بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

هموم تويتر، عذابات الأفكار وحطامها في الزمن الجديد

 مفهوم الإرادة الذاتية المُستقلة يكادُ يكون ملغيا ضمنيا. عندما تقول [خصمي لا يجب أن يقول كذا] هذا يختلف عن قولك [خصمي قال كذا وأرد عليه بكذا].

هُناك جمعية خفيَّة تختبئ في كلامنا كما حدث في هذه الجملة عندما قلت [كلامنا]. هذه الأفكار الخبيئة! والتعريفات غير المتفق عليها.
ويتباين الخصوم في هذه التعريفات الضمنية، عادةً الذي يجادل في [حق خصمه] في الكلام أكثر من مجادلته في [خطأ خطاب] خصمه، يمارس هذا التعريف. لا تتكلم؟ لماذا؟ لأن الناس تتأثر؟ لماذا؟ لأن الناس تنقاد؟ لماذا أصمت؟ لأنني أريدهم أن ينقادوا لي وليس لك! ماذا عن الإرادة الذاتية المستقلة؟
وهذا هو الفخ، والطريف في الأمر أن هذا الذي يفكك خطاب الخصوم، ويوضحه خباياه، وخفاياه أو [يكشف خططه] عندما يكون صادقا فهذا أكثر إنصافا للخصم، من هذا الذي يقول: خصمي يجب أن يخرس للأسباب الواردة في التغريدة الماضية. مع أن الذي يفكك حجج الخصم أشد ضررا على خصمه، لكنه أيضا أكثر إنصافا.
وهي ظاهرة مثيرة للتأمل. يقع فيها الخبير ذو الخلاصات، وخائض التجارب في بداياته. ولعل أهم مسببات الوقوع في هذا الفخ أنت يكون المرء تحت ضغط ما. يُقدَّم كحامل لواء، أو ينصب نفسه جنديا في معركة فكرية. هُنا يطيش الإحكام المنطقي للحجج، وتبدأ خطابات الريبة، والانفعال بكل تشنجها.
الذي لا يحترم الإرادة الذاتية المستقلة، قد يتوقف عن احترام عقل المتلقي. كيف عساي أن أتفاعل مع مُرسل خطاب [كاتب مثلا] وهو يقول لي: - أنت سهل الانقياد، لا تسمع لخصمي. - خصمي لديه خطة سيئة لك وأنا لدي خطة أحسن. -أنت [جاهل] بحقيقة ما يدور، وأنا [أعلم] الخبايا.
الظاهرة البشري المتمثلة في الاختلاف في الرأي تكون لها نتائج نافعة ومفيدة عندما تبقى في حيّز تفكيك الحجج، وإعادة صناعتها في حالة مستمرة لا تتوقف. هُنا تُصنع معايير غير متفق عليها بين الخصوم، تؤدي إلى اعتراف الخصم بأن حجة خصمه [خطأ] ولكنها محكمة منطقيا، وصافية وغير مراوغة.
المثال الأبرز: عندما لا يراوغ الليبرالي ويقولها صراحة: أريد السماح بالكحول، لا أريد الأحكام الشخصية الفقهية الدينية، أريد تحديد الميراث بنفسي، ولا أريد أن يكون دين الدولة الإسلام، وأؤمن بالعلمانية. المتدين يختلف مع هذا الخطاب، لكنه لا يتهمه بالغموض والالتواء، صريح وواضح.
المثال الثاني: عندما يقول شخص متدين،أريد أحكام الشريعة، وشرطة أخلاق، ومنع الكحول، وتطبيق شرع الله. عندما يناقشه [ليبرالي]، هُنا يتحول الجدال إلى مفرزة للحجج، فالنية واضحة، ويتم الاحتكام إلى الواقع لدراسة تأثير كل حجة عليه، وهنا يكون الحوار [نافعا] وأيضا [نفعيا]. من الأنفع للناس؟
وهذا مثال على الجدال الصحي الواضح، المتلقي ينتفعُ من الأفق الندّي، وتُحترم الإرادة الذاتية المستقلة، ويكون [الإقناع] والمجادلة بالحسنى هي أساس الحوار. والطرفان قادران على احترام شيء، أنهما أمام خصم صريح وواضح، قد يتهمان بعضهما البعض بكل التهم ما عدا تهمة واحدة: المراوغة.
هُناك أمثلة مختلفة، بعضها له شكل أدبي، مثل صراع النرجسيات، والذي له قيمة أدبية وينقد انفعاليا، مثال [انتوه المطاوعة، أو انتوه الليبراليين، وأنا تراني كاشفنكم، وأنا أكرهكم، وأنتم تكرهونا] خطاب الذات الانفعالية الذي هو [بهارات] على الأفكار، لا تضر، ولا تنفع، مجرد عواطف ذاتية.
ثم هناك الجدال التالف، فهو غير مبني على عدالة منطقية في طرح الحجج، يبدأ أولا من حق طرحك للحجج. وأيضا المثال الأبرز عندما [يكفر] مطوَّع بدين الليبراليين ويقول: أطالب بمنع الكحول! الجدال التالف يبدأ بجزئية: لماذا "تطالب بذلك" ولماذا تقول هذا الرأي؟ قولك له مبدئيا محل نقاش.
