بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 أكتوبر 2024

الرقيب الذي نحب!

جالس أشوف ردة الفعل الاجتماعية على تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة.
الرقيب على المال العام نال احتفاءً اجتماعيا حقيقيا. وهذا هو ما سيحمي المال العام مستقبلا، أن يرفع مقام هذا الرقيب إلى مرتبة البطولة، أن يعزز، ويمكن، أن يُحتفى به اجتماعيا، وأن يشكل نموذجا مغايرا لما يريده البعض من كتمان الاخطاء، وعدم الاعتراف بها، بل وحتى نبذ كلمة واقعية موجودة في كل بلدان الأرض "الفساد".

التلاعب بالمناقصات فساد، التلاعب بالفواتير فساد، التغاضي عن ما يتلف المال العام خطأ قد يرتقي إلى مرتبة الفساد عندما يكون متعمدا وموجها. وهنا نأتي إلى الجانب التقني والفني في عملية الرقابة. ثمَّة ما هو خطأ، وثمَّة ما هي جريمة. وهذه الجريمة تحتاج إلى من يثبت أركانها لكي تتحول إلى الجهة القضائية. عملية مضنية، ومرهقة، ومليئة بالتفاصيل، والإثباتات، ويقوم بها مجموعة من الذين لديهم صلاحية للنبش في تفاصيل الجهات المختلفة. ثمَّة جانب ثقافي اجتماعي قد يكون حاضراً - كما آمل - في القريب العاجل، وهي صناعة (الرقيب البطل) ذلك الذي يجتهد لحماية المال العام، ويلاحق الفاسدين حيثما حلوا وارتحلوا. وصناعة هذه البطولة ستحتاج إلى خطاب ثقافي، وإعلامي، واجتماعي، بل وحتى خطاب ديني. وبكل صراحة هذا هو الرقيب الذي يستحق التعامل معه ببطولة، الرقيب الذي يحمي المال العام، ويردع التلاعب، ويقدم مقترحات لحلول تشريعية تمنع الثغرات التي يستخدمها الفاسدون لنيل منافع جُرمية، أو للعب في المناطق الرمادية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى هدر للمال العام، وربما ما هو أسوأ، إلى تمويل قطعان الفاسدين الذين يلعبون على اختفاء عين الرقيب، أو على غيابه. ما هي العملية الرقابية حقا؟ عملية مضنية، طويلة المدى، تعتمد على التدقيق والنبش في تفاصيل كثيرة، وتتعامل مع أشخاص من الفاسدين الذين يجيد بعضهم إخفاء آثار جرائمه جيدا. (فساد) كلمة تثير حفيظة البعض ممن يؤمنون أنهم يعيشون في مجتمع ملائكي، أو في حكومة خالية من الأخطاء، أو في واقع مثالي يتعلقون بأوهامه، الحقيقة البشرية واضحة، وينطبق على عُمان ما ينطبق على الإنسان، بفجوره وتقواه، بخيره وشره، بصلاحه وفساده، وبتسلطه وعدالته، وباستخدامه الوظيفة أحيانا للنفع العام. والطريقة المثالية للتصدي لذلك هي بالإجراء، وهذا الإجراء سينمائي، وجاذب، ويحقق الرضا الاجتماعي فقط في نهايته، لكن أثناء حدوثه فهي عملية مملة للغاية، وبها مجادلات لا نهائية لها، وليست عملية سيروق لك أن تتبَّع تفاصيلها. النهاية هي التي تثير ذلك الشعور الكبير جدا بالأمل، أنَّ الواقع الحكومي في طريقه إلى ما هو صواب، وما نشعر أجمعين أنَّه التصرف المناسب، والرقابة على المال العام وكشف الفسادين والمتجاوزين بطولةٌ يجب أن توضع في محلها المناسب، بلا مبالغات، وبلا تقليل منها. ولعل ما حدث مؤخرا خطوة أولى من ضمن خطوات قادمة في الطريق لسد ثغرات أجاد البعض من فاقدي الضمير استغلالها للانتفاع الشخصي من صلاحياتٍ كان يجب أن تكون في البناء والنفع، لا في الفساد والهدم. أتمنى حقاً أنَّ الأمور تذهب في هذا الطريق. الإجرائي، الذي له ديمومة، الذي يصنع أعراف وأدبيات رقابية تتطور مع الوقت. أتمنى حقاً أنَّ الرقابة المالية والإدارية للقطاعات المختلفة تتفشى كتفشي البرء في السقم. أتمنى حقاً أن يكون هذا هو المسار القادم، مسار تمكين الرقابة، والبدء بصناعة هيبةٍ للمال العام، وخشية لدى أي إنسان من الاقتراب منه، وشعور بأنَّ الذي يمد يده لهذا المال ستطاله في نهاية المدى يد الرقيب المالي والإداري، والذي إن مُكِّن، واحتفي به اجتماعيا صنع تلك الهالة التي لا يخشاها سوى من أراد أن يَفْسَد ويُفْسِد. الأمر إجرائي بحت، ليس سينمائيا مليئا بالضجيج. أتمنى حقاً أن يقود إلى ما هو أبعد، وأن يصنعَ منظومةً جديدة من الرقابة على المال العام، أن يصنع ثقافةً رقابية، ومساهمةً عامَّة، وشعوراً جمعيا بالمسؤولية. أشعر بالتفاؤل، والكثير من الأمنيات أن يكون هذا هو النهج الذي تذهب إليه الحكومة. تمكين الرقابة، وأجهزة الرقابة، وفتح العيون الراصدة، وصناعة الهيبة الإدارية والمالية، وتغليبها مع الوقت على كل المنافع التي تستغل أبسط الثغرات للتنفع الشخصي.
