بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 مارس 2024

الساخطون!

ما الذي يدور في عقولهم؟ هؤلاءِ الذين يجعلون السخطَ أساس تعاملهم مع الآخرين! ما الذي كان يمكنه أن يقدمَ لعونهم؟ ومساعدتهم، لتجنب النهايات المؤلمة للإنسان الذي لا يعجبه العجب؟
ثمَّة بشرٌ في هذه الحياة حرموا على ألسنتهم الكلمة الطيبة. وصنعوا عشرات التبريرات لعقلنة أسلوبهم، وطريقتهم في التعامل والحوار. أظن أنك يا عزيزي القارئ قد يتبادر لذهنكِ شخص أو شخصين، تنزعج دائما من طريقتهم في الحديث معك، ولا أقصد هؤلاء، الذين لديهم أمل كبير في اكتشافِ ضرر سلوكهم عليهم، وإنما هذه الحالات التي وصلت إلى الحدود الضارة، وبدأت تعيش في عزلةٍ، وفي بعدٍ، ويحيط بها الشعور باليأس منهم، كما يأكلهم من الداخل الشعور باليأس تجاه الحياة، وتجاه الآخرين، وأنهم لا يتغيرون.
دائما ما أتساءل، كيف يمكن مساعدتهم؟ ما هو القلق الشديد الذي يدفعهم إلى الهجوم بشكل قهري على كل شيء. البعض قد يجد سهولةً بالغة في إطلاق إطارٍ عريضٍ كالوسواس، أو، القلق، البعض قد يتقصى أكثر، هل لدينا إنسان يستمتع بتكسير مجاديف الآخرين، ووصمهم بالنقص، والتعبير عن السخط، أما لدينا إنسان يؤذيه ما يقوله، لكنه يندفع لقوله، يقوله كأنه مسحور، به شيء ما يدفع به دفعا للانتقاد الجارح، وللانتقاص مما هو جميل، أو ما هو مشجِّع، أو ما هو عفوي، أو ما هو متحمِّس!

كيف يمكن أن تتعاطف وأن تساعد إنساناً هذا ما يفعله؟ لعل الخطوة الأولى هي أن تبني دفاعات بينك وبين نفسه، وتتقبل أن هذا الخطب الذي به، وتتخذ قرارا ينفعك، بألا تعتمد عليه كمصدر من مصادر التشجيع!
نغرق أحيانا في البحث عن الأسباب، ونحاول البحث عن أسباب للغفران، وهذه شيء جيد، هل تتخيل ذلك الشخص الذي يهاجمك بضراوة إن قلتَ له أنك تمارس اليوجا مثلا! فيهجم عليك بقسوة، ويصفك بالسخيف! ثم يهجم على العالم الضحل والسطحي! لدرجة أنك تندم أنك شاركته ذلك الاهتمام؟
هل تخبر شخصا ما أنك قبلت في تخصص، فيحقن سخطه تجاه الحياة في لحظتك؟ وكيف أن هذا التخصص نهايته البطالة؟ وأنك تذهب بحياتك للجحيم!
المشكلة أنهم لا يقولون ذلك وهم يقصدون الأذى، ثمة هلعٌ تجاه الحياة، وشعور عارمٌ باليأس، وإن عزلنا احتمالية أننا نتعامل مع إنسان سام يستمتع بتلويث سعادة الآخرين، سنجد أننا نتعامل مع إنسان متألمٍ، لديه الرغبة في أن يسعد بسعادة الآخرين لكنه يعجز عن الاطمئنان تجاه الحياة بما يكفي لكي يثق في حدوث الأحداث السعيدة!

الأسباب التي تجعل شخصا ما ساخطا، وغاضبا كثيرة، السؤال هو كيف نتعامل معه؟ وهذا السؤال ذي الإجابة الأسهل! السؤال الأصعب هو: كيف يمكن أن نساعده؟ كيف يمكننا أن نهدئ من روعه، وكيف يمكننا أن نعيد تذكيره بتلك الأسس المتفق عليها بين البشر، حول المعاملة، واللطف، وأن اللطف الذي ترسله يعود إليك، وإن قبولك بين من تتعامل معهم شيء عليك تعلمه، وتطبيقه، وتصويب مساره!

