خطوة جيدة، وأتمنى للدكتور عبد الله الحراصي أن يفهم أن جميع الآراء التي سترد ستساعده قبل الجميع على تفعيل دور الإعلام، وإيقاف مسلسل إعاقة العمل الإبداعي، والتدخل المبالغ فيه، وعسى أن يؤدي ذلك إلى تحديد صلاحيات واضحة للرقيب الإعلامي!
لا إبداع بدون إعلام تفاعلي يفهم ظروف العصر الجديد. وانتهاج مبدأ التشديد المبالغ فيه، والرقابة المبنية على فرض [هيبة الرقيب الإداري] لا تفلح في صناعة واقع إعلامي حكومي أو خاص مؤثر. ومن يريد مصلحة المجتمع أولا وأخيرا، فليجازف بالمعقول، وليجرب في حدود الممكن. وليكن القانون حكما.
وهذا السؤال الكبير يبقى معلقا! الإمكانية القانونية للتعبير عن الرأي وسقفها المحدد بالقانون أعلى بكثير عن تلك التي يتم تناولها في وزارة الإعلام؟ لماذا يا تُرى؟ أعلم أن وزارة الإعلام ليست شخصا واحدا، ولكن للوزير صلاحيات تمكنه من الدفع بعملية التغيير للأحسن، نحو إعلام تفاعلي عصري.
وأظنُّ أن خير ما يتيح للإعلام أداء رسالته هو فصل دور الرقيب عن الإعلامي، لا أقول ذلك انتقاصا من أحدهما، ولكن لتسهيل العملية الإدارية، وفصل الصلاحيات، هذا كله سيؤدي إلى ضخ أنهار الكلمات والآراء عبر منصات الإعلام بالتوازي مع الفيضان الإلكتروني الذي لا مؤسسة تستطيع أن تحتويه.
وأتفهم أن الإعلام الحكومي له واجبات، وعليه مسؤوليات وخدمة الحكومة هدفه الرئيسي. ولكن هُناك تداخل بين عمل مؤسسة الإعلام وقطاع كبير جدا في الإعلام الخاص، وهذا التدخل والتداخل يعطل أحيانا أشياء قانونية جدا! ولا ضرر منها، لا يمنعها القانون ولكن يوقفها الرقيب الإعلامي وتحفظاته!
ونعم! أعلمُ أن كثيراً من الناس يرونَ أن صناعة شكليات مجلس الشورى [الإعلامية] وكونه يستجوب وزير الإعلام ستدخل في صراع الإرادات المؤسسية، وأن كثيرا من الناس سيرون هذا هو الحَسن في هذا الحراك البرلماني، ولكن هُناك قضايا أكبر في الإعلام، وقضية الرقابة أحدها. عسى أن يضطلع بها أحدهم.
والأمر متروك الآن لأعضاء مجلس الشورى، إما التقدم بأسئلة منهجية، والتواصل مع كل الذين عانوا من الرقابة الإعلامية بما في ذلك الإعلاميين، وإعلاميين القطاع الخاص، أو تحويل الأمر إلى صراع سلطات وصلاحيات، وهُنا، لا فائدة مسبقا من هذا الاستجواب إن كان سيبنى على هذا الصدام المعنوي.
وما المهم! أليست المصلحة العامة؟ أتمنى أن يُعان الإعلام الرسمي العُماني على نفسه، وأن ينتصر أحدهم للمدرسة الجديدة العصرية في الإعلام، الواقعية، تلك التي تعرف أن ظروف صناعة الإعلام ومؤسساته قد تغيرت للأبد بعد عصر الهواتف، والمودمات وربما قريبا، عوالم [الميتا] القادمة بقوة.
والأجيال الجديدة تنفصل كل يوم عن الواقع الإعلامي العُماني، الرتيب، الساكن، الكامن في مينائه "وما لهذا بنيت السفن" متى ستبحر سفينة الإعلام العُماني؟ومتى ستجازف للعبور بمنصات المجتمع الاولى إلى عالم الحوار،وتفاعلاته، ومتى ستدير باحترافية كل هذا الذي يُدار بشكل مرتجل حتى هذه اللحظة.
وماذا يريد مجلس الشورى؟ يريد صدى إعلامي؟ وأن يتوجه بخطابه للناس؟ ويقول لهم [ها أنا ذا؟] نعم هذا مفيد معنويا، ولكنه لا يغير إجراءً، ولا يعدّل لائحة. قضية الإعلام والآراء قضية تفصيلية، وأتمنى أن يستبق الأعضاء هذا الاستجواب لكي لا يتحول إلى سؤال مطاطي على شاكلة: ليش سويت كذاك؟
ومن معرفتي الشخصية الطويلة بالدكتور عبد الله الحراصي، هو عقل عبقري سريع البديهة، وعالم من علماء اللغة، ومترجم، ومثقف موسوعي لا أنصح أي عضو مجلس شورى أن يدخل في مماحكات عمومية معه. هو وزير، وضمن مؤسسة تنفيذية، ولذلك لغة الإجراء ستكون خيرا من أي لغة أخرى لن تفيد إعلاما ولا مجتمعا.
