بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 29 أكتوبر 2021

غوص حر

 أعاني في هذه الحياة من طبيعتين، الأولى قاسية، شرسة، وحقودة وغضوبة وتدفعني لرد الأذى بأضعافه. والثانية حمقاء، بها قدر كبير من "الهبل" والعباطة، وتسبب لي الحرج. تعمت مع السنوات كيف أتعامل مع الحالين.

 مؤسف جدا أن تتعرض للتهكم، أو الهزء من شخص لا يعرفك فقط لأنك عبيط نوعا ما!
دفعتني الطبيعة الأولى إلى الشك، والحذر وتوقَّع الأسوأ من الجميع، وسببت لي الطبيعة الثانية إلى مواقف غبيّة سببت لي الحرج. قضيت سنوات في محاولة تغيير ذلك، لم أستطع، ما هو أنت هو أنت ببساطة، لذلك قررت التعايش مع الموضوع واختيار المحيط الذي أكون فيه بحذر شديد وبما يناسب مشكلاتي هذه!
مع السنوات وتراكم الأخطاء اتخذت قراراتي وأوَّلها الابتعاد عن كل إنسان سام يغتالك معنويا ويحطّمك من الداخل ويسامعك بمآسيك، نجحت هذه الطريقة مع الوقت وبدأت أعيش صفاء في صداقاتي، كُل كائنٍ متوتر مكهرب يحب تسميم الآخرين أبتعد عنه وإن دخل مساحتي أعامله بعدوانية حتى يكف نفسه.
بقيت الطبيعة الثانية، الهذونية النزقة عانيت منها الأمرين حتى وجدت الحلَّ، وهو الاختيار الصارمُ لمن أكون معه على عفويتي [وهبالتي] الفطرية، تعلمت تجنب الغرباء وأسعى بكل جهدي للبقاء في هذا المحيط. صرت أفهم السخرية، والهزء وأتخذ اختياراتي بصرامة، الذي يهزأ بي أبتعد عنه وأهجره مليا.
وهي عملية مستمرة. أعلمُ أنني كائن نزق تصرفاته قد تثير السخرية، لكنني لم أعد أتقبل مطلقا أن يقتحمَ أحدٌ مساحتي بتقيؤاته وأحكامه، اتخذ أحكامك تجاهي كما تشاء، لكنني لن أعتبره حقا من حقوقك أن أصغي لك، أو أن أعتبر ما تفعله [رأي] .. بنيت دفاعاتٍ كافية لأقول للغريب: كفَّ نفسك.
ووصلت في هذه الدنيا لخلاصه، تكون أهبل ولا تكون غبي! هذا أحسن شيء. أعلم أنني غريب الأطوار لكنني أعيش حياتي بقانون بسيط، لا أريد أن أكون ظالما أو مظلوما. ينزعج مني كثيرون ولا سيما هؤلاء الذين يظنون أن التعالي على الناس [والرزَّة] تعني الجمود أو الوقاحة. هذا حقهم، وحقي هجرهم.
تعلمت مع السنوات أن لكل مقام مقال، في الإعلام والظهور العام وفي منابر الآخرين أكون جادا على مضض، وأمضغ الوقت بحذر شديد وقلق، وعندما تحين لحظة الأصدقاء أطلق العنان لكل نزقي .. تعلمت ألا أطأ ساحة الآخرين بالسخرية، وأن أمزح مع الصديق الذي يتقبل ذلك. وبالتدريج أتعلم تقليم هذونتي.
ليس مؤسفا أن يستخفَّ بك إنسان، أو أن يكون لديه حكم صارم تجاهك، هذا حقَّه. المؤسف أن تحترم إنسانا تظنُّه يحترم خياراتك وإذا به في النهاية أحد هؤلاء الذين يسخرون منك. القبيح حقا عندما يعاملك تظنَّه صديقا، ولطيف معك أمامك فقط، وعندما يجد الجد يفوح ما في فؤاده تجاهك وتعرف أنك أحمق!
وأعلم أنني أتعرض للسخرية، وأن كثيرين يهزأون بي وربما يشتمونني بالشتائم ذاتها التي أطلقتها بحماسة رعناء ضد نفسي. جلد الذات نداء ضمير وله ضرائبه. الذي لم أعد أتساهل معه هو ذلك السمج البغيض الذي يظن أنه من حقه أن أسمعه وأن أقبله في مساحتي. هُنا أعامل القبح بقبح أشد للأسف.
