صار جدا صعب علي في هذا الحياة إني أستشير أي حد في أي شيء. والسبب ما لأنَّه الناس غير صادقة، أو لأنَّها ما تفهم، السؤال هو هل اللي تستشيره يفهم قرارك؟ ويفهم الطريقة اللي تريد تعيش فيها في هذي الحياة؟
لذلك معي هذا الرعب الشديد لما يتعلق الأمر بمهنتي، واللي هي العمل الرقمي، وبشكل عام (التواصل الاجتماعي) كما يسميه البعض بشكل غير دقيق. أنا مدوِّن، ولي تجربة تجاوزت العشرين سنة في العوالم الرقمية، والآن ولأوَّل مرة في حياتي أتعامل مع الحضور الرقمي كمهنة، باختصار بالغ، كرب أسرة يعيل عائلة، وكشخص يريد يهدي والدته هدايا، وشخص يريد يدبر إيجار، ويتمنى يشتري نظارة آبل الجديدة، وغيرها من الطموحات اللي كثير من الناس تريدها. نعم، يبدو سهلاً، ولكنني معاوية! منذ متى أي شيء يتعلق بي كان (سهلاً).
أعرف كيف ينظر لي الغرباء، قليلٌ منهم صريح ويقولها، ومعظمهم لا يقولها، الذي يتعامل مع معاوية وكأنَّه يحمل عقرباً في يده، ولا ألومهم! ما الذي يعرفه الغرباء وأعرفه أنا عن نفسي! العدوانية، أو بلغة أدبية (الشر)، وأنا حقا كائن مكتنز بالشر، وفعلاً لولا لطف الله بي، وقلوب نقية أحاطت بي لكان شري قد فتك بي وربما بغيري منذ زمن بعيد! كان لطفا من الله كل ما حدث لي أنني أخذت هذا المسار الاجتماعي، والذي أتمسك به بكل طاقتي وقوتي، ومستعد للدفاع عنه مهما كانت الخسائر.
كان التحدي الذي في سنوات عمري العشرين مختلفا عن الثلاثين. في عُمر العشرين كنت عدوانيا لا يعرف أنَّه عدواني، آلة هجوم لغوي ورقمي جاهزة للبحث عن العداوات، ولم أكن أعرف هذا عن نفسي كثيرا، أذكر كيف أن بعض العارفين حذرني من نهايات الطريق الذي كنت أسير فيه لكنني كنت لا أسمع، غارقا في مغناطيسية المعارك، وأشعر كما يشعر أي واهمٍ في ذلك العمر أنني سأستطيع خوض كل تلك المعارك دون أن أنكسر، أو أن أنهزم!
أضحك لما أتذكر كل هذاك اللي يحدث، وكيف أخذت الأشياء طابعاً مغايراً، بدلا من الكتابة، والمقالات، إلى تلك العدوانية التي خرجت عن السيطرة، وفي النهاية طبعاً سقطت على رأسي! والعامل الوحيد المتشابه بين التجربتين، هو الشر، والغضب، والعدوانية.
كنت عدوانيا عندما كنت في صف اليمين، وعدوانيا عندما كنت في صف اليسار، من السخافة الآن أن أعطي لنفسي صفة الانطلاق الحماسي، المعارك كانت هي هدفي، أما باقي التفاصيل الجانبية فلم تكن أكثر من أعذار لكائن كان يتحول إلى الشر بكل اندفاعه! متى تغير هذا المسار؟ وكيف! هُنا سنوات وسنوات قد مرَّت، ولكن هذه المرَّة حتى بعد رغبتي في العودة لمحيط اجتماعي هادئ، لم تكن الظروف تسمح! وياه!!! أن تدفع ثمن أخطائك، أي دروس موجعة كانت! والحمد لله، أنها حدثت.
إنه العام الخامس من الهدوء الذي أعيشه. سنوات خمس لا تخلو من المنغصات، وكلها تأتي من مشكاةٍ واحدة، هذا الذي يتوهم أنَّه يستطيع أن يدير حياتي أفضل مما أفعل، هذا الذي لديه تصور عن ما يجب أن يفعله معاوية في محيطه. ونعم، بعض النوايا صادقة ومضرة، وبعضها كاذبة ونافعة، كالنوايا الصادقة والنافعة، والنوايا الكاذبة والضارة.
متى يدق ناقوس الخطر لدي؟ مع الذي لا يستطيع أن ينظر لي خارج كل التسييس الذي كنتُ أرمي بنفسي في طياته، أو أُرمى في طياته بسبب غفلة أو سوء نية مني أو من غيري. هُنا! أقف منكسراً أمام كل ذلك الكذب الذي يحدث أمام عيني، كذب مُسيَّس لا يحترمُ قراري في الحياة!
أعرف مباشرةً متى أخسر إنساناً، ثمَّة جملة مفتاحية ما أن أسمعها حتى أعرف أنني أمام خطر حقيقي، أمام شخص كاذب. جُملة مثل (أنت لو تلعبها صح/أنت لو تستغل فرصك/ أنت تستطيع أن تحدث التغيير الآتي) هذا مبتدأ الجملة، وما هو الخبر؟ إما الحكومة، أو المجتمع، وهات يا عودة إلى اللعبة القديمة! اللعبة التي دفعت الغالي والنفسي لأبقى بعيدا عنها، ليس لأنني لا أتقنها، ولكن لأنها تضرني، وتضر غيري، وباختصار، معاوية ليس شخصا يمكن وضعه في تيارات التسييس دون أن يكون ضاراً، ودون أن يتعرض للضرر.
