً بالتكافؤ في الصدام، حتى مع سعي المرجفين لنشر الهزيمة والشعور بالضعف، كل هذا لم يعد ممكناً.

مهما كنت صادقا في هزيمتك واستسلامك، أمامك من المنطق ما يكفي لكي تتوقف عن الشعور بالتسليم للأمر الغاشم، ثمَّة واقع يتخلق من كل هذا البؤس، وحقيقة تنمو أمام عينيك، وتغيير تهبُّ رياحه في شأن هذه القضية.

على صعيد الغرب، التسليم الساكن أصبح مسكونا بالجدل والشك، وعلى صعيد الشرق الاستسلام الهامد بثَّت فيه المقاومة روح الحياة، عنقاء الأمل تنتفض من جديد، فترفق بنفسك وبقلبك، وإن لم تؤمن أن الله ينصر من ينصره، فلتؤمن على الأقل بأن المنطق ينقلب كله فوق رأس إسرائيل.

بعد السابع من أكتوبر، فلسطين أصبحت حدثا عالميا، وثقافةً تنشأ، وتتخلق، وإسرائيل تأخذ صورتها الحقيقية، كشيطانٍ، دموي، حربي، يضرب عرض الحائط قيم الشرق، والغرب. نصر مبدئي أخذ عقودا ليحدث، فاحذر من هزيمتك أيها المسلم أو العربي، المقاومة صراعٌ يمنع الفناء، أكثر من كونه يمنح الوجود، وهذا في الطريق فقط، بالأمل ثم الإرادة. شيئان من الصعب أن يتقنهما مهزوم!