بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 مارس 2022

ذلك الاحتراق الجامد

 

 

 

يُصنعُ العالمُ بالأخيلة. من كل المتاهات التي نخرجُ منها بفكرة، من ضجيجِ الأدمغة العابر للواقع. واقعك الداخليُ الذي تعرفه ولا تعلم عنه الكثير.

لعبةُ الحياةِ لها قوانين كثيرة ومعقدة. قد يتحمس لها البعض ليصبح آلة نقود متحركة، يملكها حتى تصبح كل همه، ويتحمس لها البعض بتعقل فيعيش قليلا، يتوقف عن التنمذج على طريقة إيلون ماسك. يلهو قليلا، وينتصر للفرح والحب والأمل وغيرها من مثبطات حقيقة أننا سنموت أجمعين ذات يوم.

الحياة هي ذلك الاحتراق الجامد، يكفيك ألا تكون عبثيا، أو عدميا كي تعيش طبيعيا، عاديَّا. وعاءٌ آخر لهذه المادة العضوية ذات الروح والتي أثقلتك بشروط الحياة والإنسانية! وما أكثر الشروط كي تعيش!

فبعد شروطُ الطاقة، والمادة، والزمن، تنزل على رأسكِ حزمة القوانين المادية التي لا يمكنك إلا أن تطيعها. وحتى وإن عاندت الجاذبية، سيخذلك الهواء، وستعرف كم أنت مؤقت، ومرحلي، وقابل للاستبدال مثل كل الركام المعدني الذي يطوف في الفضاء، عندما جعل الإنسان الفضاء مزبلة جديدةً من مزابلِه، وكأن المحيطات والأراضي الخالية لا تكفيه!

ثم تتسع دائرة الشروط، وتقل حتميتها، فبعد شروط الزمان، والمكان، والطاقة، يلزمك وعائك الطيني بما عليك أن تؤديه، من تنفس، وأكلٍ، وشربٍ، وذهاب يومي إلى الحمّام. وبعد أن تتأقلم مع حاجات جسدكِ، سيلطمك الوعي الأوليُّ بأنك لست وحدك في هذا العالم، وأنَّ الكوكبَ أكبر من مهدِك الأوّل، وعليك أن تتعلم التعايش مع كل، وفوق ذلك كله صناعة الأوهام الضرورية التي تمكنك من عدم الموت في ثانيتك ولحظتك.

وتعيشُ، وأنت تحترقُ وتسمي كل ذلك حياةً. تكرس وجودك إما لحاجاتك، أو لمصائبك، لمأساتك، أو لأفراحك، وقد يمتد بك العمر للأربعين لتبدأ عجلةُ الفقدِ بالتكرار، فهذا صديق مات، وذلك حبيب رحل، وهذا من لم ينجُ، وذلك الذي أصيب في حادث سيارة، وتلك التي ماتت في ريعان شبابها، ستحترق بجمود وأنت ترى كل ذلك يمر عليك، وتغرق في بحار تساؤلاتك!

وستصاب بالملل، من الأسئلة، ومن الشك، ومن فاعليته في كشف الأوهام، ستعتزُّ بذلك القليل من اليقين الذي صرتَ تعتبره حتميا. وستحتفل بالإجابات الصغيرة، وبالمعارك الجانبية، وبالهمومِ التي لا تنال من سعة تحملك، ولا من قوة صبرك. وستواصل الاحتفال بكل ذلك لأنك مضطر، فاليأس ليس حلا، والهزيمة لا تأتي إلا بما يشبهها. نحترق لأننا نعيش، ولكننا لا نعيش لأننا نحترق، لعل هذا هو العزاء الوحيد في هذا الاحتراق الجامد الكبير الذي اسمه: حياة!

 

معاوية

مارس، 2022م