اشتقت إلى هذه اللحظة! حقاً! حقاً! حقا اشتقت لها، هذه اللحظة التي أخلو فيها إلى لوحة المفاتيح لأكتب شيئا ما. أكتب لأنني أحب الكتابة، أحب مشاهدة الكلمات وهي تتكون أمام عيني، أحب أن (أسرحَ) بعيداً إلى مكانٍ بعيد في ذهني، إلى تلك اللحظة، هذه اللحظة، التي أكتب فيها، بلا خطةٍ، بلا هدف.
لا أكتب لأنني أريد تغيير العالم، ولا لشعوري بأهمية رأيٍ، أو أهمية موقفٍ، أو لأنني أريد أن أقول شيئا ما أشاركه المجتمع الذي أعيش فيه، أو الكوكب الذي ابتلاني الله بأن أحاول تعميره، واختبرني بالحياة فيه. اشتقت، لهذه اللحظة العادية، اليومية، المشحونة بالانطلاق، المتخمة بالاندفاع، المرصعة بالحيرة، والغياب المؤقت عن كل شيء حولي.
أكتب، لأن هذه اللحظة ثمينة، لحظة الكتابة، ولحظة ظفار، ولحظة صلالة، ولحظات الدفع الرباعي التي أخوض تجربتها، أكتب لأنني تمنيت أن تكون لدي لوحة مفاتيح، وأنا أقود سيارتي في أصعب اختبارٍ لي كقائد سيارة دفع رباعي، الجبال والضباب والجمال والبقر، والمرتفعات، والمنحنيات، وضغط الهواء الذي يتغير ويصيب الأذن بلحظةٍ أخرى من الإدراك، أكتبُ لأنني أحب أن أكتب، لأنني أعيش هذه اللحظة، وأنتمي لها بكافة جوارحي.
كل شيء جميل في صلالة إلا شيء واحد، أنها مدينة لا تسمح لك بالكتابة، لا تسمح لك بأن تخلو إلى لوحة مفاتيحك هادئا، الحركة تصيبك بالعدوى، أنطلقُ صباحا إلى رحلةٍ، وصحبة الأصدقاء، وأنطلق مساءً أسعى في طلب الرزق، والتغطيات، وأحاول توفير ما يتيسر من المال، والصفقات، والإعلانات، على أمل أن أشتري كرفان الأحلام الذي تأخر، أجتهد قدر طاقتي، أحاول جاهدا أن أرضي ضميري، أرتمي في هذا الزحام والقلق، وأحلمُ، وأطمح إلى نجاحٍ بعد الجهد والتعب.
أحاول أن أعيش اللحظة، أحاول قدر الإمكان، ومعها أحاول أن أجتهد في مهنتي، في صناعة المحتوى، الكامرة تعمل في جانب، الهاتف يعمل في جانب، وكامرة الجو برو تخزن رحلات الطريق، أحاول أن أتأمل كل لحظة أعيشها بحضور ذهني خاص، وبأداء مهني فائق، أواصر، بيئة، فودافون، ومشاريع الشباب، أحاول أن أفعل كل شيء، وأن أصنع وقتا داخل الوقت، وكل هذا يذهب من حساب هذه اللحظة، لحظة الكتابة.
أصطحب لابتوبي معي في كل مكان، أحلم أن أجد هذه اللحظة، أنتظر وصول عبد الملك الدغيشي من السعادة وأتمنى أن يعطله زحام الطريق لأتمكن من الكتابة أكثر وأكثر، كل شيء جميل في صلالة تقاطعني طفلة تسألني مليون سؤال، اسمها مريم، أقول لها هذا أجمل اسم في التاريخ، وأجمل اسم في العالم!
أمر بشتى أنواع المواقف، المحبة التي تنتصر، والمواقف السخيفة التي لا أتمنى أن أراها من الغرباء، أنفعل تارةً، وأضحك تارات، المكان مليء بالبهجة، لا ينقصه شيء، سوى هذه اللحظة، أن أكتب قليلا، وأن أشعر أن هذه الحياة تتحول إلى هذه السطور، الوفرة الأخرى، وفرة الوجدان الممتلئ بالرغبة في الكتابة. تمرُّ الأيام سريعة، وقافلة ظفار المجد تخطو إلى يومها الأخير، وسأبقى بعدها في صلالة قدر استطاعتي، في خلوة وهدوء.
كل شيء جميل في صلالة عدا شيء واحد، أن الرذاذ يمنع اللابتوب من العمل، لعل لابتوباً مقاوما للماء سيكون حلا ذهبيا للكتابة في وسط الضباب العاصف، كيف ستكون ساعات التأمل بالكتابة وقتها!!! في ذلك الضباب، وتلك الخضرة، وهذه الوفرة!
شكرا لظفار التي تجعلك تقع في غرامها مرارا وتكراراً، لأهلها الواضحين في حبهم وفي سخطهم، لهذا الجو الغامر من الاجتماع، لكل ما يجمعنا، لكل ما نهرب منه، للصيف الذي ننساه قليلا، وللخريف الذي يفتح أبوابه الخضراء في مآقينا. إنها صلالة، ذهب التعب وابتلت العيون وثبت الحب!
معاوية الرواحي