لم يتصور العالم الرياضي فضلا عن عالم الدراجين أن الاتهامات التي كان يسوقها الإعلامي الرياضي ديفد والش قد تتحول يوما ما إلى مهرجان اعترافاتٍ عامّة وموجه إصلاحية هائلة خصصت الكثير من الجهد لتناول قضية المنشطات في الرياضة.
كنت طفلا أعيش طفولتي في ولاية سمائل عندما عرفت لانس آرمسترونج لأول مرة. فوزه المتتابع سنويا بسباق طواف فرنسا يشكل جزءا واضحا من طفولتي. ما زال صوت المذيع العماني سابقا "الإماراتي حاليا" يعقوب السعدي يعبر في وجداني مترافقا مع تلك المقتطفات القصيرة من نهاية السباق، عندما يرفع لانس آرمسترونج [الفائز بالسباق] زجاجة الشامبانيا أو يلقي خطبة سريعة يرد فيها على [المشككين].
"البرنامج" هكذا عُنْوِنَ الفيلم الذي صوّر لانس آرمسترونج كرياضي على هيئة مؤسسة. مؤسسة فاسدة ومتواطئة وتدفع المال الوفير لتغطية أخطائها. كبرت الموجه حتى ألزمت لانس بالوقوف أمام أوبرا وينفر والاعتراف على الملأ بما كان يفعله.
لم يثن هذا فريق لانس السابق عن قول الحقائق. تايلر هاملتون في مختلف الجامعات والبرامج الشبابية يتحدث بحسرة عن شبابه المدمر بسبب المنشطات ويرمي باللائمة على لانس الذي كان يتسابق معه من أجل فوزه. فلويد لاندز، الخصم القوي والشرس خرج للملأ بعد أن حلقت دليلة شعره ومثل شمشون الجبار أسقط المعبد على كهنته.
[Epo] ..عقار التستسترون، كورتيزون .. وغيرها الغش بأكياس الدماء. في عالم الدراجات
من يتخيل رياضيا محترفا وهو يتسكع بين الشوارع ليبحث عن غرفة فندق يقوم فيها بحقن دماءه مجددا، كل هذا من أجل تلك الأفضلية التي تمنحها الدماء الجديدة، وما تقدمه خلايا الدم الحمراء من طاقة إضافية للمتسابق مما يضمن له الفوز أحيانا.
ماركو بانتوني، كونتودور، غيرهم وقعوا في هذا الفخ. لكن من هذا الذي يشبه سقطة لانس آرمسترونج؟ تكالبَ على الرياضي الممنوع من ممارسة الرياضة كل شرطة المثاليات وصنع يهوذا الأسخريوطي في عالم الرياضة ليمنح اسم لانس الذي بقي صامتا حيالَ الغش الذي كان يمارسه آخرون في الرياضة نفسها.
تغيرت الفحوص، سقط مغامرون آخرون في فخ "اكتشافهم" .. شُنت معارك شعواء ضد الرياضيين الذين تساهلوا مع المواد المحفزة للأداء البدني. ها هو السير برادلي وجنز فخر فريق [Sky] يتعرض لهجمة شرسة ومن بين الجميع الإعلام البريطاني ضالعٌ فيها بقوة. ديفد والش يصف ما يحدث بأنه [مطيّن] كما نقول بالعربية. أي أن الحكاية "بها إنّ" كما نقول أيضا.
برادلي خرج للإعلام ليدافع عن قراره بحجة [الرأي الرسمي]. المختلف بينه وبين لانس، أن لانس طفق ينكر تهم استخدام المنشطات وهو يقود برنامجا معقدا أدى لتدمير مستقبل عدة رياضيين، باردلي بلطفٍ هائل واصل الشرح والتزم بالقصة الرسمية التي تقول أنه يعاني من الربو وأن كميات الدواء التي استخدمها كانت لغرض واحد: "الحفاظ على مستواه"
لم يبد مقنعا لكثيرين وهو يرمي بالورقة الرسمية في وجه عشاق الرياضة ويقول: أنا أتسابق بشكل نظيف!
تتوالى الضربات لتكشف لنا وسائل جديدة "للغش". الأفئدة العاشقة للرياضة تتساءل هل نحن أمام معجزات صنعتها الإرادة البشرية؟ أم حيال مجموعة من المغامرين وراءهم مجموعة فاسدة من أطباء الرياضة يغامرون بحياة رياضيين يريدون المجازفة بحياتهم.
عندما أكون على كرسي دراجتي. أفكر بلانس كثيرا. أفكر بتايلر هاميلتون، أفكر بفلويد لاندز وأفكر بالمرحوم ماركو بانتوني.
هل كان الضغط ساحقا للدرجة التي لم يعد "الحب" يعني فيها أي شيء. هل كان المال جارفا إلى الدرجة أن "الحقيقة" لم تعد تعني لأحد أي شيء؟ هل كان الإغراء قويا ويفوق قدرة رياضيين قدوة على تحديه؟
هل الخسارة مرة إلى الحد الذي تجازف بخسارة كل شيء لكي لا تجربها؟ يجول في ذهني كل هذا الهوس المجنون بالرياضة، والسباقات الشاقة. أشعر بفرحة غامرة عندما أتجاوز ست ساعات على كرسي الدراجة، أقطع مسافات متواضعة، وأعود للمنزل وأنا حائر بين المكملات الغذائي والكميات التي يجب أن أتناولها.
عندما يعتمد جهدك البدني على جسدٍ يمكن أن يعدل أو يعطل بالأدوية، هنا يفتح باب آخر للتساؤلات. هل الحياة تعني شيئا بعد أ ن تخسر قوتك؟ هل هذا شعور الملاكم؟ وأبطال الرياضات القتالية؟ ماذا لو كان محمد علي كلاي رياضيا فاسدا؟ ماذا لو كان يوسين بولت رياضيا فاسدا؟
ماذا لو اتضح أننا في آخر عشرين سنة كنا أمام مشهد رياضية يشبه الرياضة في عهد هتلر، والرياضيين الذين كان يجب عليهم إثبات تفوق العرق الآري بمنشطاتٍ تسبب الموت أو السرطان.
أكمل رحلة طويلة [بالنسبة لي على الأقل] .. أصل لمنزلي. أفتح برنامجا وثائقيا جديدا لأعرف ما الذي كان يحصل. بوزن تسعين كيلوغرام، وبجسد مرهق بالكحول والسجائر، ليس لدي خطط كبرى تجاه هذه الرياضة، كل ما أشعر به هو السعادة أنني لست مضطرا لإثبات أي شيء لأي أحد، لا توجد شركة كبيرة ترعاني، وليس لدي ضغط أن أكمل دربا إعجازيا يمكن بسهولة أن يخذلني جسدي وأنا أحاول تحقيقه.
ماذا لو كان مايك تايسون معهم؟ ماذا لو كان محمد علي كلاي منهم؟ ماذا لو كان الذي نراه من رياضة هو نسخة [مسرّعة] إلى سرعة واحد ونصف! ماذا لو كان كل هذا الذي اسمه "الرياضي الخالد" مؤسسة فاسدة يقودها مجموعة خفية من علماء الغفلة، وكاذب كبير يمكنه أن يمضي للنهاية في أكاذيبه، بحجة أن النسخة الرسمية تُخلي بولَه ودماءَه من تهمة "التنشيط" وهي الكارثة التي ما أن تقع في ساحة رياضي، فالخروج منها سالما شبه مستحيل فإما الفوز بكل شيء، أو خسارته مرة واحدة.