لماذا يحدث لي هذا دائما؟ سؤالٌ تسمعه حولك من كثيرين من الناس، بعضهم بسيط وطيب ونقي، وبعضهم لعين ولئيم ولا يعرف أنه شرير! هُنا تأتي أعظم الأسئلة التي لا إجابة خارجية لها، قد يعينها تشخيص طبِّي أو نصيحة من إنسان مجرِّب أو صاحب بصيرة، سؤال يجب أن تسأله نفسك أولا: لماذا يتكرر ذلك؟
يُعاني بعض الذين تعودوا على التنمر، أو العلاقات السامة من هذا الأمل المزيف. يعلِّقُ الحياةَ على إنسان آخر يعرفُ كيف يتلاعب به وبتفكيره ومشاعره، قد يكون قريبا، أو صديقا حديثا في حياتك، إنَّه يعلم الذي يفعله، وأنت لسببٍ ما بك أمل: هل سأكسب المتنمر في صفي؟ هل سأكسب إنسانا سامَّا؟
البعض لديه إجابة سريعة، يتقنُ الهرب وهذا إنسان حكيم وحصيف ليس مثل الذي يبقى على صداقةٍ مع متنمر أو مستهزئ به، وربما بالجميع. يهربُ من هؤلاء لكي يعود بمغناطيس غامض لهم مجددا، وتتكرر المأساة، يُستغل، أو يُستهزأ به، ويصنع جرحا جديدا، ويسأل: لماذا يحدث لي هذا دائما؟
التعلق المرضي، ورهنَ قيمتك الذاتية بآراء الآخرين عنك أحد أشكال هذا العذاب النفسي، لديك شلَّة غاضبة، مغرورة، نرجسية، لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب، تتآلف معهم وتكاد تصبح منهم حتى يتحول الغضب عليك، حتى تكون أحد الذين يكرهونهم، وتأخذ لسعتك الكبيرة من الحياة.
وقد يكون لديك أمل كبير بالبشر، وأنهم يستحقون فرصة ثانية، قد تكون معاييرك لتعريف الشر والسوء ساذجة حدَّ تغاضيك مرتين وثلاثة وعشرة عن إنسانٍ يسممك، ويؤذيك، ويحطمك معنويا، قد تكون تعودت كثيرا على هذه الحياة السامَّة حتى أصبحت هي تعريف الحياة الطبيعية. تحاول الفلات ولكنك تكرر خطأك.
تخطئ مرَّة وتعرف ذلك، المرة الثانية أنت تخطئ في حق نفسك. هذا ما يحدثُ لمن يبحث عن من يشبهه كصديق، اليائس، أو الغاضب، أو المغرور، أو المهشَّم نفسيا حد تحطمه. تُعالج غضبك فيغضب ذلك الغاضبين، تصاب بالأمل فيغضب ذلك اليائسين، تتفاءل فتفقد العلاقات مع رفاق اليأس. لماذا يحدث ذلك؟
الواثق من نفسه يُغري بالتعرف عليه، يظن بعض الذين يعانون من هذه الهشاشة النفسية أن الثقة بالنفس تُعدي، وأنَّه يمكن تعلمها، ثم ماذا يحدث؟ تكتشفُ أنَّك دخلت في دائرة مختلفة، هذا الواثق حد التخمة بذاته يؤذيك، يحطمك ويتنمر عليك، وقد لا يفعل ذلك، لكنه لن يعلمك كيف وثق بنفسه! فتنصاع له.
وقد يحدث العكس فتجد نفسك في صداقةٍ مع نرجسي مهووس بذاته، يرى الجميع حقيرا، ويرى نفسه عظيما، رائعا، نقيا، عذبا وغيرها من الصفات التي يتوهمها أحدهم مؤقتا أو دائما. تظنُّ أن المشكلة به فقط، فتذهبُ إلى تجربة أخرى، وصداقة أخرى فاشلة، لماذا؟ لأنك تختار النمط نفسه، لماذا؟
قد تكون محظوظا وأقصى تجربة لك أنك عرفت إنسانا حاسدا، يحسدك أو يحسد الجميع فتفض عرى هذه الصداقة وتتعلم بناء دفاعات جيدة، قد تكون تعيس الحظ وهذا الإنسان زعيم عصابة، أو مجرمٍ خطير، قد تجد مسدسا في يدك وأمرا بالقتل، وقد تكون نهايتك الموت في مواجهة مع عصابة أخرى. هذا محتمل أيضا.
إن كنت من الذين يتعلمون من أخطائهم فقد تخرج بخلاصة جيدة عن الحياة بعد أن تكثر التجارب، وتعرف ألم الصفعات. أما إن كنت من الذين يصنعون التبريرات، والأعذار، ويعاودون هذا الخطأ، ويسألون مرارا وتكرارا: لماذا يحدث هذا لي؟
يحدث لأنك تسأل هذا السؤال، من واجبك أن تنبش في نفسك عن سبب.
