بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 ديسمبر 2021

لتتذكر ما قد تنساه

 الخامسة فجراً، نشاط ذهني مرعب، أتحدث بلا توقف، ألعب شطرنج، وأتمرن جيتار، وأسهر، وأكتب ملفات طويلة عريضة كلها ثرثرات، وسخافات أشعر أنها قيّمة ومهمة، أعلم من تجربتي وذاكرتي أن رأيي سيتغير تجاهها، لكنني أشعر بالعكس، حتى هذه التغريدة، أشعر أنَّها عظيمة وفارقة وأعلم أنها ليست كذلك!

أشعرُ بمشاعر صافية، بالنرجسية، وبالأهمية، وبالوهمِ المبالغ فيه بأنني الشاعر، الكاتب، المؤثر في المجتمع، وقيد الأرض زمانه، أشعر بذلك وأعلم أنني لست كذلك. وكأنني الظل الذي يصف صاحبه هذا ما أشعر به، أما ما أعلمه فهو كالذي يصف ظلَّه، تناقض عجيب بين وجودين أحدهما وهم حقيقي.
أعلمُ هذه الغيمة وما بها من بروق، وضوء لامع مؤقت، وأشعر بعكس ما أعلمه، وكأن خبرتي مع دماغي تتفاوض مع شعوري اللحظي. أشعر في هذه اللحظة أنني أفهم كل شيء، وأي شيء، وأنني مستعدٌ للوقوع في أي وهم يعزز هذه النشوة، وأن الحياة مشوار سعيد، أشعر بالسعادة، ولا أشعر بالخوف من شيء. مطلقا!
تمارين الحضور الذهني تقبع في زاوية شاحبة من كياني المتفاعل مع ذاتِه، بماذا أشعر؟ بالنيرفانا، النرجسية، بالتحقق، بكل ما هو ليس أكثر من شعور، من لحظة مطوَّلة تمطط نفسها، حتى الكتابة الآن تلعب معي هذا الدور، وكأنها تقودنا لتصديق ذلك، أنني ما أشعر به! الموجة تتجاوز الشاطئ، وتتمدد!
لا أريد النوم، كل نداءات العالم الغامضة، والمتسربة من مياه النفس الصافية والعفنة تقول لي لا تنم، واصل للغد، هذا النشاط سوف يصبح أكبر، ولن تكون مرهقا، ستنال نصيبا من الشعور بالمجد، والقوة، والاستحقاق، ستدخل حالةً أخرى، لا تنم. هذا ما أشعرُ به، هل هذا ما أخطط له؟ هل هذا ما أريده؟
شربت الكثير من القهوة، عقلي يشتعل نشاطا، تركيزي في الشطرنج يرتفع، نسبة الدقة كما يقول لي الموقع [80] وهي لا تتجاوز [60]، كُلها وسائل خداع للذات، كلها تحمل الفخ نفسه، يجب أن أفكر، يجب أن أفكر بوضوح، أنت تعلم الذي يحدث، وربما تسمح له بالحدوث، تذكر تمارين الحضور الذهني وركِّز.
ما الذي تحمله هذه الموجة؟ الذي تشعر به؟ ما الذي تشعر به؟ أنت تصنع مبررات، تقنع نفسك أنَّك "تستحق" هذا الشعور غير الدقيق، حتى وأنت تكتب هذه الحروف، تظن بها الكثير، من الأدب، وهي ذاتية، مفرطة في الذاتية، أنت تحاول إقناع نفسك باستحقاق لذاتية أخرى، ما الفرق بين الواقعي والمنطقي؟
لقد حدثَ لك هذا عشرات المرَّات، كل شيء يحملك إلى لحظةٍ عشتَها مرارا وتكرارا، تحاولُ حتى وأنت تحاول فهم نفسك تحاول التمهيد إلى لحظة الأنا، ماذا ستفعل يا ماريو؟ كتابة مئات التغريدات؟ في عشر ساعات كلها لتقنع نفسك أولا أنك مهم؟ وفارق، وعملاق، وقوي؟ ماذا تريد، هل هذا الذي تريد فعله؟
القهوة! عاملٌ أوَّل، اليوم الثالث من السهر حتى الفجر! عاملٌ ثانٍ، ثمَّة ما يوقفك عن تحويل نفسك إلى المدح المبالغ للذات، لحظة [فكأن زجر غويها إغراؤها!] .. يال هذه اللحظة المتشظية! هل أنت تفعل ما تريد فعله! بحجة أنَّك لا تريد فعله؟ هل لهذا تكتب للغرباء كل ذلك؟ ما الواقعي والمنطقي؟
اللوم إغراءُ!هل هذه الحيلة التي ترسمها على نفسك؟ ما الذي تفعله بالضبط؟ لماذا هذا الغياب؟ كيف يمكنك أن تنام؟ المنوم لا يعمل؟ وأنت تضيف الإسبرسو وراء الإسبرسو؟ كيف سيعمل المنوم؟ أنت تتعمد كل ذلك، ربما تريده، لماذا أقول [ربما] .. هذا ما تريده، هذا ما أريده، هذا ما أردناه؟ هذا! خطر!
عُد للكتابة، توقف عن الكلام. اكتب ما سينفعك غدا، ما الذي تشعرُ به؟ تشعرُ بالأهميَّة، الأنا تلعب بك من يمين ويسار، تشعرُ بالاستحقاق الكبير، تهنئ نفسك أنك أنت أنت! هذا ليس واقعيا، لكنه منطقي الآن، هذا ما تشعرُ به، تريد أن تستمر بالشعور به، تريده أن يستمر، تريد أن يصبح حقيقيا!
ما هو الحقيقي؟ كن حاضرا، عش حقيقة اللحظة، اكتب لتفهم. أنت تعرف هذا الشبح جيدا، كن بارعاً [انتبه! انتبه!] كن منهجياً [جيد هكذا استمر] لقد عرفنا صفة العدو، [لا تذهب لجلد الذات] حسناً لقد عرفنا صفة الخطر [لا تبالغ] لقد عرفنا صفةَ اللحظة [وصف شعري]. لقد انتبهتُ إلى سلوك سابق! [جيد!]
حلول عملية [توقف عن شرب القهوة] .. حلول عملية [يجب أن تترك تويتر] .. حلول عملية [يجب أن تنام] .. مضاد الاكتئاب! والقهوة والسهر! [هذه الأسباب، أين الحلول؟] .. أنت تكتب، افعل ما تجيده، صف بدقة، التفاوض ليس حلا، ساعة أبل تقول لك ضربات قلبك مرتفعة، هذا يعني شيئا ما! انتبه!
بدأ بعض الغرباء بالسخرية منك، هذه إشارةٌ أولى. دع عنك الآخر، لا تفكر به، ولا بأثره. تنفس، خفف ضربات قلبك، 140، تذكر ذلك غدا! لا تواصل حتى الغد [قرار جيد] .. نم حتى تقوم مرهقا، أوووووه، اذهب للمشي، قم بالمشي، الرياضة! هل تذكرتَ الآن الحل! اذهب للمشي! توقف عن الكتابة!
اذهب للمشي، هذا الحل، لم يحدث شيء، لا داعي لكل هذا القلق، هذه موجة، أخرى، لا داعي لجلد الذات لتعكس هذا الشعور، لا تجعل من نفسك أضحوكة، حاول المبالاة، اذهب للمشي، أنت تعلم الذي لا تشعر به الآن، هذا ليس جديدا عليك، امش عشرين دقيقة، فقط، كل هذا سيزول، إنها فورة قهوة، وسهر، وقلق.
لا تذهب للجيتار، لذة عزفك حقيقية، لكنها ليست واقعية، الحقيقة ليست واقعية بالمرة، حقيقتك على الأقل، الحقيقة التي تشعرُ بها. هذه الحروف تطربك، تشعرُ أنك تجترح معجزة، لماذا لا تتوقف عن الكتابة؟ إنها لذةٌ [راقب ما يحدث] لقد عدت للتبرير، وكأنك تكتب للمرة الأولى، هذا حقيقي، ليس واقعيا!
ضربات قلبك ترتفع، لا تخلع الساعة أيها الغبي، [لا تجلد ذاتك!] طيِّب لا تخلع الساعة، لعلها نوبة قلق، كل شيء على ما يرام، توقف عن الكتابة، اذهب للمشي، ستشعر بالانتصار على نفسك، وكل هذا سيتلاشى، اذهب للمشي، اذهب للمشي، هذه لحظة طويلة، حدثت مئات المرات، تنفس، واذهب للمشي. اذهب للمشي.
أنت تبالغ، تبالغ كثيرا، تضخم شيئا صغيرا. توقف عن الكتابة، ستضحك لاحقا من كل هذا القلق، والحذر، والقراءة المستفيضة للحظة من القهوة، أنت تحلل كل هذا العادي باستماتة، تريد جعله تاريخيا، وفارقا، ستضحك غدا من كل هذا، اترك لوحة المفاتيح، وتوقف عن تضخيم العادي. اذهب للمشي، ونمْ.
والآن تشعرُ أنك اجترحت الفادح! قطارٌ بلا مكابح [ألا تلاحظ لقد بدأ السجع] .. تنفس من أنفك .. واهدأ .. الطنين ليس مفزعا، كل شيء له حل! اسمع سورة الرحمن!

