دخلتُ عالمَ الكتابة اليومية
في مواقع الإنترنت عام [2002] وترافق ذلك مع قبولي كطالبٍ جامعي في الجامعة،
واتخاذي للقرار الأكبر في حياتي بالخروج من الدراسة الجامعية ومحاولة السعي في
الحياة لأعيش تجربتي ككاتب. كان ذلك قراراً غبيا، ويأتي معه منهج في الحياة مبني
على الصعلكة، والاستخفاف بالحياة، ومباهجها، وأيضا العيش على القليل. الصورة
النمطية عن الكتابة والكتاب في العالمِ العربي سيئة بما فيه الكفاية لكيلا يراهن
إنسانٌ مطلقا على أن يأكل رزقه من الكتابة.
مرت من السنوات ما يكفي
لأتيقن من ذلك، واضطررت للعمل في وظائف بسيطة كانت أبرزها كموظف في مقهى إنترنت،
وهُناك وجدت بغيتي من الحياة ككاتب، وهدفي الكبير، قضاء أكبر قدر ممكن من الساعات
في الكتابة، وأقل قدر من الساعات في ملاحقة شؤون الحياة، ولذلك كونت كل عقائدي في
الكتابة بناءً على هذا المنطق الأعوج، أن الكتابة والإبداع هي تضحيات يقوم بها
الإنسان من وقته الخاص، ولن تتجاوز في أحسن الظروف ما يشبه العمل الخيري، أو التضحية
بالوقت، أو زكاة العقول.
دخلت عالم التدوين المكتوب من
أوسع أبوابِه عندما سمحت ظروف العصر التقني الحديث بإنشاء مدونات على صفحات
الإنترنت، هُناك وجدت الأفق الذي كنت أبحث عنه في ذلك العُمر العشريني المشحون
بالغرور، ووهم القدرة على تغيير العالم، وغير ذلكم من فقه الاستعجال الذي يطبقه
العشريني الكلاسيكي، قمت بكتابة آلاف مؤلفة من الصفحات، وغيرت مساري في الكتابة
بعد نشر كتابين لأتحول إلى مدونٍ محترف، مع الوقت أصبحتُ أجد دخلا لا بأس به نتيجة
الجهد الكبير الذي أقوم به، ففضلا عن تطور مهاراتي في الكتابة صرتُ أجد فرصا في الإعلام،
وساعدتني علاقتي مع المجتمع الكبير على تكوين تأثيرٍ لا بأس به كان في بدايته
نافعاً، ومنصبا في كتابة الأدب الساخر، والتدوين الساخر ولكنه للأسف الشديد تحول
بعد سنوات إلى حالة من الانهيار لا علاقة له بشؤون الكتابة بقدر ما كانت له علاقة
بحالتي الشخصية، وما دخلت فيه من معمعة سياسية، واجتماعية، وشخصية، ونفسية فضلا عن
هواية إدمان المخدرات التي رافقتني لسنواتٍ من عُمري. هُنا وفي تلك الظروف التعيسة
وعندما أصبحت المأساة أكبر من قدرة الكلمات على وصفها تحولت إلى التدوين المرئي،
ومنه بدأت تجربة أخرى لم أكن أعلم أنها ستكون مصدر دخل ورزق لي لفترة امتدت
للعامين، لم يبدأ هذان العامان قبل عشر سنواتٍ من التشتت والضياع شعرتُ فيها أنني
خسرت موهبتي في الكتابة للأبد وأنني لن أعود مطلقا إلى العالم الذي أجيده، عالم رصف
الطرق المسفلتة بكل هذا الحبر الذي يُكتب [دون حبر]. عشت لسنوات في مجال التدوين
المرئي حتى أتقنته وصرتُ وجها معروفا وصوتا معلوماً في مجتمعي، وخُتمت كل هذه
التجارب بشطحة عُمرها أربع سنوات ظننت فيها أنني هاجرت من بلادي قبل أن أعودَ
إليها في تيسير ربّاني لن تكفيني الأعمار لأشكر الله عليه، أو لأرد جميله لمن
سببه. هُناك أصبح سؤال [لقمة العيش] ملحا! بعد كل هذه السنوات في مواقع التواصل
الاجتماعي، وبعد تأسيسي لمنصات أصبحت تدر علي المال الكافي لدفع الإيجار ودفع
مصاريف القهوة، دخلت في حالة من الصراع الوجودي حول خيارات الحياة، ولأن الكتابة تنتصر
في دمي دائما، أدى ذلك إلى إهمالي الجانب التجاري الذي يضع الخبز في طاولة العشاء
لأهتم بمجالٍ لستُ فيه بالضليع، وهُنا قضيت عامين بلا كتابة أصبُّ كل ما يخطر في
ذهني في تغريدات في تويتر، وأحاول قدر الإمكان أن أجعل جهدي على هيئة محتوى بصري
يتناسبُ مع كسل المتلقي وكثرة خياراته [المختصرة] في فنون صناعة المحتوى في الجيل
الجديد. استمر هذا الوضع حتى اكتشفت في يومٍ من الأيام فريقا عُمانيا اسمه [ميزان]
