بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 فبراير 2022

هلع وأسئلة ..

 وقت الكتابة. ومعرض الكتاب يطيّش عقلي بمعنى الكلمة. هذا الشحن العاطفي، والإرهاق الجسدي، والسعي المتواصل، والجهد الكبير، واللقاء مع الأصدقاء، والزحام، والتشتت، والتشعفط، وكل القلق، والشعور الهائل بتعويض فقدان حياة وعُمر ذهبَ في الخواء، والتعاسة، والضياع، والشتات!

ويعود ويسألني الأصدقاء،لماذا تفعل هذا بنفسك يا معاوية؟ تذهب وتعتذر مرارا وتكرارا، لماذا تفعل ذلك بنفسك؟ لأنني [معذور]، هذا هو السبب، الكل يتخذ لي عذرا، إلا أنا! هذا الذي لا أقبله، يجب أن أعتذر، وأن أعيش تلك اللحظة القاسية على النفس، والشعور بالحرج. هذا يهذب النفس أكثر من الغفران.
وكل يوم أكتشف ضخامة القائمة، يا إلهي! أكثر بكثير مما أتوقع. المؤلم حقا هو اكتشافي أنني هاجمت بضراوة وشراسة إنسان من الأساس أحبه كثيرا، يااااه، مسكين يا حشر المنذري! أي مأساة أن تقضي أعواما من حياتك غاضبا، وغارقا في العصبية! الكل يقول لي: لا تفعل ذلك ولسبب ما أصر على فعله.
الأمر ليس نُبلا، ولا علاقة له بالنقاء، إنها آلية دفاع، وحماية. تحصينٌ سلوكي يغرس في الذاكرة الموقف الأخير، النهائي، ذلك الذي تشعر فيه بكل أنواع الأسى وأنت تعتذر لشخص لم يطلب اعتذارك، نزلت فيه بغضبٍ هادر فقط لأنه قال لك: الله يعيدك بالسلامة! تخيل!
لم يعد الأمر متعلقاً بمواضيع جلد الذات. إنه يتعلق بمواجهة الحقائق، واعتبارها ذاكرة حدثت. اليوم أشعر أنني أكثر تخففا من ذلك الأسى الشديد الذي عشتُه في اليوم الأوَّل. كدت أن أخدع نفسي، وأن أشعر بالصفاء، بل وربما بالطيبة حتى حدث ما لم أكن أتوقعه، واشتعل قلبي حقدا، ورغبة في الأذى.
هي نظرةٌ واحدةٌ فقط، وقعت على وجه كائن بعينِه، وانفلتت شياطين الحقد من عقالِها. وذلك الشعلة الضاحك في معرض الكتاب يعقد حاجبيه، وتدور في رأسه كل شياطين الاذى، والرغبة في الانتقام، والتدمير، وربما ما هو أكثر، ثانية واحدة كانت كافية لأعرف الخوف مجددا، خوفي من نفسي!
لم أعد هشا كما كنت، صرت أقاوم. واتخذت وسائل دفاعية متعددة ومنها الأصدقاء الذين لم يتركوا جانبي. مع ذلك، في تلك اللحظة من الحقد الشديد، والغضب الكامن، والرغبة في إيقاع الاذى استحضرت كل تمارين الحضور الذهني، وتذكرت أن أتنفس، وقررت أن أبتعد عن مكان ذلك الكائن الوضيع الغافل.
كانت ضربة كافية لتزيح عني ذلك الوهم الكبير، أنني صرت مثل كثيرين، طيبا، ولطيفا. والآن فقط أتساءَل، لماذا أقتص من نفسي؟ لماذا أصر على تلك الاعترافات المذلة والمهينة أمام إنسان أذيته، لماذا أفعل ذلك وهو لم يطلب مني ذلك، بل ويؤكد لي غفرانه، وأنه تجاوز كل ذلك! لماذا! لقد عرفت السبب!
إنها حيل النفس ومكائدها. كل ما أوقعه بنفسي من حرجٍ، ومن ألمٍ وأنا أعتذر للواحد تلو الآخر، سواء على تغريدة، أو اندلاعٍ هائلٍ في وجهه فقط لأنه قال لي[الله يعيدك عمان سالما!] كان تعزيزا لمفهوم [عدم المسامحة]. لا أسامح نفسي، لأنني لم أسامح غيري. لأنني ما زلت أحقد عليه، وأمقته كثيرا!