وكذلك على صعيد الجانب الآخر، يأتي رأي ليبرالي فيقول: الحجاب حرية شخصية، ولا أرى مانعا في بيع الكحول للبالغين في أي دكان. يبدأ الجدال التالف كما في المثال الماضي من جزئية: قولك لهذا الرأي، وقدرتك على قوله محل الجدال، وثانيا يأتي الجدال معك على ما قلتَه.
لذلك تحفل ساحة تويتر بهذا النوع من المجادلات، وتشيع فيها الروح العدائية. مجرد طرح فكرة من [فرد، لفرد] مبنية على مبدأ [اخرس يا خصمي] هُنا تلف الحوار، وفقد إحكامه المنطقي، ودخل في صراعٍ وجودي مرير، والردود فيه تكون دفاعية [مستحقة]. فرد، ويتجرأ ويقول لي: اخرس يا خصمي؟
نتائج الجدال التالف تُرى بكثرة في ساحة تويتر ما يسمى عادة [استدعاء السلطة]، فالليبرالي لا يجادل المطوّع في مقالِه، ولكنه ينادي السلطة أن [تُخرس] المطوَّع لأنه لو [واصل الكلام] فالنهاية مريرة للناس، وطالبان قادمة. ويأتي مطوّع ويفعل الشيء نفسه ويقول: أخرسوهم. جدال تالف.
وصفت الجدال بالتالف، والنافع من حيث نفعه الفكر للمتلقي، فالجدال الذي به سمات الوضوح، والصراحة، وتوضيح المقاصد، وضرب الأمثلة، وتحليل الأسباب، وتفكيك الحجج، وإعادة الجدال، واحترام حق الخصم في طرح حججه، هذا جدال نافع للمتلقي، لأنه يقدم له معارف وتجارب وخلاصات فكرية متفاعلة.
وإذا أخذنا بقاعدة [ما ينفع الناس يمكث]، فإن تويتر العربي، والعماني بشكل عام لا يخلو من هذا النافع من الحوارات والجدالات، وهي ليست بالضجيج الذي يطمح له الباحثون عن لذة [الأكشن] بين العقول المختلفة في الرأي والتوجه. والفخ ليس بسبب الناس فحسب، لكن توجيه السلوك له أسباب إضافية.
منصة تويتر أساسا ليست مصممة لتعزيز سلوك الحوار الصحي، فهي منصة لا تسمح لك أن تُدير ساحتك، بالكاد أضافت خاصية [إخفاء التغريدات] لكنها أيضا لا تمنع الناس من الإطلاع عليها. المنصة منحازة إلى [إلزامك] بحسابك فقط، أما تفاعل الناس مع تغريداتك فهو ضمن [دستور تويتر] وتوجهاته التجارية.
المقولة الشهيرة "إن وجدت منتجا مجانيا، فاعلم بأنك أنت السلعة" وهذا ما فعله تويتر، وحتى فكرة [الهاشتاج] من الأساس وغيرها، كلها تسهّل الجو العام وتصعّب الجدال النافع، الجدال التالف [أنفع لتويتر] من كونه [أنفع للناس]. المنصة مليارية المشتركين، والربحية أهم من خزعبلات الجدال المنطقي.
طيب بعد كل هذا السرد الطويل والعريض، تتساءل يا عزيزي المتلقي، كيف أميّز إن كان هذا الجدال تالفا [وفق التعريف الوارد في التغريدات السابقة]. حسنا، هُنا أيضا يطول الكلام، لذلك صبرك معي شكلنا بنخلص بعد مائة تغريدة! كيف نعرف الجدال التالف يُتبع.
أول قاعدة: خصمي يحق له أن يقول رأيه بوضوح! وهذه ليست قاعدة مطلقة لكنها تكفي كبداية لتفهم، هل مُرسل الخطاب [الكاتب] يريد أن يُقنعك أنت كمتلقي؟ أم يريد أن يُغضبك ضد خصمه؟ من مؤشرات الجدال التالف أنَّه يُناقش حق خصمه في الجدال، وهُنا ندخل في التسلط، ومصادرة حق الكلام. تلف!
تلف2: مُرسل الخطاب لا يرد على حجج خصمه، ولكنه مُراوغ، يريد الاستفزاز، ويتجاهل أن خصمه قد يكون تحدث بحجج واضحة المقاصد. تراه يتهمه بالجهل، أو يسطح الحوار، أو يبدأ بالتعالي ويقول له: تراني كاشفنك، تراني عارف خططكم، تراني ما بخليكم، وغيرها من السخافات الذاتية العاطفية.
تلف 3: أنت جاهل! مُرسل الخطاب عندما يخاطبك كمتلقي بقوله: أنت جاهل! وأنت لا تعرف الخبايا، هذا مؤشر مُقلق على كونه نافعا لك كمتلقٍ. ولا يمكن استخدام ذلك بشكل مُطلق، فقد يأتي الكلام بحسن نية على شاكلة: كثير من الناس لا تعلم عن علوم الإحاثة. وقد يكون تالفا مثل: يا جاهل دعني أعلمك!