لصناعة المحتوى الرقمي. لفتني الاسم مباشرة، ولذلك تواصلتُ مع الفريق على أمل أنني
سأجد بغيتي فيه. تتلخص كل طموحاتي في أن تقوم مؤسسة تفهم عمل الإبداع، وتعرف
موازينه في إدارة منصاتي، مؤسسة تتركني لأتفرغ لوضع النصوص الخام كما أفعل في هذه
التدوينة التي أسرد فيها حكايتي وتحولها هي إلى مختصرات مرئية أو مكتوبة في
المنصات الشهيرة، هذا كان سيجعلني في وضع حياتي أفضل، ورفع عن كاهل الشؤون التي لا
أتقنها. عندما تواصلت مع ميزان، شعرت بالأمل نتيجة حماسة الشباب، ولكن ولسوء حظي
الفريق في بدايته، وحتى هذه اللحظة لم يكونوا على رغبةٍ في التعامل مع مبدعٍ صعب
كحالتي، فأنا مزاجي، لا أسكن ولا أستقر، وكذلك كثير الكلام، ومشتت. قررت أن أمنحهم
القدرة على إدارة منصاتي في مواقع التواصل الاجتماعي، وفهمت منهم أنهم يقدمون
خدمات إبداعية معقولة القيمة، ولا سيما لشخص في حالتي لا يريد سوى القيام بالمهمة
الإبداعية، أما غير ذلك، فمستعد لتجاهل هاتفي مهما كان عدد الذين تواصلوا معي من
أجل الدخول في مجازفة الاستماع إلى موسوعة في علم النفس، أو للتعرف على عالم جديد
من عوالم التاريخ، أو للخوض أكثر في المواضيع الحمقاء التي أحبها مثل أوهام قراءة
عقول الآخرين، أو مجالاتي المهارية التي أدرّب فيها بين الفينة والأخرى مثل
الكتابة السريعة أو حفظ القرآن بالكتابة. كانت النتيجة سريعة، فعلى الصعيد المرئي
وجدت نتيجة مذهلة في فارق الجودة الذي قام به الفريق وبين ما كنت أقوم به من هاتفي
الشخصي، كذلك، قدم لي الفريق استشارات فنية، وجهز لي شؤون التصوير، وتحويل
السيناريو الذي أكتبه إلى واقع مصوّر، كل هذا أدهشني لأن مجالي الرئيسي الذي أكسبه
منه رزقي هو التدوين المرئي، الذي أزعجني هو عدم قدرة الفريق على التعامل مع طاقتي
المُنتجة في الكتابة، ومع أنني وضعت لهم النقاط على الحروف فوجئت أن ما أطلبه صعب
للغاية، وقد يحتاج مني للقيام بتدريب بعض أفراده لكي يتعاملوا مع حالة إنتاج
النصوص كما يقومون بالتعامل مع حالة إنتاج المواد المرئية. لقد حلت بعض الخلافات
بسرعة، فمثلا أنا كشخص أقترب من الأربعين لا أريد أن أنشر مواد قصيرة، بعد استشارة
المختصين في جوانب الإبداع البصري اقتنعت أن أفعل ذلك في تطبيق [الانستغرام]
وفعلا، رأيت تحسنا كبيرا في عدد المتابعين، وبالتالي زاد عدد الذين يريدون أن أصنع
لهم محتوى إعلاني في منصاتي، كذلك، لم أعد مضطرا للتواصل مع عدد كبير من
المُعلنين، وبدأت أعود إلى عالم الكتابة سعيدا بهذا الإنجاز، لم يستمر هذا طويلا.
شعرت بالانزعاج لأن الفريق الذي أعمل معه صغير، بحثت عن شركة تقدم لي هذه الخدمات
فوجدت أن أسعارهم غالية جدا مقارنة بهذا الفريق الذي يضع هدفه الربح المعقول مقابل
تقديم خدمات إبداعية معقولة للمبدعين، قررت الاستمرار في التعاقد معهم، وبدأت أقوم
ببعض الجهد لإيضاح ما أريده، اضطررت في النهاية لعقد اجتماعات مطولة معهم لشرح ما
أريده وشعرتُ بعض تعبٍ أنهم تحمسوا لفكرتي، وفهموا ما أريده تماما. بعدها بدأت
تأخذ تجربتي معهم منحنى مختلف، وبقي لي إدارة حساب تويتر التي لا تعجبني حتى هذه
اللحظة، فهي بطيئة، وغير منتجة، وكذلك تغفل عنما أصبه من منتج لغوي يومي كان يمكنه
أن يتحول إلى مئات التغريدات إن تفرغَ لها المسؤول عن ذلك. كلمت مسؤول الفريق وشرح
لي أنني أمر في فترة تجريبية، وأنني أضغط عليهم كثيرا، وأنني يجب أن أصبر بعض
الشيء، هذا أزعجني بكل معاني الكلمة، فأن تقول لشخص يعيش موسم كتابة مثمر [اصبر]
كأنك تقول له قم بتعطيل عقلك حتى أستطيع استيعاب طاقته! ليس لدي خيارات أخرى ولذلك
قررت مواصلة التعامل مع فريق ميزان.
