بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 أغسطس 2023

المشاهير!

 المشاهير! المشاهير! .. هذه هي الطُبَّة النقدية الجديدة. الظاهرة المُجتمعية تُفرزُ [معروفين جددا] في المحيط العام. في دولة قليلة السكان، ظاهرة متوقعة جدا، حدثت في كل دولة عدد سكانها يقارب عدد سكان عُمان. والكلمة التي تشمل الجميع [مشهور] وما أقبحها من كلمة تُستخدم لتأطير إنسان له موهبة، أو له حضور، أو نشاط، أو رسالة.

يجب التفريق بين صانع المحتوى، وأصحاب المنصات. الفنان، والعازف، والمنشد، أو الشاعر والكاتب والناقد، بون شاسعٌ بين هؤلاء وهؤلاء، الشخصية الاجتماعية، والشخصية الفنية [الكاركتر] كحالة الكوميديان المعروف جدا [الكوتش أيمون] والذي سينصدم كثيرون أنَّه في الواقع شخص مختلف، لطيف وهادئ وطيب بمعنى الكلمة. لسببٍ ما، ثمة قناعة ضمنية تدور وراء الكلام تُلزم هذا الذي يعرفه الناس بدورٍ ما، ويجب أن ينصاع هذا الدور تجاه تفضيلات مجموعٍ كبير ما. البعض يقول القضايا الوطنية، والبعض الآخر يقول قضايا المعيشة والحياة، وبعض يقول القضايا الدينية، والبعض يقول القضايا الاجتماعية وهكذا دواليك. لسببٍ ما يُلزمُ مجموعٌ كبير من الناس هؤلاء بدفع ضريبة، أن يعرفك الناس يعني أن تفعل شيئا ما وأن تقوم بدور! تخيل أن تطالب عازف جيتار على نياته، يعزف وحسابه [اشتهر] كما تقول الكلمة المتداولة بأداء هذا الدور، هذا وإلا التقريع والتأنيب والتأليب والإلغاء والتسطيح والتهميش!!! ظاهرة المشاهير سببها معروف، أنَّ الدور المؤسسي للإعلام لا يسير على أكمل وجه، خاضع لمعايير رقابية عطلته، وبالتالي كل هذا جزء من الظاهرة البديلة، بديل لن يغني عن المؤسسات الضخمة، بطاقتها الإنتاجية، وقدرتها على تقديم مواد نوعية تروي ذلك العطش المهول للمحتوى وتغيراته في العصر الحديث. هذا هو سبب ظاهرة المشاهير! والجميع يعلم ذلك والبعض لا يريد أن يدين تعنت الرقيب الإعلامي، ومبالغته في التدخل، بل وأحيانا نزعته لإلغاء وتهميش أسماء معينة لأسباب لا توصف إلا بالشخصية، أو بالمزاجية. ظاهرة المشاهير فقاعة سوف تزول مع الوقت. الذي سيبقى هو المبدع، العازف، الفنان، القانوني، الطبيب، الفقيه، العالم، الباحث، هؤلاء هم الذين سيمسكون زمام الانتباه في نهاية المطاف، فهؤلاء لديهم [معنى] يقدمونه في منصاتهم الرقمية، والأولى أن يتم احتواء هذه الجهود تحت مظلة وحبذا تكون مظلة ربحية تعمل بطريقة متوازنة [منصة ثمانية على سبيل المثال] وغيرها من المشاريع الشبيهة، من الذي يتابع الإعلام الكلاسيكي المؤسسي؟ كل يوم يمضي يقل العدد، ويقل، وبينما يكابر بعض ربابنة سفن الإعلام الحقيقة المريرة لا تُحسم إلا باستبانات إحصائية توضح الحقيقة، ولأن هذا هو [الفيل الذي في الغرفة] يُرفض هذا الطرح، ونعود إلى لوم هذه القلة القليلة من أصحاب المنصات النشطة، أو الشخصيات التي أصبحت معروفة! كلمة مشهور في دولة قليلة السكان فعلا كلمة مضحكة. والأكثر إضحاكا اعتبار [أن يعرفك الناس] قيمة، سواء سلبية أو إيجابية. أنت في عمان! عدد السكان بسيط، لا تحتاج أكثر من شهرين في سناب شات لكي تجد مئات الألوف يتحدثون عنك، ويعرفون من أنت! ولكن ماذا بعد؟ يلجأ البعض إلى خطاب مكرور وميِّت، وهو دائما بنفس الشكل، عموميات اجتماعية، ويلعب دور الناصح الأمين، ولا أقلل من هذا الدور، لكنه فعلا دور قاتل للإبداع، ويتحول مع الوقت إلى بوق دعائي لا يتوقف عن العمل، بغض النظر عن المدرسة الفكرية التي تنتمي لها، [الشهرة] في دولة قليلة السكان موضوع صعب للغاية، وعواقبه وخيمة! ومن السهل أن تتعرض للاغتيال الاجتماعية نتيجة خطأ واحد! من الصعب مناقشة البديهي. شخص يحب [يستهبل] في سناب شات، تتفرغ له الأقلام لكي تجلده جلدا لكي [يكون جادا] وماذا بعد؟ لكي يقوم بدور ليس دوره من الأساس، والنتيجة [جاب العيد] بكل بساطة! جاب العيد لأنه يقوم بدور ليس من دوره، شخص يحب الكوميديا، أو يحب العزف، أو يحب أشياء توصف من قبل المتلقي المتعالي بأنَّها [سطحية]!! طيب ماذا عن الذي يجب عليه هذا الدور؟ مجددا! يصمت الكلام، الطبَّة النقدية هي البغضاء، والغل، والضغينة تجاه هذه الفئة القليلة التي أصبحت تسمى [المشاهير] تحديد الكل! وهات يا تنميط! ظاهرة المشاهير امتداد طبيعي جدا لزيادة عدد السكان، مع نسبة مهولة من الشباب، اهتمامات الجيل تصنع جذبا، والعرض يكافئ الطلب، ليست مقلقة كما يبالغ البعض في وصفها، هناك من هو [معروف/ مؤثر] وهناك من هو [مشهور] فقط لا غير. مثل شهرة كارداشيان التي لا يعرف أحد بالضبط ماذا تفعل! هي [مؤثرة]. وهذه ثقافة يتم استيرادها ضمن تجليات الترف، والهوس بالحياة، والمال، والشكليات، موضوع وقت، والزبد يذهب جفاءً، الذي يبقى هو المكتوب، والمُلحن، والمرسوم، والمدوَّن. هذا هو قانون الحياة، يسري على عُمان وعلى غير عُمان. في دولة عدد سكانها قليل، لا تحتاج لجهد هائل لكي يعرفك الناس، السؤال هو: لكي تبقى! هذا هو التحدي الصعب. كيف تحافظ على خطابِك من هذا الجو المكهرب والمتوتر. كيف يصل بنا الحال إلى مناقشة البديهي! ما الذي يفعله فلان؟ يفعل أشياء [سطحية] في الإنترنت! طيب وماذا في ذلك؟ سوف ينفعل ويقول لك: الأثر، والتأثير، والأجيال، وكلام طويل عريض يغطي به تقصيره في تقديم ما يلفت انتباه هذه الأجيال، تقصير الإعلام المؤسسي الذي هو إما متحفظ متزمت يخاف من أدنى لوم أو خطأ، أو تجاري مفرط في الترفيه! هل تستغرب أن تستشري ظاهرة [صاحب المنصة] في مثل هذا المحيط؟ هذا هو المتوقع! الشهرة يعني أن عددا كبيرا من الناس [يعرف من أنت] لا يعني تأثيرك، ولا يعني أنَّك بالضرورة تخرق الأرض وتبلغ الجبال طولا. وحتى وإن تمادى العالم في الافتتان بالضحالة، مع كل تقنية جديدة يحدث ذلك، ثم ينتصر المعنى في النهاية، ويبقى الإبداع الحقيقي، سواء كان إلكترونيا، أو حتى قصيدة كتبت في [كلينكس] نسيها شاعر كبير في مقهى من مقاهي القهوة. العدائية تجاه الانتشار الرقمي، أو الانتشار الاجتماعي ليس موضوع منطقيا، ثمة خطاب ضمني يختبئ وراء هذه العدائية وهي القسر على اتخاذ اتجاه ما، وهذا الخطاب مضر ومؤذ ويسبب نزيفا للمواهب، والعقول، والآراء، وكأنه [عيب] أن يتابعك أكثر من عشرة آلاف إنسان، هذا يجعلك بالضرورة سطحيا! بل والبعض يصل به الحال إلى التباهي بأنَّه [لا يريد الظهور، وهو قادر على ذلك لكنه لا يريد] .. هل يلومه أحد؟ كلا، لأن هذا بكل بساطة حقه المنطقي، واختياره كفرد. المشهور [كما يسمى] ليست مهمته حل قضايا الكون، ولا أسئلته، ولا مهمته حل قضايا المجتمع، وليست مهمته أن يكون [مؤدبا علنيا] يجلد الظواهر السيئة، هذه أشياء جانبية يمارسها البعض تحت الضغط العام، فقط لأن الإعلام التقليدي يواصل تقصيره في هذا الجانب. وحتى وإن حفلت المرحلة لبعض الوقت [بصناع منصات] يعرفون اللعبة، والانتشار، فهم أيضا موضوع وقت بسيط. التوجه للمحيط الرقمي عالمي، وهادر، وكاسح، وبدلا من تحميل هذا الفرد المجرب ما هو فوق طاقته، الاحتفاء والانتباه إلى أصحاب المواهب، والعقول، والنتاج الفني، والفكري، والنقدي أولى من إنفاق كل هذا الاهتمام لتأليب الناس ضد الفلان والعلان. احتفِ بالمبدع، والموهوب، وأنفق جهدك [ومنشانتك] في الرفع من قدر هذا الإبداع، ونشره، ونصحه، ونقده وتمحيصه وتشجيع ممارسيه، أما التشكي من ضحالة العالم، وكونه لا يناسب عينيك، فهذا استحقاق [وحق] أزلي للمتلقي، فالمتلقي له نرجسية لا يمكن لأي مبدع رفضها، وسواء كنت [سناب شاتر] كل همه أن ينشر نكت الواتساب، أو كنت شاعرا، أو كنت مفكرا دينيا، أو كنت منشدا إسلاميا، الجميع له الحق في أن تكون له منصته الخاصة، وأن يحاول، وأن يجرب، وأن يخطئ، وأن يحاول النجاة! أما أن يعرف عشرين ألف إنسان، ثمَّ تظن أن هذا يمنحك مكانة! هذا لا ينقص منك، ولا يضيف لك شيئا، هذه ببساطة مراحل، وبالذات في عمان، المرحلة الحالية تسير قدما نحو الإبداع النوعي في الإنترنت، وإذا أصبح الجميع ينظر لهذه المنصات نظرة مهنية، مع الوقت سوف يتناقص عدد أصحاب المحتوى الرديء، وينتصر التنافس، وتجود لنا الساحة الرقمية بأفضل ما فيها. كيف تشرح لإنسان الفارق الهائل بين أيام [المنتديات] عام 2001، وهذه الأيام التي أصبحت المنصات متاحة للجميع؟ من الصعب فعل ذلك مع جيل فتح عينيه ليجد أن الضوء أسهل مما كان عليه بمراحل. في عمان، كلمة مشهور ليست سبَّة، وليست ميزة. كل إنسان حر في حسابه، يمكنك أن تفتح حسابا في [أكس] لكي تشتم مشجي برشلونة [هذا حقك]، ويمكنك أن تفتح حسابا لكي تنشر آخر قراءاتك للأفلام النرويجية، أو للحدث عن الشطرنج، هذا أيضا حقك. كم أصابني الرعب عندما خضت نقاشا مع أبناء أختي ذات يوم لأجده يقول لي [الواحد عشان ينجح لازم يحاول يكون مشهور!] زلزلني هذا التصريح! طفقت أشرح حتى بح صوتي عن الفارق بين المبدع [المشهور] .. وذلك المشهور [لأنه مشهور] .. لماذا؟ لأنه مشهور، لأنه [صنع منصة] أكثر من كونه صنع أي شيء آخر. الذي سيصوب هذه الظاهرة، وسيساعد على تحويلها لظاهرة نافعة اجتماعيا هو العمل التجاري فقط، على طريقة تحتفل بالإبداع والمبدعين، وإلى أن ينتبه أصحاب رؤوس المال إلى إمكانية ذلك، فإن الواقع سيبقى لبعض الوقت كما هو عليه، حتى تتحول هذه البؤر الإبداعية إلى منصات [مؤثرة/مبدعة/مليئة بالمعنى] وقتها ستحل الظاهرة البشرية محل ظاهرة أخرى، وستأخذ فكرة [الشهرة] طريقها إلى ما نحن عليه، شهرة الفكرة، والإبداع، في دولة نامية، تسعى للنمو في مختلف قطاعاتها الترف وزعمه وادعائه مجرد ظاهرة مؤقتة لا تمثل الحقيقة الكبيرة أو العامة، وفي عمان، موضوع وقت وتذكروا كلام هذا المجنون، موضوع وقت قبل أن يحل محلَّ كل هذه الشطحات إبداع نوعي. في عمان، الحديث دائما يحدث في مكان آخر. الذي يستفز الناس ليس أن [مشهورا] ما يقول رأيا. الذي يستفزهم هو تمجيد الترف، والتباهي، وصناعة واقع مزخرف لا وجود له سوى في المنصات الرقمية، هذا هو الذي يستفز الناس، لا أحد يكره المشاهير، لأنه من الأساس، في دولة قليلة السكان أي شخص يستطيع أن يصبح مشهورا، السؤال الكبير هو: ما الذي ستقدمه بعد شهرتك؟ هو سؤال إبداعي، وليس سؤال مكانة أو تصنيف. على أية حال! للحديث أكثر من بقية! معاوية الرواحي