شعرتُ بالذعر الشديد، وفهمت سر ارتباكي النفسي، واضطرابي الكبير. وبينما يحيط بي الحب، وأرفلُ في نعم الله، تنفلت شياطين نفسي من عقالها، ويأخذني عقلي إلى خيالاتٍ بعضها يصل إلى العنف الجسدي، والاشتباك، وما هو أقسى من ذلك. حالة مفزعة من الحقد الشديد، والغضب المكبوت، والغل بكل معانيه!
كان يفترض أن أكون سعيدا، أن أحتفلَ بالأشياء الجميلة التي حدثت اليوم. لقائي في إذاعة مسقط أف أم، نجاح مبادرة الطلاب، خمسمائة كتاب تقريبا، الاحتفاء برواية مائة عام من العزلة، وجهٌ واحدٌ كان يكفي لأشعرَ بكل أحقادي الماضية، وبكل رغباتي الدفينة في إيذاء أحدهم أبلغ الأذى وأقساه.
وأخيرا فهمت السر، وعرفتُ لماذا أفعل ما أفعله. أرفض كل من يمنحني عذرا، لأنني أرفض أن أمنح عذرا. وهما ثلاثة أشخاص فقط، اثنان منهما أراهما دائما، وواحد منهما رأيته مرة واحدة. أولئك الذين تركوا أذى مزمنا لا يبرأ، حيث لا قدرة لي على الغفران، ولا ينتصر في نفسي سوى الحقد والكراهية.
وهو شعور مؤذ بمعنى الكلمة. الرغبة في الانتقام، بعد الانتقام! ألا تكون قد اكتفيت من إيذاء إنسان أذاك. شعور مؤذ بمعنى الكلمة، ويكشفُ لي أن المشوار بعيد، وأن الشفاء ليس قريبا، وأن اللطف واجب اجتماعي، أما العفو، والصفح، والحلم، فهي قرارات وجودية لا تأتي بضغطة زر.
وليس بيدي سوى أن أدعو الله أن ينتقم لي ممن أذاني، وأن يحميني من نفسي، وألا يبطرني نعمةً أنعمها علي. اللهم إني أشكو إليك تعبي وقلة حيلتي، اللهم إني أشكو إليك سوء نفسي، وحر قلبي، وظمأ جوارحي للأذى، وللانتقام. اللهم إني أشكو إليك نفسي، فقني من شرها، والهمني تقواها.
اللهم إني أعوذ بك من البطر، ومن العمى عن النعمة. اللهم لا تبطرني ما أنعمت علي به، والهمني العفو، وأن أعفو. وقني شر أحقادي، وسوء أفكاري، وسجنَ ذاكرتي. اللهم إني لاجئ إليك، متوكل عليك، احمني اللهم من نفسي، ومن شرورها، ومن شهوة أوزارها، ومن كيد الحاسدين، ونشوة الحاقدين.
وبعد سبع سنوات من الغياب عن هذه اللحظة، كم كان صادما أن يفسدها وجه واحد، ذلك الوجه القبيح المسكون بأقنعة الغفلة. كيف للحقد أن يحرم صاحبه من فرحةِ ما يستحقه، ومن الهناءة بالذي يصبو إليه! وجهٌ واحد كان كافيا لأبحث عن أقرب حافة حادة. لأخاف من نفسي مجددا!
وكنت قد صدقت لفترة، أنني صرت طيبا، بل وصدقت أنني أصبحت طبيعيا! بعض الدروس تأتي من الذاكرة، وبعضها يأتي من الأحداث، تلك الصدف التي تثبت لك جاهزيتك للغضب، واستعدادك للكراهية. لحظة واحدة تكفي لتتذكر من أنت، وما أنت عليه، وما صرت إليه، وما تخاف أن تكونه! لحظة واحدة فقط!
وهذه الحياة! عذاباتي التي أعيشها، والتي أقبلها. آلامي التي وزعتها بكرمٍ على من سببها ولم يسببها، وشقائي المستمر، وحربي التي لا تتوقف، وأسئلتي الحادة التي تقطعني من الداخل. هذه الحياة! كلُّ ما هربتُ منه، وما هربت إليه. هذه الحياة! كل ما لا أفهمه .. ولا أريد فهمه! ولا أحاول فهمه!

