صحوت في مزاج جيد حقا! لعن الله إسرائيل! كنت في مزاج جيد بمعنى الكلمة، بالي مشغول بالشؤون التي تخص مهنتي الرقمية، ولا أعرف أي غباء أصابني لأقتل الوقت بالاستماع إلى خطاب المأفون نتنياهو وهو يوجه خطبة إلى كلابه الوفية في الكونجرس الأمريكي! يا إلهي! أي شعور بالتقزز شعرت به. أردت قتل الوقت، فقتلت مزاجي ليوم كامل!
من أين تبدأ في تناول هذا الخطاب؟ من الميجالومينيا؟ ذلك الصنم، الخشبي؟ الخطيب شبه الميِّت، المتخشِّب، بصوتٍ خالٍ من الحماسة! حتى تلك الجمل التي يحاول أن يؤديها ليعزز معاها خرجت خاوية، كأنها نكتة الرئيس التنفيذي البغيض أمام جميع الموظفين الذين عذَّب حياتهم، وكلاب الكونجرس الوفية تصفق بحماسة!
قائد مجزرة العصر الحديث يتباهى ببطولات، ويسرد الأكاذيب، إن كانت حماس إرهابية، فهو إرهابي، وإن كانت حماس قاتلة، فهو قاتل، وإن كانت حماس تخالف القانون الدولي، فهو يبول ويتغوط ويبصق على القانون الدولي! أي مشهد قبيح يمكن أن أتجاوزه من ذاكرتي!
يؤسفني أن أعترف أنني نشأت أمريكيا! وترعرعت في شبابي أمريكيا، عقلي أمريكي حتى فسدت أمريكا وأصبحت ما أصبحت عليه اليوم! لست وحدي، حالي مثل كثيرين الذين وجدوا الملاذ والمهرب في هذا الذي يسمى [حلم الحرية الأمريكي] وكان حلماً ممكن التصديق على الأقل، تفسَّخ وتعفَّن مع الوقت حتى بانت كل عوراته، من احتلال العراق إلى هذه اللحظة التي يتراقص فيها كلاب الكونجرس أمام سيد العالم الخفي، بلكنته الصهيونية، وبعينه الموزعة على مزرعة الحيوانات، والخنازير السمينة التي حولت دماء الشعوب المظلومة إلى دولارات.
كان سيد العالم الخفي ينظر إلى ممثلي أقوى دول العالم، ويكذب! يكذب بلا توقف! ويصنع السردية القذرة التي شطرت وعي العالم إلى نصفين، إنها أمريكا!!! تخيَّل، ذلك الكيان الذي نشأ وعينا العشريني متكئا على حقوقيته، وإنسانيته، وسعته، ومداه، وحرياته الدينية، وقانونيته الدولية! متخيِّل أيها الذي ترعرع في ذلك العصر العربي السابق ماذا عساك أن تشعر وأن ترى هذه النهاية المتفسخة لهذا الكيان الذي كان ذات يوم منبرا لحريات العالم!
نعم أعترف، شخصيا، وذهنيا، وفلسفيا، وفكريا، لقد كنت أمريكيا ذات يوم، ربما كنت أمريكيا لما لا يقل عن عشر سنوات من حياتي، كان عقلي أمريكيا، كنت مجنونا كالأمريكان، شاطحا مثلهم، مؤمنا بأن هذه الدولة هي أجمل ما خلقه الله من أجل الحرية! لقد كان موقفا شخصيا للغاية وأنا أرى نتنياهو أمام كلاب الكونجرس! موقفا شخصيا محزنا بمعنى الكلمة!
لعل مشكلتي أنني لم أتأمرك بما يكفي، لقد حاولت! حاولت قدر أستطاعتي أن أتحول إلى أمريكي كامل الذهني، مغسول الدماغ، شيء ما أعاد لي بصيرتي، شيء اسمه العراق، ثم شيء اسمه فلسطين، ومن ثم عندما استلم جورج بوش، وبعده أوباما، تناثر ما تراكم من أمريكيتي إلى شعور غامر بالخيبة! لست الوحيد من ذلك الجيل التعيس الذي يشعر الآن بهذه الخيبة.
أبحث عن لقاء إيلون ماسك، وأتمنى فوز ترامب رغم جنونه، لعله يعيد شيئا من الصواب إلى هذه الأمريكا التي خرجت عن سياق كل شيء، الدولة الشمولية، الكذوب، التي أفسدت العالم بالشقاق والسلاح، دولة الأخ الأكبر الذي يراقب العوائل الآمنة في مدارسها، الدولة التي لا تعبأ أن تسحب أبناءك من يديك لتخصيهم، ولتحولهم إلى ما تشاء من التجارب الطبية، لتضعهم رهنَ ديمقراطية العلم القسري، الذي أصبحت الحقائق فيه تحدد أيضا بمعركة انتخابية، وبأصوات الجاهل والعالم، والفاهم والأحمق! نعم، تخيل!
دولة البحث العلمي أصبحت اليوم تعيد تعريف الذكر والأنثى! البيولوجيا لا تعني أي شيء، فهذا قرار ديمقراطي، قرار ناخب! قرار من يمثل الناخب، قرار رئيس المكتب البيضاوي، قرار ذلك الحاقد الذي اسمه أوباما، وذلك المخرِّف الذي اسمه بايدن! إلى أين سيصل هذا الجنون ببلاد العم سام!
سيد العالم الضمني يقف أمام كلابه النابحة، المصفقة. على أنقاض غزة، سيد دموع الهولكوست يقف أمام الهولوكست الجديد، وكلاب الكونجرس تصفق، وتصفق! ويسرد ما يسرده، لعله سيذهب بأمريكا للجحيم هذا إن لم تفتح أمريكا أبواب الجحيم لهذا الكوكب المضطرب!
لم يعد الأمريكي أمريكيا، ولم تعد أمريكا أمريكا، شاهت الوجوه، وتكشَّفت العورات، وظهرت حقيقة كل شيء، بدائيا، همجيا، يلبس أسمال العلم، يختطف الأطفال من آبائهم، يسجن الأمهات، يعادي المهاجرين، لقد ذهبت أمريكا التي صنعت في وجدان العالم أحلاما كثيرة، بالحرية، بالديمقراطية، بحرية التعبير!
أمريكا معتلة، مصابة بالمرض، مصابة بالخمج البكتيري، تنقسم، تنشطر، لعلها تتجه إلى فرقتها المحتومة، أو ربما تتجه بالعالم إلى نهايته المجنونة.
سيد العالم الضمني
كان يلقي خطبه
أمام كلابه النابحة
كان واثقا
وأنيقا كما يليق بمسخ كذوب
صوته الشاحب
يطرد البوم والغربان
يلفُّ الخيوط
وينسج أحابيل الردى
يبول
فتتوضأ ببوله الخنازير
نبح فصفقوا
وضَّح فصدقوا
وقال:
فأيدوه
اكذب كما تشاء يا سيد العالم الضمني
لقد تلف هذا العالم!
لم يعد الإنسان إنسانا
ولم يعد الأمريكي أمريكيا!
فليحكم الله بأمره الكبير
ولتكن مشيئته في الخاطئين
وليغلب الله جند الشيطان
وليكن الحق
ولتكن العدالة
ولنكن نحن كما نحن
بلا أمريكا
وبلا مزيد من الشياطين
تجعل هذا العالم أقبح مما كان عليه!
وتفووووووووووووووووووووووو