للآخرِ نزعات
غريبة في التعامل معك. يظنُ أحيانا أنه يتكرم عليك بفهمك، بإسباغِ ما يمكنه من
تصورات وشكوك وظنون ليحولها بعد العجن والقليل من الحب والكراهية إلى نتائج دامغة
ليس عليك أكثر من اتباعها. يبالغُ الآخر أحيانا في هذا الدور عندما يضع في وجهك
العذر البائد الشهير [إنني أهتم لأمرك]، أو الجوكر العاطفي الأقرب للسان: [يحزنني
عندما يحدث ذلك لك].
يتحمس الآخر لنتائجه السريعة. يمضغُ القليل من
المشاهدات، ويختار أسرع أدوات الربط سطحية ليخرج لك بنتيجة مطلقةٍ أخرى عنك، وربما
بخلاصةٍ وجوديةٍ ماحقة عن ما ينبغي أن يكون وجوده عليك. تتجاهل في لحظاتِ الحرجِ
هذه الأشياء التي يفعلها الآخر، ربما يقولها لك بعين زائغة، متيقنة من الحقيقة
والنتائج، بشيء من البلاهة الواثقة بلحظة شعورية، بخطوات بحذاء ثقيل ملطخ بالوحل
يطأ الآخر الساحات البيضاء في وجدانك، وهناك تصاب بالذعر، وتشعر بالحزن لكنك في
خضم وقت القلوب النابض مع دقائق الزمان تختار أن تسالمَه، ولو مؤقتا، ولو لمرةٍ أخيرة.
لا يدرك الآخر عادةً أنك تتربص بظنونه كما يتربص هو ويتمسك بخيالاته، يواصل النقر
على الأوتار الميتة ويصنع رجع الصدى من تلقاء ذاته، تلتقيان، تفترقان والحسرة هي
كل الألحان التي ترمي بحزنها في وقتكم اللاحق بعد اللقاء وقبل الشوق.
نحن في الحياة
إما أن نفهم أ ولا نفهم أنفسنا، وبالتالي دربنا الشاق في الحياة لن ينجو من إحدى
الصفتين، إما الذي يسبر الرحلة ويبحث عن نفسه ويجربها، أو هذا الذي اطمأن إلى جهله
بها وقرر أن يواصل الحياة مقامرا بما سيحدث. إن قسمنا وجداننا إلى نصفين سنجد أننا
ننقسم إلى هذين الكائنين عبر مراحلنا الزمنية، بل وربما عبر ساعاتنا التي تقيم
بالمزاج والنشوة. الآخرُ آخِرُ صديق ممكن لك بعد أن تتخلى عنه كمرآة تفهم فيها
نفسك. يحل الهياج غير المبرر في صداقات هادئة والسبب دائما مثل هذه المفترقات
الحادة. عندما تتجاهل الحصى الصغير القادم من الآخر الحانق إلى الجلمود الذي تحمله
على كتفيك. تمضي مع أعبائك، ويحترق الآخر في ابتسامات بلهاء لاحقة يفرزها الحبّ
والندم ليقول: ليتني لم أعتبر خيالي مرجعا من مراجع الحقيقة!