عشت هذه الحياة ولم أجد يوما ما تعريفا أطمئن له
لكلمة [كاتب]. يمكن لأي إنسان انتحال هذه الصفة في هذا الزمان الجديد. المغرد،
كاتب. المدون، كاتب. الكاتب، كاتب! وقس على ذلك كاتب المقال الصحفي، وكاتب القصة،
وكاتب العمود، وكاتب فقرات الأبراج، بشكلٍ ما أو بآخر أقتنعُ ولا أقتنع بتعريفات
الكتابة لأنها تعبر كليا عن كل حقوق الإنسان في العالم مجتمعه، حقه في أن يكتب، مثل
حقه في أن يقرأ، ويعرف، ويتعلم، ويفهم.
للكتابة جانبٌ
آخرٌ في تفاعلها مع كائنها البشري، أو التاريخيّ كما يحلو لمتحذلق أن يقول، جانبٌ
آخر يتعلق بالعادات والسلوك التي يحترف الإنسان الوقوع فيها. زمنيا، يمكن أن نقارن
ساعات الكتابة أو التغريدات بعادة التدخين، فالتغريدة مثل السيجارة تُكتب في دقائق
وتحقق مفعولها لساعة، ثم تذهب في ركام الشظايا اللغوية المتناثرة، جانب العادة هذا
ــ خارج التغريد ونشوته المؤقتة ــ يتجلى في أيام الكائن الكاتب، أو لأقول الكائن
الذي يكتب، الذي لا يتوقف عن المراهنة على الكلمات، الذي يواصل هذه العادة، عادة
انتظار الكلمات وهي تغطي سماء معنىً ما بكلماتٍ ما، شيء من أشياء الوجدان وحاجة من
حاجات النفس. الكتابة تفعل ذلك بك، أظن وأتوههم أنها تفعل أكثر، تغرس مخالبها في
منطق وقتك ومع الوقت تصبح الحياة هامشية وجانبية، فكل ما تعيشه تمر به لكي تكتبه،
وما تتخيله وقود لكي يُكتب يوما ما، تتعلق الحياة وأيامك بتلك الشعلة، أو
الكهرباء، ذلك الومض المختلط بالطنين الذي يلزمك بالجلوس إلى لوحة مفاتيح لتكتب عن
أي موضوع مهم، أو عابر، مثل الكتابة عن الكتابة؛ الاستمناء الفكري الذي يمارسه
الكتاب بعد أن يستبد بهم التعب والإرهاق وتستعصي طلاقة الكلمات ورشاقتها عليهم.
الكتابة عادة،
أريد أن أتوهم ذلك. أريد أن أغرس في وجداني حقيقةً غير مثبتة منطقيا، أن الكتابة
لا تتوقف، وأن الكلمات تمطر للأبد. عادةٌ أخرى أمارسها مع الكتابة، وهي تمنيها،
البقاء دائما في دائرتها، عدم الخروج منها، الانكفاء عليها، الانهماك فيها،
الانطلاق بها، التوغل في غوامضها، والخروج من منها بسلام بعد كل ذلك الغياب داخل
الداخل! إن كنت كاتبا، فربما آن الأوان أن تقول لقرائك أنك إنسان لديه عادة
الكتابة. ولعل نفسي تميل في نهاية هذا التأرجح أن تطمئن لذلك، أن الكتابة عادة،
والكاتب كائن تعود أن يكتب، وبالتالي أظن أن هذه التدوينة وصلت لنهايتها بعدما
فهمت سبب كتابتها، أليست الكتابة عالم مدهش فعلا!