يكرر المعالجون السلوكيون هذه الكلمة "يجب أن تريد أن تساعد نفسك" وهم على صواب، ولكن قبلها يجب أن تتعلم السؤال الصحيح، وليس لماذا يفعل العالم بك ذلك، وأيضا ليس لماذا تفعل بنفسك ذلك، لماذا يتكرر هذا؟ جزء مني سبب، هذا نصيبك من السؤال، جزئي، وليس واسعا، وليس مطلقا. مقيد جدا.
كل شخص لديه أطباع قد يمقتها في نفسه، أو يمقتها الناس فيه. أن يعترف بذلك لنفسه فهذا خير كل الخير، لكن أن يصنع التبريرات بلا نهاية، فهو في مرحلة ما قد ينجو منها، وقد تأخذه إلى جحيم المرض، جحيم الأوهام وصناعةِ التبريرات، والهرب من الحقيقة: لديك مشكلة، يجب أن تحللها بصدق مع ذاتك.
قد لا تعلم أنك مجازف، وترمي بنفسك للخطر، وقد لا تعلم أنك مذعور من الحياة ومجروح وعشت طفولة قاسية، قد لا تعلم أنَّك أناني وطمَّاع وترفض الاعتراف بذلك، اختياراتنا لصداقاتنا قد تنبع من هذا التشابه المأساوي في العيوب. سعي للشعور بأنَّك طبيعي، كعلاقة المدمنين والمقامرين مع بعضهم.
وقد تفعل العكس، تختار العلاقات المعاكسة، الذين لا يعانون من مشاكلك، فتعيش في ذعر وتربص. كالذي يمشي مع متدينين ليطمس أسئلته الوجودية عن عقله، أو العكس، كالمؤمن الذي يختار اللادينيين أصدقاء، لأنه لا يجد حرجا أن يتأمل بحرية معهم. هُناك سبب لاختيارنا حلفائنا الذهنيين.
كم مرة في الحياة نسمع جملة "هذا الشخص مال مصالح فقط" ولا بد أن تكون قد سمعتها مرة على الأقل في حياتك. حدث ذلك لك مرة، مرتين، نعم الحياة تفعل ذلك، ولكن أن تكون عشتها عشرات المرات مع عشرات الأشخاص، هُناك مشكلة بك يجب أن تحلها أولا، ثمَّة أمرٌ يجعلك تكرر هذا الخطأ، ما هو؟
قد تكون قد أدمنت الشعور بالمظلومية، ويعجبك دور الضحية، وقد يكون العكس، تتربص بالفرصة المناسبة لتقلب الطاولة، لتعزز كل الدوافع المسبقة التي لديك، كل هذا محتمل، ما دمت تكرر سلوكا بشكل قهري، فهُناك مشكلة أكبر وراءه، تحتاج إلى سؤال مُحكم، وموزع بالتساوي بين عالمك الداخلي والخارجي.
هل سألت نفسك لماذا تحب المتنمرين؟ لعلك تريد أن تكون متنمرا، تفضل أن تكون الجلاد لا الضحية! لعلك أطيب، وأكثر هشاشة من أن تكون بلا تعاطفٍ مثلهم، لذلك ماذا يحدث لك؟ تحاول تعلم التنمر، هو أقوى منك فتتقبل تنمره عليك والنتيجة؟ تتنمر على من هو أضعف منك، ومع الوقت تظن نفسك صرت أقوى.
قد تكون إنسانا محبا، طيبا، ولكنك تريد قليلا من هالة الثقة بالنفس، فتبحث عن المدرس الخصوصي الذي يعلمك الثقة، وتظن أن الواثق بنفسه يمنح ذلك لغيره حتى تتعلم اللطمة الصعبة، لقد عرفت أنه لا يطاق، ولا يُحِب، ولا يُحَب وأنه يعيش في سجن كبير، يشبه سجنك مع ذاتك التي تريد الهرب منها.
البعض يخرج من التجربة الأولى مرتابا، يفقد الثقة بالجميع ولعلها مرحلة، الذي يتكرر لديه ذلك يختار الخيار الأسلم، العُزلة الصمَّاء العمياء، يطمس مهاراته الاجتماعية ويختار السلامة، سجينا مع آلامِه مكابرا أن يعترف بها. قد يلوم نفسه كليا، وقد يلوم العالم الخارجي كليا، بلا ميزان واضح.
والحياة قاسية نعم، الشر موجود وكم هو صعب أن تعود ثقة إنسان طيِّب صادف الشر بأمِّ عينه بالحياة. تسحق الحياة الطيبين، والأنقياء، والمساكين، والعجائز اللواتي يرفسهن سارق حقائب. هذه هي الحياة، الشر موجود بها، وصراع البقاء يحتم عليك حماية نفسك من هذه الحياة. هذا واجبك الكبير والصعب.
لكنك لست طيبا دائما، قد تكون أنت الإنسان السيء، هل لديك شجاعة أن تقر بذلك بينك وبين نفسك؟ قد تكون أنت النرجسي السام الذي يحطّم المساكين والأنقياء، قد تكون أنت هو العدو، لنفسك ولغيرك. هل عرفت لماذا يهجرك الجميع؟ ويتركونك؟ ويتحاشونك؟ قد تكون متنمرا دون أن تدري، وتظن أن هذه قوَّة!