قليلٌ جدا من الناس الذين لديهم هذه الرؤية، ويعرفون اختيارك، قليلٌ جدا من الذين ينصحونك بحقيقة من حقائق العارفين، خارج تحيزاتهم، خارج توجههم. وهُنا دور الناصح الأمين في حياتك، هذا الذي تسعى لكي تكتشف منه ما كان غائبا عنك.
أشعر بامتنان لكل شخص نصحني وهو يعرف اختياري في الحياة، ويفهم جيداً معنى الحياة الاجتماعية الهادئة الخالية من حروب الرأي العام، وتدافعات الجموع، واعتباري (أداةً) لا أكثر لتحقيق هدف مرحلي، يضحكني الذي لا يرى كل المصائب التي وقعت على رأسي ومع ذلك لديه شعور أنه أمام أداة ضغط رقمية! ويشعر أن أجمل أدواري هو أن يضع عدوانيتي الفطرية طوع صوابية ما في رأسِه، والنتيجة! ما الذي سيحدث لك؟ سأفتك بك، وبنفسي، وسأعود إلى سابق عهدي، معاوية زائغ العينين، الذي يأكله ضميره، والذي لا يسامح من استغله.
وجود ناصح أمين في حياتك ضروري، ضروري للحد أنَّك ترى في حلمك إنسانا تريد أن تلقاه فقط لأن أسئلة ما تعتلج في فؤادك، والسؤال الكبير هو الفارق بين الإنسان الذي يستغل جهلك لكي يوجهك إلى مشروعه، والذي يقرأ قراراتك، واختياراتك لكي ينصفك في النصيحة ويهديك عصارةً نادرةً لن تحصل عليها في أي مكان آخر.
إن كان ثمة شيء تعلمته في هذه الحياة، فهو ألا أكمل الحديث خمس دقائق إضافية مع إنسانٍ يقرر نيابةً عني كيف أعيش. وهذا الذي ينطق بالكلمة السحرية التي تجعلني أضرب عليه علامة (أكس) دائما ما يبدأ كلامه: (انتهز الفرصة، استثمر حضورك الرقمي) ويبدأ الكلام التافه عن تحويلي إلى أداة، مع اليمين، أو مع اليسار.. يا إلهي! هل حقى هؤلاء عميان! لا يرون كل المصائب التي تعرضت لها، والضرر الذي تعرضت له والضرر الذي ألحقته؟؟؟ وينسون كل ذلك فقط لأن سيادتهم (لديهم صوابية) ما يودون أن أكون إما فأر التجارب الذي يطبقها، أو المعول الذي يكسرون رأسه في جدار ما!
ليست لدي أحكام أطلقها على كل إنسان يعيش هذا المعترك، هي خياراته، لكن لا تحاول أن تبدو طيبا وكأنك تريد لي النفع وأنت تحاول اجتذابي لمعركة لا أختارها، لا فرق بين شجاع البارات الذي ليس لديه أبسط حساب في تويتر لكنه يحرضك على الهجوم على الحكومة وكل شيء، جيفارا طاولات القهوة، وكثير ما هم، الشجعان في البار، والشجعان في طاولات القهوة، أما على محيط العلن فلا مقال واحد يمكنك أن تقرأه لذلك المنظر العظيم، لا فريق بين هؤلاء وبين ذلك العنجهي الغبي الذي يرى الناس حمقى، وجهلة، ويعتبره صراصير جاهلة لا تستحق سوى أن تقاد كالنعاج، الشجاعة العمومية هذه كلها تأتي من مشكاةٍ واحدة، مشكاةٍ من النفس البشرية بفجورها وتقواها، وكم من صواب صنع الظلم، وكم من خطأ صنع العدل، وكلها نسبية تضرب أخماسها في أسداسها، والسؤال الكبير؟ ما هو اختيار كإنسان؟
أختار حياةً اجتماعية، أختار كل إنسان صادقٍ يعرف هذا الخيار، أختار كل إنسان لا يراني سلاحا لمعاركه الشخصية، ولا كراهيته، ولا حزازته، أختار كل إنسان لا يعتبر الإيمان أو الإلحاد موقفا يغير به موقفه تجاهي، أختار كل إنسان يريد أن يكون خيّرا، أنا لست إنسانا خيّرا، لست طيّبا، بالكاد أستطيع التعايش مع نفسي، لكنني سأحاول دائما أن أبتعد عن جذوة الشر المستطير التي أستطيع أن أكونها. والذي يدرك هذا كله، ويعرفه، ويهديك درةً سنيةً من الإدراك والوعي، فهذا هو العارف الحقيقي، والذي إن عرفت واحدا فقط في حياتك منهم، فأنت من المحظوظين في هذه الحياة!
والحمد لله على كل حال
اللهم طهر نويانا وارشدنا لما فيه نفع نفوسنا وأهلنا والناس..