بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 25 مايو 2022

معضلات أزلية

 مُشكلة المُلحد أنَّه يرفض الاعتراف أنَّ ملاحظاته على تاريخية الدين لا تكفي للقطع بأنَّ الإجابة على سؤال الخالق قادمة من الدين.

 فهناك تناقض منطقي! إن كنت ترى الدين وهما! فلماذا تعتبره الطريقة الوحيدة للوصول للخالق؟ ولليقين به؟ تنزه الدين حد اعتباره حقَّا مطلقا وتثور عليه؟
وهو شأن من شؤون المكابرة أحيانا! يتشدَّقُ بقوله [اعتبرني ملحداً] طيِّب أنت ملحد. لا بأس، سأناقشك ماديا. ملحد لأنَّك لا تبحث عن الحقيقة؟ لأنَّك لا تتأمل؟ لأنَّك [زعلان على رب العالمين] لأنك تؤنسنه؟ أم لأنك تبحث عن المتناقضات بجنون؟ زعلان لأن البشر ليسوا آلهةً؟ ولا كمال بهم!
ودع عنك أسئلة النبوَّة، لا بأس. سنعتبره شأنا تاريخيا كما يحلو لك. دعنا في سؤال الخالق. تنكر وجوده؟ لماذا؟ لأنَّك زعلان على دينك السابق؟ أم لأنَّك تستنبط من الظن ما تؤجج به قدرتك الفردية على إدراك هل هذا الواسع الشاسع؟ تقول [اعتبرني ملحداً] لماذا يا شيخ؟ يا قُطب العقول؟
ولماذا لا تعترف بأنّك نرجسي، لديك تراكمات وجدانية تجاه موضوع الدين؟ هل تعرف لماذا؟ لأن هذا صعب عليك! صعب للغاية! فحامي حمى العقل والمنطق يرفض سؤال الخالق، والإيمان يبدأ من هذا السؤال. دع عنك تاريخية الدين، دعنا في إنسانيتنا وسؤال الكون الكبير، لماذا ترفضه؟ وترفض احتماله وتحمله؟
ولا أعرف لماذا يغالي البعض في الدفاع عن الدين ضد الملاحدة! بالله عليك أيها المؤمن! أليس المنطق كافيا! يقول لك: هذا الكون بلا خالق! وهل المؤمن لديه دليل مادي أم عقلي! وأنت! ما دليلك العقلي! الكون بلا خالق! لماذا؟ لأن سيادتي قال ذلك! من أنت؟ العقل المُطلق قبل المحض! يا شيخ!
ماذا لو قلت لك أن الإيمان بالله من احتمال وجود الله [ماديا وعقليا] ماذا لو قلت لك أنني أتفق معك! الله يقين، في الوجدان، لكنه في العقل احتمال، وهذا الاحتمال يكفي. سأخاطبك بماديّتك. وبماذا سترد علي؟ بتاريخية الروايات! لماذا لا تعترف أنك حائر أو غاضب، أو مبغض!
لماذا لا تقر أنك لا تملك الحقيقة، حتى في تشدقك المادي! لماذا لا تقر أنَّ اليقين سؤال كبير مستمر! على الأقل فاعترف أنَّ الإجابة احتمالية دائما! على الأقل اعترف أنَّ الحياة في هذا الكوكب سؤال كبير! على الأقل اعترف أن هامشا احتماليا لخطئك موجود! الله يعينك يا شيخ! الله يعينك!
وماذا لديك؟ دموية الدين! يا سلام عليك! وهل هذا الكوكب غير كوكب دموي! وماذا لديك؟ محاسبة الدين وفق آيديولوجية مثالية! نرجسية! مغالية في اعتبار فرديتك مرجعا لكل شيء! هذا يصلح في عالم الشعر أيها المفكر العظيم! سأخاطبك بمنطقك! سؤال الخالق ما الذي غفلت عنه! السؤال أم الإجابة؟
وما عذرك؟ للخوف من النقاش؟ للخوف من الجدال؟ أعرف عذرك، دموية الذين يرفضون السؤال وهؤلاء يستسهلون صناعة العبر، هؤلاء [سلطة] وما أفظع ما فعلوه باسم الدين، هل كل من سألك يريد بك شرا ماديا! كلا. لكن هذه حجتك، لتبحث عن من؟ عن الذي تختبر عليه نرجسية الظن، ورجمك الغاشم به!