باكر قررت أعيش اللحظة في معرض الكتاب. أمر على دور النشر، وانتقاء بعض الكتب الجديدة المغرية بالاقتناء. وأذهب إلى مقابلتي في مسقط أف أم بروح قضاء وقت ممتع، وأن أزيح عن ذهني الشعور المقلق بقهرية الإنتاج، وفعل شيء ما، واستغلال كل ثانية كأن الدنيا ستطير لو لم أفعل ذلك ..
مليار مرة أسأل نفسي، لماذا لا أستمتع بالحياة؟ هل هي عقدة الفشل؟ أو الشعور بعدم التحقق؟ هل أعوض عن ذلك العمر الذي ضاع في المخدرات؟ والغياب، والغضب؟ وعقاقير الهلوسة، وكل المؤثرات العقلية؟ هل هو شعور بالطمأنينة، وأنني أريد [أشتغل]، وأنجز شيئا، وأفعل شيئا؟ هل هو قلق الخوف من الحياة؟
هل هو الأثر المزمن لاضطرابي النفسي؟ وما تلا ذلك من أعوامٍ من الغضب، والقلق، والانفصال عن الواقع، والشك في كل شيء، وعدم الاطمئنان لكل شخص. رحمني الله بالأصدقاء الذين اختبرتهم ظروفُ الحياة. أنعم الله علي بما أستقبحُ عدم شكره، وعدم الوفاء له، وعدم احترام حدوثه. لماذا أفعل ما أفعله؟
وما الذي يجعلني قلقا، دائما! لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ هذا القلق الذي لا يزول، لماذا أنا نزق، وثرثار، ولا أسكت، لماذا أنطلق محبا، وأكرُّ محبا، وأفر مشتاقا؟ وفي الوقت نفسه لماذا أنا أنا؟ بأحقادي، ومشاكلي، وغضبي، وحيرتي، وغيابي عن نفسي، وعيشي للحياة وكأنها لحظة شعرية!
ولماذا أتحمل كل هذا الضغط؟ وهذا الإرهاق المتواصل؟ وقلة النوم؟ والسعي بلا توقف في كل شيء، وأي شيء؟ لماذا أحب الجميع؟ وأشعر بالألفة مع أي إنسان؟ وفي الوقت نفسه لماذا أخاف من البشر؟ وأخاف من الثقة في الناس؟ وأقلق حتى من الذين يريدون لي خيرا؟ لماذا لماذا؟
ولماذا يجب أن أقلق؟ ألا يعلم الجميع أنني أحمق؟ وأجيب العيد؟ وأثرثر كثيرا؟ وأقول كلاما يحرجني؟ ولدي اعترافات علنية مهولة، ولم تخرج من الذاكرة؟ ولدي ما يكفي متناثرا في أرجاء الإنترنت ما يكفي لإحراج أمَّة كاملة! لماذا يجب أن أقلق؟ لماذا؟ لماذا يجب أن أعبأ؟ لماذا يجب أن أتوتر؟
ولماذا الجميع يعرف متى يطمئن لي؟ ومتى يبتعد عني؟ ولماذا الجميع يعرف نقاط ضعفي، وقوتي، ويعلم أين أنا جيد، وأين أنا قبيح؟ لماذا يجب أن أقلق، وكل شيء واضح، ومكشوف، ومعلوم، وسهل الفهم، وبيّن لأبسط إنسان، لماذا يجب أن أوضح؟ لماذا يجب أن أعترف دائما، لماذا؟ لماذا؟ يجب أن أكتب بلا توقف؟
وماذا أريد من الحياة أكثر؟ ألم أرد الطمأنينة؟ ألم أريد حياةً في بلادي، بدون أذى، وحروب سياسية، ومواجهات مع النظام، والدين، والناس، والأفراد، والعقول، والأسماء المستعارة؟ لماذا؟ كل هذا؟ لماذا؟ ماذا عساه أن يريد إنسان أكثر من الطمأنينة؟ وأن يجنب نفسه الضرر؟ وأن يعيش في صفاء؟
