بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 16 أكتوبر 2023

عن فلسطين، وغزة

 في هذه التدوينة، سأجمع كل التغريدات التي كتبتها في حسابي عن أحداث غزة في أكتوبر 2023م


لعالم الغربي يبتكر كل الأكاذيب الممكنة فقط ليبرر للاحتلال الإسرائيلي كل جرائم الحرب ضد المدنيين.

 

وجوردن بيترسون يوزع صكوك الجحيم!

تآكل الحقيقة، وأخلاق الغرب.

 

وأكذوبة رأسمالية القيم وحقوق الإنسان!

 

ليس كل من ينادي بالسلام العالمي متصهين، أو مطبع، أو سيء النية. ثمة أجيال تعاقبت وهي تتغذى من الهزيمة، والشعور بالنقص حتى أصبح ذلك جزءا من حقيقتها، هناك من هو مهزوم، أو من هو مخدوع، أو من ينظر لمعضلة صاحب الأرض وسارقها بمنظور المصلحة المؤقتة، الحياة لديه هو أن يحب الحياة، والموت لديه، غامض، لا سبب له تحت أي ظرف حتى من أجل وجوده، وكرامته، لأنه مهزوم، يظن أن كل شيء حُسم.

وفي الجانب الآخر، ليس كل من ينادي بالنضال، والحرب، بالضرورة صاحب مبدأ، فهناك أيضا من يحبُّ الدموية، والحروب، والقتل، والموت، ويتخفى تحت ستار القضايا الحقيقية، فاسد النية، جميل النطق والمنطق.

الحقيقة الدامغة في عصر الذكاء الصناعي، والدرونات، أن المنتصر لم يعد صاحب أقوى الجدران، والجيوش، وإنما صاحب العقيدة الصلبة، والنية الصافية، والانتماء.

أما جيوش مستنقعات الواحات الرأسمالية فليست أكثر من عُشر قوتها الحقيقية.

 

شعب فلسطين، لن يتوقف عن الموت، ولن يتوقف عن الحياة. ولعل في هذا التآكل القيمي العالمي خيرٌ قادمٌ ينخر إسرائيل من الداخل، حتى وإن نخرت إسرائيل بعض فلسطين من ثغورٍ الأطراف.

 

 

ثمة حقيقة عربية واضحة، أننا كعرب لا نريد أن نفهم إسرائيل، المقاومة تعرف إسرائيل، وتفهم  إسرائيل، ولذلك تختار ضرباتها، وتضحياتها.

وثمة حقيقة أخرى: لا يمكنك أن تحدد مبادئ الحرب لشعب محتل.

 

من جانبٍ آخر: ثمة حقيقة عربية واضحة

أننا كعرب لا نريد أن نفهم المقاومة، ولا نريد أن نعرفها، ولا أن نعرِّفها، وقليلٌ منا يتجاوز المواقف السياسية للدول إلى موقف ثقافي خاص به.

إسرائيل تعرف الذي تخاف منه، وتعرف المقاومة جيدا، وأثرها على مجتمعها الداخلي الآيل للتفكك بإذن الله!

 

في شأن المقاومة ضد الاحتلال، أي مقاومة، وأي احتلال، الأمر لا يتعلق بذاتيتك. إحدى جبهات المعركة فكرية، مبنية على الإقناع.

يمكن لحوار من البذاءة أن يخرجك منتصرا:

- المنهزم سيلفحك بآثار الهزيمة الكبيرة، ويقول لك لن تستطيع، وإسرائيل قوية.

- المقاوم سيرد: أيها المنبطح، الحقير، السافل، تفو عليك.

 

الإثبات الميداني لطمَ عقول الجميع بأنَّ السلام عن ضعف ليس حلا، إنه شكل مليء بالكياسة للتعبير عن الهزيمة.

 

 

 

جرعةٌ خالدةٌ من الكرامة! هذا الذي تحسبُ المقاومة حسابَه. انطلقت الحقيقة من عقالِها، وتسري في جسدِ العالم، تتفشى كالمضاد الحيوي في جسد أرهقته فيروسات الأكاذيب. ليست أجيال اليوم كأجيال الأمس! وهذا ما أرادته المقاومة، وليست إسرائيل اليوم كإسرائيل الأمس، وهذا ما أثبتته المقاومة. وليست مقاومة اليوم كمقاومة الأمس، وهذا ما أثبته الميدان.

 

لقد انتهى زمان الباكي والمتباكي. فالصدام صدام قوَّة، ولم يعد صدام منطقٍ أو حفاظ. تدمر إسرائيل شجرة، فتنمو منها ألف شجرة، تهدم بيتا فيحل مكانه معسكرٌ جديد، السماء تقاوم، الأرض تقاوم، الأنفاق تقاوم. لن يفهمَ الماديُّ معنى أن تعيش قضيَّتك، ولن يفهم المترف  معنى أن تستقبل الموت بصدرٍ رحبٍ، ولن يفهم المنطقي قوَّة العاطفة، وقدرتها، وجبروتها المهيب لإخراج الصديق من يأسه، وإخراج العدو من وهمِه.

 

كن ماديا كما شئت، ومنطقيا كما تريد، وامسك آلتك الحاسبة. لست أنت الذي يموت، ولست أنت الذي يعيش في سجنٍ كبير، لقد اخترتَ سجنك الخاص عندما فاضلت بين الحياة والاحتلال. ولقد اختارت المقاومة خيارَها.

 

الوجود الجديد، تجاوز رطل البارود والرصاص، حرر الحقيقة أولا، وليحصد الرصاص من يشاء، لم يمت من أخرج الحقيقة من سجنها الكبير.

 

عبرٌ متتالية في وقتٍ قصير، وإسرائيل، تضرب الأخماس في الأسداس، كل ما ستفعله يقودها لخسارةِ شيء كبير. وماذا عساها أن تفعل أكثر بغزة؟ لم تعد المقاومة فقط من تقاتلُ ضد سارق الأرض، لقد أصبحت الحقيقة تفعل ذلك أيضا!

 

إسرائيل، بائعة الدموع، مولولة الأحزان، تخسرُ من هنا، والمقاومة، سيدة الصبر والتضحيات، تكسب كل ما خسرته إسرائيل.

 

والله غالب على أمرِه!

 

 

كره الكتابة عن الحروب، ليس لأنها قضية لا تستحق، ولكن لأنها "شأن سياسي" ... ولقد هجرت تدافعات عالم السياسة، وانغمست في عالم المجتمع، وقضاياه، والمتيسر من الاستطاعة في الكتابة والتعبير عن همومه..