قضيت سنوات وسنوات واختياري لمن حولي كان مبنيا على تشابه العيوب، جانبي القبيح الذي يشبه جانبهم القبيح. كنت أتحمَّل التسميم والسخرية من من؟ من هؤلاء الذين أسميتهم أصدقاء! لكل إنسان طاقة احتمال، وأعترف أنني كنت غبيا في اختيارت كثيرة، منها قبول التسميم للحفاظ على هذه الصداقات.
قاسٍ جدا ذلك الشعور عندما تشعر أنك "أحمق" تلك الفورة العاطفية من اللطف والشعور أن العالم بخير، أن تحترم إنسانا وتظنُّ أن ذلك الاحترام متبادل، صفعة شديدة على النفس عندما يظنَّك [لوح] .. وأنَّه سبب تجريحه لك هو أنَّ كثيرين يجرّحونك، هُنا تعلمت أن أبتعد، وأهجر، وأنسى القائل والمقول.
لم أعش حياة لطيفة أو سهلة،عشر سنواتٍ من حياتي كانت تلف وتدور حول كابوس خسارة الأمل والذات والرغبة في الحياة الاجتماعية، كم أشقاني أن أصدقاءَ لي تعاملوا مع هذه الحقيقة كأمر واقع، حد تبرير تصرفاتهم تجاهي، لماذا تفعل ذلك؟ لأنَّ أملك مقطوع في حياة اجتماعية، أنت مجنون ومريض، تقبل ذلك!
"لقد احترقت" .. "ليس لك أمل في الحياة" .. "سمعتك سيئة" .. أنت كرت محروق، وغيرها من الإسقاطات التي يظنُّ البعض أن القوانين التي وضعها لنفسه تنطبق على الجَميع. المريض نفسيا، والعاقل والمجنون كلهم يحتاجون لحياة اجتماعية، وأصدقاء، وبدونهم قد تفتك بك أمراض النفس حتى تخسر نفسك كليا.
وحياتي هذه الغريبة الواضحة المعقدة، ألتقي بصديق في الخوض أسلَّم عليه، معه شخص قبيح الهيأة، يقطرُ قماءة يقول لي بجانب صديقه: - طلعت تعرف هذا السبال! أرمقه بنظرة غضب وأتوفز للمواجهة. يسحبني صديقه عن المواجهة ويكمل: - بعده ما يعجبه! عجب حالموه متسبّل ومقاطعك في كل مكان! وحدث الصدام
يشهد الله أنني أمقت جانبي القبيح، ما أقبحه! والتصالح مع الذات لا يعني أن تقبل قبحك كأنه حق من حقوقك. وكم أكره الحياة عندما أوضع في موقف أضطر فيه لرد القبح بالقبح، يؤسفني أنني أفعل ذلك، وأبالغ في ردة الفعل، ولا أعبأ بالخسارات، الذي يؤذيني أؤذيه ولو بعد حين. للأسف الشديد.
وموقف آخر في لقاء مع أصدقاء، يقول أحدهم بصدق تام: كنت أتابعه في فترة ما، كان قذرا! النظرات ترمقني وأنا صامت. لم أغضب وقلت له بهدوء: كلانا يحتقر ذلك الشخص، أمنيتي في هذه الحياة أنني لم أعد ذلك الإنسان. نعم، إنني أحتقر كل تصرف قبيح صدر مني، لكنني لا أعتبره نهائيا، وأؤمن بالتغيير.
لم أعد مجنونا وأحاول تغيير طبائعي، هذا صعب للغاية، صرت أنتبه لتصرفاتي وسلوكي وهذا ما بذلت سنوات متعبة لتغييره، تقبل حقيقة أنَّك مجرَّد بقايا إنسان وأن صورتك الاجتماعية المتناقضة والمحاط بها تأويلات كثيرة مأساة يجب تقبلها هذا هو الغباء. لكل إنسان حق في الحياة مهما كان عبيطا!
وكم أحب الأنقياء، هؤلاء الطيبين الذين يتعاملون مع الآخرين بسماحة. كم أتمنى أن أكون من هؤلاء الذين يسامحون، أصمت لكنني أتراكمُ من الداخل، وأعرف نفسي جيدا، ولذلك صرت لا أترك مجالا لهذا التراكم، إما صدام يوقفه أو ابتعاد يعطّل ذلك القريب اللئيم الذي يمقتك ويبتسم لك ابتسامة صفراء.
وهذه هي الحياة، لن تخلو من الأكدار. نصيب المرء أن يجد توازنا يعيش فيه ويتعايش به. لست يائسا، لست شاطحا في الأمل، كلما أتذكر أنني مع عائلتي، وتصالحت مع والدي، وأنني عدت لوطني وفتحت صفحة جديدة أقول لنفسي: اشكر نعم الله عليك يا معاوية. جزاك الله كل الخير أيها السلطان هيثم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.