مشحون بالغضب، لكنه يسمه حكمة. مليء بالسخط، ويسمي ذلك واقعية، يسمي ردة الفعل موقفا، يتكهرب عندما تقترب من البضعة المشحونة بالهلع، حتى محاولتك للأخذ بيده لكي ينظر للحياة نظرة أكثر تفاؤلية، سيلطمك كما يفعل أكثم بن صيفي "سوء الظن عصمة، وحسن الظن ورطة" وكلامه صحيح، إن كنا نتكلم عن إنسان يعيش في غابةٍ، أو في ساحة غربةٍ. الذي يفعل ذلك في محيط مملوء بالحب، والتفهم، والعون، والصبر، هذا هو الذي يثير الأسئلة. ما الذي كسرك إلى هذا الحد؟ وما هي الطريقة التي يمكن أن تُعان بها؟ من طريق تأقلمنا مع الشخصيات الساخطة، تحويلها إلى نموذج أدبي متداول ورائج للشخصيات السامة. وهذا خطأ، الساخطُ الغاضبُ يختلف عن الذي يلعب بمهارةٍ على الأعصابِ المكشوفة في وجدانك، ذلك النرجسي الذي يضربُك ببراعةٍ في نقاط ضعفك، والذي يكسرك بتعمد، ويستخدمك في ألاعيبه الاجتماعية، أو السياسية، أو التجارية، أو حتى الفنية والثقافية. هذا النموذج يعرف ما يفعله أما النوع الآخر، الساخط الهلوع لا يعرف أنه يفعل كل ذلك، إنه يمر باندفاعٍ مشحون بالقلق على كل ما لا يعبأ به من نفسه، يمر على حلق الألغام راكضا، تنفجر فيه، تؤلمه وتؤذيه، أما السام فهو جبانٌ ذكي، يلقي بالحجر من بعيد، يترك مؤقتات مدروسة لكي لا يكون هناك عندما تبدأ جروحك بالنزيف. كيف يمكن فهم هذا الإنسان؟ هذا شيء! كيف يمكن مساعدته هذا شيء آخر. تخيل أن تتعامل مع غريب ساخطٍ لا يعجبه أي شيء. وكما اتفقنا أعلاه، تيقننا أننا لا نتعامل مع إنسان يجد إحباط الآخرين ممتعاً، شخص مكسورٌ من الداخل، هلع، قلق، يكون وسائل دفاعية كثيرة، ويستخدم الهجوم النفسي على الآخرين عندما يشعر بالضغط! كيف يمكن مساعدته؟ من الأساس من هذا الذي "فيه بارض" لكي يتعايش معه طبيعته الساخطة؟ لا شيء يعجبه، ولا تصدر من فمه كلمة طيبة، والتعامل معه صعب، والابتعاد عنه هو الخيار الذي يفاقم المشكلة، ويجعله يعيش في دائرة حيرته، وبحثه الدائم عن السبب، فيعود، ويلقي باللوم على العالم، ويزداد سخطا، وبعد ابتعاده، يأتي اقترابه وقد اكتسب شحنة جديدة من السخط، وهكذا دواليك حتى تتحقق الصورة النمطية الاعتيادية للإنسان الذي فقد اتصاله مع الآخرين، ولم يعد قادرا على الحوار أو الحديث مع أحد. كثيرون يمكن إنقاذهم من هذه الخسارات. يمكن تجنب دخولهم للنهاية في نفق الاستخفاف بمشاعرهم الذاتية، وبآمالهم، وبالتالي بآمال الآخرين. تتفاقم المشكلة عندما نبحثُ عن ما يهدئ روعنا من الذين يعانون من الآثار الكاوية لليأس والتشاؤم، أو الآثار الحارقة للقلق والهلع، أو الآثار الانفجارية للغضب والكبت. هنا يصبح لدينا مشكلتان، والمشكلة أصعب بكثير عندما يكون الطرف الثاني طفلا لأبٍ أو لأمٍ يعاني من هذا الوضع. التعامل مع إنسان غير قادر على