ثمة شيطان سياسي مليء بالشر بي، أتجنب إيقاظه، ولا أريد استخدامه إلا للدفاع عن نفسي فقط. لذلك، كلما تحدث هذه الظروف القومية العويصة، وتتداخل أبجديات الانتماء، تندفع أبالسة السياسة إلى أصابعي، ولولا لطف الله بي، لانهمكت مجدداً لأعبر عن كائن سياسي بي، كائن لا أحبه، ولا أرضاه لنفسي، ولا أرضاه لغيري.

 

فلسطين قضية إنسانية، إسلامية، عربية، ولا مفر من اتخاذ موقف سياسي بشأنها، هذا الذي أحاول أن أتجنبه، السياسة، لا اتخاذ الموقف.

 

 

 

نصرة قضية فلسطين تزكي النفس، وتطهرها من الدنس، والهزيمة، والخنوع، ولكن كن حذرا!

راقب نيتك مرارا وتكرارا، راقب ذاتيتك في كل ثانية، في اللحظة التي تتحول فيها قضية فلسطين من زكاةِ العقول، إلى شهوة الظهور، أو الموقف الاضطراري، هُنا أنت تسمح لوحش من وحوش [الأنا] أن يفسد عملك الصالح!

 

 

 

العالم اتفق على إغماض عينيه عن كل ما ستفعله إسرائيل، اتفق مسبقاً، ومضطراً، فقد مضى على الكذبة عقودٌ متتالية، ولن تكتسب إسرائيل شرعيتها الدولية سوى بالكذب والمؤامرة ولي الذراع، عدا ذلك!

حتى اليهود سئموا من ربط هذه القاعدة العسكرية بعقيدتهم!

 

 

عصفٌ ذهني:

نقاط وملاحظات حول نصرة القضية الفلسطينية

- الأمر لا يتعلق بك، الأمر يتعلق بهم، لذلك بدلا من أن تنشغلَ بملاحقةِ [الكسالى/ المتخاذلين/المنبطحين] تأكد أنك أنفقت وقتاً كافيا لتفهمَ هذه القضية من البعد الذي يناسب تكوينك المعرفي. الأمر ليس ذاتيا، فاحذر من وسوسة شيطان النفس، وأن يأخذك العجب بنفسك، حتى تظن أنك أنت القضية، وليست فلسطين.

- كل إنسان في مجالِه يستطيع أن يطرح خطاباً مناسبا، وملائما، كثرة [الستوريات] لدعم فلسطين مفيدة، للتذكير، ولكن هناك قيمة أعمق يمكنك أن تؤديها.

- ثقافيا: ما هي فلسطين؟ وما هي إسرائيل؟ ما هي ثقافة العدو؟ وفيم هو منقسم؟ وما تأثير كل هذا الذي يحدث على حالته المعنوية؟ ولماذا يكذبون؟ وكيف يكذبون؟

- إعلاميا: تفنيد الأكاذيب، وتعليم الناس وسائل تمحيص الحقائق المشاعة، لماذا يكذب البيت الأبيض؟ ومن أين أتى بمعلوماته؟ وكيف تتبين الفارق بين المادة المفبركة، والمادة الحقيقية.

- فلسفيا: ماذا يعني الاحتلال؟ وماذا تعني المقاومة؟ ولماذا يقاوم المقاومون؟ وهل إسرائيل وطن للجميع؟ وما هو الوطن؟ وهل غزة جزء من هوية؟ أم من دولة؟ ولماذا تشكل سدا منيعا وعنيدا يمنع تماهي الهويات تحت مظلة قاعدة عسكرية رأسمالية اسمها: إسرائيل؟

- سياسيا: هنا الجميع يحلل بلا توقف، لذلك، فكرة أن يتفرغ شخص لسكب دلو على البحر ليست فكرة حكيمة، ولكن مع ذلك، يمكنك أن تتفرغ قليلا لإطلاع الذين هم ضمن دائرة التلقي لمنتجك المعرفي بعض الأدبيات الحديثة، والتغييرات في المشهد السياسي الإسرائيلي، وتشرح اليمين، واليسار، وحروب الثقافة الجديدة، والعلاقة بين ديمقراطيين أمريكا، وجمهورييها فيما يخص إسرائيل.

- أدبيا: احتفالك بتراث المقاومة، وتأريخه للأحداث الكبرى، وتتبعك للخطاب المضاد للمخذلين، أو الطابور الخامس في صفوف العدو، أو في صفوف المقاومة، وغير ذلك كثير، وهو أيضا مبحث يركز عليه كثيرون.

عسكريا: ما هي الحروب الحديثة؟ ولماذا تشكل هذه التجمعات العسكرية ضد دولة الاحتلال تأثيرا كبيرا؟ وما هي أشكال الخسائر؟ ومعايير التفوق، وهل حقا هذه الحرب لا تؤذي العدو؟

اقتصاديا: ما هي خسائر العدو؟ كم تأثر من هذا الحرب؟ كم انتقلت من رؤوس الأموال منه وإليه؟

 

الأمر ليس فقط حرب إلكترونية، وبالتالي يحق لك أن تزيف، وأن تكذب، وأن تدلس، المعترك الحقيقي هو معترك الإقناع، لقد كنت يوما ما أحد هؤلاء الذين آمنوا بشكل قاطع أن إسرائيل قوية، وفي سنوات العشرين وبدايتها كنت دائم ما أفكر بفكرة واحدة [النووي] وباقي الهراء الفارغ. مع السنوات، تغيرت مفاهيمي، وتغيرت الحروب، وفهمت أنَّ العلاقة بين صاحب الأرض وسارقها ستبقى دائما علاقة طمأنينة، إن تركت العدو يطمئن، استقر، ومن هنا يأتي الفهم، وأسباب التضحيات، والقياسات الدقيقة والمجازفة للاشتباك مع العدو.

 

الأمر ليس فقط "إثبات موقف" أو ملاحقة للناس لكي ينضموا معك للحماسة، وأيضا الأمر ليس الافتتان بالحروب، والموت، لو كنت تظن أنك تنصر فلسطين، ولكنك لا تعلم أنَّك تنتشي بصور الحروب، والموت، والدماء، فثمة شيء في نفسك يجب أن تنتبه إليه عاجلا، الأمر لا يتعلق بصور الجثث، والأشلاء، والأمر لا يتعلق بأن تثير حزنك وحسرتك، أو تثير غضبك وغيرتك، الأمر يتعلق بحرب بقاء، وإن كانت من الذين قطعوا شوطا في فهم ناحية من النواحي، فالأجدر أن تشرح، وتوعي هذه الأجيال المفعمة بالحماسة، لماذا هناك أمل؟ ولماذا هناك مقاومة؟ ولماذا حتى هذه اللحظة، إسرائيل بكل جبروت العالم وتناقضاته لم تستطع أن تحتوي شعبها، فضلا عن احتواء شعوب أخرى!