وسترفض كل الرفض، الاعتراف بجرحك، وبحزنك. وبتنزيهك لله من كل عيب نسبه البشر إليه من فرط ظنهم بأنَّهم يدركونه بالعقل! كلامك صحيح البشر يفعلون ذلك! هل هذا عذر كافٍ؟ لتمزق نفسك بكل هذه النصال؟ لترمي بوجدانك لكل هذا الألم والشقاء؟ لماذا يحددون هم صلتك بالله؟ وسؤالك؟ واحتمالك؟
وعندما تصول وتجول في هذا الكوكب زائغ العينين، عدائي الأفكار! تغضب عندما يُطلق عليك الآخر أحكامه! نعم تغضب، وتنتصر لذاتيتك، ما هو سلاحك؟ تناقضات الروايات؟ أم تخشب كهنة الحقيقة؟ هل هذا عذر لتلغي الاحتمال الكبير؟ والسؤال الكبير! والدهشة البشرية أمام هذا الوجود؟ هل هذا عذر يا صديقي؟
لماذا أنت ملحد؟ - لأنهم يريدون قتلي! هُم! الآخر؟ الذي لديه السلطة؟ الذي يمارس القوَّة؟ البشر؟ هُم؟ البشر؟ هذا يكفي؟ لتجيب على السؤال الكبير؟ هُم؟ يقتلون؟ ويكفّرون؟ القوة النيتشوية! لماذا أنت ملحد؟ لأن القوة تقول لي أنت ملحد! لقد كفرت بالبشر، ولم تكفر بالله! يا مؤمن!
وتظن أنَّك ملحد، وتقول ذلك؟ لأن المؤمن سمَّاك ملحداً! أي غرائبية في ذلك! تأخذ صفةَ مؤمن عنك! فتؤمن بها! من الذي سمّاك ملحدا؟ - المؤمنون! يا سلام عليك، وأنت تلحد بالإله الذي يؤمنون به! كفرت بإلههم وآمنت بهم! يا سلام عليك! اعترف أنك حالة اجتماعية! على الأقل اعترف بذلك لنفسك!
وتقول: لا أؤمن بالله؟ إله من؟ [الله] الذي يؤمن به من؟ الذي يؤمن به كل هؤلاء الذين أثور عليهم! اجتماعيا، أو فكريا! أي سياق هذا؟ هم يزعمون كمال يقينهم! وأنت؟ لا تؤمن بكمال يقينهم؟ والنتيجة؟ ما هو يقينك؟ - ما لا يؤمنون به! يا سلام عليك يا صديقي! آمنت بكلمة [لا] بسبب من يقول [نعم!]
وما العدمُ الذي تؤمن به؟ مثبت منطقيا؟ وعلميا؟ وماديا؟ تقول عن نفسك أنَّك ملحد، وتفعل ما يفعله المؤمن، تقرُّ بقصور عقل المؤمن، وقصور عقل الإنسان! وماذا عنك! حاشا وكلَّا، خيالك عن سابق الزمن، والتاريخ الفائت يكفي لتقطع [لا أصدق] جيد، لا تصدق، فلماذا تكذب؟ لماذا تلغي الاحتمال؟
أنت مؤمن ما دام السؤال حاضر في ذهنك، غير ذلك لا فرق بينك وبين المؤمن الأرعن، المغالي في وضع نفسه مكان الله، يقرأ النفوس، ويعرف ما تخفي الصدور. أنت مؤمن حتى تقرر أنَّك وجدت الإجابة الكبيرة! ووقتها، ليس لديك سوى جدليات التراتب التاريخي، والذي تجيده، بقوة التشكيك لا قوة اليقين!
وهي لعبة تلعب بها حتى تلعب بك. أين الإجابة؟ خارج التلاعب بالممكن والمحتمل؟ أليست الأسئلة كلها في عالم المُحتمل؟ لكنك ترفضُ السؤال وتقبل بالسياق! تقبل ما يمكنك تحطيمه! بماذا؟ بسؤال [ماذا لو؟] .. واجد عليك! يا قوي! ماذا لو أنت على خطأ؟ ماذا لو أنك تلعب بالقسمة على الصفر؟
وتترك سؤال الكون الكبير! لماذا؟ لكي تتخصص في تراتبٍ تاريخي! تدخل في شأن سياقي قابل للأخذ والرد! يا عيني عليك يا وجودي يا متسائل! وتتساءل لماذا يتم اعتبارك شأنا اجتماعيا؟ وتتساءل لماذا آلة تخريب اليقين ليست إجابة؟ تركت كونية السؤال إلى اجتماعية الحياة! وتلوم الدين على دنيوتيه؟
يقولون: نعلم! تقول: أعلم! لا فرق بينكما. ماديتكما متشابهة! هو بالإثبات، وأنت بالنفي. ماذا عن سؤال الكون الكبير؟ وسؤال الخالق؟ وكُل ما يقودك للطمأنينة تجاه سبب وجودك في هذا الكوكب؟ وجودك القصير، والذي لن يغير سيرورة حياة العنصر البشري في هذا الكوكب! لن تكون نبيَّا!
وهي لعبة الوعي، وما فوق الوعي، لوغاريتمات. أو حركة التاريخ، وما فوق التاريخ، فهي لعبة خوارزميات. لعبة تفاعل، ذاتية مفرطة في تصديق كوكبك الداخلي، أما الكوكب الخارجي، فهو يمضي في شأنه، بعيدا عن حسرتك المريرة، أنَّ البشر يرون في رجمك الغاشم بالشك: لعبة! جذر متخيل، وحيلة ذهنية!