اللطف، أو إنسان حمضي كاوٍ ينفث ما في غدته تحت ظروف معينة، ليس سهلا. التعايش مع ما يسببه من آثار محبطة ومقلقة في محيط العمل، أو في محيط القرابات الاجتماعية صعب للغاية، ثمة أشياء علينا أن نعززها في أنفسنا قبل المجازفة بتقديم التعاطف أو النصح أو العون لإنسان يخسر بالتدريج الذين حوله بسبب قلقه، ومنظوره الحاد اليائس أو الساخط. إنهم يخسرون الكثير، يخسرون من حولهم، يخسرون من روحهم، يخسرون تفاؤلهم، يخسرون صحتهم النفسية، يخسرون صوابيتهم المنطقية، يخسرون ذلك الدفق الوجداني الرئيسي الذي نحتاجه لنكمل الحياة، دفق الأمل، والمحبة، وتوالد الخطط والأحلام. إن وضعت على عاتقك أن تساعد أحدا منهم، فلتكن الخطوة الأولى أن تحمي نفسك من آثار سخطهم، وأن تحاول بجمال ومحبة تذكيرهم بالجميل في الحياة، بنسختهم السابقة قبل أن يستولي عليهم القلق والسخط، أو الغضب، أو اليأس، أو الاستخفاف. نعم! قبل أن تساعدهم، عليك أن تساعد نفسك، وتحمي نفسك، وتحيط تأثيرهم عليك بنسيجٍ كثيف مضاد لاختراق سهام القلق، ونثار الزجاج الجارح، وقطرات الحمض الكاوي التي قد تفور منهم وأنت تقترب من جرح نازف، أو ندبةٍ لم تشفَ في أرواحهم، أو كسر شديد في أجنحة روحهم. أن تفعل ذلك مع إنسان ليس من محيط أحبتك وأصدقائك، فأنت هنا الذي يجازف بطمأنينته، وربما تلعب دور المنقذ، وربما من الأساس تتدخل في الذي لا يعنيك، أن تفعل ذلك مع إنسان لم يلجأ لك، ويرفض تدخلك فأنت المخطئ هُنا، عليك أيضا أن تتذكر ذلك قبل أن تحاول برومانسية بالغةٍ الانشغال عن مشكلاتك بحل مشكلات العالم. لكن أن تفعل ذلك مع من يستحق، لن أقول هذا واجبك، لكنه من أفعال الخير الجميلة، التي تعيد الأمل للمكروبين، وتعيد الطمأنينة لمن فقدوها، وليس عليك أن تكون مسلحا بالحقائق، بل بالصبر، والمنطق، والأهم، أن تكون قد حميت نفسك من الآثار المرهقة لإنسان يعاني بشدة. تذكر، إنه يعيش قلقه وهذا يؤلمه، يعيش يأسه وهذا يؤلمه، وأن يتحدث عن مشاكله هذا يؤلمه، قد لا تكون دعوة من يعانون من داء السخط المتراكم إلى جلسة فضفضة وتنفيس هي الحل، بقدر ما أن دعوتهم إلى جلسة هادئة، من القهوة، أو رحلة لمشاهدة مباراة، أو فيلم أهم. ربما! كل شيء في هذا المقال قادم من كلمة ربما، المغرقة في الاحتمالية. من الذي يساعد هؤلاء الذين فتك بهم السخط؟ هؤلاء ليسوا جاذبين، ولا يشعرون المرء بالمكافأة المعنوية. تحيط بهم التصنيفات، والتأطيرات، كأشخاص مزعجين، أنانيين، وقحين، ونعم قد يكون بعضهم هكذا، السؤال هو، كم منهم كان يمكن إنقاذهم من النهايات المرة للوحدة، وانفضاض الجميع عنهم، بكثير من التفهم، وقليل من التعاطف!
 

ماذا عنك عزيزي القارئ؟ ماذا تقول في حق هؤلاء؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.