هذه الأسئلة أجدر أن يجاب عليها بدلا من الحماسة من أجل الحماسة.

 

 

 

كلمة يجب أن تقال: ما يخص التبرعات لفلسطين، الأمر ليس لعبةً. لا تنفق المال إلا لجهة معتمدة، رسميا، ودوليا، ما يبدو بالنسبة لك مجرد مبلغ بسيط من المال قد يمتد خطره لحياتِك من حيث لا تحتسب.

دع عنك خطر النصب، والاحتيال، وغيرها، هناك خطورات قانونية شديدة، منها تهمة مفزعة اسمها "تمويل الإرهاب" لذلك، لا تتبرع، تحت أي ظرف من الظروف إلا مع جمعية رسمية معتمدة قانونيا، ودوليا، ولا ترم بنفسك في آتون تعقيدات أنت في غنى عنه. يطلع لك شخص من تحت الأرض يجمع تبرعات، دعه يزودك بحساب الهيئة الخيرية.

ولاحظ، البعض يفعل ما يفعله بحسن نية، لكن مسار الأموال لا تعلم كيف يكون، وقد يعرضك لملاحقة خارج عُمان، لذلك كن حريصا على نفسك وغيرك.

 

 

"امنحهم الجحيم"

 

هكذا عبَّر الإنساني، النوراني، النفساني، سريع الدمعة، المتعاطف، المتصل بهموم الجيل الإنساني، الرأسمالي، رجل الأعمال، الإعلامي، الناشط، ومؤخرا، السياسي جوردن بيترسون!

 

هل كان في موقف حاسمٍ يدفعه ليصطف؟ دعني اعيد صياغة هذا السؤال وأقول: هو مصطف، من الأساس، ثقافيا، وحضاريا، وفكريا، وغربيا. هل كان في موقف حاسم يدفعه لكي يلعب دور المحرض المولول الهلوع؟ لكي [يمنشن] بكامل حضورِه الرقميِّ من بين الجميع اليميني المتشنج المتطرف الكذوب المتلاعب نتنياهو؟ عابد السلطة، وساجدها، وسجَّادتها، المُلاحق بقضايا الفساد، والمعتمد عليه للحلول الدموية؟

 

أجواء الغرب تشبه تماما تلك التي حدثت قبل أكثر من عشرين سنة في التاسع من سبتمبر، التأليب، والتحريض، والعنصرية الحضارية، والثقافية، وفوق ذلك تبرير الدموية بحجة أنَّ [البادئ أظلم]. هذا ما قاله جوردن ذات يوم عن القضية الفلسطينية، أنَّ العودة إلى تاريخٍ محدد هو الذي يحسم موضوع صاحب الحق، وسارق الأرض.

 

مناورة أخرى كتلك التي ارتكبها عندما سئلَ عن إيمانه بالله؟

بكل برود قال: أتصرف كما لو كان الله موجودا!

 

من هذا الذي يقود العالم إلى الحد الذي يجعل [جوردناً] مثلَه يفعل ذلك. نحن الذين أحببناه، وتابعناه، وقرأناه، كنا سنتقبل على مضض تصريحا مائعا مثل: يحق لكل دولة الدفاع عن مدنييها، يحق لإسرائيل الدفاع عن سكانِها.

شيء من هذه السخافات التي يبرر بها المرء عدم اصطفافِه. لكن جوردن لم يفعل ذلك.

تصريحه يلبس الخوذة العسكرية، ويحمل قاذفة نيران في يديه. لم يقل "دافع عن نفسك، اصبر وما صبرك إلا بأمريكا والغرب"

لم يقل: "هذا الوقت سيمضي يا زيج"

لم يقل: "تعاطفي الشديد معك يا أميجو"

 

وكأنه قائد التوجيه المعنوي لأبالسة الأرض الموعودة!

"امنحهم الجحيم"

 

ونحن، الذين نتابعه، ونؤمن به نعرف هذا التصريح وأبعاده، واستخدامَه. لقد كبرت معركة بيترسون، وكان لا بدَّ أن تأتي منه قبل الجميع لكي يمتوضع في مكانه المؤبد، مختارا صفَّه، ومتنازلا عن قطعة من روحِه التي ظنَّ بها كثيرون أنَّها ستكون ملكا للإنسان، إرثا، وتعبيرا، وعلما، ونوراً من أنوارِ اليقين! هكذا ظننا به!

 

هناك ما كان يعلمه، ويفهمه جيدا عن أمَّته التي يدافع عن إنسانيتها، وحقوقها، أمَّته الغربية، الناطقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والقنابل النووية، هناك ما كان يعلمه ويعرفه جيدا.

 

لقد اختار جوردن صفَّه بعناية، بعد تعدد الخيارات، اليمين اليهودي يحتاج دائما لمظلة كبيرة من الأكاذيب، والتضليل لكي ينجو بفعل كل الجرائم التي لا تجرؤ دولة أخرى على ممارستها. لقد اختارَ أن يتحمس، ويصطف، اختار أن يكون سياسيا بمرتبة محرض قوَّاد، ولعله يعلمُ أكثر عن الصراعِ الكبير القادم في الأرض، أو ما يدريك! الحروب الكبرى التي تتربصُ بالعالم، ولعله يعلمُ أنَّ كل ذلك لن يمر دون أن يتموضع مجددا في خارطة العالم الجديد.

 

تغريدة منه لم تمنح جحيما، لقد منحت رياحا باردةً، لا تهدم الإسمنت، لكنها تمنع الجلوس، وكيف عساه أن يدافع عن موقفه الآن؟ لن يحتاج لذلك، لقد اختار طرفَه المحارب، وأصبح بوقا من أبواق الحرب. فهنيئا له هذه البداية، وتلك النهاية.

 

 

عندما تنظر للحياة بنظرة مادية بحتة، ستشعر تلقائيا بالاتصال مع كل هؤلاء الغرباء الذين يبررون لحق الحياة في ارتكاب الموت، والظلم. تلك الطاولات الدافئة التي تقدم الحساء لجنود الطغاة لا تشعر بالتعاطف، ولا تشعر بالذنب حيال كل ما يخفى عن عيونها.