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

واحة

 

 

 

 

أمضي مع الدنيا، أسافر غارقا

خافت جموعُ الهاربين نحيبي

دمعي بحارٌ، والسماءُ قصيدتي

والحبُّ يأسرني بغير حبيبِ

أحتارُ في لونِ الضياع، فألتقي

بالنورِ في قلبي بلا تثريبِ

وأغيبُ في المعنى، أغادر من دمي

نحوي، كظلٍّ في رداءِ غريبِ

وأحبُّ بُستانَ التُرابِ، وأنتمي

للخُضرةِ الغنَّاءِ والتشذيبِ

فأغيّرُ الأشجارَ ثُمُّ أضمُّها

في جملةٍ أولى بلا ترتيبِ

وأهابُ أزهار الزمانِ فعطرها

شوكي، وعمري، والجنون طبيبي

وتمرُّ أيامي الجهولُ بواحةٍ

غنَّاء تُسقى من شواظِ لهيبِ

هي جنَّةٌ إن شئتَ، بعضُ قصيدةٍ

في الراحةِ العمياء والتعذيبِ

إن عشتَ حُبَّا فالحياة جميلة

أيامُها سِوَرٌ بلا ترتيب

أو خبْتَ شرَّا فالصدورُ غوايةٌ

مذ كان شرُّ النفسِ في التأليبِ

 

معاوية الرواحي