كُل إنسانٍ لديه مشكلة في نفسه، هذه سنة الله التي خلق عليها البشر، النفس أمّارة بالسوء، والمعركة أبدية وأزلية. هل صرت سفاحا في ميليشا دكتاتور؟ هل عملت مع تاجر مخدرات كبير ومتَّ دفاعا عنه! لعلك محظوظ، وأقصى مشاكلك أنك تصادق متنمرين، أو ساخطين، أو قانطين. لعلك محظوظ وهذه مشاكلك.
الحياة قد تعلم الإنسان دروسا صعبة تأتي بها الأقدار، كمن قصفت قرية طفولته من قبل دولة غازية، ومحقت ذكرياته وتشتت للأبد لاجئا بين الدول. نعم الحياة تفعل ذلك، لماذا يقاوم هؤلاء؟ لماذا يتشبثون بالأمل؟ يجب أن تسأل نفسك ذلك، هل أنت في حُزن مُترف؟ وارتياب في غير محله؟ أم أنت يائس؟
أنت لست سبب المشكلة بالضرورة، ولكن المؤكد أنَّك أنت حل هذه المشكلة. إرادة الإنسان هي حجر الزاوية، ونقطة البداية والمُنتهى. الخبراء يساعدون، والمجربون يسردون قصصهم وقد تجد تشابهك معهم، المعركة في مكان آخر حيث يجب أن تكون، وهي ليست سهلة، وليست مستحيلة. عليك أن تحاول، أو أن تبدأ.
ولماذا تُرك هذا الشأن للمختصين؟ والأطباء؟ أو بالأحرى لأناس لا مصالح مباشرة لهم مع سقمك الوجداني؟ هُنا تأتي أهمية انفصال المُعالج المباشر عن صلاتٍ جانبية بك. لأن العلاج مؤلم، وشاق، ويحتاج منك إلى إعادة تفسير ذاكرتك بأكملها، وقد تنجح في ذلك، أو تفشل، وقد تتألم حتى تهرب من العلاج.
من الصعب قبول الحقائق القاسية. كأن تتيقن أنك تشوهت، وأنك "حالة صعبة" كما يقول البعض. جسامة التحدي الكبير قد تكون فوق طاقتك، وربما فوق طاقة ظروفك وحياتك. أحيانا من الصعب أن تعترف أنك مدمن قمار، أو ما هو أسوأ، مدمن عمل، أو ما هو أخطر، مدمن مورفين.
الأمر نفسه في العلاقات والصداقات.
إيجاد مقياس للطبيعي والمرضي، وما هو واجب منك وعليك مهمة شاقة وصعبة، قد يسهل عليك أحيانا أن ترمي بهذا العبء على الآخر في العالم الخارجي، وقد تتنصل من ذاتك حد معاملتها وكأنك غريب، للأسف لا تترك الحياة هؤلاء طويلا، ستعود لهم وتلسعهم عاجلا أو آجلا. أن تبدأ بالسؤال الصحيح قبل الإجابة.
لماذا يحدث ذلك؟ دائما؟ لست أنت فقط، ولست وحدك، كل البشر لديهم اكتشاف صعب في عُمر ما، البعض يتأخر كثيرا، والبعض يكتشفه مبكرا. يحدث ذلك لأنها الحياة، وهذا يحدث فحسب، والثغرة في نظامك المعنوي تُردم مرة واحدة، ما لم تكن هناك ثغرة أخرى، فاقتسم بعدالة مع الظروف أسباب حدوث ذلك.
قد تتحمس فتدخل حالة من القبول الأحمق لكل رزاياك وأخطائك. وقد تفعل العكس فتدخل حالة لعينة من جلد الذات حد احتقار نفسك ورفضها، كل شيء مُحتمل في المعارك الداخلية، شقاء وألم لا يطاق أحيانا، وقد ينتهي بك الحال مريضا سقيما، أو قد تُشفى بعض الشيء وتجيد حماية نفسك من نفسك. كل ذلك محتمل.
الصدمة قد تأتي على هيئة تشخيص مرضي، كلمة مثل [الذهان]، أو [الوسواس القهري]، والصدمة قد تأتي من داخلك، تصل للوصف المناسب لطبعك أو سلوكك، إن كنت تبحث عن إجابة قد تجدها، ولكن المعضلة العويصة هو تعاملك مع هذه الإجابة / والصدمة؟
الحياة صعبة، وليست لطيفة دائما.
يقول البعض "الحياة تجارب" .. ونعم، هي تجارب، ومحطات، وأسئلة، هل "الحياة إجابات" .. كنا سنعيش في جنةٍ في الدنيا. نحن لسنا نفوسنا كليا، لسنا أفكارنا كليا، لسنا ظروفنا، هذه الخلطة المعقدة هي التي تجعل الحياة سؤال تأمليا. كيف توازن كل ذلك؟
أعانك الله على نفسك.
كل إنسان لديه معركته.