 

أن تؤمن، بقضاءٍ، وقدرٍ، وحكمةٍ تفوق حكمة الإنسان، يختلف الحال تماما، فالموت يتجاوز فكرة الفناء المادي، إلى معنى، وإرث، وأثر، وقضية، واختيار، وضرورة. وهذا هو الذي يضيق الخناق على أفكارٍ مليئة بالأكاذيب تلقتها أجيالٌ متتالية بتسليمٍ فجِّ.

 

يبدو أن إسرائيل تصدق الأكاذيب نفسها التي صدقناها، وقوتها الغاشمة، المروعة، لم تعد أكثر من جدالٍ عالمي لا يتوقف. انفرط عقد الثبات، والإجماع. لم يبق قانون دولي، وأخلاقي، وإنساني، إلا وخالفته إسرائيل.

موقفٌ عنيد، متشنج، وأجمل ما في هذا الموقف أنه يقود لكل هذا التآكل الداخلي الذي كان يدفع الغرب للدفاع عن إسرائيل مرفوع الرأس، مطمئنا قيميا، إلى الموقف الجديد، المبرر، والحاد، إما المليء بالعنجهية والتوحش، أو المتراجع، تغير كل شيء. تغيرت الأكاذيب، والذي بقي هو أمر واحد.

المقاومة تنتصر، كل يوم، تنتصر، بصمودها، بإثباتها أن هذا المسخ الذي على هيئة دولة ليس أكثر من كتلة من الأكاذيب، والأنانية المادية، والدعم الغربي المنساق، المقاومة تنتصر، تصفع الوحش المجنون، تثير غضبه، وانقسامه الداخلي، وتكشف للعالم حقيقته، وتكشف للعالم حقيقة العالم الذي يغمض عينيه طواعيةً لكي لا يرى حقيقة إسرائيل.

 

أما إسرائيل، هذه القاعدة العسكرية المسخ، كل ما لديها هو جيش قادر على التدمير، وعاجز عن الانتصار!

 

فعلا! عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد!

 

والله غالب على أمره

 

 

 

من هم هؤلاء الذين يقلبون العالم رأسا على عقب! المقاومون الفلسطينيون، والمقاومون من أجل فلسطين؟ أي نُصرة، وتأييد هذه التي جعلتهم يشطرون العالم إلى نصفين من الحقيقة والوهم!

كل هؤلاء، الذين يختارون الموت على الحياة، يعلمونَ ما يفعلون. يجعلون عدوهم قلقاً، ويعطلون تلك الطمأنينة التي توقف انقسامه، وتدفعه للنمو فوق أرضٍ سرقها. مسكين الذي يتكلم عن القانون الدولي، ومسكين الذي يتكلم ويجادل في منطق توازنات القوة، كنت يوما ما أحد هؤلاء الحمقى، وكنت أصدق، وأعتنق بيقينٍ جازم أن إسرائيل هي القوي، وأن المقاومة هي الضعيفة.

 

اليوم، أعترف بحماقتي بسعادة بالغةٍ، كأحد أبناء جيلٍ كامل، انطلى على كثيرٍ منه من الأكاذيب ما انطلى، الكيان "النووي" يُصفع مرة تلو الأخرى، قادر على التدمير، غير قادر على الانتصار، ينهزمُ في كل جبهةٍ مرتين، يخسر ثلاث أمتار ليكسب مترين، من أجل بقايا عزيمته، وكرامته الرأسمالية المزينة بتجاوزات القانون الدولي.

 

الذي حسمَ كل شيء، هو الميدان، وتضحياته، ورجاله، وقادته، وصابروه، وشعبه المستحق، وإنسانية صاحب الحق، وشيطانية سارق الأرض، وكذب العالم المتعمد، والعيون الزجاجية التي أصبحت تدافع عن الغاصبين بلسان متلعثم، وصراخ عنجهي. لقد هُزمت إسرائيل لأنها لم تنتصر، وانتصرت المقاومة لأنها لم تهزم.

 

وتلك الأيام نداولها بين الناس!

 

 

 

 

وماذا قيلَ من قبل عن المقاومة؟ قيل ما قيل! أن الجنود ضعفاء، عددهم قليل، وأن الأسلحة صدئة وتتعطل في ميدان المعركة، وأن القوة العسكرية بدائية تجعل من يستخدمها أشلاء، قيلَ ما قيل، عن نقص الإمداد، وقلة العديد، وضعف التقنية، وصدقنا! نعم صدقنا لسنوات وسنوات كل هذا الهراء!

وماذا قيل عن إسرائيل؟ قيل للماديين كل ما قيل، عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، أن المسلم كاليهودي، وأن المسيحي كالمسلم، فهي الواحة الغناء للسلام، فلا تفرقة، وأن القانون سيد الموقف، وأن جيشها [جيش دفاع] وقيل ما قيل، عن إسرائيل الخالية من التطرف، وأحلام قيادتها، وريادتها لمشاريع الشرق الأوسط الجديد، والتوازنات الكبيرة، قيل ما قيل، وصدَّق من صدَّق، وتجاهل التكذيب من تجاهل، وماذا حدث بعد!

يثبت الصبر موقفه، وأن الحق لا يسقط بالتقادم، ويشاء الله ما يشاء، ويبتلي العالم، بالترفِ، والفاسقين، والغرب الغاشمُ ينزوي إلى قضاياه، وبكائه على نموِّه، وانشغاله بالشرق الروسي، وإسرائيل مكانها، كامنةً تنتظر الخطوة الكبرى لتُقبلَ عن قوةٍ، وتفرض شروطَها، كدولةٍ حضارية، عصرية، لا مكان فيها لليمين اليهودي، ولا للسلفية الحديثة لذوي القبعات الدموية! كان كل شيء جاهزا لكي تنال إسرائيل لحظتها الكبرى، لينسى الناس وجهها الآخر القبيح، ولكن ماذا تشاء الإرادة المضادة لصاحب الحق؟ تحطيم كل ذلك، بكل بسالة، وتضحيةٍ، فالقضية قضية وجود، والذي يعيش في سجنٍ على هيئة مدينة جاهز للموت، كما هو جاهز للحياة، لم يعد الموت مفزعا، وإنما هو التاريخ، وحركة التاريخ، ونعم، حدث ما حدث.

لقد حققت المقاومة أهدافها، وتدفع الضريبة بعد انتصارها. ومن الذي ينطلق الآن؟ المسخ الجريح، الهائج، يدمر ولا ينتصر، إن لم يحارب انقسم داخليا، وتآكل من الداخل، وإن حارب خسر مؤيدوه. وسبحان الله! خير الماكرين! كيف لكل هذه التناقضات العالمية أن تقع في يد المقاومة لتصفعَ استعلائية الاستعمار، وغرب صواريخ الكروز، ولتصنع جيلاً له ذاكرة كريمة، وذاكرة كرامة.