ولماذا؟ هل هو تراكم الألم؟ والخذلان؟ لماذا لا أشعر بالسعادة وحسب؟ ولماذا أشعر بالخوف، وبالذنب. يحتفي بي محبون لا أعلم ماذا فعلت في الحياة حتى يرزقني الله حبهم؟ لماذا أشعر أنني لا أستحق كل هذا؟ وكأنني يجب أن أخاف من يحسدني، وكأنه يجب أن أرضيه، وأن أقول له: لا أشعر بكل هذه النعمة؟
ونعم يا ماريو، هذه ردة فعل قذرة أمام نعم الله عليك، أن تشكر راجيا لا خائفا، أن تحس بكل هذا لا أن تفكر به. لست في حرب، لست في معركة، لست ملاحقا، لست سجينا، لستَ منبوذا اجتماعيا، لستَ كثيرا مما كنت عليه؟ لماذا تشعر أنك في قلب خطاياك، وأخطائك؟ لماذا تشعر أنك تخطئ وأنت لا تفعل؟
وما الذي أنت خائف منه؟ ألست مؤمنا؟ ألا تعرف أن أقدار الله حادثة؟ ألا تحيط بك العائلة؟ والأصدقاء؟ ألم تعد لبلادك؟ لماذا الآن تشعر أنك شريد وطريد؟ لماذا كل هذا الخوف؟ والقلق؟ لماذا تشعر أنك مُلاحق؟ ومتحفظ عليك؟ وكل هذا مجرد وهم في ذهنك؟ لماذا لا تعيش الحقيقة أيها البائس؟
لماذا تشعر بالغربة؟ لستَ في غربة! أنت بخير، وتمارس عملك الإعلامي، وتشتغلُ في مجالٍ تحبه، في الثقافة، والدراجات، ومبادرات جيدة. ما السيء في كل الذي تفعله؟ لماذا أنت خائف؟ من ماذا تخاف؟ من زوال النعمة؟ أم من الحاسد الذي يتربص بك؟ أم من الكائد الذي يتمنى سقوطك، وانهيارك؟
هل تعرف لماذا يا ماريو؟ لأنك تعرف لماذا تكره، ومن تكره، لكنك حتى هذه اللحظة لا تعرف لماذا تحب؟ لأنك شاعر أيها الأحمق الكبير، لأنك لست سيئا كما تظن، ولست جيدا كما تتمنى. لأنك أنت أنت، بكل حماقتك، وهذيانك، وجنونك، وخوفك الكبير من أن تصدق وهما، أنك أكثر مما أنت عليه.
وهذا آخر عهدك بهذه المناسبة الكبيرة في قلبك. كنتَ ذاهبا لشراء الشمع الخام، هذا آخر عهدك بحياتك السابقة! ثم ماذا حدث! سبع سنوات! تخيل، سبع سنوات! وأنت في حياةٍ أخرى، مرَّت عليك وكأنها أسبوع في خندقٍ من الجمر. حياة فاتت، وبداية جديدة، ومع ذلك أنت هلوع، وخائف. ومتوتر!
وهل هذا سبب مشاكلك؟ هل لهذا السبب كنت تشن هجمات كاميكازية على النظام، والدين؟ والمجتمع؟ وكل شيء؟ هل تريد أن تصنع كل أشكال الخوف لتتجنب الخوف الكبير، هذا الذي تشعر به الآن؟ الخوف من نفسك؟ ألهذه الدرجة أنت خائف؟ هل كل ذلك ان تعويضا؟ شيئا يلهيك عن خوفك الأكبر؟ هل حقا هذا ما كان؟
كنت أقل قلقا! عندما كنت منبوذا كالكلب الأجرب! يحبك من يحبك سرا ولا يبوح بذلك، ويكرهك من يكرهك جهرا ولا يخجل من ذلك؟ ورحلتَ وهاجرتَ وعدتَ، هل لأنه لم يُغدر بك؟ هل أنت حقا قلق؟ لأنك لست مُلاحقا؟ لأنك لست مكروها؟ لأنك لستَ تعيسا؟ لأنك لست في كارثة؟ لأنك صرت تعبأ؟ وتخاف على نفسك؟
وما هذه الحياة؟ العجيبة؟ غير المتوقعة؟ المأهولة بالغرائب! لعله ضغط معرض الكتاب، وإرهاق الزحام، وربما كل ذلك مجتمعا. كن غبيا كما تحب، وكما تشاء، كن ذلك [الأهبل] الذي تريد أن تكونه. هرّج كما تحب .. لا تؤذ نفسك .. ولا تؤذ غيرك. ودافع عن نفسك إن اضطررت. وعش إن استطعت وغيب نام!

