ما أعرف هل هو العمر، أم هو البارض، أم ببساطة هو التسليم بالأمر الواقع، أو ربما مزيج من الرغبة في عدم التدخل في خيارات الآخرين، أو كل ما سبق، أو بعضه!
لما أشوف حد بكل استماتة جالس يقزم من المقاومة، ما أنشغل أطلق عليه أحكام، لأنني أولا كنت أحد هؤلاء الذين يصدقون أن المقاومة ضعيفة، وستبقى ضعيفة، ومعي تسليم جانبي آخر، أن إسرائيل قوية، وستبقى قوية، كنت في العشرين من العمر، وأتشرب ما يسمى [القيم الغربية] ساعيا بكل جهدي للانسلاخ عن هويتي الإسلامية والعربية، وعشت بعدها سنوات العقل الرافض لنفسه وهويته قبل أن تستقر جميع المراكب على نقطة البدايات، وإيمان العجائز، والإسلام، والعروبة كمسلمات [هويَّاتِيَّة] كما يحب إخواننا عشاق الفلسفة كتابتها. ما هذي النقطة، لا أشخصن المسألة لأن الموضوع جزء من المراحل الطبيعية، ولأنني أؤمن أنَّ الواقع قادر على قلب المسلمات، حتى مثل هذه، المبنية على ميدان، وعمليات، ومقاومة، واختلاط بين الحرب والسياسة والدين والهوية والظروف. وما فيي بارض أناقش حد في الموضوع أو أجادله، بس معي جزئية مليئة بالاستغراب! يعني كعربي، من يوم احتلال العراق، والحرب الثقافية الشرسة التي شنتها أمريكا والعالم بعد هجمات سبتمبر، وإسرائيل تصول، وتجول ولديها عيد وراء العيد في التنكيل بالشعب الفلسطيني، ونتنياهو طابق في حنجرة الشرق الأوسط، وحتى أمريكا لا تطيقه، ولا دول العالم. بعد احتلال العراق، وبعد كل هذه الفصول المريرة، والسيئة، والتي حطمت الوجدان العربي بما يكفي، وتأتيك المقاومة، [ببعض] قوتها، وببعض رجالها، وكل انشغالك هو الشماتة بالمدنيين! مستكاود تحس بشوية كرامة؟ وعزة؟ وأمل؟ وأن طريق النضال من أجل تحرير الأرض طويل الأمد؟ ما هاجنك عن البروباجاندا التي عشعشت في عقلك؟ لما يصدر هذا الكلام عن شخص يائس، على الأقل له معنى، نقول إنه تجرع غصص الهزيمة حتى شبع، كم جيلا حتى الآن مرَّ بهذه المشاعر المزعجة؟ بس يا رجل! يا رجل! لا باقي شيء اسمه إسرائيل، ولا باقي شيء اسمه هيبة الصهاينة، والمقاومة [ببعض] فصائلها فقط فعلت كل ما فعلته! دموع التماسيح على أهل غزة من أجل ما أُدْلجت عليه سياسيا مدعاة لدموع الحسرة عليك وعلى حالك. لأن أهل غزة من هذا الموت وإليه، ثأرهم يشبه موتهم، معقول، ومنطقي، ومقبول، وهذا ما لن أفهمه أنا ولن تفهمه أنت، هذا الخيار الشعبي، الذي يتم اتخاذه تحت القصف والرصاص والتنكيل، والتواطؤ. ما أعرفك حزين على إسرائيل، أو حزين على قناعاتك ومتمسك بها، أو بكل بساطة معاك فلتر أدلجة سطحي وضحل وأحمق وغبي، مرشح جاهز، أول ما تجد فيه ما يستفز أدلجتك، فجأة كأنك تبكي على حال إسرائيل، ومستعد للمجادلة حتى الفجر [وهذا ما لا أستطيعه مع أي أحد]. عموما، لو كان هذا الكلام بشكل ما أو بآخر يزعجك، أنا فعلا أعتذر لك، ما لأني على خطأ، ولكن لأني ربما قلته بقسوة، وكان يجب أن أقوله ببعض روح الأخوَّة التي تجمعني بك كمسلم وكعربي، مع أنني ما محطم الدنيا في التدين، ولا متشنج في العروبة، ماخذ شحنة عادية جدا من الأمرين، ومع ذلك، لا تتخيل شعوري المبهج جدا بالأمل، في نهاية كل هذا الإذلال المتعمد، وفي ذكرياتي في