 

لم تحرر المقاومة أرض فلسطين، لكنها حررت الحقيقة. وهذه انتصارات البدايات، وما النصر إلا من عند الله!

 

والله غالب على أمره!

 

 

 

وماذا قيل عن المقاومة؟ قيل أنهم انتحاريون، يتسترون بالمدنيين! ضعفاء، قليلو العدد والتسليح، قيل ما قيل! والأساطير نسجت، وفي ذلك كان يُنسج شيء آخر، ما يكفي لإذلال هذه القوة السرطانية، وها هم اليوم أمام مختلف الخيارات.

أي المعتركات وضعت فيها المقاومة إسرائيل. فعلا شيء يدهش! إن أبادت خسرت، وإن أغارت خسرت، وإن حاربت من وراء جدار خسرت، في كل شيء تفعله إسرائيل خساره، السكوت خسارة، الصمت خسارة، الصفعة التي تلقاها هذا المسخ الجريح أقوى من أن تنسى.

لقد كان كل شيء جاهزا، جاهزا بمعنى الكلمة، والشعب الذي احتفظت به إسرائيل كرهائن للمفاوضات كان يقاوم، وينسجُ مكائد الموت، ومتاهات الردى، واليوم المارد الأعمى يحطم كل شيء، يدمر أي شيء. يرددون بغيظ الأرض: لماذا لا يموتون؟ لماذا هؤلاء لا يموتون!

 

لم تنتهي المعركة، لقد بدأت بالانتصار. وستأتي إسرائيل المليئة بالتنازلات لاحقاً، مخدوشة الكرامة، المنقلبة على ذاتِها. العالم يعرف أنهم يكذبون، والمقاومة تعرف أنهم ضفعاء. خطوة جديدة ضمن المشوار الكبير، وإلى أين ينتهي الحال؟

لا أعرف

دولة فلسطينية مسلحة؟ أم دولة إسرائيلية منهارة؟ أم حرب عالمية ثالثة، لا أحد يعرف.

غزة، سجنٌ كبير، علَّم العالم معنى الحرية!

 

وفي ذلك عبرة!

 

والله غالب على أمره!

 

 

 

وها نحن نعيش في عبرةٍ من عبر التاريخ، في مكوثنا القليل في كوكب الأرض، نعيش، كأفرادٍ، وكجيلٍ جديداً يُذكر، ويُتَذكَّر. وهذا الذي يحلل الأمر سياسيا، لن يرى قيمته الوجودية، سيمسك الآلة الحاسبة ويقرر، حاله حال أي محاسب يقرأ مؤشرات الربح والخسارة.

 

أما الذي ينظرُ في شؤون الوجود، فيرى شيئا مختلفاً، وتُفتح عيناه على قطاعٍ بحجمِ أمَّة. لم تعد الهزيمة اختيارا، والشعب المغلوب على أمرِه أصبح مع الوقت يمضي لكي يكون غالباً على أمرِه. سقطت قلاعٌ من الأكاذيب المتقنة، والمحكمة، والمحلل السياسي غاضبٌ على حسابات ما بعد الهزيمة، ومفاوضات ما بعد التسليم، وقناعات ما قبل الدرس القاسي من قطاعٍ بحجم أمَّه؟

 

يدمرون المباني؟ ستبنى من جديد، يموت واحدٌ سيولد خمسة آخرون، إنهم يعيشون في سجنٍ، ومع ذلك يعيشون أحرارا أكثر من أي إنسانٍ آخر ضائع في قضية الوجود. كيف سينظر السياسيون إلى قضية أصحاب الأرض، وأبطال المقاومة والصمود؟ الغيظ؟ الحسرة؟ الشعور المفزع بالخطأ، وبالخديعة!

 

لقد انتصرت إسرائيل عندما خدعت مليارات البشر بأنَّها دولة صابرة، محتسبة، تبيع الدموع، والأحزان، وتولول بلا توقف على أحزانِها القومية، انتصرت إسرائيل عندما شربنا دموعها في شاي الصباح، وعندما أطربتنا آهاتها في تحليلاتنا المادية، وعندما صدقنا، ونعم، صدقنا، وأنا أحد هؤلاء الحمقى الذين صدقوا الهزيمة، وصدقوا أن إسرائيل لن تقهر، وإذا بالله يمكرُ، وبالمقاومة تنتصر. لقد تحررت الحقيقة من قيودها.

 

هل تعلمُ معنى أن يتواطأ العالم لطمس معالم الحقيقة؟ ويفشل! هل تعلم معنى أن تضطر إسرائيل إلى إماطة اللثام عن وجهها الدموي، فتشع عيونٌ مليئة بالجمر، والحقد، والعنصرية، والسلفية، والانقسام الاجتماعي! وأين يحدث هذا؟ في العالم الحر، الديمقراطي، الفرداني!

 

نعم كل ذلك حدث، لقد فعلتها المقاومة، ولقنت العالم درسا وجوديا، هل سيموت الجنود! نعم! وسيخرج من أصلابهم من يستمر في القتال! المباني ستدمر، وإسرائيل، الأخلاقية، الإنسانية تغلي دموعها، وتحرق الأخضر، واليابس، وترمي بالجمرات، وتخسر ملابسها الجميلة، وتتزين بإسوارة ملطخة بالدماء، وبجيش يمارس الإبادة، وبعالمٍ أصبح مشمئزاً من مبالغتها في مخالفة كل نواميس الكوكب الرأسمالي.

 

من أين تبدأ؟ ومن أين تنتهي! الأمر وجودي، وفلسفي، وفكري. فإن كنت ممن يحلو لهم إمساك الآلة الحاسبة، والانهماك في حسابات السياسة، هذا حقك أولا وأخيرا، ليتك تعلم الذي يفوتك من دروسٍ، ومن عظات، ومن عبر.

 

لقد صدقنا الأكاذيب طويلا، وما أجمل الواقع عندما يثبت لك حماقتك، عندما تصدق هزيمتك فأنت أحمق، فقل شكرا لمن فتح عينيك على وجود جديد حتى وإن لم تكن فيه أنت المنتصر بعد، لكنك لست المهزوم!

 

والله غالب على أمره!