اليوم عدت من اجتماع مطول
معهم، لأكتشف أنني كنت أطلب الكثير مقابل القليل، فهذا الفريق يعمل ساعات طويلة
بمقابل ضئيل، وأيضا علمتُ أن رئيس القسم الإبداعي هو شخص يشبهني كثيرا، مشتت،
ومبعثر، تواصلت معه ونصحني أن أجرب عمل كل واحد منهم لأجد اللغة التي تمكنني من
شرح ما أريده لهم، قمت بذلك اليوم، واقتنيت آلة تصوير، وشرحت للشخص الذي يمسك
منصاتي اللغوية ما أريده بالتحديد، اكتشفت أيضا أنهم يقومون بخدمات أخرى لها علاقة
بالكتابة ونشر الكتب ولكن لأنني كتبت من قبل، ونشرت من قبل قررت عدم المجازفة في
نشر كتبي مع فريق جديد حتى أرى كاتبا متحققا نشر لديهم، ومنها سأدرس وضعي معهم وإن
كانوا سيقومون بتقديم خدمة جيدة لي ولا سيما وأن لدي آلاف الصفحات التي تحتاج إلى
تعديل، وتنقيح، ومراجعة، الذي أعرفه حتى هذه اللحظة أنني وجدت فريقا متكاملا يقوم
بإراحة ذهني من عناء التفكير في الشؤون الإدارية والمالية، سمح لي ذلك أن أقدم
مقترحات إبداعية أفضل، وأن أغلق هاتفي وقت ما أشاء، وأن أقدم مادة مسبقة يتم نشرها
في منصاتي لتبقى نشطة حتى وإن لم أكن نشطا، فما أكتبه في تدوينة واحدة قد يكفي
ليجعل حسابا آخر نشطا لأسابيع، ولكنني غير مستعد لتفويت فرصة نشاط حسابي، ولذلك
وجدت هذه الفكرة صالحة لي.
إن كان فريق ميزان سوف يقرأ
هذا الكلام، أتمنى ألا تزعجهم صراحتي، أتمنى منهم جهدا أكبر، وأفضل، بل وأعرض
مساعدتي وخدماتي الاستشارية لهم إن كانت ستنفعهم، فالمشروع عُماني، ويريدون تحقيق
هذه الرؤية في قادم الأيام، أن يكون المشروع عُمانيا بنسبة مائة بالمئة في كل
الموظفين. أعلم أنني مؤسس هذا الفريق، وأعلم أنني المبدع الصعب الذي يجب عليهم أن
يتأقلموا مع صعوبته، وأؤمن بهم، ومتقين أن الأيام ستأتي لتحمل معها أخبارا جيدة
ونموذجا في العمل الإبداعي جديد كل الجدة، قليل التكلفة، ونعم ليس نموذجا رأسماليا
يصب المال صبا، ولكنه على الأقل يكفي لحفظ الفرص التي أهدرت بسبب قيامي بمهام لست
بارعا فيها، مثل الفوترة، وتقسيم المهام، والمهمة الأقسى والأصعب بالنسبة لي: الجدولة.
أشعر بالراحة وكثير من الحرية
بعد تجربتي الأولى مع ميزان، وأعلم أنني المبدع الأوَّل الذين يتعاملون معه، هذه
تجربتي حتى هذه اللحظة، أتمنى منهم التعامل مع حسابي في تويتر بمنهج مختلف، وكذلك
أنا على استعداد لإعطائهم دورات مجانية في مجال الكتابة السريعة، والطباعة، وكل ما
يرفع كفاءتهم مع لوحة المفاتيح، هذا عصر السرعة، ولا يجب أن يكون الرجل الذي يكاد أن
يطرق باب الأربعين أسرع من هؤلاء العشرينيين الذين لا يعرفون أي كنوز تحتويها عقولهم،
وأي منجزات تستطيع طاقتهم فعلها.
هذا ملخص أسبوعي الثاني مع
فريق ميزان، أتمنى أن أحمل للقارئ الكريم، ولزميلي في عالم الإبداع أخبارا أجمل في
قادم الأيام، حتى هذه اللحظة، أظن أن الفريق جاهز على صعيد الإنتاج البصري، ومبدع
في هذه المجالات وخبرته تفوق خبرتي بمراحل، أما على صعيد التعامل مع النص المكتوب،
وانتقائه، وتسويقه، أظن أن كثيرا من العمل يجب أن يتم من قبلهم قبل أن أقرر
المجازفة بنشر كتاب من كتبي عبر هذا الفريق. بهذا الوضع الحالي، أظن أنني سأذهب
إلى إحدى خياراتي السابقة، فما يفعلونه في عالم التدوين المرئي لي كافٍ وزيادة،
وربما قد لا أحتاج لخدماتهم في مجالي هذا. لا أعرف! ربما سوف يقومون بإقناعي بشيء
مختلف في الاجتماع القادم معهم!
تحياتي لفريق ميزان لصناعة
المحتوى الرقمي
ماريو
مؤسس الفريق