 

عسى خير بإذن الله، أشعر ببعض التفاؤل، وأتمنى أن يذهب الحال إلى ما هو أفضل، وأنفع لعمان ومجتمعها وحكومتها. 


الخطاب الاجتماعي الأمثل لتكريس الرقابة الإدارية والمالية، يكون على وجهين: 1- شرح مفهوم الرقابة، وكيفية العملية الرقابية، وعلاقة الرقابة بالقضاء والادعاء العام، ومدة الواقعة الواحدة. وهذا جانب شارح توعوي. 2- تعزيز علاقة جيدة مع مفهوم [الرقيب الإداري والمالي] لأنه رقيب جميل، الكل مستعد يشجعه ويرفع من همته بل ويتقبل إنه يؤدي واجب يشفي صدور قوم ينتظرون بفارغ الصبر شيوع الرقابة، ووقوع أي متجاوز ومتطاول على المال العام أو مزور لسندات صرف، أو متلاعب بمناقصة أو معطي مشروع حال ولد عمه، أو غيرها من وسائل التلاعب المجرمة قانونيا. 3- طبعا الأمنيات الحقيقية، وبكل صراحة، ألا تكون هذه سحابة صيف، مؤقتة، ولاحقا تنطفئ، أتمنى أن يكون خطاب متصاعد، ينمو مع الوقت، ويصنع اتصالا مع المجتمع، مما يصنع أيضا هيبة لفكرة الرقابة، وهالةً حسنة وبطولة لموظفي الرقابة، وهذا الشيء يعزز مفاهيم كثيرة، ويمنع فساد الغفلة، أو فساد المال السائب، أو فساد الفرصة الواحدة، واشياء كثيرة. نمو الفكرة الرقابية وتحولها إلى واقع مستمر هي الأمنية الحقيقية، وعسى ألا تكون هذه سحابة صيف، أشعر أن الأمر ليس كذلك، لكن مع ذلك عسى ألا يتوقف هذا التوجه. 4- بداية استخدام المحيط الرقمي بشكل ذكي ونافع، بدلا من الدعاية الفارغة، وتكرار الكلام العمومي، وترديد الكلام السطحي والضحل نفسه الذي يردد في بعض الاسطوانات، هذا هو الخطاب الرقمي الذي يشكل فائدة اجتماعية، ويقنع المتلقي، ويوسع المدارك، ويفتح علاقة جيدة مع مفهوم مهم للغاية وهو مفهوم الرقابة على المال العام. 5- خارج التعقيدات الحكومية والقانونية، وغيرها، أمامنا خطاب رقمي يستخدم بحنكة وبذكاء، وهي ظاهرة تستحق التأمل. والسبب طبعا لأن الرقيب المالي والإداري فكرة مستساغة جدا اجتماعيا، لأنه رقيب [نظريا] ما ممكن يستخدم صلاحياته للشخصنة، بالتالي هو رقيب مقبول منطقيا، واجتماعيا. 6- ثمَّة شعور كبير بصوابية التوجه يمكن أن يسببه الرقيب الإداري والمالي، ولكن أيضا! ارتكاسه لاحقا للصمت والخطاب الخجول سوف يحقق مشاعر سلبية كثيرا، لذلك أتمنى أننا نرى خطابا في حالة نمو، واستمرار، أو على القيلة الرسمية الدائمة [الاستدامة]. وعسى خير يا رب. حالة فعلا تستدعي الانتباه لكل مهتم بالخطاب الرقمي وعلاقته مع المجتمع. ما أعرف من وراء كل هذا الجهد الرقمي، بس من قلبي أقول: أحسنت عملاً، أنت فعلا شخص أوكّيه، وواصل جهدك النبيل والجميل أيا ما تكون.