 

 

 

جرعةٌ خالدةٌ من الكرامة! هذا الذي تحسبُ المقاومة حسابَه. انطلقت الحقيقة من عقالِها، وتسري في جسدِ العالم، تتفشى كالمضاد الحيوي في جسد أرهقته فيروسات الأكاذيب. ليست أجيال اليوم كأجيال الأمس! وهذا ما أرادته المقاومة، وليست إسرائيل اليوم كإسرائيل الأمس، وهذا ما أثبتته المقاومة. وليست مقاومة اليوم كمقاومة الأمس، وهذا ما أثبته الميدان.

 

لقد انتهى زمان الباكي والمتباكي. فالصدام صدام قوَّة، ولم يعد صدام منطقٍ أو حفاظ. تدمر إسرائيل شجرة، فتنمو منها ألف شجرة، تهدم بيتا فيحل مكانه معسكرٌ جديد، السماء تقاوم، الأرض تقاوم، الأنفاق تقاوم. لن يفهمَ الماديُّ معنى أن تعيش قضيَّتك، ولن يفهم المترف  معنى أن تستقبل الموت بصدرٍ رحبٍ، ولن يفهم المنطقي قوَّة العاطفة، وقدرتها، وجبروتها المهيب لإخراج الصديق من يأسه، وإخراج العدو من وهمِه.

 

كن ماديا كما شئت، ومنطقيا كما تريد، وامسك آلتك الحاسبة. لست أنت الذي يموت، ولست أنت الذي يعيش في سجنٍ كبير، لقد اخترتَ سجنك الخاص عندما فاضلت بين الحياة والاحتلال. ولقد اختارت المقاومة خيارَها.

 

الوجود الجديد، تجاوز رطل البارود والرصاص، حرر الحقيقة أولا، وليحصد الرصاص من يشاء، لم يمت من أخرج الحقيقة من سجنها الكبير.

 

عبرٌ متتالية في وقتٍ قصير، وإسرائيل، تضرب الأخماس في الأسداس، كل ما ستفعله يقودها لخسارةِ شيء كبير. وماذا عساها أن تفعل أكثر بغزة؟ لم تعد المقاومة فقط من تقاتلُ ضد سارق الأرض، لقد أصبحت الحقيقة تفعل ذلك أيضا!

 

إسرائيل، بائعة الدموع، مولولة الأحزان، تخسرُ من هنا، والمقاومة، سيدة الصبر والتضحيات، تكسب كل ما خسرته إسرائيل.

 

والله غالب على أمرِه!

 

معضلة إسرائيل!

 

الذي لا تفهمه إسرائيل، هو نفسه الذي لا يفهمه الغرب. من هؤلاء؟ الذين يفضلون الموت على نصف حياة؟ يعاقبون المساجين في قطاع غزَّة، ويحارون في شأنهم، لماذا لا يستسلمون بكل بساطة؟ لماذا لا يموتون؟

يدفع هذا الشعب ثمن القرارات التي اتخذت باسمه قبل عشرات السنين، ولكن من قال لك أن الظلم لا يحيق بالظالم؟ قالها مانح صكوك الجحيم جوردن بيترسون "لم أر ظالما ينجو بظلمِه" هناك من يدفع الثمن أيضا، إسرائيل تدفعه، باهظا!

 

جندي في أسوار الميركافا [المركبة] المدججة بالجدران، والحواجز. سياسي كل همه الانتخابات والأكاذيب السياسية والسيطرة على الجموع التي تعبت من الضربة وراء الضربة، والكذبة وراء الكذبة. وضع اجتماعي داخلي منهار، ظنَّت إسرائيل إنها ستدخل الشرق الأوسط بسلامٍ آمنين، وأنَّها ستكون دولة طبيعية، وأنَّ القادم الاقتصادي، والعسكري، والاستخباري المتبادل سيشكل لها حمايةً من حقيقة جرائمها الأخرى، وأن دولة الإبادة، وصبرا، وشاتيلا، وشارون، ستختفي عن الوجود، إلى فتاةٍ أنقيةٍ تلبس الملابس الأوروبية وتحاضر للناس عن الإنسانية وحقوق الإنسان، ولكن ماذا حدث، حدثت المقاومة، وإذا بإسرائيل تخلع المكياج، فتظهر تحته الساقطة الشوارعيَّة التي تساقطت أسنانها، تمشي بسكين كي تنهب الغرباء، كانت إسرائيل تتمنى أن تحافظ على صورة [مارلين مونرو] ولكنها الآن اضطرت لكي تظهر على حقيقتها، [إيلين وارنوس].

 

تخيل أن تكون إسرائيليا وأنت تنتظر بفارغ الصبر دولة إسرائيل الطبيعية، ثم توضع حكومتك في موقفٍ لا يحسد عليه، أكاذيبها ستسقط لا محالة، إن أبادت خسرت، وإن صمتت خسرت. تخيل أن تكون أحد هؤلاء الذين لا تفهمهم إسرائيل، مهووس بالحياة، وبالنمو الاقتصادي، وبالرخاء، وبالوفرة، وبالاتفاقيات الدولية بكل ما فيها من [فيتو] وبالتقسيم العالمي، وتتقبل أن هذا هو العالم، وتنافح، وتكابر، وتقاتل، وتقول هذا العالم طبيعي، وعادل، ولا تحكمه الصراعات، ويجب أن تعيش، وتطيع آلة الرأسمالية، والعوائل الكبرى التي تحكم اقتصاد العالم، والتحالفات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والجامعات، والأكاذيب، والمفكرون، والأوهام، ثم يأتيك مقاوم من غزة كي يهدم كل ذلك أمام عينيك!

 

المقاومة تفهم إسرائيل، وتعرف بربرية ردود فعلها، ومنطلقاتها الشوفينية، العنصرية، الغارقة في الاستعلاء، والاحتقار. المقاومة تفهم ثنائية كراهية الذات والآخر لدى الزبون الإسرائيلي، لن أقول المواطن، فهذه الكلمة مبكرة، لم يحن أوانها بعد. إسرائيل، لا تفهم! ولا تعي، والذين يحاربون من وراء جدر لا يفهمون، ولا يعون!

