يتباهى
العمانيون بقابوس، لكنه ليس أعزّ من يتباهى به العمانيون. العمانيون يتباهون
بالمنتخب الوطني، ويتباهون بشعرائهم، وأدبائهم، وفنانيهم، وربما يتباهون بأشياء
كثيرة في عمان، تتساءل ما محل المباهاة فيها؟
لأنها تحدث
للمرة الأولى. منذ أن أصبحت هذه البلاد دولة واحدة، يحدث كل شيء للمرّة الأولى.
ولذلك يستغرب بعض العرب من العمانيين، والتفافهم حول حدث جديد، أغنية [دسباسيتو العمانية]
على سبيل المثال.
يحب العمانيون
وطنهم أكثر مما يحبون قابوس، هذه الحقيقة الأكيدة رغم زخارف ودعايات النظام. ويحب
العمانيون هذا الوضع، الذي يشملهم في دولة متحدة، يسخطون كثيرا عليها، يغضبون حتى
الصراخ، ولكنهم لا يتفقون يوما ما على سحب هذه المظلّة الإدارية عن المحيط
الجغرافي الذي يسكنون به.
يحب العمانيون
عمان. يفخرون بها، وعاش من فيها جيلا بعد جيل وهو يرى دولة فتيّة تتعثر، تستورد
مناهجها من قطر والكويت، تسابق الجهل والمرض في فتح المدارس والمستشفيات. نعم كانت
معركة نبيلة، وجميلة، وأصيلة، ومعركة تستحق الفخر. لكنها انتهت، وانتصر الجميع
فيها ومرّت المعركة.
نعم، كان زمانا
جميلا. أن ترى حاكم البلاد بعينك وهو ذاهب لافتتاح مستشفى سيعالجك طوال عمرك مثل
هذه الذكريات لا يمكن لأي دعاية سياسية أن تصنعها في وجدان الشعب. نعم كان السلطان
قابوس حاكما نادرا، كان يعرف العمانيين وكانوا يعرفونه، نعم كان عدد السكان في
عمان قليلا، ونعم كنا بسطاء جئنا من النخيل والبحر إلى مسقط وصدقنا كما رددنا حلم
عمان أن يحفظ جلالة السلطان.
نعم كل هذا كان
جميلا. لكنه فات وانتهى. الباقي من ذلك الزمان الواضح هو تراجيديا التراجع الأخير.
الزمان العماني الجديد يختلف. منع فيه الكلام، وبدأت أجهزة الدولة في الانغماس في
دائرة خزينة مسقط المحرّمة. وتغيرت أسماء الحرامية الكبار إلى حرامية جدد، وهذه
الحكومة التي ختمت زمانا جيدا من أزمانها انتهى بها إلى الحال إلى أرذله، خلايا
تجسس تكتشف بين حين وآخر، وإخفاقات اقتصادية في دولة لم تجد فقيرا لتنفق عليه
المال فأنفقته في بوابات الولايات.
توظيف مبالغ
فيه في أجهزة الأمن، وصلاحيات مبالغ فيها، انفلات اقتصادي واجتثاث حقيقي لدور
المجتمع في الاقتصاد. استعمار مؤقت على هيئة استئجار للسواحل العمانية، وتم تشريد
البشر من أجل بناء فنادق سياحية ..
دولة رغم ما
بها من لصوص، ورغم حاكمها المتلاف الذي لديه ثاني أكبر يخت في العالم، ورغم كل
عصابات الخارج والداخل المستحوذة على النفط، والمعادن، يبقى خيرها العميم أكبر من
لصوصها، ويستمر هذا المجتمع في الثبات بأعجوبة من أعاجيب الهويّات، ويتجاوز حكومته
ونظامه ليحلم بعمان مختلفة عن هذه التي استولت عصابة من عفاريت جهنم على شؤونها
العامة ولمّا تفلت عمان بعد منها.
ذات يوم
اشتكينا من عصر علي بن ماجد، وزال. وسيزول عصر النعماني، وسيبقى الأمل أن نذهب في
مرحلة عمانية قادمة إلى الأجمل، بدلا من كل هذا الانحدار المتتالي في كل سنوات
الخيبة العشر العجاف هذه!