الأربعاء، 16 فبراير 2022

سرب من الدراجات

 لا وقتَ للكتابة، أيامٌ متتالية مُرهقة، عمل لا يتوقف، وتكوين لفريق من شركاء العمل. كان اللقاء اليوم مع نادي الدراجات النارية مكافاة لكل ذلك التعب. صرت أمقت السيارات أكثر وأكثر، ولكنني صرتُ أرى الشارعَ بعقل جديد، وعيونٍ تختلفُ عن سائق السيارة الغافلِ الذي كنتُه قبل قيادة الدراجة.

في الاتحاد قوَّة، هذه خلاصةُ فهمي لهواية لا توصف إلا بالخطرة، ولا سيما في شوارع عُمان، كيف لك أن تقود دراجة، في عالم الواتساب، وسناب شات، والرد على المكالمات، بل وربما كتابة الرسائل؟ كيف لك أن تكون قائد دراجة نارية في هذا الكوكب المليء بالسيارات، والهواتف النقالة؟
الانضمام إلى نادٍ يختلف جذريا عن ممارسة هوايتك فرداً. وأنت فرد، تتعلم بنفسك، بشكل بطيء، لا أقران يحمّسونك، ولا أصحاب سبقٍ خبرةً يرشدونك. ينطبق ذلك على الشطرنج، والموسيقى وأي شيء. كما يقولون، في الاتحاد قوَّة وهذا ما تعلمته اليوم في أوَّل مرة أقود فيها دراجتي النارية في سرب جماعي.
كان قلبي يخفقُ بشدة. كتفي المكسور الذي تهشم بسبب حادث دراجة هوائية يوسوس لي ويقول: خَفْ. وعقلي الذي يطحنُ القلقُ أفكارَه يقول لي: امسك الشوارع الجانبية، هذا هو الشارع العام! جسدك سيكون بسرعة مائة كيلومتر في الساعة وأكثر! هل تعلم ماذا تعني هذه المجازفة؟ خَفْ يا ماريو، خَفْ.
سربٌ من الدراجات النارية، يتجاوزُ عدده العشر دراجات، الهارلي، والجناح الذهبي [الجولد ونج]، وأنا بدراجتي الأفنجر، صاحب أفخم دراجة في السرب، وصاحب أقل خبرة منهم! يالها من مفارقة. أن يكون لديك أفنجر خرافية، وأن تكون المبتدئ مع كل هؤلاء! إنها الثلاثاء، ليلة عمان بايكرز.
وصلتُ لموقع اللقاء. أقود بحذر شديد، أترك مساحة أمان، وأراقب السيارات. أعتبر كل سيارة حولي شخصا غير منتبه، أعتبر كل من في الشارع متهورا. أمقت السيارات، وغرورها، واستحقاقها الكاذب الكذوب وكأن الشارع لها وحدها. أمقت كل من يدخل بسيارته على دراجة [ويغصبُ] المسار رغما عن أنف غيره!
صرتُ أقود لوحدي، في الشوارع العامة، وفي الخط السريع ولكنني اليوم كنت على موعد مع تجربة جديدة، القيادة في سربٍ جماعي! أي خوف كنت أعيشُه. الخوف أن أعترف أنني خائف، والخوف من الحرج. معي دراجون خبرة بعضهم تفوق الثلاثين سنة، وأحدهم زار أكثر من أربعين دولة بدراجته! فهل تقول: أنا خائف!
حاولت أن أجدَ عذرا لكي أنفصل عن السرب الجماعي، وأقود بطريقتي الحذرة لوحدي إلى مقر نادي عمان. الروح الأخوية في الفريق تشدني وتبقيني وتشجعني على القيادة في سرب، والخوف من التجربة الجديدة يقول لي: قد بطريقتك البطيئة، والحذرة جدا لوحدك، لا تذهب معهم في سرب. كنت مخطئا، بشدة!
وكأنه قد نبت لي عقل جديد. أخذت مساري في السرب. لأكتشف أن القيادة في جماعة أكثر أمانا. فهناك قائد للسرب، يعطي توجيهات بالإشارات لكل من خلفه، وهُناك استراتيجيات للتنقل والحركة، وأخوكم الغشيم مع كل هؤلاء الخبراء يحاول ألا يعترف أنه خائف من التحرك الجماعي. في الاتحاد قوة، نعم، قوَّة.
يتحركُ الجمعُ، لأكتشفَ أن القيادة في سرب أكثر أمانا. احترامٌ لقوانين المرور، وتنبيه لكل سائقي السيارات. ما دمت مبتدئا فأنت في حماية الأكثر خبرة. يُحاطُ بك ويُدرسُ سلوكك، ويتم إبلاغك بالملاحظات. هواية الدراجة النارية ليست مرنة لتتعلم من أخطائك، بعض أخطائها قاتلة. والسرب يعي ذلك.
وهكذا يُعامل كل مبتدئ. قائد السرب يعطي توجيهاته للجميع، وأنت المبتدئ في منتصف السرب، خلفك من يحميك ويجهز لك مكانا لتغير المسار، والبقية يصطفون للتأكد من عدم دخول سيارة في منتصف سرب للدراجات. إن كنت سائق دراجة [لاااااااااا] تدخل في منتصف سرب دراجات جماعي، أنت تعرضهم أجمعين للخطر!