 

المعسكر الرأسمالي، شبه الاستعماري، شبه الغربي، ما بعد الفيتو، وما بعد كورونا، يتوق للحياة، والقطاع الذي بحجم أمَّه يوقفه عاجزا عن التصرف، زبائن إسرائيل يريدون الحياة، وأصحاب الأرض يريدون أرضهم، والصدام سجال. الذي لا تستطيع إسرائيل فهمه، أنَّ الموت تخليدٌ لمقاوم، أما الذي يحارب من وراء جدار، فيتساءَل: هل يموت من أجل سياسيين يعاملونه كزبون؟

ويمكرون، ويمكر الله، كل الظروف تتجه إما إلى إسرائيل شوفينية، يمينية، شرسة، مكابرة، تقودها سلفية دمويةٌ انتقامية حاقدة لا يتآلف معها الصديق والحليف، أو إسرائيل متراجعة، ذاقت طعم الهزيمة، لا تثق في قيادتها، ولا تصدق الحلم الإسرائيلي، وترى الموت الذي يحيق بها كابوسا، إن ارتكبته، سقطت أكذوبة إسرائيل السلام والقانون وحقوق الإنسان، وإن لم ترتكبه انقسمت أكثر، ولم تعد لا أرضا موعودة، ولا حلما موعودا، والتنازلات في الطريق.

 

هذه المقاومة، التي يستهان بها، والتي تشوه، والتي اضطرت أكثر العقول رزانة إلى الطيش جاهزةٌ للتاريخ، والذي لا تفهمه إسرائيل، أنَّها ستبقى دائما وأبداً في هذا القلق، فلسطين خصبة، وإسرائيل تهرمُ، فلسطين، تعبر عن أمَّة، وإسرائيل تعبر عن دولة، انقلبت كل المعادلات المعنوية، وأسقط في يد المنهزمين، ولم يبق على إسرائيل سوى أن تتقبل الخسارات والتنازلات، هذا الشعب لا يرفض أن يموت، ولا يرفض أن يعيش، أما إسرائيل، فهي قضية الحياة فقط، فاقدة المعنى، وطائشة البوصلة، منقسمةٌ بمكر الله، ومنخذلة في كل قيم الوجود.

 

الذي لا تفهمه إسرائيل، أنَّ الحياة تعاش بعد الموت، وهذا ما لا يستطيعه زبائن المعسكر الرأسمالي الدموي اليميني الذي يعبث فيه السلفيون.

 

إنهم يعرفون الحياة، ولو كانت على هيئة كذبة.

والمقاومة ترفض هذه الكذبة.

مأزق إسرائيل يتفاقم، وطريقها البعيد للسلام بعد هذه الأحداث سيكون مليئا بالتنازلات، والخسارات.

 

لسنا بحاجة لفهم المقاومة، نحن بحاجة إلى فهم إسرائيل أكثر، لأنَّ الطريق للنصر لن - كم أوصانا درويش - بصناعة شبح. لقد خسر هذا الشبح أسماله الأنيقة، ولم يبق أمامه سوى التردد، والفرقة، وانعدام الخيار الذي ليس به خسارة!

 

والله خير الماكرين!

 

 

 

 

 مجادلات الحرب بين إسرائيل، والمقاومة ستوقعك في مساءلات انتماء حادَّة.

هنالك بشرٌ في هذه الحياة مهزومون حضاريا، المرجعية القيمية التي لديه أساسها الهيمنة الغربية، استثناءات القيم والأخلاق أيضا لديه نابعة من استثناءات الغرب.
ما هو الغرب في عمومِه؟ دول ديمقراطية، وأنظمة تحترم حريةالتعبير وحقوق الإنسان، نعم هذا صحيح في عمومِه، ولكن ثمَّة صحيح آخر عن هذا الغرب [العالمجي] فهو له استثناءات من قواعده الأخلاقية، وتبرير للعنف، وللدموية، ولقصف القرى، ولسحق الأبنية فوق المدنيين، وله من الضحايا ملايين الأبرياء، وأيضا له من يلومُه.
عندما تكون عربيا، تعيش في منطقة عربية، هذا لا يعني بالضرورة أن تتبنى الخطاب العربي بكل أخطائه، ولكن من الحماقة أن تتحدث [كخواجة] ينتمي للغرب الذي يعامله كغريب، ولذلك يتعامل البعض مع قضية فلسطين كأجنبي، أو كأنه من سكان كندا، أو أستراليا، ولذلك ترى هذا المنطق الذي لديه.

1- مبني على الرخاء والحياة والوفرة. موضوع وطن، وأرض، وتراب، وأمَّة لا يعنيه، ستجد لديه استسهال سريع جدا في إلغاء هذه المفاهيم، لديه مرجعية جاهزة في أمم الفيتو المتحدة، وفي شرعية إسرائيل وغيرها، وهو غير مخطئ في هذا الجانب، فالعالم يعترف بإسرائيل، أن يستخدم هو هذه المرجعية، هذا ما يجعله [خواجة عربي].
2- مبني على الحسابات السياسية الجاهزة. فكرة الموت من أجل قضية محسومة لديه، والعنف من أجل قضية من حقائق العالم، فهو يرفضها عندما تصدر من المقاومة، ويبررها عندما تُفرم العراق بأنواع القذائف، مجددا لماذا؟ لأنَّ السبب صدام، أو البعث، أو غيرها من الأسباب.
3- لا يخلو من الانفصال أو الاستعلاء عن المجتمع، أو من ذلك النوع [العالي مستواه]، كل ما آمن به العموم يجب أن يختصم معه، شيء من النرجسية، والفردانية العوجاء، ولعلها مرحلة من الشباب، أو من التأثر بالخطابات الغربية المغرية بالتصديق.
4- يستخدم المنطق كحجة دون تبيان ترجيح هذا المنطق. يقول لك، ماذا يريد الفلسطينيون؟ يكفيهم [إكرامية] من إسرائيل، تسمح لهم بالعمل، تديهم خبزات، ومويه، ولو أهل غزة انقلبوا على المقاومة لربما الآن كانت لديهم قدرة على الرقص في حفلات شواطئ تل أفيف. منطق مترف، مادي بحت، ولا يخلو من رأسمالية العبد الصاغر لنسبة الفائدة في البنك الدولي.
5- لديه تعميمات شاطحة، الغرب هو إسرائيل، وإسرائيل هي الغرب، والتدافعات السياسية الداخلية مهما كانت تؤثر وتتأثر بقضية المقاومة بالنسبة له محسومة مسبقا، لديه نزعة للتخلي عن الموضوع كليا، ومجددا يعود لماذا؟ [عالمجيَّته] وكونه إنسان كوني، وفردٌ بلا أمَّة، وغيرها من الشطحات التي يختارها المنفصلون عن الواقع.
6- ليس قويا، ليس مؤثرا سياسيا، ليس مؤثرا فكريا، الأمر بالنسبة له معاندة عمياء، فهو أكبر من الناس، ومشاعرهم، وما دامت لديه الإجابات المنطقية العمياء، فهذا يكفيه، لأن المسألة هي إعلان اختلاف أكثر من تبيان موقف.
7- البعض بهلع شديد يسعى لتطهير نفسه وموقفه [وهويته] العربية من الأفعال التي تخجله، فالمقاومة تخجله، ووجود إسرائيل يعزز لديه تلك المشاعر النبيلة بالإنسانية والسلام وإمكانية التكافؤ مع العدو. لذلك يدين، يدين من؟ يدين العنف، ويدين المواجهة، ويشعر بالحرج الشديد من خصومة هويته جزء من أسبابها، لذلك لا تعرفُ بالضبط ماذا يريد، يريد عالما ورديا رومانسيا، وهؤلاء أخف ضررا من العربي اليميني الذي يفكر ككندي في عزِّ انتمائه الأبيض، وشعوره بالتفوق الحضاري، والاستحقاق.
8- عندما تتشرب احتقار بعض الأمم الغربية للحضارات الشرقية، سينشأ لديك كائن يحتقر نفسه، وبالتالي يحتقر غيره. ما فعلته المقاومة، هي أنها غيرت معادلة الهزيمة. ولعل هذا يدفع البعض للتساؤل حول موقفه على الأقل، قبل التمسك به وكأنه أحد [الهوليجانز] المنساقين وراء خطاب يعبر عن ازدواجية المعايير الغربية.
9- دون نيتشوية مفرطة، العالم مبني على الصراع، والصدام، كان هكذا، وسيبقى هكذا طوال الوقت، في الغرب قيمة جميلة جدا ونبيلة بعضها على الورق وكثير منها على الواقع، هذا لا يعني أن خطابه تجاه هذه المنطقة، ولا تجاربه فيها من النبل في شيء. يمكنك أن تسخط على واقع العربي كما تشاء، أن تسخط، وتتقبل الواقع وتؤسس للتغيير طويل المدى خير من أن تتبنى خطابا من الأساس أنت أوَّل من يُحتقر فيه.
وأوَّل من يُمنح الجحيم إذا سنحت الظروف لذلك!


