الحماسة تجاه الصواب سلوك جمعي يمارسُه معظم البشر. سواءً تلك الحماسة لدى المطوع الذي يكفّرك ويفسّقك ويخرجك من المل بسبب نصوص دينية يؤمن بحجيتها على الآخرين، أو تلك الحماسة التي يمارسها المثقف ضد المجتمع فيصفه بمختلف صفات التخلف والرجعية.
وكأن هناك علاقة بين كونك على صواب وكونك وقحا، تستمر ظاهرة الحماسة الفكرية في المجتمعات كلها بلا استثناء. في أوروبا يوقفك مسيحي زائغ العينين ليحاضرَ في كبد وقتك عن المسيح المنقذ، بعد خطواتٍ منه ترى داعيةً مسلماً جاحظ العينين يتكلم عن الدين الحق وأن القرآن منقذ البشرية، من النادر أن تجد يهوديا يدعو الناس لله في الشارع، لا أعرف لماذا يحدث ذلك؟
لا ننسى حماسة المثقف العربي تجاه قضاياه. المثقف الديني الغاضب الساخط على حال الأمّة، مع المثقف القومي الساخط على حال الدين. حماسة تتجاوز الفرد إلى الجماعة، تصنع المواقف التي تزين كلمة [القطيعة] بمختلف التبريرات.
هل هكذا يجب أن يكون الأمر من الأساس؟ حالة من حالات التقاطع لا التوازي؟ التدافع لا التضامن؟ هل من الخطأ أن نؤمن أصلا أن الأفكار بلا حماسة ليست سوى مشاعر تجريبية ستسقط مع الوقت؟
هل الأمل بعالمٍ بشريّ متوحد، متحد لا يختلف حول البديهيات مجرد حماسة حمقاء أخرى؟ حماسة تشبه دعاة السياسة في العصر الحديث، نشطاء الفيس بوك وثوار تويتر؟ هل كان القصيمي صادقا عندما وصف كل هذا الضجيج بالظاهرة الصوتية؟ أما في الواقع العمليّ فينتصر الدين، والمجتمع، والكتل العامة، والخوف الشعبي، والصمت، والهمود، والجمود والقلق على الطغاة والذي هو أحد أهم واجبات الفرد العربي في هذا الزمان!
نتحمس تجاه أفكارنا كثيرا، نتعلق بها كأنها لا تتغير. نلتصق بآرائنا ونخاف أن نغيرها، نخاف أن تحاصرنا الشكوك التي تساور المتحمسين تجاه أفكارهم. ما هو الصواب؟ أليس فكرة فلسفية من الأساس؟ هل الصواب أن تفعل الشيء الخطأ من أجل الشيء الصواب؟ هذا هو تساؤلي الدام، الذي طرحته على الجميع ولم أجد إجابة واضحة.
والسؤال الأخير: هل أفكارنا تستحق كل هذه الحماسة؟ أم سيحدث ونتغير يوما ما ونجد أنفسنا مع كائن آخر لم نعدْهُ، عالقين مع أفكارِنا التي تحمسنا لها لسنوات قبل أن نصل لذلك اليوم في الحياة ونقول: لقد غيرت رأيي كليا تجاه هذه المسألة؟ المضحك أن الحماسة تلعب لعبتها مع الطرفين، معك وأنت تؤمن بأفكارك، ومعك وأنت تنقدها وتنقضها، معك وأنت تلعن نفسك ومعك وأنت تقول: هذا هو الصواب!