إلى هذه اللحظة أذكر الموقف الذي وصل فيه العفو رسميا. كانت الساحة الرقمية تعصف بإشاعة وراء إشاعة، وكل واحد يؤلف، وكم واحد [شام خبر عودتنا] طايح تأليف من خياله، وأنا ضايع وسط المعمعة، أتصل بالعزيز عبد العزيز الهنائي (أبو عمر) وهو يصبّرني ويقول: قيد الإجراء، قيد الإجراء.
أخبار العفو في كل مكان، تأليف في تأليف، والعفو الرسمي لم يصل بعد، إجراء جديد، غير مألوف، فيه عدة أجهزة، إلى أن جاء اليوم الكبير!
بلغ قلبي حنجرتي لأسابيع، أنتظر الخبر الرسمي، خائف من [العفو المخصص] يعني عفو عن قضية واحدة مثلا، خائف من صيغة العفو لأنها تحسم كل شيء. مليء بالشكوك، معي شعور أنني سأعود لعمان وأجهزة الأمن سوف تعتقلني، أو تغدر بي، أو تؤذيني خارج القانون، معي ألف شك، وألف خوف، وكنت للتو بدأت شهوري الأولى في التعافي.
وفي لندن، جاء اليوم الكبير، عبد العزيز الهنائي يجلس معي، بحضور الأخ فلان من السفارة، وينطق بالكلمات الذهبية: لقد صدر بشأن عفو سلطاني يشمل كل الحق العام الذي عليك، أنت من هذه اللحظة صاحب ملف جديد، انتهى الماضي، تعود من بريطانيا، من المطار للبيت.
أسأله: لن يحقق معي أحد؟
يجيب: لن يحقق معك أحد؟
أسأل: حريتي في الكتابة مضمونة؟
يجيب: في حدود القانون الذي يشمل الجميع؟
أسأل: مطالب بأي معلومات عن اللاجئين الآخرين؟ أي التزام أجبر عليه؟
يجيب: لا تحقيق، لا أسئلة، ماضيك فيما يخص الحق العام ممسوح تماما، حياة جديدة يا معاوية، هذا عفو السلطان.
أسأل: لا أريد علاقة مع المؤسسة الرسمية، لا معها ولا ضدها، حياة اجتماعية.
يجيب: لست مجبرا على شيء، اختياراتك هي اختيارات أي مواطن، لست مجبرا على شيء.
أسأل: يعني العفو وصل؟ كذا مكتوب؟ وموقع؟ وفيه كلمة [أمر سامي]
يقول: وصل، ووصل للادعاء العام، ووصل لكافة الأماكن التي يجب أن يصل لها؟
أسأل: أستطيع الحصول على نسخة منه؟
يجيب: وثيقة سرية، ولكن الادعاء العام سيبلغ والدك رسميا.
وكأنني غير مصدق، أنتظر الخبر من والدي، نهاية الأسبوع، وأعصابي تحترق، أي طمأنينة متوقعة، ومع ذلك انتظرت والدي، وجاء من الادعاء العام وقال لي: وصل العفو السامي، وبيدي ورقة عدم المحكومية، ستصلك النسخة الأصل، وستدخل بها المطار!
عُمان!!!! معقولة! الملف امتسح؟ العفو نافذ؟ ومنها بدأت إجراءات العودة، ودراجتي التي جلبتها السفارة، وأهديت السفارة عودي الذي كنت أعزف عليه.
عبد العزيز الهنائي معنا في الطائرة نفسها، وعدد غير قليل، إنه وقت كورونا، من المنزل، إلى الحجر الطبي، إلى عُمان، أكتبُ في اليوم نفسه، أبث من اليوتيوب في اليوم نفسه، كل شيء تغير، تلك الحياة التعيسة المليئة بالغربة، والشعور بعدم الجدوى، وبمجانية الكتابة، وبفقدان الشعور بالكتابة في الميدان الصعب، كله زال!
العفو، قاتل الله كل من صنع تلك الإشاعات، لا يعرف كم لعب بأعصابي، العفو وصل عندما اختتمت مجموعة أجراءات معقدة، وحسمت نهائيا، لا أعرف كيف حدث ما حدث، لكنني أعرف أنه إجراء جديد، ووصل العفو للادعاء العام.
عهدي صنته من جانبي، ماشي بحدود القانون، ومن جانب الدولة، والحكومة، لم أتعرض لأي مكروه، ولا حتى جلسة [ودية] تطلب مني أن أقول ما لا أريد قوله.
أبقي هذه العلاقة بيني وبين الحكومة بهذا الشكل، غير مندمج أبدا مع كل شيء له علاقة [بالدولة] وأي جهة سيادية أو عسكرية، ومندمج كليا مع الجانب الاجتماعي [للحكومة] وأعبر عن رأيي حسب ما يسمح القانون.
العفو! عشرات الصفحات يمكنني كتابتها، لكن مختصر هذه اللحظة، هو الشعور التام بنهاية فصل من حياتك، وبداية حياة جديدة، وشعور عارم بالأمل.
عُمان أخرى انفتحت أمام عيني، عمان الاجتماعية التي أحب كل لحظة أقضيها، أحاول العطاء، أحاول أن أكون مفيدا، وأحاول أن أصنع مستقبلا أجمل من الذي ضاع بين الأحداث والقرارات الخطأ، والظروف والأخطاء، وما كنت فيه ظالما، وما كنت فيه مظلوما. حياة حسمت، وانتهت، ووضعت نقطتها الأخيرة في 22/7/2020 .. تاريخ الميلاد الجديد لي في عُمان أخرى أنا فيها بلا ملف قانوني، وبلا ملفات متراكمة.
هذا مختصر مشاعر العفو، التي أبارك لكل سجين وجدَ فرحة العفو وعاد إلى عائلته بسلام.