وصرتُ أقود في شارعٍ عام. وأكتشفُ أن الدراجةَ مرنة، تخفض سرعتها في وقت قصير، وتزيد سرعتها في وقت قصير. هذا يجعلها أكثر أمانا من حيث القدرة على المناورة. وأنت مع سرب، في الاتحاد قوة، حتى وقاحة السيارات تتوقفُ بعض الشيء أمام قوة الجماعة. القيادة أكثر أمانا.
وصلت بسلام، ليتم [استلامي] بعد الوصول. - معاوية كيف حالك؟ بإذن الله غدا سوف تغلق الإشارة! - لا تغير مسارك حتى يغير الذي خلفك المسار. - لا تفكر بعقلية سيارة، ولا قائد فرد، أنت مع سرب. - أنت صاحب دراجة أفنجر، هذه أعظم دراجة في التاريخ! -
اثنان مبتدئان، ويتضح أن كل السرب كان يتحرك لحمايتهما، ويحسب حساب خبرتهما البسيطة. ويغطي عنهم أي احتمال ممكن لقائد سيارة [غشيم] لا يحترمُ الآخرين، ويظن أن الشارع خلق فقط للسيارات، وكأن الشوارع خلقت فقط لهذه الغرف المكيفة ذوات الأربع. عندما وصلت فهمتُ سر إشارات اليد.
وكسرت العقدة. ومن الخوف الشديد في القيادة في سرب جماعي إلى ذلك الشعور المطمئن. القافلة تسير بقدر احتمال أضعفها، والاتحاد قوة. ليتني أعيش اليوم الذي تُطرد فيه السيارات من الشارع، ربما سيكون بعد مائة عام، ربما لن يحدث. لكنني اليوم عرفتُ أنه يمكن مقاومة هذا الطاعون الصناعي بالوحدة.
أمر على لوحات وبها صورة [دراجة هوائية]. أشعر بالأمل في الحياة. أقول في نفسي: ليت هذه الصورة تنغرس في عقل كل سائق سيارة، ليتَ الجميع يعي أنَّ قيادة السيارة في عمان غَلبةُ الكثرة على القلة. في أسطول فريقنا للدراجات، كبر الأمل في قلبي، قد يأتي اليوم ونطرد السيارات من الشارع، نعم!
ألتقي بأمجد الفيروز، رئيس نادي أبطال الدفع الرباعي، وهو أيضا اشترى دراجة نارية. أخبرني الجميع بعد أن وصلنا لماذا كانوا يحيطون بنا، ويفعلون ذلك مع كل مبتدئ، لماذا؟ لأن هذا واجبهم، وقالوا لي: يوما ما سيكون هذا واجبك. رغم فرديتي المتطرفة فلسفيا، اليوم تصالحت قليلا مع فكرة: الجماعة!
ولكي لا أخدع أحدا. عالم الدراجات ليس بريئا، به أناسٌ بلا ضمير، مثل عالم قيادة السيارات، مثل الحياة بشكل عام. هُناك فرق لا تراعي، وهناك قائدو دراجات نارية لا يبالون بحياتهم، ولا بحياة غيرهم، هُناك من يسيء لهذه الهواية. وهُناك من هو غبي، وغشيم، وهُناك أقدار مؤلمة قابلة للحدوث.
أكره السيارات، أكره ما فعلته في حياتنا، أكره أن المدن مصممة من أجل خاطر هذه المركبات المعدنية الأنانية، أكره حقيقة أن الشوارع التي رصفت للدراجات الهوائية قد سُرقت من أجل هؤلاء، الذين يقودون غرفهم المكيفة، هم وهواتفهم، والواتساب، واستعجالهم، وأنانيتهم في دخول المسار.
أكره السيارات، وأكره كل سائق سيارة مستهتر. يعامل الطريق كأنه غابة يأكل فيها القوي الضعيف. أحترم سائقي الشاحنات، وأحترم معظم السائقين، ولكنني أحتقر كُل ضعيف نفس، أناني، يجازف بأرواح الآخرين فقط لأنه به [دو..ة] يدخل على الناس بدون أن يراعي، لأنه بطل وقوي ويعرف أنه أقوى من الدراجات!
ومن قوّاك على الناس يا سائق السيارة! الرأسمالية! التي بطّرتك، ودلعتك، مركبة موت، وقتل، وحوادث وأنت لا تهتم! [منتزق] تركض على مسار وتدخل على الناس. ما غريب عليك! سرقت الشارع من أهله وأصحابه، ولا يؤدبك سوى صاحب الشاحنة، المحترم أكثر عنك وقيادتك عادة! يا سنجاب! يا مدني!
أشكر كل دراج علمني اليوم درسا، أن حياةَ الناس ليست لعبة. أنا وزميلي المبتدئ الثاني في الفريق، أشكر كل شخص بخبرة ثلاثين سنة كان واحد أمامنا وواحد خلفنا وما كنا نعرف إنه كل السرب كان يمشي بناءً على مهارتنا المتواضعة. بإذن الله، سيتخلى العالم عن السيارات ذات يوم.
سيصبح العالم أجمل بدونكم، يا جماعة السيارات. أنتم وأطنان الحديد التي تحرق الوقود بلا داعٍ، سيصبح العالم أجمل، بالقطارات، والترامات، وحتى المركبات الطائرة، كل خيار يجعل العالم بدونكم أجمل يا سناجب السيارات، الحمير، والبغال تستحق الشارع أكثر من سياراتكم يا سناجب!