أتمنى تغطية نقاط إضافية في الخطاب الرقمي المختص بالرقابة. مثلا: - عدم التركيز على المبالغة في إنجازات جهاز الرقابة، لأنه هذا يتلف الإقناع الاجتماعي، يعني نعم جهاز الرقابة ينشر عن إنجازاته، لكن عاد المبالغة والتطبيل الزائد سوف يفقد الرسالة الجوهرية قيمتها. - شرح الفساد، وأنواعه، أكثر من شرح الرقابة وأنواعها. فساد الرشوة وكيف يكشف، فساد التلاعب بالمناقصات وكيف يكشف، والفاسد الذكي، والفاسد لأنه شاف فرصة، والفاسد لأنه يستغل ثغرة، والفاسد اللي يخدع وزارته، والفاسد اللي يستخدم التلاعب، فكرة كشف طرق الفساد تفتح باب للتشريع الجديد، وأيضا لتعديل اللوائح، والأنظمة التقنية، وتضعنا كمجتمع في انتباه إلى التغييرات الجديدة في حماية المال العام. - ما هو الاسترداد؟ وما الفرق بينه وبين الفساد، نقاط مهمة للغاية كي تكون منفصلة عن الخطاب الرقابي الذي به [أكشن] مال فاسد مسكوه، ومال متلاعب في السجن، وغيره، نعم هذا الجانب المليء بالأكشن جيد ويصنع مشاعر اجتماعية حسنة، لكن ليس المهم هو الوصول الواسع فقط، أيضا الرسائل العميقة والتي ترفع الوعي بالعملية الرقابية. - التوضيح للرأي العام أن الذي [نُشر] ليس كل ما حدث، وتبيان العملية الرقابية كيف تحدث، والخط الزمني للواقعة الواحدة، وكذلك متى الرقابة تسترد المال، ومتى تغير الخطأ، ومن يحاسب من تكتشفه الرقابة الإدارية والمالية؟ - كمواطن أشعر أنني أتمنى خطابا رقابيا مستمرا، ربما [بودكاست/ رقابة] بإدارة جهاز الرقابة نفسه، وألا يكتفي الخطاب الرقمي بالمواد ذات الانتشار الفيروسي وإنما تصنع موسوعة رقابية مستمرة عبر عدة أدوات رقمية، بهذ الطريقة الخطاب الرقابي يدخل مع (إخوانه) من الخطابات الرسمية كزميل جديد في الساحة وربما يكون زميل مميز مع الخطابات الرسمية لأنه يصنع شعورا جميلا ببطولة العدالة، وملاحقة الفساد، وكشف الأخطاء، ويعطي مشاعر (إصلاحية) جميلة جدا. وبالتوفيق للخطاب الرقابي القادم. * كل كلامي نابع من شعور أن توسعة الخطاب الرقابي قادمة في الطريق، وهذه أمنياتي كمواطن، عاد لو كانت هناك خطة أخرى، كل كلامي أمنيات، وعسى بإذن الله ألا يخيب حسن ظني في الرقيب الإداري والمالي، لأنه الرقيب الوحيد اللي أشعر نفسي أشجعه كما أشجع ريال مدريد.