تلف 4: المُجادل الخفي وهذا هو الاسم المستعار، فهو مستعار لأنَّه يريد أن يناقش بكل صدق وتجرّد من أي صفة شخصية له، أو قليل أدب يمارس فنون المغايظة وغيرها من مؤشرات الاختلال المنطقي متنصلا من مسؤولية كلامه بالتخفي. تعرف النافع منهم من جموده الانفعالي، وتركيزه على الأفكار لا الأشخاص.
تلف 5: المدلس وهذا تعرفه فقط بعد أن تقارن كلامه عن خصمه، بكلام خصمه. فهذا يبتكر مضامين لئيمة ضد الخصم، ويضعه في صراع التوضيح المتوالي، ويؤجل أو يعطل النفع من الحوار، فهو يسعى لتشويه ما يقوله خصمه أكثر ما يسعى لإقناعك كمتلقٍ بحجج أقوى إحكاما وأشد متانة وأكثر إقناعا.
تلف6: المماحك. وهذا نستطيع أن نسميه [مجادل الحجة الواحدة]. تجده متمسكا بحجة واحدة يرد بها على خصمه، وليس لديه غيرها. وغالبا ما تجده [فاصل] على نقطة واحدة ولا يزول عنها. يأتي منه نفع وحيد وهو عندما إما يرد خصمه على حجته، فترى كيف يعيد بناءها، أو عندما يعجز خصمه عن الرد عليه.
تلف 7 إلى آخره: ابن الستين كلب وهذا هو النموذج المنحط الذي يا عزيزي القارئ لا تحتاج إلا ثلاث ثوانٍ لكشفه. فتّان، أو شمّات، أو خبير تقيؤ، أو نرجسي سام يقول لك أنت غبي، وهؤلاء من ظاهرة الحياة، ووجود أمراض دائمة أو مؤقتة في عقول البشر، والأمثل أخرى وكثيرة.
طيب قد تسألني وأنت تتمنى نهاية هذا الثريد الأطول من يوم الأحد. كيف أعزز فكرة أن [يصدر مني] جدال نافع، كيف أتجنب أن أكون أنا نفسي مصدر جدالات تالفة. هُناك بعض الأشياء التي تساعد، والتي سأكتبه في التغريدة القادمة لأنني أريد استغلال مساحة هذه التغريدة حتى آخر رمق. يتبع.
هناك بعض النقاط لو اتبعتها ستجد طريقك بتلقائية وهدوء ودون ضغط عصبي وذلك باتباعك القوانين الآتية: - خصمي يحق له أن يقول رأيه وأن يعبر عنه. - أستوضح من خصمي مقاصده ولا أؤلفها نيابة عنه. - أوضح لخصمي مقاصدي. -شخص الخصم غير مهم، الفكرة أهم. -الحوار بينك وبينه، والناس ليسوا طرفا.
- الجدال هدفه اختبار الحجج وتوضيحها. - يمكننا أن نتفق على الاختلاف توفيرا للوقت. -لا أستخدم المغالطات في نقاشي مع خصمي. - أقفل النقاش مع الخصم الذي يستخدم المغالطات. - أسوي بارض في حال كان خصمي أقل مني خبرة. - أحترم إن كان خصمي خبيرا في مجاله وصادقا علميا.
- إن اختلفنا في حقيقة علمية أو تاريخية نتفق على طريقة للاحتكام [مرجع، عالم ما، جريدة ما] -لا أحرض الناس ضده، ولا أحرض الناس معه في حال كان في نفس فريقي. -أرفض المتطفلين على النقاش من جماعة [جاي يشعللها]. - أكمل النقاش للنهاية أو أعتذر لضيق الوقت. - لا أكابر إن أخطأت في معلومة.
وأولا وأخيرا، انتفاعك من الجدال سيكون مع اختيارك الخصم أو الطرف الذي يحترمُ إرادتك الذاتية المستقلة، والذي تحترم إرادته الذاتية المستقلة. هذا هو المبدأ الرئيسي الذي سيجعلك بدلا من أن تتضرر من تويتر فكريا، ستتحول إلى آلة تفكيك خطابات، وتستخرج النافع حتى من أشد الجدالات تلفا.
وإذا كنت من القلة الذي أكمل قراءة هذا الثريد للنهاية، دعنا نعمل [فعالية] كما يقولون، ونختار نماذج من الجدالات ونسمها بوسم [ #جدال_تالف ووسم #جدال_نافع .. ونسرد تأملنا تجاه الجدال دون الدخول في أشخاصه، ونقول، لماذا نفعني هذا الجدال، ولماذا أظن أنها تالف، وما وجه النفع فيه إن وجد؟
السرد أعلاه لن يخلو من فجوات في الوصف، أو من مصطلحات خارج سياقها العلمي، أو غير ذلك، هي مادة شخصية، ذات طابع تفاعلي مع متابعي هذا الحساب، والهدف منها أولا وأخيرا أن يكون وجودنا في تويتر له فائدة فكرية ما ولو من باب أضعف الإيمان. انتهى ورتبها يا زعيم