وإن ناقشتك في اليقين الأوَّل بالله، والخالق! إذا بك تبهت! ما هي أداتك الكبيرة؟ تدنيس المقدس! بول البعير؟ تقززك من الإرث؟ تعالي [البنك بانثر] الذي بداخلك على دموية الحياة؟ ماذا تريد بالضبط؟ شخصيٌّ جدا، وليس لديك سوى هذا المدخل! تلاعبك بالمنطق الكبير وأنت صغير جدا جدا!
أناقشك في فطرة البحث والسؤال، فترتبك! لماذا؟ ليس لديك تكئة تكفي لإقلاقِ طمأنينتي! يجب أن أكون متحمسا به ما يكفي من الرعونة لكي يحاجج تخابثك، لكي يتصدى لمماحكاتك، كأنك العقل البشري الذي قسم على الصفر، وزار الثقوب السوداء، ولديه مجهر المادة والطاقة، وعينه ترى نهاية الكون! يا شيخ!
وعندما لا تجدُ ما تريد إثباته من الفردِ الذي يُناقشك، سوف تتهربُ إلى أسئلة القمع الديني، والخوف من البطش! يبطش بك من؟ إن كنتَ تسألُ فلا دينَ يمنعك من السؤال! هل أهل الدين أبرياء من البطش بالأبرياء! قطعا لا، هل أنت بريء من التخابث على المنطق، أيضا: قطعا لا!
وقد يمدُّ الله . آسف قصدي [الوقت] في عُمرك، فتعرف ثم تعترفُ أنَّك كنت تعبثُ في كل ما تفعله، فلا حقيقة لديك سوى [اللاحقيقة] ولا يقين لديك سوى [اللايقين] ولا ترجيح لديك سوى لاحتمالية العدم، تقسمُ على الصفر، وتضرب المطلقات في بعضها البعض، وتقرُّ متأخر بعجزك عن إدراك هل هذا المستحيل!
ولا أعرفُ أي انقياد لديك إن كنت تؤاخذ المؤمن على انقياده للتلقين! لأنَّ فُلانا شتم الله! والله لم يضربه بصاعقه! فالله غير موجود! يا سلام عليك يا داهية الدهاة! سياق المؤمن، في تبرير المكذّب! الشكّاك لأجل الشك، الظان لأجل الظن! يا سلام عليك، ولا ترى تناقضك البيّن! يا متمزق!
ورغم كل شيء، هُناك من يقبل أسئلتك، ومن يعنيه أمرك، ومن يتمنى لإنسانيتك أن تُكمل رحلة البحث، أن تضع السؤال في مكانِه. دع عنك كل شيء، وفكّر في السؤال قبل كل إجاباتك، وشقائك، ووحدتك، وتراكمات حياتك، وكل غضبك على التلقين الشائع. هُناك من يقبل سؤالك، وهُناك من يراك إنسانا! فلا تيأس.
دع أسئلة التاريخ، وضع إجابات المتسلطين باسم الدين جانبا، تجاوز هذه الكراهية، وابحث في حناياك، واسأل، وتساءل. وجود من يرفض أسئلتك لا يعني غياب من يقبلها. قد لا تكون غاضبا، نقوما، وقد تكون سيء الاختيار فبحثت في المكان الخطأ. ابحث عن السؤال، لا الإجابة يا صديقي الحائر.
تقول"التطور" ثم ستغالي "العلم"؟ ترد على من؟ على الذين يقولون: الانفجار العظيم موجود في آية [كانتا رتقا ففتقناهما؟] .. كلامهم اليقين الذي تريد نسفه؟ رأيهم وركز [رأيهم] يكفي لكي تنسف مبتدأهم؟ يا إنسان! سؤالك خطأ إن كنتَ تُناقش من يريد إثبات إجاباته! هُناك من يقبل اسئلتك ابحث!
وإن كنت تقرأ كلامي، وتفهم حرقتي، أنا مثل الجميع، مثلك، عقلي لا يستطيع القسمة على الصفر. أقبل سؤالك، وأقبل مشاعرك، وأقبل غضبك، وعشت سنوات طويلة فيه، ليست لدي إجابة مطلقة، لدي سؤال، سؤال الاحتمال، وهو يكفي لتبدأ البحث، لتسأل، ومن سأل وصل. فلا تيأس. تجاوز غضبك، وابحث. وستجد.
والشكُّ كالإيمان، ليس فيروسا مصنَّعا لكي تعدي به من تشاء. الجاهز في يقينه، كالمُجهز في شكوكِه. هذا العالم ليس كما تحبُّ، وليس كما أحبُّ، العالم ليس كما يحبُّ أي إنسان. لا تيأس من الله، لا تيأس من البحث عنه، لا تستعجل أي شيء، قُل على الأقل: ربما! ربما تكفي تكفي كثيرا يا صديقي
ولتعلم، لست وحدك الحزين على اليقين. لست وحدك الحزين على الدين، لست وحدك المتحسر على مآل رسائل النبوَّة. هذا الكوكب كتبَ الله عليه الكبد. آمنت، أم كفرت، هذا الشقاء لن يزول، وستبقى الحياة سؤالا كبيرا. آمنت أم كفرت، الإيمان أسئلة احتمال، ما تحمله، وما تتحمله، وما تحتمله. لا تيأس.