من نواحي ثقافية، ورقمية، واجتماعية، ما عُمري شفت توجه في عمان أشعر إنه يستحق الدعم والتطوير الدائم مثل خطاب الرقابة الإدارية والمالية. لأنَّه شيء فروق جوهرية كبيرة بين هذا الرقيب، وباقي أنواع الرقباء. مثلا، نقول الرقيب الاجتماعي، بما لديه من استحقاق مقرف، وكأنَّه ولي أمرك، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويظن هذا من حقه. رقيب عن رقيب يختلف! هُناك رقيب فاقد للأمان الداخلي، مهمته فقط إنه ينفش ريشه باسم صلاحيته، وكل ما كان يستخدم صلاحيات الرقابة للشخصنة، أو لإثبات وجوده في الساحة شكَّل صورة منفرة اجتماعيا عن مهنة الرقابة، والتي هي ضرورة منطقية، وقانونية، واجتماعية، وإنسانية، وحضارية تلقائية. لا يوجد شيء مطلق في هذه الحياة. بشكل عام كلمة (رقيب) ما كلمة مستساغة، إلا في بعض الحالات التي لسبب ما ككائنات اجتماعية نشعر بالامتنان، الرقيب الذي يحمي البلاد من عصابات المخدرات، الرقيب الذي يكافح تمويل الإرهاب، الرقيب الذي يتابع الحدود، كلها مهن تعتمد على المراقبة، مع ذلك، أخونا الرقيب الإداري والمالي هذا من بين الجميع نكاد نتفق إنَّه هذا أكثر رقيب له شعبية، وأكثر واحد تحس إنك تتضامن معاه وتتمنى له النجاح في مهمته، لأنَّه من عساه يكره رقيب إداري ومالي يقوم بعمله على أكمل وجه؟ يكرهه فقط الذي يتمنى أن يشيع الاستهتار، واللامبالاة بالمال العام ومناقصاته وفواتيره والتدخلات باستخدام النفوذ للسطو على مال عام أو لتغيير إجراء تمنعه لائحة أو قانون واضح. أولا، يا رب ما أكون متحمس ونهاية حماستي خيبة. معي شعور ما إنه هذا الخطاب الرقابي يكوَّن ويتأسس كمنهج يتراكم بالتدريج، ويصنع مع الوقت حضوراً إلى باقي الخطابات الرسمية، ومن بين كل الخطابات الرسمية هذا خطاب متفق عليه. ولكن السؤال كيف سيكون هذا الخطاب لأنه معنا عدة أشياء يجب وضعها في ميزان متناغم ومنطق. وإليكم الأمثلة: هل سيركز هذا الخطاب مثلا على جهاز الرقابة الإدارية والمالية ويعتبر أي إنجاز له (جوكر النقلة الثالثة) بما معناه، بدلاً من ترسيخ مفاهيم الرقابة، يصبح الموضوع تطبيل وتسكيت، وهات يا مبالغات، وبعدها بنحصل المتشنجين في علوم الطبل يقول لك: اسكت! انطم، ما شايف كيف كل حد قايم بواجبه! ويرجعك إلى المغالطة الشائعة إنه كل شيء مثالي، وما محتاجين نطور شيء، ونحن نعيش في المدينة الفاضلة، وبصراحة هذا النوع من البشر النقاش معهم خسارة كالوري على الفاضي! الاتزان في هذا الخطاب وتجنب التطبيل، وترك جهاز الرقابة الإدارية والمالية يتحدث بلغة الأفعال، أظن والله أعلم أن هذا الخطاب المتعلق به كمؤسسة حكومية، لا تخلو من فكرة [هيبة الدولة] لكن أيضا مليئة جدا بمشاعر الإصلاح، والنزعة الفطرية لكل إنسان أن العدالة تنتصر في النهاية مهما كان الفاسد ذكيا. لذلك ما أتمنى أي إنجاز رقابي آخر تفسده كائنات التطبيل وتخرب مضمونه وتحوله إلى خطاب ضحل وفارغ، وتخترب رسالة من الممكن أن تدفع دفعا بمفاهيم الإصلاح، وحفظ المال العام لأجيال قادمة. - الجانب الثاني شخصية الرقيب نفسه، كيف ستسوقها للمجتمع؟ هُنا ورقة البطولة، وأظن إنها (جاية مقشرة) وأقيس هذا على مشاعري لما التقيت بقريب لي يعمل في جهاز الرقابة، كنت مليئا بالبشر، والفرح، وأحتفل به كأنه هو اللي كان ماسك خيزران ويطارد الفاسدين في الشوارع، هذا هو الشعور الطفولي الذي كنت أشعر به. ولطالما تعرضوا في فترة ما للهمز، واللمز، فضلا عن مئات التصريحات العامَّة اللي تتهم وتقول (لا تفعلون شيئا). من المهم ترسيخ هذه المشاعر البطولية في الرقيب الإداري والمالي، ولكن أيضا، من المهم فعل ذلك بحكمة. أي (شطحة) على شاكلة إنه أبطال العدالة المالية والإدارية خلاص جعلوا عُمان دولة فيها (صفر فاسد) معناه صنعنا مبالغة تخرب الرسالة الجوهرية، إنه الرقابة عملية تتطور، وتتأقلم، وتُلاحق الفساد الذي دائما في كل مكان في العالم يأتي أولا. وهذي المبالغة للأسف رائجة في عالم المطبلين، اللي ما يعرف إنه عمان فيها قتلة، وفيها مغتصبين، وفيها ناس في السجون وفيها الشر بكل أنواعه، بس هذا الإنسان المطبل الرومانسي يفضل أن يغلق بصيرته عن المنطق ويعيش في عالم زاندا الخاص به! طيب، التسويق المبالغ فيه إنه ما يحدث من رقابه (كافٍ) وعمره ما شيء رقابة كافية! هي طاقة مؤسسية، وعدد، ووصول، وصلاحيات، وعملية يجب أن تشرح للمجتمع بشكل تفصيلي. لا يختلف الموضوع عن الشرطة، وعن التفحيط مثلا! هل تتوقع أنَّه من المنطق أن يوضع ألف شرطي في كل حارة! الكلام النظري الفلسفي ممكن نذهب فيه لنهاية المدى، لكن في النهاية هُناك واقع يجب أن يشرح. وبشكل عام أمنيتي كمواطن إنه خطاب الرقابة هذا ما يتعرض لأي مساس أو سوء من أي شخص هدفه التطبيل بلغة الكفاية، وكأنه خلاص عددهم يكفي، وكأن جهاز الرقابة المالية والإدارية لديه قدرات عين حورس الخارقة. لا التقليل من مكانة الجهاز ستساعد هذه الرسالة، ولا التضخيم المبالغ فيه، هُنا فعلا الأمر يحتاج حنكة إعلامية هائلة، وبصراحة ما أعرف من ماسك هذا الخطاب الرقابي اللي جالس تو يبزغ، بس حقا حقا أتمنى يقرأ هذا الكلام عشان أقول له دعوة من القلب لك من مواطن عماني يحب بلاده أن تنجح أكثر وأكثر، وأن تصنع تجربة خطاب رقابي محمية من الانزلاقات التي تحدث عادة في خطابات رسمية أخرى تذهب إلى التضخيم، أو التسطيح، أو ما هو أسوأ خطاب المثاليات العدواني، المبني على منطق واحد: (إذا لم تقل عُمان كاملة مثالية فأنت شخص يسيء لعُمان). حضور الشخصية الرقابية الإدارية والمالية في المجتمع سيشكل نقلة جميلةً، ولكن أيضا يجب مراعاة ألا يصل به الحال إلى أن يمشي في الأرض مرحاً، ويعطي مؤشرات أن الرقابة الموجودة تكفي وتزيد، الرقابة والمزيد منها أدبيات متراكمة وعمل يصنع أعرافه مع الوقت، التأكيد على هذه الحقيقة البديهية أنفع من صناعة هالات إعلامية فقط لغرض الإشباع الاجتماعي الشعبي المؤقت. هُنا ميزان آخر يجب وضعه في الحسبان، صناعة البطولة، لكن أيضا مع تجنب إفساد الشخصيات الرقابية بهذا الضخ العالي من "الإيجو" الذي لن ينفع القضية ككل. - مضمون الخطاب الرقابي، كيف يكون؟ من جهة هو شرح لعملية رقابية مملة بمعنى الكلمة، ولو جبت (سكوركيزي) بجلالة قدره لن يستطيع أن يجعل من العملية الرقابية شيئا جاذبا. (الأكشن) يحدث فقط في النهاية، بعد ما يمسك فاسد أو سارق، ويحاسب، ويروح السجن، وينشر الخبر، ونسمع اجتماعيا هذي الأنباء اللي توصلنا لأنه عمان دولة قليلة سكان. لكن هذا الخطاب لا يصنع رسالة، هذا الخطاب يصنع لك حالة تخدير بسيطة، عمرها أيام قبل أن تبدأ التساؤلات: (من المجرم الذي سقط في يد العدالة). ميزان آخر يجب مراعاته بدقة بالغة، لأنه من السهولة أن تنقلب النوايا الحسنة إلى ما