الأربعاء، 9 فبراير 2022

النهار وغوايته

 طلعَ النهار، ولم تبزغُ من نورِه الآمال. تلك الولدانُ كما وصفها أبو مسلم البهلاني. لا ألوي على شيء. أختار من ثمالةِ الحُزن كفايةََ الحاجة، ومن الحسرات متيسرَها، ومن الوقت ما يغني عن مكائد الزمان. لستُ كما كنتُ، ولا كما سأكون. أُقبل على غوامض الحياة بشجاعةِ الحمقى، وثائرة الصعاليك. أغضبُ، وأكرُّ، وأفرُّ، وأهدد، وأرغي، وأزبد، وأهدا، وأفترُ، وأشتعل، وأصبح رمادا في ثانيةٍ واحدة.

هذه الأفكار المُعمِّرة في الوجدان كم عمرُها؟ كم تلبث تلك الثواني الغاصبة للطمأنينة؟ وما هو زمنُ المعنى في نفوسنا؟ ولماذا تداهمك حال استيقاظك فكرةٌ غضوب؟ وما الذي يجعلك تحتملُ كل هذا الدوار، والصداع، والقلق؟ لأجل الحياة؟ أم لأجل كل ما تظنه سيصبح حياةً؟ يستقبلك الصباحُ الذي لا تُرحبُ به، ولا تقبله يوماً جديدا من أيام عُمرك. هذه التي تمضي ليست أعمارنا، إنها حياتُنا التي تنسلُّ معاندة أفكارنا المخادعة، التي يحلو لها أن توقف الزمن، لبعض الوقت، لما يكفي من الثواني كيف تفكّر في شأن هذا النهار، وهذه الحياة، وهذا السعي المحموم الذي يتعبك جريانه، ويخيفك توقفه.
إنه صباح جديد، ويوم آخر سوف نطويه كما طوينا آلافا من أمثاله. سنعيش، لا لشيء، ولكن لأنَّ الهزيمة ليست حلّا، وأن الاستسلام ليس إجابةً تروي غليل هذا الهلع المستمر الذي اسمه حياة، وهذا الذعر المتواصل الذي اسمه: عُمر.
صباح الخير المأمول.

السبت، 5 فبراير 2022

لماذا الكتابة؟

لا أعرفُ لماذا! كيف سحبتني لوحة المفاتيح مجددا إلى غيهبها المألوف؟ أيضا لا أعرف. ما سر هذا النداء الأخَّاذ والآسر للاعتزال عن هذه الحياة الضاجَّة بالملهيات، واللذات، والصخب الاجتماعي إلى هذه الجلسات المطولة من النحت! الجلوس مع جلاميد الذاكرة، وحبال المعنى. صنعة عبثية بمعنى الكلمة ولكنها ذات معنى كبير في الحياة بشكل عام، وفي تعامل الفرد مع قيمته بشكل خاص.
الكتابة شيء إذا عرفت غايته فقدت معناه. لذلك تبقى أسبابها الغامضة أبرز حضورا في وجداننا من تلك المتعلقة بالقيمة العملية للحياة. تنسجُ من المعاني التي صنعتك نظريةً، أو منهجا، أو مهارة، أو طريقة، أو حوض معلومات يسردُ من يشبهك ومن يختلف عنك. لماذا تفعل ذلك؟ تظهر الإجابات بعد مرور المرحلة برمتها، ستكون وقتها قد تغيرتَ، وصرتَ إلى ما أصبحتَ عليه من كائن مؤقت ما يلبث أن يمضي بعد الوقت ليتغير مجددا. الكتابة ذلك الشاهدُ على حياتك، وذاكرتك، والمؤرخ الأمين لأوهامِك وآمالِك.
لا عجبَ أن يقع تحت طائلة هذا النداء المغري كُل من وُصف بأنه حصد من الحياة ما يكفيه. تكفيه الأشياء، ولكنه لم يرو ظمأه من المعنى. جين الخلود الأناني، المعنوي، الذي يكتنفُ كل ما له علاقة بالإبداع، وبأفاعيل العقول في الأروقة المزدحمة، والأوراق البيضاء.
الكتابة تذكركُ بأحلامِك، فهي حبرك الذي تزخرفُ به البياض. تثقلك الأحلام، ولكنك لا تتبرأ منها، تنقذك من نفسك ومن النتيجة الحتمية لحياة الإنسان. تُعطي للزوال قيمة مُخادعة ونافعة في آن واحد. وجبةٌ أنيقة من السطور والفقرات والكلمات تُلهي نفسك بها عن غيابك الأخير، تُلاحق بها البقاء، تراهنُ فيها على أيامٍ وأشخاصٍ وتواريخ تُرحِّل الكلمات معناها إلى ظروفها المرجوة منها.
ما هي الحياة المثالية للكاتب؟ لا أحد يعلم. كل حياة مثالية للكتابة. المأساوية، والممتلئة بالأمل والسعادة. في عالم الكتابة الصنعة هي التي تُنجح المثال. تزيّنه بالوسيط الأنسب، الجامع له، السارد عنه، المحافظ عليه، والمستعرض لمزاياه.
من النادر أن أن يُنجح المثال الصنعة، وهذا حال ملايين من الناس، عاشوا حياةً مدهشة ومليئة بالتجارب ولم تضعهم ظروفهم في حياةٍ معزولة يناوشون فيها صراع الكلمات والمعاني. مع ذلك، يتعلمون بسرعة، وبعضهم ينجح، ويقفز بمثالِه إلى عالم الصنعة مِثالا إضافيا، ومعنى مضاعفا، وقصة كتاب، أو كاتبٍ فعلَ ما يحلمُ به الكتاب عادة، كتب كتابا ناجحا.
لماذا أكتب؟
لا أعرف لماذا.
أعرف أنني أشعر بالغربة عندما لا أكتب.


