كل لاجئ تجربة
مختلفة وحياة تماماً منفردة عن الآخر، بعد وضع هذا في البال. ما هي أيام المهاجرين
حقا؟ هي تجربة كأيام البشر والمختلف فيها أنّ المهاجر يعيش في الوقت نفسه انسحابَه
من حياتِه السابقة في بلاده وفي الوقت نفسه تأقلمه مع البلاد التي أصبح يعيش فيها.
صدمة هائلة من التفاصيل الكثيرة والوفيرة والحقائق المتنوعة والخيارات والمسارات
والملفات والإجراءات والقوانين والأنظمة إلى العمل والاستقرار.
كل بلاد في
العالم تبدو مخيفة عندما تكون جديدا عليها، مثل صدمة اكتشافِك بعد عامين شراء سلعة
بضعف ثمنها لأنّك لا تفرّق بين المتجر الجيد والمتجر السيء. النقل، والحياة في
دولة عدائية مع السيارات ــ لحسن حظ كل سائق دراجة ــ وترتيب حياتك والتعرف على
نظام النقل وخيارات السكن والعمل.
يعيش المهاجر
هذه الصدمة وينمي معها حسه بالتقبل والتأقلم، يأخذ بعضهم شهورا في تجاوز حياتهم
الأولى ويغرق بعضهم سنواتٍ. يكمل بعضهم الطريق فيسكنون بطريقة قانونية ويكملون
مسار أوراقهم، يترك البعض هذا الدرب ويكملون الحياة في طواف دائم. تصادف لاجئا
عرفته في مدينتك وقد أصبح صاحب محل أو مستثمرا ناجحا، وترى من وصل ثريا، وسكن على
حسابه في البداية وقد تبهدل بسبب نمط حياته المترف. ترى اللاجئ الذي اشترى سيارة
وندم على ذلك وقد ترى اللاجئ الذي يقضي أيامه على دراجة هوائية ناسيا قلق التنقل.
كل هذا يسبب
الذعر في البداية، ألا تعرف الشتاء هُنا هذه في حد ذاتِها تجربةٌ مخيفة وعمياء.
لكن الإنسان يتصرف، بشكل ما أو بآخر يتأقلم، يتعلم بعض الحيل، يكتشف طرقا مغايرة
تختلف عن ما يفعله الغرباء، يعرف متجرا لطيفا يشتري منه الطعام، وآخر مختلف يشتري
منه الأدوات الكهربائية، ويبدأ بإمساك العروض الإلكترونية التي هنا وهناك. يجد
مكانا يشتري منه الفول، يكتشف ناديا رياضيا ينفع لأيام الشتاء، يصنع جدولا زمنيا
ممتدا يغطي السنة، وهُنا يمكنك أن تقول أنك وصلت، وأنك قطعت يومك الأول في بلاد
الهجرة، عندما تصبح خططك أكبر من وقتك، وياللساعات المهولة وأنت بعيد، كل ما تحلم
به من وقت ستجده، ستجد وقتا لتتعلم الطبخ، ولتمارس الرياضة، ولتقرأ، ولتكتب،
ولتلعنَ الحياة في الفيس بوك وستجد الساعات تتناثر بعد الساعات.
الوقت سيمر،
هكذا أو هكذا، والهجرة من بلادٍ اجتماعية وجمعية إلى بلاد فردية كل إنسان فيها
كوكب سيرهقك الوقت قليلا حتى تفهم هذا السرّ. سيقل عدد الذين يتصلون بك، ستتبادل
الرسائل مع أعز أصدقائك مرة في الشهر، ستغرق في البعد، واكتشاف الذات، والعمل على
عاهاتك وأخطائك ومشاكلك وربكتك في الحياة.
يمر العام،
الثاني، تسير في الثالث، تقل الأشياء الجديدة، تطمئن إلى رتابة الأيام وتضبط
المنبه من أجل يوم الغد.