ترامب بادي ساخن!!! بس السؤال أي ترامب بالضبط؟؟
ترامب العاقل، يبدو هادئا للغاية، وكأنَّه تعلَّم من كل تلك الصدمات المتتالية، والملاحقة، والمحاكمة، والتصويت على خلعه. المؤسسي، الذي سمح لمنظومة أن تنظّر في التغيير الذي سيحدث باسمه وباسم عهده.
ليس هو نفسه ترامب، العنفواني، المشحون بالصدام واللغة الهمجية. الأمريكي الذي يكاد يكون جاهلا آخر من الشارع يصرخ بجنون وهو يلوح بالعلم الأمريكي ذي النجوم!
ليس هو نفسه، هذا رئيس آخر مختلف، بمشروع أكثر تعقيدا من كل ذلك التبسيط الذي دفعه للاندفاع العالمي وكأنه يريد أن يثبت شيئا ما. ليس هو نفسه بعد هذا الفوز، ليس هو نفسه الذي توجعه سخرية أوباما! ليس هو الذي أصبح يعبأ.
لغة إيلون ماسك تتسرب في خطابه، ولا سيما في موضوع (نظام الكفاءات) ..
قرارت محدد وكأنها كانت قرابين لإيلون ماسك ورغبته في فرض تغييره وتأثيره على العالم!!
هذا ليس ترامب الذي نعرفه، هذا ترامب جديد، منظوميٌّ بحت. أمريكي قبل أن يكون رئيسا. لم يترك الديمقراطيون والليبراليون مساحةً معقولة للنقاش، نزعوا عن أمريكا قيماً متتالية، وأهمها القيمة الإيمانية.
هذا ليس ترامب، ليس ذلك الذي اعتدنا عليه. وكأن نصفه (العيلوني) كان ينطق بكل تلك الرسائل الساعية للخلود، الوصول للمريخ، ونصفه الآخر الجمهوري كان يفتح أبواب الجيش على الجريمة المنظمة، ويعلن حربا هذه المرة حقيقيةً، وليست كتلك التي بكل ضحالة وسطحية اختارت منع المسلمين من الدخول، وشمل هذا القرار أيضا مواطنين أمريكيين من ذلك الترامب القديم السطحي.
هذا ترامب جديد، الذي نجا من رصاصة كادت أن تهشم جمجمته وتخلط عظامها بدماغه، ترامب أكثر هدوءا، يبحث عن الرخاء، والمال، والنفط، والصناعة، بلا خطط زائدة عن الحد لتحطيم العالم أكثر مما تحطم.
ستكون حكاية مختلفة هذه المرة، والسردية القديمة ستتغير. أمريكا، الجائعة، الاستغلالية، النهمة للمال، المستعدة لمنافسة الصين، الباحثة عن أسواق للمنتجات، والجاهزة لاستخدام قوة الجيش مع أقرب دولة ضعيفة، لعلها ستعود إلى ضحية أخرى.
هذا ليس ترامب، هذا إنسان هادئ تعلم من الصدمات والتجارب، وتعلم التفويض، تمسّك بتاريخية فوزه، وكأنه لم يعد يعبأ كثيرا بما سيفعله بمقعد الرئاسة، لم يعد الأمر يتعلق بنجم تلفزيون الواقع الذي احتقره وسخر منه أوباما، وسخر منه الجمهوريون، وسخر منه بايدن، لم يعد ذلك العنجهي الذي طفق يمرّغ أنف من شكك فيه وفي فوزه لأربع سنوات اختتمها بتحريض الجموع على العصيان.
ترامب المحاكمات أصبح أكثر هدوءاً، أصبح يرتجل أقل مما يقرأ في خطاب تنصيبه رئيسا، ترامب ستورمي دانيالز، والتصويت على خلعه، أصبح اليوم أمريكيا أكثر من كونه رئيسا.
لا يبدو أنه دخل بجنونه القديم، إلا ربما لو انقلب على من غرسه رئيسا، إلا ربما لو تسبب بانشقاقات متتالية في لحظة جنون، إن واصل على هذا النهج، سيحقق من خططه الكثير، وأتمنى على الأقل أن تنشغل أمريكا بأمريكا، لعلها تترك العالم قليلا وشأنه، وتتوقف عن إثارة كل هذه الفوضى فيه!
هذا ليس ترامب، هذا مؤسسة على هيئة إنسان، أصبح أخيرا مقتنعا أن أيامه الأخيرة، وجلوسه بجانب كل هؤلاء (الماضي) لم يعد سوى موضوع شهور على هيئة أربع سنوات.
وماذا عن عيلون؟ على ماذا ينوي؟ ومتى سيقف؟ لا أحد يعرف. المطمئن الوحيد في المسألة، أن تعاملك مع اقتصادي يطمح للمنافسة الاقتصادية والرخاء أفضل بكثير من دموي جاهز لإثارة الحروب، وخوضها، وإشاعة المواجهات العسكرية في العالم، والصمت عن جرائم الإبادة.
ثمة شيء مليء بالسلام في نبرة ترامب، قد تكون نبرة كاذبة، لكنها تكفي لكي تغذي ذلك الحدس أنَّ ترامب ليس هو ترامب القديم. هذا مشروع، بكل سيئاته، وبكل حسناته، أتمنى حقا أن يترك العالم قليلا وشأنه وأن يترك الناس تعيش في سلام.
عسى ألا نرى أمريكا مجددا، الأنانية، الدموية، تفعل الأفاعيل، وتثير الأزمات، هي وصوابيتها المزدوجة ونفاقها الإنساني. عسى أن نرى استعادة لروح الحرية الأمريكية الحقيقي، وربما على يد هذا المندفع المجنون ستعود الروح إلى هذه البلاد التي سجلت في تاريخ الحضارات عظمةً وحضورا، وعمقا، يكفي لكي تحترمها كإنجاز، ولكي تبقى حائرا في أكاذيبها كسياسة.
يريد أن يجعل أمريكا عظيمة مجددا؟ يا ترامب، أعد أمريكا أولا، ومن ثم اجعلها عظيمة كما تحب وتشاء!!!