معاوية

الجمعة، 4 فبراير 2022

بدايةٌ صغيرة

عامٌ بلا لوحةِ مفاتيح! لا أعرفُ كيفَ استطعتُ الصبر. عامٌ كامل، يمضي اليومُ فيه ممزقاً بين احتياجات الحياة. كانت عاصفةً من الأحداث. من مهاجرٍ تصالحَ مع يائسه، إلى ناشطٍ اجتماعي يعيش حياةً حافلةً باللقاءات، والاجتماعات، ثم إلى رأسمالي مستجد يلاحق لقمة العيش كمعلنٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عامٌ بأكمله والكتابة نداءٌ ملح. حاولتُ أن أجعل نفسي أحد هؤلاء الذين يمكنك أن تعقد معهم موعدا بعد سبعة أيام وثلاث دقائق، لم أستطع، وليس ذلك من طبيعتي. اعتدت طوال سنوات نشأتي أن يمضي معظم اليوم وأنا على لوحةِ المفاتيح، أسكب النثر أو أنحت الشعر. عشتُ أجمل أيامي ككاتب عندما كنت يائسا، غير مقبل على هذه الحياةِ بما فيها من زحام، ولهاث، وتوتر، وقلق، وخوف من الغد، لم أعد ذلك الصعلوك المجازف. صرتُ ربَّ أسرة، وهذا في حد ذاته قلق وجودي حارق، ودافعٌ معنوي ساحق، ولعامٍ كامل أحاول صناعة وقتٍ يمكنني من الكتابةِ بانطلاق، دون أن أخاف من ضياعِ عملي، أو ضياع التزاماتي الأخرى، وأخيرا، بعد سنة كاملة وجدت الطريقة التي تجعلني أجمع بين الكتابة والحياة. دفعت عاما من حياتي بعيدا عن أحب ما أحب في هذه الحياة، والآن جاهز للكتابة، مستعد للتفكير بالكلمات المكتوبة بعدما قضيت سنوات في العصف الذهني المرئي والمسموع، ذلك العصف الذي يخبرك عن جذور أفكارك. في الكتابة الأشجار تعصف بأوراقها، ترى أمام عينيك ذلك المعنى الذي يتكون ببطء، تعرفُ لماذا كنتَ تكتبُ بلا توقف.

عامٌ من الهدوء التام، والتأمل، وإعادة حساب قرارات الحياة، والأهم السعي نحو حياة مستقرة خالية من التقلبات، وبعيدة ــ كما آمل ــ عن المواجهات. لقد صرتُ جاهزا لأعيد تعريف معنى أن يكتب المرء خارجَ جنون الدفاع عن النفس، أو الصدام الاجتماعي. لم أعد أخشى من غضبي، ولا من انفعالي الحاد، قلمت آمالي المستحيلة، ورضيتُ بأبسط حياةٍ ممكنة. جيتار، وعود، وبيانو كهربائي، ولوحة مفاتيح [مايكروسفت] المهندسة لتتناسب مع أبعاد اليد البشرية. كل الظروف مؤاتية للكتابة، فلم لا! 

كنتُ أعرِّفُ الكتابةَ ذات يوم على أنَّها المهارة التي تتمكن بها من معرفة، وحفظ، وتوثيق أفكارك ومشاعرك، والتفكير والتأمل بها. هذا الجزء الأخير من التعريف هو الإشكال الذي اضطررت للتعايش معه لعامٍ ونصف من الحيرة. متى أكتبُ؟ بقي هذا السؤال حائرا طوال مراحل العامين الفائتين تقريبا. كنت أحاول أن أعوِّضَ عطشي تجاه الكتابة بملئ الفراغات التي تحدث في اليوم بالتغريد، وبطريقة غريبة أيضا! فقد حولته بشكل ما أو بآخر إلى منصة للتدوين المطول. حدث ذلك بالتدريج وكُل الزحام الذي أعيشُه يتنظم مع الوقت، ويتحول إلى وصفة معقولة للحياة والكتابة.
وكأنني مسحور بندّاهةٍ لا أعلمُ ما نسجته في دمي. أقوم بعملي كله بالمراسلات، طيب لماذا لا تستخدم الهاتف؟ سأبتكر ثلاثة آلاف عذر بحجة أن الكتابة توثيق وتسهل معرفة أين وصلتُ في الاتفاقيات مع المُعلنين. طيب لماذا لا تسجل ملاحظات على الجنب، وتنهي التزاماتك بالهاتف؟ هيهات، وكلا، ولا! لم أفقد دهشة تكون الكلمات أمام عيني، ولا نغمات الأزرار وهي تصنع كلمة، فكلمة، فجملة! حتى وإن كان ذلك في الواتساب، أو في تغريدات سريعة، إنها لحظة دهشة دائمة، لا تتوقف، ولا تضمحل.

اليوم إجازتي، أول يوم راحةٍ لي منذ شهور طويلة، لا عمل، لا اتصالات، لا مراسلات مع فريق المونتاج، لا استلام لسيناريو، أو تعديل لإعلان، ولا تسجيل لمادة صوتية أو تصوير لأخرى، اليوم مخصص لهذه اللحظة، لهذا الانطلاق والتداعي لحر، لهذا النفس الكتابي الذي صرت أخشى أن أخسره في زحامِ الحياة وما بها من إكراهات تدفعك للسعي، والتخطيط.