يخالف الرسالة الرقابية، شرح العملية الرقابية مهمة طويلة المدى، وأكرر ندائي أن يتولى جهاز الرقابة الإدارية والمالية صناعة (بودكاست) على هيئة قناة موسوعية أو موقع إلكتروني، أو تفرغ له منصة عين مساحة إنتاج عالية وهُنا يمارس الرقيب نوعا ما من (زكاة العلم) وتترك هذه المواد لتتفاعل مع المجتمع كرسالة طويلة المدى. شرح فكرة الرقابة ليس مستحيلا، لكنه ممل بمعنى الكلمة، وربما بعض الأعمال الإبداعية توصل الرسالة، وأقترح بشكل جاد الاعتماد على فريق الشرطة الإعلامي، عملوا شغل عجيب في حملة الاحتيال! وبأدوات إبداعية شعبية أوصلت الرسالة! ومن يتوقع الشرطة اللي يظن فيها التزمت والخلو من روح الإبداع كصورة نمطية يخرج منها هذاك الخطاب الإعلامي المحكم! أتكلم عن شيء شبيه يفعله جهاز الرقابة. عموما هذي أفكار وهموم صانع محتوى، خلينا نرجع للفكرة الأهم. ثم الخطاب الآخر: الفساد! ما هو الفساد من الأساس؟ وكيف يتكون؟ وماذا يصنع الفاسد بالمنظومة التي يفسد فيها، وما هو سبب فساده؟ وكيف يتحايل على القوانين؟ وهُنا نكاد ندخل في عمل نفس الجريمة + الإدارة. خطاب أيضا من الجيد أن يتولاه مختص خبير راسخ في العلم وايضا ليس على هيئة مواد صغيرة، وإنما (صب خرسانة) يعني خبير يصب وعيه بشكل دوري ويصنع تراكم موسوعي وهذا يكون متاحا للمجتمع ويصنع تأثيره أيضا على المدى الطويل. خطاب الفساد، وشرح الفساد يختلف عن الرقابة وإنجازات الرقابة، نعم من الجميل جدا أن يتم الاحتفال بالإنجازات، لكن من الخطأ الفادح تأطيرها بأنها نهاية الطريق، إن كان ما يحدث حقا هو بداية لطريق رقابي فيه عيون راصدة ومبصرة لأي فساد إداري أو مالي فالأولى أن يطرح سرديا (كبداية لحكاية قادمة، وفصول أخرى في الطريق). أما منطق المطبلين الذين كل همه (التسكيته) كأنه يقول لناس: هذيلاك تراهم خلاص ممسوكين، خلصوا الفاسدين من عمان! هذا اسمه تحطيم للقضية، وللخطاب، وبكل بساطة هذيلا واجد منهم والغم يظنون أنهم ينفعون المجتمع أو الحكومة بأي نفع! شيء واجد أشياء ممكن أن تقدم في سبيل صناعة خطاب رقابي، ويحتاج نوع من التناغم المؤسسي، والفكري، والإعلامي، والثقافي، والقانوني، والمهني. مثلا مؤتمر سنوي للرقابة! أو مثلا مجلة للرقابة، أو حاجة من هذا القبيل، أظن إنه ما ينقص جهاز الرقابة أفكار مثل هذي. اللي أتمناه فعلا من قلبي، إنه هذا ما يكون سحابة صيف، إنه هذا يستمر، ويتطور، ويتوسع، ويحمل مع الوقت صفات التجربة النامية والمتطورة، ولعله أجمل خطاب رسمي ممكن تتقبله هو وجود من يراقب بعين ممحصة تجعل الفاسد يخاف. إن تم هذا بشكل حقيقي، وصادق النية، ومخلص لله وللوطن، أظن إنه روح الخير، وقوته، ويده التي تحمي ستذهب مع الوقت إلى واقع أجمل كلنا نتمناه وندعو إليه. الرقيب الإداري والمالي مفهوم يمكن صناعته، وترسيخه بالصدق التام، وليس بالصوابية فقط، وهذا الصدق إن وصل إلى قلوب الناس، يقابله ذعر هائل يعيشه أي فاسد، وأي مفسد، وأي متسلط، وأي شخص يستغل نفوذه، وأي شخص يخالف القانون. وأسأل الله العلي القدير ألا تطيش رسالة الرقابة المالية والإدارية، وألا يأخذ شخوصها العجب، ويظنون أن الرحلة اكتملت. الرحلة بدأت الآن، وبإذن الله ستأخذنا إلى منظومة مناعية تتطور مع الوقت، وقد تتعب، وقد تمرض، وقد تخطئ، لكن المهم هو إبقاءها أمانة لكل الأجيال العمانية القادمة في الطريق.