ومن أبسط الأسئلة التي أطرحها على الإعلام، سؤال: متى سوف تقوم الوزارة بإنشاء نظام سريع للرقابة على المطبوعات والنشر؟ ولماذا في هذا العصر المتسارع هذا التأجيل، والتأخير في الإجابة والاستجابة لقرارات الترخيص؟ هذه معضلة إدارية، وحلها لا يحتاج إلى معجزات أو تغييرات جذرية وهيكلية!
الأمر الآخر،من سيحدد اللائحة التنفيذية المفصلة لآلية تدخل الرقيب الإعلامي؟ومن الذي سيمايز بين ما هو قانوني، وبين ما هو خاضع لرأي الرقيب؟ فالمدارس النقدية مختلفة ومتفاوتة، وبعض التدخلات تستفز الإنسان، وتغضبه غضبا شديدا، ولا سيما عندما يتم خلط الملفات، والعمل بالتحيز الذاتي للرقيب.
وإن كان أحدهم يهتم، أي أحد، أي عضو مجلس شورى أو موظف لديه، رجائي كل الرجاء كعُماني أن يفهم كثيرون، أن هذا الرجل عقل عبقري من عقول عُمان النادرة، محاولة حصاره بالكلام، أو استخدام [طقم] الإنشاء، أو المجادلة!
Good luck
ستعرف هذا الرجل بعد أن تكلمه مرة واحدة!
لا ينفع معه ذلك!
وأنا شخصيا ليس لدي ما أصف به تجربتي الطويلة مع وزارة الإعلام سوى بكلمة واحدة [الإحباط]. منظومة الإعلام منظومة كبيرة، وبها صراع مدارس نقدية لا يتوقف، وهي بيئة مُحبطة، وفاترة، وللأسف الشديد تكون أحيانا طاردة للإبداع، ومعيقة للكفاءات، كل هذا لأن النقاط لم توضع على الحروف!
للأسف.
وما يحتاج الإعلام في عُمان أكبر بكثير مما يمكن لوزارة أن تفعله، أو وزير، هذا يحتاج إلى حوار ثقافي اجتماعي، وإلى إشراك كل الآراء، والعقول، وإلى ندوات وطنية، ودراسات، بل ومراكز أبحاث وغير ذلك، ماذا عساه أن يفعل الوزير حيال كل هذا الوضع المتراكم، شيء يسمح به القانون: لماذا تعرقله؟
وهذا ليس كلامي أنا فقط، هذا كلام مئات العقول في عمان، من مبدعين، وباحثين. لماذا يتجه الجميع إلى الإنترنت؟ لأن كلمة [وزارة الإعلام] تعني بالضرورة طوفان من التعقيدات، والإجراءات، والتأخير، بل وأحيانا التحيزات الذاتية للرقيب، وفي حالات كثيرة: تداخل الاختصاصات، وشخصية صنع القرار.
وأولا وأخيرا وخارج أي اعتبار آخر، أنا من تلاميذ الدكتور عبد الله الحراصي، وعملت معه في الموسوعة العمانية، وعرفته لسنوات وسنوات كصديق، ونعم الإنسان هو، رجل نبيل، ويكفي أنه زارني في السجن وتقبل مني وغفر لي ما قلته في شأنه.
هذا كله كوم، وكونه وزير الإعلام!
هُنا يبدأ الحزن!
والخيبة!
لقد ظننت أن عقلا عبقريا في مركز قيادي مثل وزير الإعلام سيكفي للتصدي لذلك الطوفان الجارف من التفكير المعيق للإبداع، والمُجهض للمواهب، والمشتت للجهود، لم يكفِ، لا الدكتور عبد الله الحراصي، ولا أي وزير آخر، هذه المنظومة تحتاج لمراجعات شاملة بمعنى الكلمة.
وتشريع جديد ..
وهذا ما أخاطب به الممثلين الرسميين لي كعماني فرد في مجلس الشورى، فإن أفادكم ما يقوله هذا المجرب، عسى أن تقوموا ببناء مجادلات مُحكمة مع الإجراء الإعلامي، أما لو كانت النية تسجيل موقف تسويقي إعلامي، وصياغة انتصارات على شاكلة: جبناه واستجوبناه!
فعلى الإعلام ومجلس الشورى السلام!
ومجلس الشورى والتدافع الذي به لا يختلف مطلقا عن ذلك الذي يحدث في وزارة الإعلام، هذا في مؤسسة مُنتخبة، وذلك في مؤسسة شبه هرمية متفاعلة مع كل أجهزة الدولة.
الوضع الإعلام في عُمان متأخر، ويتراجع، ويتجنب الخطوة الأولى، والسفينة في الميناء، ومتى ستبحر؟
يعلم الله بذلك.
وختاما، أتمنى أن يمر أعضاء مجلس الشورى [الذين وافقوا على الاستجواب] وأن يقوموا بالتواصل مع الإعلاميين، وأصحاب التجربة مع المعقيات الإعلامية والرقابية والتي تُعطل عقولا كثيرة، ومبدعين كبار، وسوقا هائلا تُرك للعشوائية فقط لأن من ينظمه بطيء جدا في عملية التأقلم مع معطيات العصر.
تمت
+