من عجائب العمانيين، أنهم لا يمانعونَ المُجاملين
والمُجاملات، حتى هؤلاء الذين يصلون إلى حد الصفاقة والمبالغة، للعمانيين في وعيهم
العام فهمٌ وتفهم؛ أن هذه خيارات حياة، فالكائن المُجامل لا يؤذي أحداً وتجده يودّ
الجميع.
ومن جانبٍ آخر لا يضيق العمانيون ذرعا من فردٍ ما
بسهولة، يستدعي ذلك سنواتٍ من العِناد في الخروج عن السرب الاجتماعي العام،
والمقاربات الواحدة التي أفرزها وهم التشابه أثناء مراحل القمع. عندما يستنكف
العمانيون تصرفاً من فردٍ فإنّهم يهتكون حقوقه بحماسة، ويتكاثرون عليه ويتناثر
الكلام حوله ويجعلونه مضغة لأسابيع، يمكنهم فعل ذلك مرارا بأي شخصية في عمان بما
في ذلك شخصية السلطان، والعمانيون عندما تتورم أفئدتهم تجاه شخصية عالمية ينطقون
جماعاتٍ، ويصنعون صخبا داخليا يعد هائلا بالقياس إلى خروجه الطفيف خارج الحدود.
فهذا هو همّهم الكبير، الداخل العماني أما الخارج فهو قضية أخرى يؤجلها العمانيون
أو يتجنبونها ويثقون في السلطة وما تفعله.
يتصالح العمانيون مع المنافقين، والمرتشين، والكذوبين،
والحسودين، والفاسدين ما داموا لا يخرجون عن السرب العام، عن القوانين العمانية
الخفية التي تضع الوحدة والحفاظ على الأرض أولويةً كُبرى لا تعوّض، أما المال فهو
في نظر العمانيين قابل للتعويض. يتقبل العمانيون منافقي المطاوعة الذين يسرقون مال
الناس والمساجد في عملهم الجانبي في مكتب مقاولات، يتقبل العمانيون كثيرا من
الخطايا على أنها ذكاء، والحظ يمثل لهم حياةً قريبة من السلطة يرفلون فيها
بالامتيازات عن البقية، "يوم تسلم ناقتي ما علي من رفاقتي" هذه أيضا من
الأمثال التي يرددها العمانيون ببذخ.
في عمان كن أنيقاً والبس جيدا وتكلم بلطف وافعل ما تشاء،
لن يؤاخذك عمانيّ في أي شيء. أما أن تخرجَ عن السربِ حتى وإن كنت مُحسنا، فإن
العمانيين لديهم ردات فعل هلوعة تجاه هؤلاء الأفراد، فكما تظن حكومات عمان
المتعاقبة عبر الأزمان أن الكلام جريمة، يعتبر العمانيون الخوض في بعض الموضوعات
حدثاً مستهجنا، بل ويمتعض مجموعٌ عريضٌ من العمانيين من لوك المواضيع السياسية أو
تتبع الإشاعات الدائمة التي تصدر عن السلطان قابوس أو عن أفراد الحكومة، يفعلون
ذلك في جلساتٍ سرية ويبعدون أجهزة الهاتف عن هذه الجلسات عادةً. يتكلمون في هذه
الظروف الضيقة ويقولون بعض ما يحتقن في عقولهم الأخرى، تلك التي على الجانب التي
يفكرون بها بجدية ويتجاهلون تابوهات التفكير في السياسة أو الدين لا سمح الله.
يتسامح العمانيون مع كل الناس تقريبا، ومن النادر أن ترى بينهم مذهبيا أو طائفيا
أو متشنجاً ويحبه الناس، يميل الناسُ في عمان إلى إحباب هؤلاء الذين ينادون
بالسماحة والسلام، لغة القتل، والتهديد، والوعيد، والتكفير، ليست شائعة ولا تسمع
لها أخبارا كبيرة في عمان، حتى هؤلاء الذين يخرجون عن السرب العماني وينتمون للدين
أو للمذهب أكثر يلتزمون بالقانون العماني الخفي، قانون اللطف، أن تكون عمانيا يعني
أن تكون لطيفا، ثمة دستور سري خفي كُتبَ والجميع يتبعه. الخارجون عن السرب في عمان
يتبعون قواعد كثيرة من دستور عمان الخفي. يتسامح العمانيون مع الخارجين عن السربِ
بعض الشيء، وزاد تسامحهم في السنوات الأخيرة، لا يمانع العمانيون أن يُسجن الكتّاب،
فهم يعلمونَ أن النتيجة هي عدة أيام في السجن، لا يمانع العمانيون أن تستبد السلطة
وأن تثبت الدولة هيبتها، هم لا يفكرون في الحرية والكلمات كأولوية، هيبة الدولة
بالنسبة للعمانيين هي ذلك الشعور العام بالرهبة الذي يمنع السارقين من القفز على
البيوت، هنا يتفق العمانيون على هيبة الدولة وعلى كل ما تفعله الدول بالأفراد،
يغمضون عينهم عن الذي يحدث في صفقة سريةٍ أخرى عقدت جهنم، هنا يثير العمانيون
استغرابَ الآخرين، فرغم طيبتهم ينساقون متعجلين وراءَ الاقتصاص، لا يهدأ لهم بالا
حتى يأخذون حقوقهم التي لا ينامون عنها، هنا ستجد معظم العمانيين من المحافظين،
الجدد والقدامى لا يهم، عندما يتعلق الأمر بسرقة المكيفات من المدارس لا يمانع
العمانيون من السلطة أي شيء حتى لو قطعت يد السارق أو صلبته على دوار برج الصحوة حتى
تعفن.
عندما يتعلق الأمر بالكلام، فمن عجائب العمانيين اتفاقهم
على لغةٍ عامّة بيضاء، يحتكم لها الجميع عندما يجد الجد. يحب العمانيون المبالغات،
ويحلو لهم التسلي بالنمائم بين الفينة والأخرى، وفي عمان هناك نوعان من الشخصيات،
تلك التي يتجنب الجميع الحديث عنها مهما بدر منها، وتلك التي ينطلقون في الحديث
عنها بلا حرج، هناك نصٌّ آخرٌ خفي غامضٌ من فهمه نال الكنوز في عمان؛ وهو اختيار
العمانيين الجماعيّ لبعض الأفرادِ لأداء دورٍ عام، هنا يلتف العمانيون حول المفتي،
وحول العلماء، ويلتف قليل من الجمهور العماني إلى ما تتجادل حوله الثقافة أو مصلحي
التيار الديني من الطيف الأزرق الفاتح طيف الإسلام الجديد والمتسامح والمدني.
يتساءل العربُ عن عُمان، ولديهم حق في ذلك، طبع
العمانيين الغامض والصموت محير، وتحولهم إلى الصمت والتقوقع والبعد، ثم تحولهم
لحالة الكلام جمعاً ظاهرة أخرى تستحق دُوَارَهَا. يحب العمانيون أن يضعوا الكلام
في موضعه، يصمتون لأن الصمتَ حكمة قبل أن يكون أمراً من الملك. يجتازون الأيام
ويختارون مواضيع قليلة يتفقون حولَها، ثم يعودون إلى عهودهم الصامتة، وسكونهم
المتربص ينتظرون يوما من أيام عمان الكبيرة ليحدث.
معاوية الرواحي