ساحةُ الكتابة
ليست ساحة حب. نحن وأخصُّ العمانيين بذلك لا نجتمع لنكتبَ في حارة النت لنكون
رسميين. هذه صفات اللغة الرسمية، الود والمجاملة حتى أثناء حوار الأعداء، لسنا
كائنات رسمية، لا نعبر سوى عن أنفسنا فهل من المعقول أن يكون "الحب" هو
الحكم الذي نحتكمُ إليه عندما نكتشف أننا أيضا نكره بعضنا البعض إلى حدٍّ ما.
الحب،
والامتنان يصبحان لغة عامة عندما يعيشهما الجميع، وكذلك الكراهية والغضب عندما
يموجان ضمنيا في خطاب ساحة الكتابة العام ويقتربان من حالة عامة، خطاب "كلنا
نحب بعضنا البعض" وهذا الخطاب الوردي يسحب عباءته على الحقيقة المتربصة
والكامنة بين السطور وورائها ولا سيما في عُمان التي يعتبر فيها مجاملة مَن تكرهه
تصرفا اجتماعيا شائعا ويوميا ويمارسه الجميع.
لأننا لم نتفق
من الأساس أننا نختلف عن بعضنا البعض، ولأننا من البداية لم نقرر أن نمارس الطيف
البشري بمختلف ألوانه، ولأننا نصرّ على التنصل عن حالات الكراهية التي نعيشها،
ويصرّ من حولَنا على تجاهل وجودها، لأننا نصر على أن فعل الكتابة هو من أفعال
الحب، نصل إلى هذه الحالة الهجين حيث يتجاهل أطراف الصراع النقاش حول لب المشكلة
ملتفين حولها بخطابات السلام الرائجة، والود العام، والألفة الأهلية، والوحدة
الاجتماعية، وطبعا الكلمة الكبيرة [الهم الوطني].
تأصلت أوهام
مثل "المصير الواحد" أو غيرها من الدعايات الكبرى التي يصر كل طرف من
أطراف الكتابة في عمان على الانتماء لها بشكل اعتباطيّ. وآل حالُ الكتابة إلى حالة
مائعة تختفي فيها الصراحة عندما يكتب أحدهم باسمه الحقيقي. المثقفون لا يحبون
بعضهم البعض، هذه حقيقة واضحة، الناس لا يحبون بعضهم البعض دائما، لا يوجد وحدة
عاطفية بيننا في ساحة الكتابة في عمان، يوجد لدينا اتفاق أن الكتابة حق للجميع،
لكن بعد أن نبدأ الكتابة فإن اتفاقاتنا فعلا ستقل كثيرا، وربما تنعدم إلى درجة
انبلاج الكراهية من مكامنها ..
اقرأ كتابات
المثقفين العمانيين عن [المثقفين] بما في ذلك هذه المادة. جرب أن تترجم تلميحات
المثقفين عن بعضهم البعض إلى كلمات ذات معنى، ماذا ستجد؟ ستجد ما أقوله لك في هذا
المقال، أن ساحة الكتابة في عمان ليست من ساحات الحب، ولا المودة. وأنّ عصر
الاختلافات الكبير بعد سنوات طويلة من قمع الحريات لن يبدأ بالاتفاق على مقاربة
جماعية واحدة، وإنما على جدال أفراد وصراع أحزاب اجتماعية صغيرة، وكل هذا القش لا
ينتظر أكثر من شرارة، وما أكثر القش في عمان!