كيف يتورَّط "العالمجي" في هذه الظروف! يتورط بمعنى الكلمة في صراع يمزقه من الداخل، شعوره بعدم الانتماء، ويسميه [الاختلاف] يعطي لنفسه صفة الفرد الواعي، المتعالي على الجموع المنساقة، فينساق في طريقٍ آخر، يشعره فيه بتفرده، ووحدانيته التي يفرض تسميتها [الوحدة] وفردانيته، التي يرفض تسميتها [بالنرجسية]. يتورط، لأنَّه حتى هذه اللحظة في صراعٍ بين أمرين. هو أمريكي، وبريطاني، وأنجلوساكسوني، وكومنولثي، ودستوري، ومؤمن بالديمقراطية، لكنه ليس من أهلها، ولا صناعها، وليس له قوة صوت واحد في هذه البلدان والتي إن عاشَ فيها، وجد القانون في صفه والثقافة ضده، فهو غريب، هنا، وهناك، حيث حل وارحل، عربية يلبس البدلة والكرافتة في أفكارِه، يعيش حياة تجعله يرفض نفسه، وغيره، وفي الوقت نفسه يتقبل هذا الاحتراق، والخسارات، لأنَّه مؤمن بانفصاله عن الواقع، سيرد عليك ببرود: - عالم عربي جاهل، منساق، يقاد كالنعاج. -دول متسلطة، لا تسمح بحرية التعبير، بلا قانون. - الناس همج، يصدقون كل ما يقال لهم. -الفلسطينيون هم من باعوا قضيتهم. -العنف مدان، هناك قانون دولي خلنا نسمع كلام أمم الفيتو العادلة المتحدة. مستورد للمواقف، غير منتج لها، نظريته النقدية ساكنة، لا تتفاعل مع المحيط، يسكنه حلم الهرب، والفلات من كل هذا لكي يتمكن من الذهاب إلى مكان يليق به، لا يفكر أن يؤسس للأجيال القادمة أي شيء، وأما مجتمعه ليس أكثر من [الجهلة] الذين لا يفهمون، كلهم، بقضهم، وقضيضهم، بعاقلهم، ومجنونهم، بمتحمسهم، وبمنهزمهم، كلهم [النمونة] نفسها، أما عزيزنا خبير الاستيراد العاجز عن التصدير فيقف موقفه الحائر، ويشعر بكل الأسى والتناقض والتمزق. قضية فلسطين قضية عويصة، ولن تخلو من النموذج المضاد، المتشنج، المتطرف، الباحث عن الدموية من أجل الدموية، لكنها أيضا لم تسلم من الــ[بنك بانثر] الوردي، المترف، عبد الوفرة، وعبد البنك الدولي، وعبد أمم الفيتو المتحدة العادلة، قضية صعبة بمعنى الكلمة ولا يلام من يحار في فهمها. استيراد مرجعية غربية ليس خطأ بالضرورة، ثمَّة ما في الغرب من بطولات، ونصرة للمظلوم، وصوت عالٍ، قد لا يصل لقوة الصهاينة، وتمكنهم وتغلبهم وانتشارهم الفيروسي في أوصال مؤسسات سياسية مؤثرة. ليس خطأ، لكنه ليس صوابا، لأنَّه يجعل الواضح غامضا، ويرهق النفس في حسرات لا داعي لها. تغيرت معادلات الزمان، وهذا الجيل الذي وُصمَ بجيل الطفرة التقنية يثبت اليوم الكثيرة لنخبٍ استمرأت طعم الهزيمة حتى ظننته حتميا، وإذا بالله يمكرُ بالجميع! بالغافل، والجاهل، أمهل ولم يهمل، وفي اللحظة الكبيرة التي كانت يمكن لدولة احتلال أن تحلم بها! شاءت المقاومة أن تضع بصمتها الواضحة: شعب فلسطين، ليس للبيع، ليس للتفاوض، ليس للمساومة، إما الوطن، أو الموت! فليستيقظ الخواجة العربي، وليراجع موقفه، وليعترف لنفسه على الأقل: شعبٌ يناضل لاستعادة أرضٍ سرقت منه. سُجن بتواطئ دولي، والثقافة، والأكاديميا، والإعلام، وهوليود كلها تقف ضده، وفوق ذلك، يختار الخواجة العربي [عالمجيَّته] ليدين، ويشجب، ويندد حاله حال أي منساق يحتقره في خضم فردانيته السامية، والعالية، فلسيتيقظ خواجات العرب من غفوتهم. لو لم تنتصر المقاومة في شيء غير إحياء الأمل، لكفاها!