قبل عشرين سنة، ومشهد دخول العراق، والمجازر تلو المجازر على الفلسطينيين. ما تعرف موه يعني لي طوفان الأقصى! ما فقط حركة مقاومة، بل حقيقة وجود، وشعور جديد بشيء اسمه الكرامة، والعدل الكوني [قلت الكوني عشان ربما كلمة الإلهي ما تعجبك] .. مشاعر فياضة، وأفكار كاملة تتخلق من هذه اللحظات التي ملأت وجدان أمَّة كاملةب العزة. ما رايم تعترف إنه المقاومة مستحقة! وجالس تستخدم القيم الغربية عشان تبرر لإسرائيل، وكل كلامك نفسه، إنه أهل غزة يموتون، عني فوادك [يرجف] على موت أهل غزة فقط بعد انتقام إسرائيل؟ ما كأنه فلسطين كلها ساحة حرب، وقتال، ونضال، وحقوق فلسفية معقدة للغاية. يعني لو باغي تأخذ مرجعية إنسانية، وتنادي بالسلام، بل وحتى لو تنادي بالتطبيع، وغيرها من السخافات السياسية التي يبررها البعض بهوس، ونقول إنه هدفك السلام وحل الدولتين، بعدني ممكن أبلع [براغماتية] منطلقك! لكن جالس ليل نهار تدين المقاومة بموت ليس من موتاك، وبدمٍ ليس من دمائك، وأنت غريب، وبعيد، ولا ناقة لك، ولا جمل، ومتشنج لأنك مفترض موقف سياسي ما وعلى بالك إنك جالس تخدم نفسك! والله صدقني، وبدون إطلاق أي أحكام، ومن شخص لا يبرئ نفسه من أي خطأ يدينه الآن، ومن شخص مليء بالأخطاء، ووالله دون قصد أن أؤذيك، أو أهاجمك أو أدينك، صدقني أنت تؤذي نفسك، وتؤذي عقلك، وتؤذي ذهنك، وتؤذي طريقة تفكيرك. استشعر قليلا هذه الكرامة، واستشعر قليلا رجفة المارد الإسرائيلي، وانقسامه، واستشعر قليلا صوت أبي عبيدة وهو يقول: "أتتوعدنا بما ننتظر يا ابن اليهودية!" أعظم أفِّيه وجودي عسكري حربي عربي!! لا تحرم نفسك من هذا الشعور، لا تعيش في قفص انسلاخك عن هويتك، ودينك، ومجتمعك، وحتى لوك نت ملحدا، أو غربيا، غربويا، عالمجيا، وغير ذلك من الصفات، لا تحرم نفسك من هذا الشعور، ما عشان عربي، ما عشان مسلم، عشان إنك إنسان، وشايف وعارف من الظالم، ومن المظلوم! باغي تمسك مجلدات القانون الدولي، وأمم الفيتو المتحدة، أو باغي تجادل باسم اللادين، أو باغي بكل بساطة تكون ضد الجموع، وضد الناس لأنك تخاف على نفسك أو [كائنك الثقافي المعرفي] من إنه يتعاطف مع قضية فلسطين، افعل ذلك، هذا حقك، بس باقي أقول لك إني أشعر بالحزن عليك، لأنك تعيش في زنزانة من صنعك، ومفتاح الباب بيدك، وعسى أن تجد الشجاعة يوما ما لتعرف أن الذات ليست هي محور الكون، لا ذاتك، ولا ذات غيرك. وبس لو وصل كلامي لقلبك، استعشر درس الأمل، والكرامة، والقوة، وتمن النصر والثبات لكل مقاوم في هذه الأرض يرفض الفناء، والانقراض من أجل مكيدة رأسمالية جاءت على هيئة قاعدة عسكرية باسم دولة! ولو فرضنا، إنك متشنج سياسيا، وخلاص، واصل حدك! بعدني أقول لك، بينك وبين قلبك، حاول أن تضع احتمالا واحدا للنصر، فقط، احتمالا واحدا، ولو كان بعيدا. صدقني، هذا من أجلك، ما لأجل القضية، فقضية فلسطين لم تعد تأخذ، أصبحت تعطي، وبعدما كانت تدر دموع الحسرة والضعف، أصبحت تدر دموع الفرح والأمل بالنصر. هداك الله أيها الغريب الذي وجهت له هذه الرسالة، أيها الغريب الذي لا أعرفه. نصر الله فلسطين، والمقاومة وهداهم للحق والوحدة والعزة والنصر، إنه سميع مجيب الدعاء.